انطلاق أولى عمليات زراعة القنب الهندي بالمغرب

5
انطلاق أولى عمليات زراعة القنب الهندي بالمغرب
انطلاق أولى عمليات زراعة القنب الهندي بالمغرب

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. شهدت مناطق من أقاليم تاونات والشاون والحسيمة (شمال المغرب) مؤخرا توزيع بذور القنب الهندي، الموجه للاستعمالات الطبية والتجميلية والصناعية، على فلاحي الأقاليم الثلاثة المتكتلين في إطار تعاونيات فلاحية. وبحسب مصدر مطلع، فإن تلك البذور التي استوردها فلاحون كدفعة أولى من سويسرا، تكفي لزراعة حوالي 100 هكتار (فقط) من الأرض. وتم توزيعها على عشرات الفلاحين المنتسبين إلى بعض التعاونيات الفلاحية بالأقالم الثلاثة المذكورة.

“التقنين” انطلق عمليا..

وللعِلم، فإن عملية اقتناء البذور من السوق الدولية استغرقت وقتا طويلا نسبيا، بين البحث عن مصدر مناسب وإخضاعها للتحليل، وحصولها على الموافقة النهائية للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. وقد جرى توزيع البذور الجديدة (البذور القديمة للقنب الهندي الذي ينتج الحشيش لا تصلح للأغراض الطبية والتجميلية)، في أعقاب نشاط تكويني نظمته الوكالة لفائدة عشرات الفلاحين المعنيين بالاستعمالات الجديدة للقنب الهندي. وبحسب مصدر مطلع من أحد الأقاليم المعنية، فإن عملية التوزيع المحدودة العدد هذه تعتبر تجريبية، حيث تتطلع السلطات المغربية ومعها باقي الفلاحين الذين انتقلوا من زراعة وإنتاج القنب الهندي المحظور قانونيا إلى ذلك الموجه للاستعمالات النافعة، إلى ما ستسفر عليه هذه التجربة.

وللإشارة، فإن وقد سبقت هذه الخطوة الهامة، إجراءات قانونية مستحدثة من طرف مصالح الجمارك والضرائب المغربية، التي أصدرت أخيرا وبعد طول انتظار، دورية خاصة بتحديد الشروط القانونية لاستيراد بذور ونباتات القنب الهندي، المستخدم في المجالات الطبية والتجميلية والصناعية، تطبيقا للقوانين الجديدة التي أصبح العمل جاريا بها. واشترطت إدارة الجمارك الترخيص باستيراد أو تصدير بذور القنب الهندي المذكورة، بالحصول المسبق على ترخيص خاص من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. كما ينص القانون على أن يكون الحاصل على ذلك الترخيص مواطنا مغربيا وبالغا للسن القانونية ومستوفيا للقوانين الجاري بها العمل في المغرب، في مجالات إنتاج وتسويق البذور والنباتات المعنية.

وفي مارس 2022، أصدرت الحكومة مرسومًا لتنفيذ قانون الاستخدام القانوني للقنب، الذي أقره البرلمان في يونيو 2021، تم تعيين بموجبه بعض أقاليم شمال المغرب (الحسيمة والشاون وتاونات) كمناطق قانونية لزراعة القنب. وهذه هي أهم المناطق المعروفة تاريخيا بهذا النشاط، لكنها ليست كلها. والخريف الماضي، منح المغرب أول 10 تراخيص لزراعة القنب تجعل من القانوني إنتاج هذه المادة للأغراض الطبية والتجارية والصناعية. وتقع التصاريح الممنوحة ضمن حدود هذا النشاط، مثل مقاطعات الحسيمة وشفشاون وتاونات. وأصدرت السلطات المغربية في مارس/أذار الماضي، أول تصريح لاستيراد بذور القنب المخصصة لحوالي 20 مزارعا أرادوا بدء الزراعة القانونية لهذه المادة للأغراض الصيدلانية والصناعية. وتبعا لذلك، ووفقا لقانون الاستخدام القانوني للقنب الهندي، الذي تم تمريره في عام 2021، أعطى المكتب الوطني لسلامة الأغذية يوم 6 مارس/أذار الماضي، الإذن باستيراد بذور القنب للمستفيدين الذين كانوا حاصلين مسبقا على تصريح من الوكالة الوطنية لتنظيم أنشطة القنب. ومع هذا الإذن، يتمكن المستفيدون من استيراد أولى بذور القنب التي تستوفي المعايير القانونية المطلوبة (ناقص 1% من رباعي هيدروكانابينول أو THC، أي المادة التي تحدث تأثيرا تخديريا)، وهي البذور التي يتم تسليمها بعد ذلك إلى حوالي الفلاحين المعنيين بها كما سبقت الإشارة.

وينظم المرسوم (القانون) الخاص بالاستعمال القانوني للقنب الهندي أيضا، بأن يقدم المستفيدون من مختلف التصاريح المتعلقة بهذا النشاط، تقارير شهرية إلى الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي حول إنتاج وبيع القنب، وحالة المستودعات والبذور والنباتات والمنتجات، وذلك حرصا من السلطات على تفادي أي استخدام “ترفيهي” أو “إجرامي” للقنب الهندي ومستخلصاته. وتصدر الوكالة حاليا تسعة أنواع من التصاريح هي: زراعة وإنتاج المشاتل وإنشائها وتشغيلها، واستيراد وتصدير بذور ونباتات القنب، وتصنيع، ونقل القنّب ومنتجاته، وتسويقه واستيراده وتصدير ومنتجاته. منذ أكتوبر 2022 حتى الآن، أصدرت الوكالة بالفعل ما يقرب من 250 ترخيصا، ثلثها للمزارعين المتكتلين في إطار تعاونيات فلاحية. وسيباع إنتاج هؤلاء المزارعين حصرا إلى التعاونيات المعنية، التي أنشئت لغرض تجهيزه وتسويقه، تحت إشراف ممثلي الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي والإدارات الأخرى المعنية.

مستثمرون إسرائيليون يتهافتون.. وتنتشر في مناطق جبلية منعزلة بأقاليم شمال المغرب، حيث يتم تحويل النبات محليا في بيوت الفلاحين، ليصنع منه مخدر “الحشيش” الذي يهرب 80 % منه إلى أوروبا الغربية، بينما يوجه الباقي للاستهلاك داخل المغرب. ويرى باحثون أوروبيون أن تزايد الإقبال على الحشيش المغربي في أوروبا، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، هو ما جعل إنتاجه يتضاعف في المغرب لمسايرة الطلب الكبير. وتقدر دراسة قام بها مكتب دراسات دولي شهير عدد المغاربة المشتغلين في إنتاج القنب الهندي، بنحو 800 ألف، بينما يتراوح عدد الأسر التي تعيش من عائداته بين 80 ألف و140 ألف أسرة.

وأضافت الدراسة بأن المساحات المزروعة بالقنب الهندي في المغرب، قد انتقلت من حوالي 130 ألف هكتار في بداية سنة 2000، إلى أقل من 50 ألف هكتار في السنوات الأخيرة. لكن وجه المفارقة أن الكفة الرابحة تميل لفائدة مافيا الحشيش، المكونة من كبار المهربين المغاربة الذين يهربونه نحو أوروبا، ويقومون بتبييض أمواله في مشاريع سياحية وتجارية، ببعض البلدان الأوروبية بعلمها طبعا (خصوصا هولندا وإسبانيا) التي يحملون جنسياتها. بينما لا يجني مزارعو الحشيش سوى الفتات والملاحقات الأمنية. ولذلك يتابع الرأي العام المغربي بكثير من الاهتمام تطورات هذا الموضوع. وأوضحت الدراسة بأنه يتم استغلال الفلاح المغربي التقليدي من طرف شبكات تهريب المخدرات، حيث لا يحصل في النهاية سوى على 3% من رقم المعاملات النهائي لتجارة القنب الهندي، فيما توقعت الدراسة أن تشكل حصة الصادرات المغربية من القنب الهندي للاستخدام القانوني، في السوق الأوروبية ما بين 10 و15% في أفق العالم 2028، بما يمثل مداخيل فلاحية سنوية تتراوح بين 420 مليون دولار و630 مليون دولار. وتعتبر هذه التوقعات أقل تفاؤلا بما جاء في تقارير غربية أخرى، من أن المغرب سوف يجني من الإنتاج المشروع للقنب الهندي حوالي 10 مليار دولار سنويا!

ولا يشير قانون رفع تجريم زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وتجميلية وصناعية، أبدا إلى أي استعمال ترفيهي (أي استعماله لأغراض التخدير)، علما أن هذا النوع من القنب لا يصلح استعماله كمخدر لأن المادة المخدرة فيه ضعيفة جدا، بحسب الخبراء. بل إنه يشدد على ضرورة تنظيم زراعته وحصرها في مناطق معينة، وتشجيع الاستعمالات الصناعية والطبية، وخلق وكالة لإعطاء الرخص وتنظيم سلاسل الإنتاج في إطار قانوني. وذلك من خلال استغلال ما يصفه القانون بـ”الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع”، و”استقطاب الشركات العالمية المتخصصة في هذا الميدان”. وفي هذا الإطار، يشهد قطاع الاستثمار في المشروعات الجديدة لسلاسل إنتاج القنب الهندي وتحويله إلى منتجات صيدلية وتجميلية وصناعية، إقبالا كثيفا من طرف شركات ومختبرات ومستثمرين إسرائيليين. فمنذ الأسابيع الأولى على توقيع اتفاق “التطبيع” بين المغرب وإسرائيل منذ مطلع العام 2021 (وربما حتى قبل ذلك)، وفي وقت كان “تقنين إنتاج القنب الهندي”، ما يزال بعد مجرد “مشروع قانون” مثير لجدل كبير في المغرب ومعروضا للمصادقة على البرلمان المغربي، أعربت 150 شركة إسرائيلية متخصصة في صناعات الدواء والتجميل وقطاعات أخرى، عن اهتمامها بالاستثمار في القطاع. وبحسب تقادرير عالمية، تعتبر إسرائيل من الدول الرائدة في البحث العلمي في مجال الاستعمالات الطبية والتجميلية للقنب الهندي، إلى جانب هولندا وكندا والبرتغال والهند.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس