موسيقيون يختارون الشارع مسرحا لهم

20

الشارع يضج مساء بصخب يسري في ثناياه صوت السيارات ويمتزج تارة بصوت الترامواي وإنذار القطار وهو يعلن قرب وصوله محطته في قلب مدينة القطار. هي أصوات تخبر بدرجة التمدن في العاصمة. وفي قلب العاصمة، في شارعها الرئيسي الذي تعد المؤسسة التشريعية أحد معالمه، اعتاد المارون على الصوت الميكانيكي لوسائل المواصلات إلى جانبه صوت المحتجين الذين يجتمعون أصنافا وفئات وبدواع مختلفة وشعارات موزونة على إيقاع الغضب أمام البرلمان عسى أن يكون لندائهم مجيب. في تشكيلة الأصوات تلك التي كادت أن تصبح نمطية في مركز المدينة فرضت أصوات أخرى حضورها “المفاجئ” لتكسر النمط الذي لم ينفلت حتى غناء الحمام الذي يختار هو الآخر منصة في مكان استراتيجي أمام البرلمان ليعزف لحنه الوحيد، إلى أن ظهر المتمردون فكسروا رتابة الأصوات والعادات والصور، فخرجوا من بين الجموع التي تسير على الشارع حاملين حقائب لا تثير الشك حول ما تحمله من عتاد، إلى أن يقعوا على مكان بسمات خاصة فيخرجون ما في الحقائب ويتحولون من سائرين كباقي الناس إلى بؤر تجلب آذان وعيون كل الناس.
يخرجون آلاتهم الموسيقية، دقائق من التوضيب، ويتحول المار إلى موسيقي في الشارع. هؤلاء المتمردون، الذين أصبحوا يعرفون بموسيقيي الشارع، صاروا معالم أخرى في زوايا عديدة في قلب المدينة، معالم صوتية بصرية، شباب في مقتبل العمر اختاروا أن يغنوا ويعزفوا جهارا بلا قواعد كلاسيكية عن المكان والعازف والمتلقي، اختاروا الشارع مسرحا لهم، أضافوا رونقا لقلب الرباط الذي يجافيهم أحيانا لكنهم لا يبادلون الجفاء الذي يبديه أحيانا رجال السلطة بالجفاء، بل يصرون أكثر على العزف والغناء.
وتسمع وسط العاصمة صوت عذب يغني غناء طربيا مغربيا، يتحلق حوله مستمعون من أجيال مختلفة، رجالا ونساء. المغني شاب بشعر طويل وبلباس يجاري موضة جيله العشريني، ينتهي من قطعته، يتعالى تصفيق ويجود بعض الجمهور الواقف ببضعة نقود على قبعة تتوسط “الحلقة” على الأرض … يضع قيثارته على مهل ويحدث الجريدة في لحظة استراحة له.