توقعات التقرير السنوي لمعهد “إلكانو” الإسباني للعالم 2024

35
توقعات التقرير السنوي لمعهد
توقعات التقرير السنوي لمعهد "إلكانو" الإسباني للعالم 2024

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في الطبعة الأخيرة من تقريره السنوي، الذي يحمل عنوان “إسبانيا في العالم عام 2024: الآفاق والتحديات”، يقدم المعهد الملكي الإسباني الشهير (ELCANO) تحليله لتطورات السياسية الدولية، ليخلص إلى طرح رؤيته للتوقعات المتعلقة بعلاقات العالم بإسبانيا خلال العام الجديد. لكن توقعاته ليست متفائلة بالنسبة للمغرب والمنطقة المغاربية وعموم القارة الأفريقية.

منذ 12 عاما، أصبح تقليدًا لدى المعهد الملكي الإسباني للدراسات الإستراتيجية (ELCANO) أن ينشر تقريرًا خلال الشهر الأول من كل عام، حيث يقوم الخبراء من جميع جوانب المعهد بوضع التوقعات حول القضايا المتعلقة بإسبانيا. السياسة الخارجية للعام المقبل. يتمتع المعهد بنفوذ ومصداقية معترف بهما في مجالات الشؤون الخارجية، وكذلك الدفاع في إسبانيا.

تداعيات الحرب في غزة

إذا كان تقرير إلكانو الشهير في نسخة 2023 سلط الضوء على الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها على السياسة الخارجية الإسبانية، فإن نسخة 2024 تركز بشكل أكبر على الحرب على غزة (التي يصفها بأنها “حرب بين حماس وإسرائيل”). وهي حرب يتوقع خبراء المعهد أن تواصل تصدر عناوين الأخبار خلال العام الحالي، والتأثير بشكل كبير ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في أفريقيا والعالم أيضا.

وبحسب خبراء ELCANO، فإن »المخاطر الرئيسية الثلاث تنشأ من الامتداد الجغرافي للنزاع المسلح في غزة إلى مناطق إقليمية أخرى، وزعزعة الاستقرار الداخلي لدول المنطقة وتفاقم الأزمات الاقتصادية مما يؤدي إلى تداعيات اجتماعية وسياسية كبيرة«. فالحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة لم تعد صراعا إقليميا محدودا، بعد أن انجرت إلى المشاركة فيه جهات فاعلة إقليمية ودولية أخرى. ولذلك فهو ينتشر أكثر فأكثر، وتزيد مساحة تداعياته لثؤتر بشكل أوسع بمرور الأيام في دول المغرب العربي والقارة الأفريقية برمتها. ويؤكد خبراء المعهد الإسبان في تقريرهم أن إطالة أمد الحرب في غزة يؤدي إلى فتح جبهات جديدة في جنوب لبنان والعراق وسوريا واليمن. وبالتالي، تستغل إسرائيل ظروف الصراع من أجل الدفع بالسكان الفلسطينيين إلى التهجير القسري نحو مصر المجاورة لغزة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي النزاع بالأردن إلى خرق معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل منذ عام 1994، مع كل ما قد يترتب على ذلك من عواقب خطيرة.

ولذلك يتبنى التقرير وجهة نظر متشائمة بشأن إطالة أمد هذه الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ يتوقع أن تستمر حتى منتصف عام 2024. فـ»مستويات الدمار مرتفعة للغاية لدرجة أن دولة أفريقية مركزية هي مصر سوف تسمح بدخول أعداد كبيرة من النساء والأطفال الفلسطينيين إلى سيناء. وكذلك ستعود الاحتجاجات الحاشدة إلى العديد من الدول العربية، بما في ذلك بلدان المغرب العربي، حيث يُنظر إلى الغرب على أنه متواطئ في الإبادة الجماعية المزعومة ضد الفلسطينيين. وهي (هذه الدول) تمزج بين رفض السياسة الإسرائيلية، وإحباط شعوبها إزاء عجز قادتهم، والقلق في مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب التضخم وأزمة الديون«، يقول التقرير.

ونتيجة لكل ذلك، فإن التأثير المتوقع – بحسب التقرير – لهذه الحرب الفظيعة »أنه ستحدث هجمات إرهابية ضد المصالح الغربية في عام 2024، كما أن التوترات المرتبطة بالحرب في غزة تنفر الدول الغربية عن بقية العالم.« علاوة على ذلك، يشدد تقرير المعهد على أن عام 2024 سيشهد فترة من التقلبات الكبيرة في الجوار الجنوبي لإسبانيا، حيث تواجِه الاستقرار في منطقتَي الشرق الأوسط والمغرب العربي سلسلة من التحديات المتداخلة، التي تشكل وضعا لم نشهده منذ عقود، بحسب ما يؤكد نفس المصدر. قد يفضي إلى عدة سيناريوهات محتملة، من شأنها تعريض السلام والأمن الدوليين للخطر الشديد.

استقرار المغرب العربي مهدد

يعرب معهد إلكانو في تقرير عن مخاوفه بشأن احتمال زعزعة الاستقرار في منطقة المغرب العربي، بسبب تصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب. وبحسب التقرير، فمن بين العلامات التحذيرية التي تنذر بتزايد محتمل في التوتر، حقيقة عدم وجود أي علامة على التهدئة بين البلدين المغاربيين الكبيرين، حيث لا تزال العلاقات الدبلوماسية مقطوعة منذ غشت/أغسطس 2021، في مقابل سباق تسلح بين البلدين لا يفتر، و يزيد من خطر وقوع حوادث حربية إما مقصودة أو عرضية بين البلدين.

وينبغي التذكير هنا بأنه في ظل وضع جيوسياسي إقليمي معقد للغاية وعلاقات جوار متوترة، قام المغرب بزيادة ميزانية الدفاع لتصل إلى 12,1 مليار دولار (124 مليار درهم) للسنتين الماليتين 2024-2025 في إطار من مشروع قانون المالية 2024. وهذا رقم قياسي، علما أن الميزانية التي كانت تخصصها المملكة سنويا للدفاع قبل سنوات قليلة كانت في حدود 4 مليارات دولار فقط. بينما تخصص الجزائر، من جانبها، ميزانية دفاعية ضخمة تبلغ 21,6 مليار دولار للعام 2024، بحيث تعتبر الدولة الأكثر إنفاقا على الدفاع في أفريقيا والثالثة في العالم العربي.

ومن هذا المنطلق، يسلط خبراء من معهد ELCANO الضوء على سباق التسلح المشحون هذا، الذي يزيد من خطر وقوع حوادث أو مواجهات متعمدة. لكن تجدر الإشارة، من جهة أخرى، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها الطبعة السنوية لتقرير المعهد مثل هذه التحذيرات، بشأن احتمال زعزعة الاستقرار العسكري في منطقة المغرب العربي. فقد سبق أن حذرت الإصدارات السابقة حول آفاق عامي 2022 و2023 من احتمال وقوع مواجهة مسلحة بين البلدين الشقيقين.

بعيدا عن التوترات العسكرية، يذهب التقرير إلى أنه «في عام 2024، سيشهد الجوار الجنوبي لإسبانيا [المنطقة المغاربية ودول الساحل الأفريقي والصحراء] درجة عالية من التقلبات، حيث ستواجه استقرار الشرق الأوسط والمغرب العربي تراكما من التحديات المتداخلة، التي لم تحدث منذ عقود. وبهذا الصدد، هناك العديد من السيناريوهات المعقولة التي قد يتعرض فيها السلام والأمن الدوليان لخطر خطير. وتأتي المخاطر الرئيسية الثلاثة من بينها، من الامتداد الجغرافي للنزاع المسلح في غزة إلى سيناريوهات إقليمية أخرى، وزعزعة الاستقرار الداخلي في بلدان المنطقة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية مع ما يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية وسياسية. تدرك الحكومة الإسبانية هذه المخاطر وقد حاولت توضيح ذلك لبقية الشركاء الأوروبيين، على الرغم من أن الجميع لم يتقبلوا ذلك». وفي سياق ذلك، يحذر التقرير من أنه «من الضروري مواصلة السعي إلى التوصل إلى توافق داخل الاتحاد الأوروبي، من أجل تجنب المزيد من المشاكل الخطيرة في جوار إسبانيا الجنوبي والتي ستنتهي بالتأثير عليها [المقصود إسبانيا] بشكل كامل».

ويسجل التقرير بإيجابية، أن «نهاية العام 2023 عرفت حدثا ايجابيا تمثل في العودة التدريجية للعلاقات بين إسبانيا والجزائر، التي ستشغل مقعدا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال فترة السنتين (2025-2024)، بعد ما يقرب من 20 شهرا من الأزمة بين البلدين»، في إشارة إلى الأزمة بين الجزائر العاصمة ومدريد، التي اعقبت عودة العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى طبيعتها بعد دعم مدريد لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء.

أفريقيا تتخلص من الهيمنة الأوروبية

يربط تقرير معهد إلكانو بشكل غريب بين سعي النخب الأفريقية إلى التخلص من الهيمنة الأوروبية والغربية بشكل عام، وانتشار الظاهرة الإرهابية على نطاق أوسع بالقارة. فهو يذهب إلى أن «حالة عدم الاستقرار في المناطق الجنوبية والشرقية من البحر الأبيض المتوسط تمثل مصادر جديدة لزعزعة الاستقرار اعتبارا من عام 2023، ولا سيما منطقة الساحل وغزة. وستعمل هذه العناصر على خلق مزيد من التباعد بين الفاعلين المحليين [الأفارقة] والمتدخلين الأوروبيين والغربيين، على نحو يساهم في نشر الإرهاب الجهادي في أفريقيا». كما يحذر محللو المعهد – في تقريرهم – من التأثير السلبي الذي قد يخلفه عدم الاستقرار المتزايد في منطقة المغرب العربي على إسبانيا والاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تفاقم الهشاشة والوضع المضطرب بالفعل في دول الساحل. «إن حدوث زعزعة كبيرة للاستقرار في منطقة المغرب العربي سيكون بمثابة أخبار سيئة لإسبانيا والاتحاد الأوروبي، حيث من شأنها أن تزيد من الهشاشة المتزايدة ومن الانقلابات المتعددة في دول الساحل. ولذلك يجب على إسبانيا حشد كل القنوات الممكنة لتجنب السيناريوهات الأكثر سلبية والاستعداد لمواجهتها في حالة حدوثها».

ويتابع التقرير بأن «التوتر المتزايد في الشرق الأوسط لن يستثني أحداً في دول المنطقة، كما أن العداء الإقليمي ضد الحكومات الداعمة لإسرائيل سيمتد إلى الدول والمجتمعات الأفريقية». وبذا الصدد، يتوقع التقرير أن يستغل الإرهاب الجهادي الوضع الناجم عن الحرب على غزة» في تعزيز نفسه في الشرق الأوسط والتطور على الأراضي الأفريقية، دون أن يؤدي إلى ظهور تمرد مسلح واسع النطاق».

ولأن جوهر المشكلة بالنسبة للأوروبيين هو تدفق المهاجرين بشكل عام، والأفارقة بشكل خاص، على دول القارة العجوز، فإن تقرير معهد إلكانو يربط بشكل مباشر بين انتشار “الإرهاب الجهادي” وديناميكية الهجرة. ويخلص إلى أنه «على الرغم من الموافقة على ميثاق الهجرة واللجوء، إلا أن تنفيذه نادر وضعيف ومتضارب [بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي]. وتبعا لذلك فإن عدم الاستقرار في البلدان الأصلية [الأفريقية] سيؤدي إلى تسريع تدفقات الهجرة، ويعلق بعضها [المقصود دول منبع الهجرة] اتفاقيات الإعادة إلى الوطن مع الدول الأوروبية، وهو ما سيزيد من ضغط الهجرة نحو أوروبا والتوترات [بين الدول الأوروبية] بشأن تقاسم الأعباء [أعباء استقبال المهاجرين “غير الشرعيين”]».

وبحسب محللي المعهد الإسباني، فإن عواقب الوضع الحالي لن تقتصر على ذلك فقط فخلال عام 2024، « ستستفيد الأنظمة الاستبدادية في القارة الأفريقية من البيئة المعادية [للغرب] من أجل تقليل الوجود والنفوذ الغربي في أفريقيا».

ماذا عن الاقتصاد؟

في الجانب الاقتصادي، لا يحمل التقرير نظرة متفائلة للوضع في المنطقة المغاربية ومجمل قارتنا وفي العالم، وخاصة بالنسبة للبلدان الفقيرة إلى الموارد، فهو يرى بأن» التباطؤ الطفيف ولكن المستمر، الذي غرق فيه الاقتصاد العالمي منذ عامين لا يسمح لنا أن نتصور بتفاؤل عام 2024 بخصوص توقع سياسات نقدية ومالية مقيدة». فهذه السياسات « من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات كبيرة في التجارة من الغذاء إلى أشباه الموصلات(أي الأجزاء الإلكترونية)، وربما حتى إلى ركود اقتصادي عالمي». ويتابع التقرير أنه « وبالمثل، إذا تسارع التضخم، وإذا اضطرت البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة، أو إذا عادت مشاكل البنوك الأمريكية ومشاكل التخلف عن السداد في البلدان الناشئة إلى الظهور، أو إذا اضطرت منطقة اليورو [الاتحاد الأوروبي] إلى التحول إلى التقشف بسبب وإذا كان إصلاح القواعد المالية ضيقا للغاية، فإن النمو سوف يتضرر بشدة أيضا».

ونظرا لاشتداد حدة الصراعات الدولية، مع ما يترتب عن ذلك من تأثير اقتصادي سلبي (بما في ذلك على سلاسل التوريد) وكبح التجارة في المجال “الناعم”، فإن القيود التجارية سوف تتزايد بين القوى والكتل. وتبعا لذلك، سيتم إعطاء الأولوية للأجندات الوطنية، على حساب النظام المتعدد الأطراف. وكل هذا سوف يؤدي إلى تدهور عام في مؤشرات التنمية البشرية. وهذا السيناريو المثير للقلق يدفع خبراء معهد إلكانو إلى التنبؤ بأن «النمو سينخفض خلال السنة الحالية في المناطق ذات الأهمية الخاصة”، ومن بينها بلدان المغرب العربي».

وبالتوقف عند اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، نُذكِّر بأن بروتوكول اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي انتهت مدة سريان مفعوله في17 يوليو/تموز المنصرم، وسط “قلق” مدريد من تأثير ذلك على الصيادين الإسبان، الذين بدورهم يطالبون بضرورة تجديده. وللتذكير، فإن المغرب كان يسمح بموجب هذا الاتفاق لحوالي 128 سفينة صيد أوروبية غالبيتها (93 سفينة) إسبانية بالصيد في المياه المغربية، مقابل حصول المغرب على مبلغ قدره 208 ملايين يورو [حوالي 230 مليون دولار] على كامل مدة الاتفاقية التي تمتد على مدى 4 سنوات. لكن محكمة العدل الأوروبية قضت في شتنبر/أيلول من عام 2021، بوقف العمل باتفاقيات استيراد المنتجات السمكية والزراعية الموقعة مع المملكة المغربية، زاعمة أن ذلك «يشكل انتهاكا لثروات أقاليم الصحراء الغربية»، قبل أن تقدم المفوضية الأوروبية طعنا في الحكم.

وكانت جبهة “البوليساريو” قد رفعت دعوى قضائية لإلغاء الاتفاقيات في مجالي الزراعة والصيد بين الرباط وبروكسل، لأنها تمت من دون استشارتها، باعتبارها “الممثل الوحيد لسكان المنطقة”، لكن إسبانيا تدافع بقوة عن استمرار الاتفاقية معتبرة بأن جبهة البوليساريو لا تملك الصفة لرفع الدعوى.

وتخشى مدريد من تبعات عدم تجديد اتفاق الصيد البحري، بالنظر إلى استفادة السفن والصيادين الإسبان، مقارنة مع نظرائهم من البلدان الأوروبية الأخرى. والمعروف أن الاتحاد الأوروبي يقدم دعما ماليا لأصحاب السفن والصيادين المتوقفة عن العمل، بانتظار تجديد اتفاق الصيد مع المغرب.

وفي سياق ذلك، يحذر التقرير من أن «العلاقات المغربية الأوربية قد تعرف اضطرابا، إذا ما أكدت محكمة النقض إلغاء اتفاقيات التجارة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب». وللإشارة، فإن محكمة العدل الأوروبية قد شرعت يوم الاثنين الماضي ( 29 يناير/كانون الثاني) في النظر بعد طول انتظار، في الاستئناف الذي تقدمت به مفوضية الاتحاد الأوروبي ضد حكم المحكمة الصادر في 2021، حيث من المنتظر أن تصدر حكمها النهائي في غضون الأيام أو الأسابيع المقبلة.

المعهد الملكي الإسباني (إلكانو)

تتوفر إسبانيا حاليا على العشرات من مراكز التفكير الإستراتيجي، التي تتباين أهميتها بحسب مستوى إشعاعها ودرجة تأثيرها في النخب السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تمتلك بهذا القدر أو ذاك سلطة صناعة القرار في البلاد. بيد أن المركز الرئيس الآن في إسبانيا هو “المعهد الملكي للدراسات الدولية والإستراتيجية إلكانو”، الذي تأسس سنة 2002 مباشرة بعد اندلاع أزمة جزيرة ليلى بين المغرب وإسبانيا. وهو ليس مركز دراسات عاديا، حيث تحتضنه مؤسسات ودوائر إسبانية رسمية وأخرى خاصة، أهمها المؤسسة الملكية والحكومة إلى جانب تمويله من طرف شركات كبرى. ويُبرز ذلك أهمية الدراسات التي يقدمها في التأثير في دوائر صنع القرار في البلاد.

ومن أبرز الدراسات التي ينجزها المعهد مطلع كل عام جديد، دراسة مفصلة تنشرها على موقعها وتحمل عنوان «موقع إسبانيا في العالم: الآفاق والتحديات». تتضمن تحليلا للسياسة العالمية وجوانب تأثيرها في إسبانيا، ثم يقدم خبراء المعهد من خلالها توصيات لصناع القرار من أجل التأقلم مع التطورات الدولية المرتقب حدوثها خلال العام.

ويشكل المغرب موضوعا مركزيا في أجندة معهد إلكانو، تماشيا مع الأولوية التي يحظى بها في السياسة الخارجية والداخلية الإسبانية على حد سواء. وتتناول إنتاجاته مواضيع متعددة أبرزها: الهجرة المغربية في إسبانيا، والتطرف الديني، ونزاع الصحراء، وقضية سبتة ومليلية، ومستقبل العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد. وعموما، يعد معهد “إلكانو” من بين أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم، التي تهتم بالمغرب، حتى أنه أصبح مرجعا لعدد كبير من المعاهد الأخرى، ومن هنا أهمية الدراسات التي ينجزها حيث يمارس تأثيرا خارجيا يتجاوز حدود إسبانيا نحو باقي دول العالم، التي تدرس القضايا المغربية من خلال عيون باحثي هذا المعهد. خصوصا أنه ينشر أبحاثه باللغة الإنكليزية على نحو متزايد إلى جانب الإسبانية.

لكن على الرغم من إشعاعه إسبانيا وعالميا، (من وجهة نظر مغربية) يُلاحظ على معهد “إلكانو” أنه لا يتمتع بالنزاهة العلمية، بل في العمق يتبنى رؤية إسبانية قومية وعموما غربية للقضايا التي يقوم خبراؤه بدراستها. منطلقين من مبدأ تفوق إسبانيا على جيرانها الجنوبيين (الدول المغاربية وإفريقيا عموما) والتحذير من الخطر القادم من الجنوب. سيما أن باحثيه جميعهم إسبان، عكس مراكز أبحاث أخرى إسبانية وغربية.

وكمثال على افتقاده للنزاهة العلمية، نذكر بأنه خلال أزمة سبتة في العام 2021، عندما اقتحم آلاف المغاربة المدينة المحتلة، نشر المعهد دراسة يوم 13 يوليو 2021 بعنوان «تعزيز الاتحاد الأوروبي في سبتة ومليلية والمغرب»، دعا فيها إلى دفع الاتحاد لكي يعتبر مضيق جبل طارق، خاصة المدينتين ضمن الفضاء الاستراتيجي الأوروبي، أي تعزيز الاستعمار. وإطار في نزاع الصحراء، تبنى المعهد موقفا معارضا لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، خلال ديسمبر 2020، لما له من انعكاسات سلبية على مصالح إسبانيا. كما أن المعهد لم ينخرط لاحقا في ديناميكية تأييد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز لمقترح الحكم الذاتي المغربي في مارس 2022..

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس