أفريقيا برس – المغرب. لم يعد التقييم السلبي لأداء حكومة عزيز أخنوش مقتصرًا على أحزاب المعارضة المغربية (على ضعف حضورها)، ولا على نشطاء المجتمع المدني أو المدوّنين في شبكات التواصل الاجتماعي، وإنما يشمل حتى البحث الأكاديمي؛ ما يعني أن انتقاد الجهاز التنفيذي يتعدى البعد السياسي إلى التحليل القائم على مناهج مضبوطة واستقراء الواقع.
في هذا السياق، كشف “المعهد المغربي لتحليل السياسات” عن نتائج دراسته الحديثة التي توضح أن المواطنين يفقدون تدريجيًا الثقة في المؤسسات المنتخبة ككل، وتحديدًا في الحكومة الحالية. ولاحظ وجود عودة إلى الاتجاهات التي كانت سائدة قبل جائحة “كوفيد” عام 2020، حيث كانت الثقة في المؤسسات السياسية منخفضة بشكل ملحوظ.
وأكد المعهد المذكور أنه يحرص على تطوير مشروع مؤشر الثقة في المؤسسات لقياس وتحليل مستوى ثقة المواطنات والمواطنين المغاربة في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ بهدف توفير منصة للنقاش العمومي حول مسألة الثقة في المؤسسات في المغرب، وتقديم توصيات ومقترحات لصناع القرار من أجل تعزيز هذه الثقة؛ وذلك من منطلق أن مستويات الثقة العالية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع المشاركة والتعاون. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تؤدي مستويات الثقة المنخفضة إلى اللامبالاة وعدم المشاركة في الشأن العام وحتى تنامي انعدام الثقة.
وفي أحدث استطلاع رأي أنجزه المعهد المذكور، تبين أن ثمة انخفاضًا عامًا في الثقة بالمؤسسات المنتخبة، بما في ذلك الحكومة الحالية مقارنة بالعام الماضي: 43 في المئة من المغاربة يثقون بالحكومة في عام 2023 مقارنة بـ 69 في المئة في عام 2022.
كما انخفضت الثقة في الأحزاب السياسية والبرلمان إلى 33 في المئة و42 في المئة على التوالي.
في المقابل، تتمتع المؤسسات السياسية المحلية بثقة أعلى، إذ أعرب 62 في المئة من المستجوبين عن ثقتهم في المجالس البلدية المحلية. كما حظيت وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بثقة عالية بنسبة 73 في المئة و83 في المئة على التوالي.
ومن ثم، تؤكد نتائج هذا العام، مرة أخرى، أن المؤسسات غير المنتخبة تتمتع بمستويات ثقة أعلى مقارنة بالمؤسسات المنتخبة. وتبقى الشرطة (87%) والجيش (89%) والدرك (84%) المؤسسات الأكثر ثقة.
وسجل التقرير أن الثقة في التعليم العام انخفضت قليلاً إلى 76 في المئة، بينما انخفضت الثقة في التعليم الخاص بشكل كبير إلى 55 في المئة. والجدير بالذكر أن استياء شريحة كبيرة من المغاربة من التعليم الخاص برز بشكل كبير خلال جائحة “كوفيد”، بسبب قيام جل المدارس الخاصة بإلزام الأسر بدفع المستحقات الشهرية عن أبنائهم، رغم كونهم لم يتلقوا الدراسة في الأقسام.
على مستوى آخر، تبقى الثقة في خدمات الصحة العامة منخفضة عند 49 في المئة، بينما تتمتع خدمات الصحة الخاصة بثقة أعلى بنسبة 72 في المئة. وشهد النظام المصرفي مستوى ثقة متوسط بنسبة 58 في المئة.
وتتمتع منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية بمستويات ثقة بنسبة 58 في المئة و44 في المئة على التوالي. وتظل الإدراكات حول الفساد عالية، حيث يدعي 83 في المئة من المستجوبين أن الرشوة منتشرة في المغرب.
وسجل التقرير أن 8 في المئة فقط من العينة المستجوبة هم أعضاء في منظمة المجتمع المدني. كما لاحظ انخفاض المشاركة في السياسة الرسمية، حيث إن 98 في المئة من المستجوبين ليسوا أعضاء في أي حزب سياسي. علاوة على محدودية الثقافة السياسية. فعلى الرغم من أن 83 في المئة قالوا إنهم يعرفون اسم رئيس الحكومة، فإن إجاباتهم تباينت بين عزيز أخنوش وعبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني؛ بينما عرف 6 في المئة فقط اسم رئيس مجلس النواب في البرلمان و2 في المئة عرفوا اسم رئيس مجلس المستشارين.
وأوضح “المعهد المغربي لتحليل السياسيات” أنه اعتمد في هذا التقرير على المنهج الكمي، وأن النتائج الواردة فيه تستند إلى التحليل الكمي للبيانات التي جرى جمعها في الفترة ما بين 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 و23 شباط/ فبراير 2023، بناء على عينة تمثيلية تكونت من 2000 شخص، وفقاً للهيكل الديموغرافي الذي حددته “المندوبية السامية للتخطيط” (مؤسسة رسمية)، وهي عينة تمثيلية للسكان المغاربة الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر.
وكان المعهد المذكور أنجز ثلاثة استطلاع رأي، انصب أولها حول خصائص الثقة وانعدامها لدى المغاربة في مؤسسة ذات دور مركزي في سير الحياة الديمقراطية في البلاد، حيث أظهر التحليل أن البرلمان كان من أقل المؤسسات التي تحظى بثقة المغاربة، سواء في البحث النوعي أو الاستطلاع الكمي، وقد جرى اعتبارها مؤسسة ذات أداء ضعيف، إذ ليس للنواب أجندة واضحة، ولا يمكن محاسبتهم من قبل المواطنين.
وكان موضوع الاستطلاع الثاني هو “مؤشر الثقة في المؤسسات قطاعي التعليم والصحة” (2021) فقد حددت طبيعة ومستوى الثقة في مؤسسات التعليم والرعاية الصحية. وعلى الرغم من الأزمة الصحية المرتبطة بانتشار فيروس كوفيد 19، والظروف الطارئة التي فرضتها ما زال الصحة والتعليم يأتيان في مقدمة أولويات المغاربة وفقاً لنتائج الدراسة. كما اكتشف التقرير أن مستويات الرضى في كل من قطاعي التعليم العمومي والخاص متشابهة إلى حد كبير، مع عدم وجود تباينات ملحوظة. وفي المقابل، كانت مستويات الرضى بشأن خدمات قطاع الصحة أدنى من نظيرتها في التعليم، وقد ظهر اختلاف أكثر وضوحاً بين القطاعين الصحيين العمومي والخاص، حيث عبّر الأفراد عن رضى أكبر عن الخدمات المقدمة في القطاع الخاص.
وتمحور استطلاع الرأي الثالث حول “مؤشر الثقة في المؤسسات الإدارة العمومية” (2022)، فألقى الضوء على الإدارة العمومية، واستمر في تشخيص الثقة السياسية في المغرب بعد انتخابات أيلول/ سبتمبر 2021، التي كشفت عن نتائج ملحوظة وأثبتت تغيراً في المواقف الاجتماعية والسياسية للمواطنين. بشكل عام، أعرب اثنان من كل ثلاثة مستطلعين عن رضاهم العام عن أداء الإدارة العمومية. كما تبين أن المغاربة راضون عن المرافق العمومية وإمكانية الاستفادة من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الإدارة العمومية وأيضاً عن موظفيها، في حين كانوا أقل رضى عن الوقت الذي يستغرقه إنجاز مهمة ما وإمكانية تقديم شكاوى رسمية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس