استطلاع إسباني : المغرب ما يزال العدو الأول

19
استطلاع إسباني : المغرب ما يزال العدو الأول
استطلاع إسباني : المغرب ما يزال العدو الأول

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. وفقا للاستنتاجات المثيرة التي كشف عنها أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة متخصصة، عبّر أكثر من ثلث الإسبان المستطلعة آراؤهم بأن المغرب هو العدو المفترض رقم واحد حاليا لإسبانيا. المثير أيضا، أن أقل من نصف المواطنين الإسبان البالغين أكثر من 18 عاما فقط، بحسب خلاصات استطلاع الرأي الذي أجري شهر أكتوبر/تشرين الأول الأخير، قد عبروا عن استعدادهم للدفاع عن بلدهم في حال دخوله حربا.

وإذا كانت هذه الخلاصات لا تحمل في الواقع جديدا، باعتبارها تؤكد حقيقة راسخة في إسبانيا سبق أن كشفت عنها استطلاعات رأس سابقة منذ سنين، فإن التوظيف السياسي والعسكري لها في الجارة الشمالية للمغرب هو ما يحرك أكثر من سؤال..

ليس المغرب جارا “عاديا” بالنسبة لإسبانيا بكل تأكيد. فثقل الماضي المشترك الطويل ما يزال حاضرا في وعي ولاوعي شعبي البلدين، بحيث يوئثر بالضرورة وبقوة في حاضرهما وعلى مستقبلهما كذلك. وتأسيسا على هذا الواقع، لا عجب في أن يشكل المغرب على الدوام رهانا مركزيا في الحملات الانتخابية لجارته الشمالية، حيث تابعنا الصيف الماضي كيف كان المغرب في قلب الجدل الانتخابي. كما يشكل مادة حاضرة بلا انقطاع في السجال العسكري والإعلامي اليومي، على الخصوص باعتباره “تهديدا” دائما لإسبانيا. وفي سياق ذلك، اعتدنا من الجارة الشمالية على التقارير والحملات الإعلامية التي لا تتوقف، والموجهة أساسا للمستوى السياسي الإسباني بتحريض وتحفيز من المستوى العسكري والأمني/المخابراتي أو بإيعاز منه. والهدف طبعا هو الضغط على صناع القرار في مدريد، الذين يتوجسون من سطوة الرأي العام الإسباني ويتصرفون بهاجس انتخابي.

المغرب عدوا أول..

في ضوء ذلك، أكدت خلاصات أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة متخصصة لفائدة صحيفة “إل موندو” الإسبانية الشهيرة، بأن أكثر من ثلث الإسبان المستطلعة آراؤهم صرحوا بأن المغرب هو العدو المفترض رقم واحد حاليا لبلادهم. ووفقا للاستطلاع الذي أجري بين 9 و11 من شهر أكتوبر/تشرين الماضي، رد أفراد العينة المكونة من 2603 مواطن إسباني يبلغون أكثر من 18 سنة ومسجلون على قوائم الناخبين (يشاركون في الانتخابات العامة اللإسبانية)، على سؤال: “من هو أهم عدو مفترض لإسبانيا حاليا؟” بأنه المغرب، بنسبة (35,6%) من الأصوات. ووضع (23%) من أفراد العينة فلاديمير بوتين شخصيا وروسيا بشكل عام في المرتبة الثانية على لائحة أعداء بلادهم. بالمقابل، لم تعد الصين (3,9 %)، وفرنسا ( 1,4%)، والمملكة المتحدة (1,3%) أعداء تهديدا لإسبانيا وفقا للعينة المستطلعة آراؤها. في حين اعتبر 15% منهم بأنه لا تواجه إسبانيا أية تهديدات في هذا الاتجاه.

والتفاصيل أن هذه الآراء تتأثر بشكل كبير بحسب الخلفية السياسية للشعب الإسباني، بحسب خلاصات استطلاع الرأي نفسه. فالناخبون الذين يصوتون لفائدة حزب “فوكس” [أقصى اليمين] و”الحزب الشعبي” [يميني محافظ] يجمعون على أن المغرب، الذي تربطه ببلادهم “حدود” برية وبحرية، يشكل أكبر خطر يتهدد بلادهم. بينما يعتبر المصوتون لصالح “الحزب الاشتراكي العمالي” بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو مصدر الخطر الأكبر، دون شك بسبب الحرب في أوكرانيا وبالنظر إلى الاتهامات التي توجه في إسبانيا لروسيا بتشجيعها الانفصاليين الكاتالونيين [شمال شرق إسبانيا].

ونفس الخلاف وسط الناخبين الإسبان كشف عنه استطلاع الرأي، بخصوص “الافتخار” بالقوات المسلحة الإسبانية. فبينما عبر (60,7%) من الإسبان بشكل عام عن فخرهم الكبير أو العادي بها، ترتفع النسبة بين المصوتين منهم لفائدة الحزب الشعبي إلى (91,5%)، متبوعين بالمصوتين لحزب فوكس بنسبة (90%). بينما تنخفض نسبة المعبرين عن “فخرهم” بقواتهم المسلحة البرية والجوية والبحرية في صفوف المصوتين للحزب الشعبي إلى (66%).

وفي حال دخلت إسبانيا حربا مع بلد، صرح (41,9 %) من المستطلعة آراؤهم عن استعدادهم للمساهمة في الدفاع عن بلدهم. وهذه النسبة تسجل تراجعا بنقطتين بالمقارنة مع النسبة التي كشف عنها استطلاع للرأي العام الماضي، والتي بلغت (43,9 %).

لكن هذه النسب المئوية المثيرة للقلق لا يمكن أن تخفي مفارقات أخرى، تتوارى معها مشاعر العداء المعبر عنها في الضفة الشمالية للبوغاز. فقد كشفت آخر الأرقام الرسمية التي أصدرتها السلطات الإسبانية قبل أسبوعين، عن كون المواطنين المغاربة يوجدون في طليعة الأجانب الذين حصلوا على الجنسية الإسبانية. يليهم لكن بنسب أقل بكثير مواطنو دول أمريكا اللاتينية التي تتحدث الإسبانية، وتعتبر تاريخيا أقرب إلى الإسبان!

توجس وعداء مستحكم للمغرب

الملاحظ أنه بعد ظهور نتائج استطلاع الرأي، تعاطى الإعلام الإسباني معها كتحصيل حاصل، باعتبارهها لا تحمل جديدا. وهي حقيقة قد لا نختلف معه حولها. فالعداء الإسباني للمغرب سبق أن كشفت عنه استطلاعات للرأي أنجزتها مؤسسات إعلامية متخصصة لفائدة صحف إسبانية، كما كشفت عنها استطلاعات لفائدة المؤسسة العسكرية نفسها. واستثمارها إعلاميا وسياسيا وعسكريا، قائم بالفعل وبشكل دائم منذ أكثر من عقد من الزمن، إما لغرض الاستهلاك السياسي الداخلي (لكسب الانتخابات، للضغط لرفع ميزانية الدفاع، الخ…). وقد اعتدنا كمتتبعين للشأن الإسباني ذي العلاقة بالمغرب، على مقالات وحملات إعلامية منسقة في قنوات التلفزيون العمومية والخاصة، والصحف مثل “إل كوفدنثيال” و”إل موندو” و”إل إسبانيول” و”لاراثون” وغيرها، مثلا، كلما أبرم المغرب صفقة سلاح متطور جديدة، خصوصا مع الولايات المتحدة أو فرنسا أو إسرائـيل.

وبهذا الصدد، تقوم وسائل الإعلام الإسبانية بشكل مستمر بتحيين المعطيات، حول ميزان القوى العسكري بين إسبانيا والمغرب، مستعينة بخبراء عسكريين. وتتألق في هذا المجال بشكل خاص صحيفة “لاراثون” الواسعة الانتشار، والمعروفة بقربها من دوائر المخابرات العسكرية، التي تحظى من وقت لآخر بـ “تسريبات”. وقد نشرت منذ الصيف الماضي أكثر من تقرير ومقال لصحفيين وخبراء عسكريين، تناولت فيها مستجدات ميزان القوى العسكري الذي تُسَوِّق بأنه بدأ يميل في بعض القطاعات لفائدة المغرب.

وقبل أسبوع، عادت “لاراثون” في مقال للتذكير بأنه وفقا لآخر نسخة من مؤشر القوة النارية العالمي الذي يصنف سنويا الدول التي تعتبر الأقوى عسكريا، فإن إسبانيا “تراجعت” لتصبح القوة العسكرية رقم 21 من بين 145 دولة، بعدما سبق أن صنفت عامي 2022 و2021 في 19 و18 على التوالي، بينما يقهقر ترتيب المغرب عسكريا من المرتبة 55 إلى 61 عالميا حاليا.

لكن في التفاصيل، وبحسب مصادر “لاراثون”، فإن المغرب يمتلك جيشا بريا أكثر وأفضل تجهيزا وحداثة من إسبانيا. فهو يتفوق كثيرا عليها من حيث عدد المركبات العسكرية البرية وقطع المدفعية، حيث يمتلك 1761 دبابة مقابل 327 لإسبانيا، وأكثر من 660 قطعة مدفعية مجرورة وذاتية الدفع مقابل أقل من 250 لإسبانيا.

ورغم أن مدريد تدفع 2% من الناتج الداخلي الخام الإسباني لحلف الأطلسي الذي يوفر لها الحماية، إلا أن جهات من المستوى العسكري —في الخدمة حاليا أو ضباطا كبارا متقاعدين— تضغط دون توقف من خلال الإعلام، لتطوير القوات المسلحة، محذرة من أن المغرب هذا “العدو رقم 1” لبلادهم آخذ في تطوير قواته العسكرية بصمت.

وللتذكير، فعلى مدى القرون الأربعة الماضية، ضمنت إسبانيا تفوقا عسكريا مطلقا على المغرب، وهو ما يفسر احتلالها لعدد من المناطق الساحلية المغربية، ثم الانتصار في حرب تطوان سنة 1860 واحتلال شمال المغرب ما بين 1912-1956، مستغلة في ذلك ضعف الدولة المغربية. لكن بعد قرون، تمكن المغرب ابتداء من سنة 2021 من تقليص الفجوة العسكرية بين البلدين، إلى مستوى تَقارب نسبي في ميزان القوة العسكري. ولم تعد إسبانيا بالتالي متفوقة بشكل كبير، ولم تعد تمتلك ميزة الردع العسكري الكبير التي تمتعت بها سابقا في مواجهة جارها الجنوبي. وهو ما من شأنه أن يخلق وضعا جيوسياسيا جديدا في ضفتي مضيق جبل طارق، ما فتئت تحذر من تبعاته أصوات من المستوى العسكري عبر أذرعها الإعلامية والسياسية.

ميزان القوى العسكري

وفقا لما سبق أن نشرته صحيفة “لاراثون” الإسبانية ذاتها، قبل أسابيع، فإن ميزان القوى العسكري بين إسبانيا و”عدوها الأول” المغرب، يمكن أن نلخصه رقميا من خلال الجداول الثلاث التالية. مع ملاحظة أن المعطيات التي ذكرتها الصحيفة قديمة وتعود على الأرجح إلى العام 2021 ولا تأخذ في الحسبان أسلحة برية وجوية وبحرية متطورة اقتناها المغرب خلال العامين الماضي والجاري:

القوات الجوية (2023)

القوات البحرية (2023)

القوات البرية (2023)

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس