“أول تلغراف يربط المغرب بأوروبا: طموح بريطاني”

1
"أول تلغراف يربط المغرب بأوروبا: طموح بريطاني"

أفريقيا برس – المغرب. في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، قامت شركة Eastern Telegraph Company، وهي شركة بريطانية متخصصة في مد وتشغيل الكابلات التلغرافية البحرية التي تربط بريطانيا بمستعمراتها وأجزاء أخرى من العالم، بمهمة ربط جبل طارق، الخاضع للسيطرة البريطانية منذ عام 1704، بمدينة طنجة. وكان الهدف من ذلك تسهيل نقل المعلومات بسرعة بين أوروبا والمغرب.

رغم أن الكابل البحري كان أول اتصال تلغرافي بين أوروبا والمغرب، فإنه كان أيضًا ثالث اتصال بين أوروبا وأفريقيا. وعلى الرغم من أهميته، قوبلت فكرة هذا المشروع المبتكر بالتردد والمعارضة من الجانب المغربي.

ظهرت الحاجة إلى اتصال تلغرافي لأول مرة في سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما اكتشف المسؤولون في المخزن بالمغرب “سرعة نقل المعلومات بواسطة التلغراف خلال المفاوضات بين المغرب وإسبانيا بشأن عودة تطوان”، كما كتب المؤرخ المغربي خالد بن الصغير في كتابه بريطانيا والمغرب خلال سفارة جون دروموند هاي (1845–1886).

التردد المغربي

أدى ذلك إلى أول طلب مقدم إلى سلطان المغرب آنذاك، مولاي الحسن بن محمد، المعروف بالحسن الأول. ففي عام 1873، كان جون دروموند هاي، المبعوث البريطاني الخاص إلى البلاط المغربي، أول من طلب من السلطان الإذن ببناء “تلغراف تحت البحر بين طنجة وجبل طارق”.

غير أن هذا الطلب تبعه طلب مماثل من إسبانيا لإطلاق خط بري بين طنجة وسبتة، مما أثار مخاوف السلطان الذي أشار إلى “العواقب المترتبة على بناء خط تلغرافي عبر أراضي قبيلة أنجرة”، التي خاضت حربًا مؤخرًا ضد الإسبان.

ورفض المخزن الاستجابة لهذه الطلبات، مما دفع الممثلين الأجانب في طنجة إلى الاتفاق على عدم طلب بناء خط تلغرافي بري من السلطان إذا وافق على إنشاء تلغراف بحري بين طنجة وجبل طارق، مع ترك حرية تحديد مسار الكابل للسلطان.

تبع هذا النهج البريطاني طلب أكثر إقناعًا قدمه دروموند هاي، مبينًا أن التلغراف مستخدم بالفعل في الدولة العثمانية ومصر وتونس والهند والصين. وتسـاءل في طلبه عن سبب “رغبة المغرب في البقاء استثناءً”، معددًا الفوائد التي قد يجنيها، مثل “التواصل السريع مع العواصم الأوروبية، ومع دول الشرق العربي، ولا سيما مع الحكومة البريطانية في أوقات الأزمات”.

مع ذلك، تضمنت قائمة الفوائد ما أقلق السلطان، خاصة أن التلغراف سيُمكّن “التجار المغاربة والأجانب من الحصول على أخبار فورية حول أسعار السلع”، وهو ما اعتبره السلطان تهديدًا، إذ “سيصبح التلغراف سلاحًا إضافيًا في أيدي التجار الأجانب وممثلي القوى الأجنبية”، كما لاحظ خالد بن الصغير.

كابل تلغرافي ولكن بشروط

رغم هذا، رفض السلطان طلب دروموند هاي. مما دفع الأخير إلى اعتماد نهج مباشر أكثر؛ ففي عام 1875، بناءً على أوامر الحكومة البريطانية، حصل على مقابلة مع السلطان، حيث عرض عليه جهاز تلغراف. وقد أعجب السلطان بالجهاز ووافق مبدئيًا على بناء كابل بحري بين طنجة وجبل طارق، وفق ما ورد في كتاب بن الصغير.

غير أن موافقة السلطان كانت مشروطة بأربعة شروط: أن يكون الكابل تحت البحر، لا فوق اليابسة، وأن يصل إلى طنجة دون التمدد إلى أي مكان آخر، وأن يحدد المخزن موقع الكابل بدقة، وأن يوافق الجسم الدبلوماسي بالإجماع على بناء الخط وفق هذه الشروط.

رفضت الشركات البريطانية المشاركة في المشروع هذه الشروط، مما أدى إلى تأخير المفاوضات حتى عام 1884. وفي نهاية ذلك العام، قبلت شركة Eastern Telegraph Company الشروط المغربية، مما مهد الطريق لاستئناف المفاوضات مع المخزن. غير أن السلطان هذه المرة رفض منح الإذن، مطالبًا بالحصول على ضمانات من جميع القوى الأجنبية تؤكد التزامها بشروط عام 1875.

في رسالة بعث بها، شدد السلطان على ضرورة التزام الجميع بأن يكون الكابل “بين طنجة وجبل طارق فقط”. وعبّر عن خشيته من أن يؤدي قبول واحد إلى فتح الباب لمطالب أخرى، مشيرًا خصوصًا إلى كابل إسباني مخطط له بين طنجة وطريفة.

ضربة خبيثة

رغم وضوح موقف السلطان، لم تلتزم بريطانيا بذلك. ففي نونبر 1886، أبلغ كيربي غرين، خليفة دروموند هاي، وزارة الخارجية البريطانية أن صمت المخزن يعني الموافقة، وهو ما لم يكن صحيحًا.

أُعطيت التعليمات لشركة Eastern Telegraph Company لبدء مد الكابل، مستندة إلى رسالة خادعة بعثها غرين إلى المخزن يدعي فيها أن جميع الإجراءات القانونية قد استُوفيت سابقًا.

اكتمل مد الكابل سريعًا، وأصبح التلغراف بين طنجة وجبل طارق جاهزًا للعمل في 20 يناير 1887، دون علم أو موافقة صريحة من السلطان. عندما علم مولاي الحسن بالأمر، أمر نائبه محمد بن العربي الطريس بوقف الأشغال، لكن الأوامر لم تجد نفعًا. بل إن السلطان وجّه عدة احتجاجات، معتبرًا التمديد “غير قانوني”. خلال زيارة غرين للسلطان في أبريل 1887، أمره هذا الأخير بإزالة الكابل فورًا، لكنه تجاهل الطلبات المتكررة.

تصعيد ومخاوف

تفاقمت الأزمة سنة 1889 حين أرسل السلطان رسالة إلى قائد طنجة، مهدي الجراري، يحثه فيها على اليقظة إزاء محاولات تركيب كابلات جديدة دون إذن المخزن. ورغم أن الكابل المشار إليه كان مخصصًا للصيانة، فإن قلق السلطان كان أعمق من ذلك؛ إذ عمدت بريطانيا إلى إرسال سفن حربية إلى طنجة لحماية إصلاحاتها. وباستخدام التهديدات، أجبر غرين المخزن على السماح ببعض الإصلاحات بمشاركة مغاربة.

بينما رأى غرين تردد السلطان تعبيرًا عن عزلة وانغلاق، أوضح بن الصغير أن الأمر كان دفاعًا عن السيادة المغربية. فالمسألة لم تكن رفضًا للتقدم، بل رفضًا لتوفير وسائل إضافية للتدخل الأجنبي.

وقد ثبتت صحة مخاوف السلطان لاحقًا؛ إذ سمح الكابل للبريطانيين في عام 1894 بإخفاء خبر وفاة السلطان ليوم ونصف، مما أتاح لهم حماية مصالحهم، وهو ما أثار تذمرًا فرنسيًا شديدًا، كما أشار خافيير ماركيز كويفدو في كتابه الاتصالات السلكية واللاسلكية والتنافس الاستعماري: الكابلات التلغرافية الأوروبية إلى جزر الكناري وشمال غرب أفريقيا 1883–1914.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس