أفريقيا برس – المغرب. ضجة إعلامية رافقت التحقيق المفتوح مع رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، ديفيد غوفرين، بعد أن جرى استدعاؤه إلى تل أبيب للتحقيق في عدد من التهم الموجهة إليه، من بينها التحرش الجنسي واستغلال النفوذ بالبعثة الدبلوماسية، بالإضافة إلى فضائح تتعلق بالتدبير المالي لمكتب الاتصال والتي كان من نتائجها الأولى استقالات وإقالات على مستوى أعضاء البعثة.
وعلى الرغم من ضغط الصحافة المغربية التي تطرقت لتفاصيل “الفضيحة” نقلاً عن الصحافة الإسرائيلية، وتساؤلات الرأي العام المغربي، فإن المسؤولين المغاربة يلتزمون الصمت لحدود كتابة هذه الأسطر. كما لم يصدر أي توضيح أو تعليق من طرف أي جهة رسمية في المغرب.
وعقب نشر وسائل إعلامية إسرائيلية تقارير تتهم فيها مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب بالاتهامات المذكورة، انبرى نشطاء مغاربة إلى التذكير بما اعتبروه زلَّات غوفرين السابقة، سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء ومحاولته ابتزاز المغرب أثناء حوار أجراه مع صحيفة إسبانية أثناء الأزمة المغربية الإسبانية، أو بانتقاده لحزب “العدالة والتنمية” المغربي الذي يعتبر شأناً مغربياً داخلياً، معتبرين أن الديبلوماسي الإسرائيلي لم يعد له مكان في المملكة.
وعن دلالات فضيحة مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب، قال الصحافي المغربي يونس مسكين، إن الواقعة تندرج في إطار داخلي مغربي ـ مغربي أولاً وقبل كل شيء، قبل أن تعني العلاقات الخارجية وميزان القوة مع أي طرف خارجي؛ موضحاً أنه في مثل هذه الاختبارات تظهر قيمة المواطنين في أعين الحكومات وتنكشف الحقائق التي تتجاوز مستوى الخطب والنصوص، وبالتالي يصبح سلوك الدولة المغربية في مثل هذه الواقعة اختباراً لمكانة وأهمية الإنسان في السياسات والقرارات المتخذة.
وكتب مدير النشر السابق بجريدة “أخبار اليوم”، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “إن الأمر لا يتعلق بتدوينة مجهولة ولا تسريب، بل بأخبار مؤكدة من أطراف رسمية في دولة إسرائيل، ورغم أن هذه الأخيرة هي المعني الأول بطمس القضية والتستر على فضيحتها، فإن التحقيقات التي باشرتها لم تترك لها مجالاً لذلك، ما يعني وجود إشارات قوية حول وقوع جرائم، لكن السلطات المغربية لم تر داعياً للتحرك ولو حتى بالتصريح والتعبير عن الاهتمام”، وفق تعبيره.
وأبرز الصحافي المغربي أن البعض يزعم أن الواقعة أبانت عن “وجه مضيء لإسرائيل” يتمثل في تعقب المخالفين ومحاسبتهم، معتبراً أن الفضيحة تكشف أولاً وقبل كل شيء كيفية تعامل إسرائيل مع المغرب من خلال اختيار وانتقاء الموظفين الذين تم إرسالهم إلى مكتب الاتصال الجديد.
“يعرف القاصي والداني أن الدول تتوفر على ملفات دقيقة عن موظفيها، خاصة الذين يعملون في السلك الدبلوماسي، وتتوفر بالتالي على مؤشرات تهم حتى الجانب الأخلاقي، وتختار بناء على ذلك من يعمل في بعثاتها حسب تقديرات مسبق لأهمية وقيمة الوجهة التي سيبعثون إليها. تصريحات مسؤولي الخارجية الإسرائيلية التي قالت إن التجاوزات لا تهم مدير المكتب وحده بل موظفين آخرين، يعني أن تل أبيب اختارت للمغرب الطينة الرديئة من موظفيها، وفقاً للتقدير الذي تمنحه للمغرب كدولة وكشعب”، يقول يونس مسكين.
ويرى مسكين أن هؤلاء الموظفين أتوا إلى وجهة حساسة أعيد العمل فيها بعلاقات رسمية في سياق دقيق، وأنهم سيعملون في مجتمع لا يكنّ لهم (غالبيته إن لم يكنّ كله) كثير ود، وبالتالي يفترض أن يدفعهم كل ذلك إلى الاحتياط والحذر وتجنب ما يمكن أن يجر عليهم المشاكل أو النقمة، لكن ما حصل هو العكس، بمجرد تعيينهم ووصولهم إلى الرباط، أخذ هؤلاء الموظفون راحتهم الكاملة واستسهلوا التجرؤ على مواطني بلد الاستقبال، “أي أنهم يكنون ما لا يمكن وصفه بأقل من الاحتقار للمغرب، ويعتبرون هذا الأخير، على غرار نظرتهم لدول العالم العربي كله، مجالاً مستباحاً لا يتعاملون معه إلا بمنطق الغزو و”الفتح” ولا يعتقدون نهائياً أنه ند أو قرين”.
ويرى المحامي المغربي نوفل البعمري، أن إسرائيل باتت تبحث عن خليفة لهذا الرجل الذي سقط في مستنقع سحيق، وهو المستنقع الذي سيُنهي مساره الدبلوماسي، مع ضرورة التشديد على أهمية أن يُفتح تحقيق حول مضمون تصريحه بالصحافة الإسبانية لابتزاز المغرب في تصريح أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه تصريح غير دبلوماسي، ويمس بمصالح المغرب، مادام أن التحقيق يتعلق كذلك بعدم فهمه للمغرب ولعقلية المغاربة.
بالنسبة للبعمري، وهو نائب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فإن على إسرائيل أن تختار دبلوماسياً/ة تتوفر فيه جملة من المواصفات، على رأسها أن يفهم أنه مدير مكتب للاتصال بالمغرب، ولا يقدم نفسه بصفة لم يحصل عليها لا من إسرائيل ولا من المغرب “صفة سفير”، وعندما يحصل على صفة سفير فليقدم نفسه بتلك الصفة آنذاك.
وأبرز المحامي المغربي أن الدبلوماسي الجديد لا يمكن أن يسقط في نفس المستنقع السحيق الذي سقط فيه سلفه، سواء ما يتعلق بأخطائه الشخصية التي إذا ما ثبتت فهي تتعلق بجرائم، أو فيما يتعلق بتحركاته الدبلوماسية؛ وأن يعرف أن قضية الصحراء قضية حيوية بالنسبة للمغرب، ولا يمكن للذي سيتم تعيينه مجدداً أن يتلاعب بالكلمات عندما يتحدث عن الموضوع، أو يُقدم على ما أقدم عليه سلفه.
“وقبل كل ذلك، على الخارجية الإسرائيلية أن تفهم بأن بناء علاقة طبيعية مع المغرب تمر من الصحراء ومن الإعلان عن موقف واضح من طبيعة “البوليساريو”، وهل هو تنظيم مليشياتي أم حركة سياسية؟”، وفق تعبير نوفل البعمري، متابعاً: “وبعدها نعرج على موقف رسمي من إسرائيل من قضية الصحراء، وعدم الاكتفاء بتصريحات من هنا وهناك في لغة مجاملة دبلوماسية أكثر من كونها موقفاً نهائياً وحاسماً”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس