أخطبوط فضائي عملاق تصنعه فرنسا وبريطانيا بأقمار الاتصالات

7
أخطبوط فضائي عملاق تصنعه فرنسا وبريطانيا بأقمار الاتصالات
أخطبوط فضائي عملاق تصنعه فرنسا وبريطانيا بأقمار الاتصالات

أفريقيا برس – المغرب. منذ الوهلة الأولى تبدو ولادة هذا الأخطبوط الفضائي العملاق معاكسة لمجريات كثيرة في السياسة الدولية. ربما يروق للبعض أن ينظر إلى تلك الولادة من زاوية أخرى فيرى فيها تجسيداً أكثر عمقاً للسياسة العالمية. توضيحاً، ثمة مشروع عملاق في الأقمار الصناعية للاتصالات يجري التفاوض بشأنه بتؤدة منذ بعض الوقت. وبصورة عامة، ثمة حاجة متنامية في الاتصالات العالمية المتطورة لوجود أقمار صناعية توضع في مدار منخفض وتؤمن الاتصال بالإنترنت بسرعة مرتفعة. وتعد شركة “ستار لينك” الأميركية من أبرز اللاعبين العمالقة في هذا المجال، خصوصاً أنها وضعت 2204 أقمار صناعية من النوع الصغير الحجم في ضمن المدار القريب من الأرض، مع اعتزامها رفع العدد إلى الضعفين خلال سنوات قليلة مقبلة قبل أن تضاعف المجموع بعشرة أمثالها في المستقبل.

ومقابل العملاق الأميركي “ستار لينك” الذي برزت عضلاته في تأمين تزويد أوكرانيا بالإنترنت خلال مواجهتها الحرب مع روسيا، وُلِد عملاق أوروبي موازٍ. والمفارقة أنه وُلِد بفضل اندماج شركتين إحداهما فرنسية هي “يوتلسات” والأخرى بريطانية، شركة “وان ويب”، وفق ما نقلته “وكالة الصحافة الفرنسية” أخيراً. ويبدو الاندماج متعارضاً مع التباعد بين باريس ولندن الذي ظهر في ثنايا عملية “بريكست”، ضمن معطيات أخرى. وعلى نقيض ما فرقته السياسة على ضفتي بحر المانش أعلنت شركتا “يوتلسات” و”ووان ويب” توقيع مذكرة تفاهم عن اندماجهما معاً وتحولهما إلى “لاعب عالمي رائد في مجال الاتصالات”، وفق ما نقلته وكالة “أ ف ب” الإخبارية عن الشركتين. وربما إمعاناً في التفارق عن السياسة الدولية ونزاعاتها، يملك “المصرف الاستثماري للحكومة الفرنسية “بي بي إي فرانس” حوالى خُمس أسهم “يوتلسات” فيما تتوزع بقية الأسهم بين “صندوق المساهمات الاستراتيجي” الذي تملكة سبع شركات تأمين، وبين أسواق الأسهم.

وفي المقابل تتوزع ملكية “وان ويب” بين الحكومة البريطانية (17.6 في المئة) و”يوتلسات” (حوالى 23 في المئة) ومصرف “سوفت بانك” الياباني (أكثر من 17 في المئة) ومجموعة “هانوا” الكورية الجنوبية (حوالى 9 في المئة) وشركة “بهارتي” الهندية (30 في المئة)، بحسب الوكالة الإخبارية نفسها. ومع الحصة الضخمة للشركة الهندية يصعب عدم حضور طيف المعركة التي يخوضها وزير الخزانة ريشي سوناك ليكون أول رئيس وزراء بريطاني من أصل آسيوي، إضافة إلى أن زوجته تملك حصة كبيرة في شركة “أنفوسيسك” للمعلوماتية التي تعد من الشركات الكبرى القليلة التي لم تغادر روسيا إثر حرب أوكرانيا!

واستطراداً، لقد أكدت الشركتان أن خطوتهما الاندماجية التي من المقرر أن تنجز في الفصل الأول من عام 2023، “ستغير قواعد اللعبة” الاتصالات الفضائية العالية السرعة مع الإنترنت، بحسب وكالة “أ ف ب”. ألا يبدو أن قواعد اللعبة خارج الاتصالات ربما تغيرت أيضاً؟

حزام الأقمار الاصطناعية وصراعات القوى الكبرى

ثمة تفاصيل مهمة بشأن ذلك الاندماج. فوفق وكالة الأخبار نفسها، تتخصص شركة “يوتلسات” الفرنسية في الأقمار الصناعية التقليدية للاتصالات الفضائية، وتملك 35 قمراً من ذلك النوع منتشرة على ارتفاع 36 ألف كيلومتر تستخدم أساساً في البث التلفزيوني حتى الآن.

في المقابل، تتخصص شركة “وان ويب” البريطانية في الأقمار الصناعية المتخصصة في الاتصال الفضائي العالي السرعة مع الإنترنت. وفي عملها تعتمد شركة “وان ويب” على الأقمار الصناعية الصغيرة التي توضع في مدارات منخفضة حول الأرض، أقل من بضع مئات من الكيلومترات. وقد نشرت “وان ويب” 428 قمراً صناعياً من ذلك النوع حتى الآن ضمن مجموعة من 648 قمراً مماثلاً تعتزم الانتهاء من نشرها مع نهاية السنة الجارية، وفق الوكالة الصحافية نفسها.

وكذلك نقلت وكالة “أ ف ب” تصريحات لمسؤولين في الشركتين تشير إلى توقعهما تحقيق زيادة في المبيعات والأرباح تقارب العشرة في المئة على المدى المتوسط.

وفي سياق آخر أكثر توافقاً مع مجريات السياسة الدولية ذكرت الوكالة نفسها أيضاً أن كوكبة الأقمار الصناعية التي تملكها “وان ويب” عانت من توقف في عملها في نهاية فبراير (شباط) 2022 بالتزامن مع قرار الكرملين وقف مركبة “سويوز” الروسية كجزء من رده على العقوبات الغربية التي طاولت روسيا إثر حربها في أوكرانيا. ونُقِلَ عن سونيل بهارتي ميتال رئيس مجلس إدارة “وان ويب” أن الخطوة الروسية كادت أن تشل عمل الشركة البريطانية لولا حصولها على “دعم مذهل من الولايات المتحدة والحكومة الهندية”. وكذلك أشار ميتال إلى اتفاق مع “سبايس إكس” ونيودلهي سيؤمن وضع كوكبة الأقمار الصناعية التابعة لشركة “وان ويب” في المدار “بحلول مارس (آذار) 2023″، وفق وكالة “أ ف ب”.

واستطراداً، تفيد الأقمار الصناعية الصغيرة التي تحلق على علو منخفض نسبياً من الأرض، في تقديم سرعة عالية للاتصال مع الإنترنت، لأن موجات البث والاستقبال لا تتأخر عن الوقت الفعلي إلا بفارق ضئيل تماماً. وكذلك يفيد نشر مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية المتخصصة للاتصال مع الإنترنت في ربط المناطق المعزولة التي لم تصلها خدمة الاتصال عبر الألياف البصرية حتى الآن، أو لتلبية حاجات مستجدة ومتقدمة على غرار ربط السيارات الذكية في المستقبل مع الإنترنت، وفق وكالة “أ ف ب” أيضاً.

واستكمالاً، تتصدر “سبايس إكس” المملوكة لأثرى أثرياء العالم إيلون ماسك السباق في هذا المجال. في المقابل، يخوض أحد أضخم أثرياء الأرض، هو جيف بيزوز مؤسس شركة “أمازون” العالمية، غمار تلك المنافسة نفسها، عبر وضع ما يزيد على 3200 قمر اصطناعي للاتصالات عبر الإنترنت، وهي من الأقمار الصغيرة التي تدور في مدار منخفض حول الأرض، وفق “أ ف ب”.

وبحسب الوكالة نفسها، يرغب الاتحاد الأوروبي نشر مجموعته الخاصة من الأقمار الصناعية التي تعمل ضمن مدار منخفض، وستضم حوالى 250 قمراً صناعياً اعتباراً من 2024. وفي العودة إلى السياسة يُدرِجْ الاتحاد الأوروبي تلك الخطوة تحت شعار السيادة، إذ ستعزز استقلاليته في الاتصالات الفضائية العالية السرعة مع الإنترنت. وأكدت رئيسة “يوتلسات” إيفا برنيكي أن تلك الشركة ليست واثقة من الشكل النهائي الذي ستتخذه مجموعات الأقمار الصناعية الأوروبية في المستقبل، “إلا أننا لا نطيق صبراً لبدء الحوار مع المفوضية” الأوروبية.

واستكمالاً، نقلت “أ ف ب” عن المفوض الأوروبي لشؤون الاتصالات تييري بروتون، أن نشر تلك المجموعة سينهي مشكلة ما يسمى بـ”المناطق البيضاء” التي لا تغطيها شبكات الخليوي في أوروبا. وأضاف الناطق نفسه أن تلك الخطوة تساعد أيضاً في توفير اتصالات مشفرة للدول بمساعدة التقنيات المستندة إلى الفيزياء الكمومية، ما يعني أيضاً توفير بديل للشبكات الأرضية التي تبقى عرضة للهجمات الإلكترونية، وفق “أ ف ب”.

واستكمالاً لمشهدية الصراع الدولي على الاتصالات في الفضاء تملك الصين مشروعها الخاص لنشر مجموعة الأقمار الصناعية “غواوانغ” التي ستضم 13 ألف قمر متخصص في الاتصالات الفضائية، بحسب “أ ف ب”.

وفي منحى متصل، رأى رومان بييردون، وهو محلل لدى شركة “ألفا فاليو” AlphaValue التي تعمل في مجال تقييم مخاطر الاستثمار، أن “كوكبات الأقمار الصناعية على مدارات منخفضة تُشكل سوقاً يمكن أن تصبح استراتيجية للحكومات”.

وأضاف بييردون في تصريح أدلى به إلى “أف ب” حول وضعية التنافس الدولي في الأقمار الصناعية المتخصصصة في الاتصالات الفضائية، أنه “في الوقت الحالي أصبحت المخاطر سيادية أكثر فأكثر. ونحن نرى ذلك مع أشباه الموصلات وفي الصناعات الأخرى. إذ يتمثل الهدف في عدم الاعتماد على أي كان، لذلك ستكون أوروبا عميلاً كبيراً محتملاً لوان ويب” [البريطانية]”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس