“التهديد القادم من المغرب” يقسم إسبانيا

11
"التهديد القادم من المغرب" يقسم إسبانيا

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. بدون موافقة الحكومة، أنشأ الجيش الإسباني مؤخرا مجموعة عمل للتحقيق في “التهديد القادم من المغرب”، وذلك “من أجل تقييم مخاطر الأنشطة المغربية، سواء داخل إسبانيا أو خارجها، وتقديم مقترحات للرد عليها”. هذا ما كشفت عنه صحيفة “إيه بي سي” الإسبانية، حيث تم تشكيل مجموعة العمل بأمر من الأميرال تيودورو استيبان لوبيز كالديرون القائد الأعلى للجيش الإسباني، قبل أيام، من دون استشارة وزيرة الدفاع مارغريتا روبليس ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز أو جهازه الأمني. وهو ما نتج عنه انقسام داخل الجيش نفسه وفي المستوى السياسي الإسباني، نظرا لأن مدريد تلزم في السنوات الأخيرة سياسة “عدم التصادم مع المغرب”.

“التهديد القادم من المغرب”

كشفت صحيفة “ABC” الإسبانية أن رئيس هيئة أركان الدفاع الأدميرال جنرال تيودورو إستيبان لوبيز كالديرون، قرر تشكيل فريق عمل يهدف إلى تحديد وتقييم واقتراح ردود محتملة، على المخاطر التي تمثلها أنشطة المغرب بالنسبة لإسبانيا، سواء داخل البلاد أو خارجها. ووفقا لتقرير نشر بعدد الصحيفة ليوم الاثنين، فإن هذا الفريق المتخصص في التحليل والتخطيط بدأ خطواته الأولى قبل أيام، بعد انضمامه إلى فريق آخر تابع لقسم الأمن القومي، والذي يخضع مباشرة لرئاسة الحكومة ويتحرك ضمن نطاق وزاري مشترك. إلا أن نشاط هذا الفريق الأخير شبه متوقف حاليا نتيجة قرار سياسي.

وبحسب المصادر المطلعة التي استندت إليها الصحيفة المذكورة، فإن إنشاء هذا الفريق الجديد من طرف رئيس هيئة الأركان تم بدون اللجوء إلى المستوى السياسي في العاصمة مدريد. وبالتالي، قد تُقابل هذه العملية بعدم الترحيب من قبل الحكومة الإسبانية، تماشيا مع سياسة التهدئة التي تنهجها مدريد حاليا حيال الرباط. وأضافت الصحيفة الإسبانية في هذا السياق، بأن رئيس هيئة أركان الدفاع الأدميرال لوبيز كالديرون يعي بأن اتخاذ قرار من هذا النوع، في مرحلة تعتمد فيها الحكومة الإسبانية سياسة دبلوماسية هادئة تجاه المغرب، بلغت ذروتها مع التغيير الجذري في موقف إسبانيا من قضية الصحراء، قد لا يكون مرحبا به من جانب الحكومة. وأن هذه الخطوة قد تكلفه منصبه على رأس الجيش.

ولفت المصدر نفسه إلى أن الاجتماع الأول لهذا الفريق الجديد، الذي شهد حضور رئيس قيادة العمليات ونواب رؤساء أركان القوات المسلحة إلى جانب رئيس هيئة الأركان، شهد وجود تحفظات داخل القيادة العسكرية نفسها على هذه الخطوة، لكونها لم تصدر بأمر مباشر من الحكومة. غير أن رؤية رئيس هيئة الأركان الأدميرال تيودورو كالديرون، بحسب الصحيفة، تعاكس هذا الرأي، وترى بأن القوات المسلحة الإسبانية، وخاصة هيئة أركان الدفاع، وُجدت للاستعداد لجميع الظروف والردود الممكنة على أي سيناريو. خصوصا عندما يتعلق الأمر بدولة مثل المغرب، التي تُعتبر حساسة لأمن إسبانيا. وهو ما يتطلب عملا جادا ودقيقا في مجال التخطيط. على أساس أن تتحمل الحكومة مسؤولية اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة، لكن بعد الاطلاع على كامل المعطيات المتوفرة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية قولها، إن غالبية أعضاء القيادة العليا للجيش الإسباني تعتبر أن لوبيز الأدميرال كالديرون تصرف بشكل صائب، لما فيه مصلحة البلاد، وأنه بعد الاجتماع النهائي لتخطيط مهام الفريق الذي عُقد الاثنين الماضي، برئاسة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول خوسي أنطونيو هيريرا، من المتوقع أن تبدأ الآن المرحلة الثانية من عمل هذا الفريق. وستركز هذه المرحلة، وفق الصحيفة الإسبانية، على “مقارنة التهديدات التي يطرحها المغرب بالقدرات الإسبانية، لتحديد نقاط القوة والضعف”، في وقت يسود قلق خاص بشأن قدرة إسبانيا على الرد على أنشطة التأثير وجمع المعلومات التي تنفذها الرباط في مجال الدفاع.

قلق وخلافات داخلية

المثير للدهشة أن الجنرال لوريتو غوتيريز هورتادو الذي يرأس فريق العمل هذا، سبق له أن صرح العام الماضي بأن “المغرب لا يشكل تهديدا” لبلاده. والأدميرال كالديرون كان قد اعتبر في عام 2021 أيضا، أنه “لا يوجد خطر على سبتة ومليلية” المحتلتين. لكن يبدو أن تلك التصريحات كانت مجرد رسائل تهدئة موجهة إلى المغرب، أو ربما إلى الرأي العام الإسباني لتبديد قلقه.

والواقع أن “قضية” فريق العمل المكلف بتحديد وتقييم واقتراح ردود محتملة على المخاطر، التي تمثلها أنشطة المغرب بالنسبة لإسبانيا تطفو على سطح النقاش العام في الجارة الشمالية، في توقيت جد حساس. وتكشف على الأقل ثلاث موجبات كبرى للقلق، تشغل بال المستويات السياسية والأمنية والعسكرية ومعها الرأي العام الإسباني حاليا.

أولها، التهديد الذي يمثله إقبال المغرب على التسلح بكثافة خلال العقد الأخير، حيث يقتني أسلحة متطورة من مصادر متعددة وأساسا من الولايات المتحدة. ويسمح له ذلك بتقليص الفارق بينه وبين الجارة الشمالية، حتى أن القوات البرية للمغرب باتت تتفوق على نظيرتها الإسبانية باعتراف الخبراء الإسبان أنفسهم.

وثاني موجب للقلق بالنسبة لمدريد، هو فتور علاقتها (بعض التحليلات تتحدث عن أزمة صامتة) مع إدارة ترامب. فالإعلام الاسباني يقول إن الجو متوتر الآن بين مدريد وواشنطن. وتتزايد المخاوف من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سوف يقدم دعما أقوى للمغرب خلال فترة رئاسته الثانية التي بدأت مع مطلع السنة الجارية. ويسود وسط القيادة العسكرية الإسبانية خوف خاص من أن يقوم البنتاغون بنقل القوات الأميركية وقطع البحرية، من قاعدة “روتا” البحرية بجنوب إسبانيا إلى المغرب. لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تغيير للتوازن الاستراتيجي في المنطقة بشكل جدي.

وثالث موجبات القلق، هو زيادة نقاط الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري، ووسط المستوى العسكري ذاته في إسبانيا. فتسريبات الإعلام الإسباني حول مداولات كبار قادة الجيش الاسباني، حول قضية “فريق العمل المكلف بتحديد وتقييم واقتراح ردود محتملة على المخاطر التي يمثلها المغرب لإسبانيا”، وحول غيرها من القضايا الأخرى، تكشف عن تباين وجهات النظر والتقدير بين وزيرة الدفاع روبليس [مدنية] وكبار المسؤولين العسكريين.

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “ABC” في أكثر من موضع في التقرير المذكور، إلى أن مصادر عسكرية موثوقة تؤكد بأن تشكيل قضية تشكيل فريق العمل إياه، قد تُفقد الأدميرال كالديرون منصبه برئاسة الأركان. وهو أمر لا يقلقه كثيرا، حسب تعبير الصحيفة، خصوصا وأنه يعتبر نفسه قد تجاوز السن المناسب للخدمة [يبلغ 71 سنة]. وعلى الرغم من أن الأدميرال كالديرون يحظى بتقدير واسع وسط الجيش الإسباني، إلا أن الكثير من المحطات والمواقف تظهر أكثر فأكثر مدى انعدام الثقة بين كبار قيادات القوات المسلحة الإسبانية.

أولوية الحفاظ على التهدئة

من الواضح أن الحكومة الإسبانية تضع نصب أعينها تجنب كل ما يمكن أن يقودها إلى تصادم جديد مع المغرب. وفي سبيل ذلك، تحاول ضبط عمل المؤسستين الأمنية والعسكرية بأقصى قدر ممكن. وقبل أسابيع، وجهت وزيرة الدفاع مارغريتا روبليس مراسلة إلى قيادة الجيش، تطلب منها تفادي الاحتفال بالذكرى المئوية لـ “إنزال الحسيمة”.

وهو عملية عسكرية بحرية وجوية واسعة شكّلت أول إنزال من نوعه في التاريخ العسكري العالمي، وقام بها الجيش الإسباني بدعم فرنسي، في 8 شتنبر 1925، بساحل الحسيمة في الريف بشمال المغرب. وهدفت إلى حسم الحرب والانتقام من المقاومة المغربية التي أذلت الجيش الإسباني بهزيمته في معركة أنوال التاريخية. ومن ذلك نفهم لماذا لم يكن الجيش الإسباني مسرورا من التعليمة الحكومية، التي تحثه على تفادي الاحتفال بأمجاده الاستعمارية حتى لا يُغضب المغرب.

وفي ذات السياق، وبهدوء تام وبلا إعلان رسمي، انسحب عملاء جهاز الاستخبارات الإسبانية CNI من الأراضي المغربية، وتوقفت شبكاتهم عن العمل الميداني منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، وفقا لما أكدته مصادر أمنية موثوقة لصحيفة “إل موندو الإسبانية”. وهي العملية، التي وُصفت بأنها “تفكيك فعلي” للحضور الاستخباراتي في بلد يعتبره الإسبان “محوريا” لأمنهم ومصالحهم الاقتصادية، وقد أُنجزت من دون أي توضيح، تاركة وراءها فراغا في واحد من أكثر الملفات حساسية في علاقة مدريد بجارها الجنوبي.

ونقلت الصحيفة الاسبانية عن مصادرها الاستخباراتية والأمنية، أنه وفي ما يشبه عملية “انسحاب تكتيكي” تجري في الظل، ووسط سياق دبلوماسي هش وحساس، تم تجميد المهام التقليدية للجهاز في المملكة المغربية والتي تشمل التجسس ومكافحة التجسس في ملفات استراتيجية، بالكامل منذ أزيد من ثلاث سنوات، ذلك أن فرق CNI التي كانت تعمل سابقا من العاصمة المغربية الرباط، تقلص وجودها بشكل متدرج حتى تحوّلت إلى مجرد حضور إداري “غير استخباراتي”، لا يتجاوز أداء مهام بيروقراطية داخل “التمثيليات الديبلوماسية”، وهي البُنى التحتية السرية التي تُستعمل عادة لاستقبال الفرق عند تنفيذ المهام الميدانية.

وقبل هذا التقلص، كانت مجموعات استخباراتية عديدة تشتغل في المغرب، تراقب عن كثب مجالات مصنّفة بكونها بالغة الأهمية للأمن القومي الإسباني، مثل الدفاع، والهجرة، والتطرف، والملفات الجيوسياسي، والقطاع التجاري. لكن بحسب الشهادات الذي تحدث عنها الإعلام الإسباني، صدرت أوامر بسحب العملاء بشكل “مفاجئ”. ومنذ ذلك الحين “لم يُرسل أي منهم من جديد”، أو على الأقل تم تقليص عملهم الاستخباراتي.

المصادر الأمنية رفيعة المستوى، وفق ما ذكرته الصحيفة، لم تُخفِ امتعاضها من الوضع، وانتقدت “عدم وجود أي معلومات” حول أسباب هذا الانكفاء في بلد تعتبر السيطرة على مجاله المعلوماتي “ضرورة استراتيجية لإسبانيا”، مشددة على أنه “من غير الطبيعي الانسحاب من بلد لا يصنَّف منطقة نزاع أو صراع”.

في المقابل، نفى المركز الوطني للاستخبارات وفق “إل موندو” وجود هذا الانسحاب، وأكد أن “الاحتياجات المعلوماتية للمركز في المغرب مغطاة بالكامل”، مشددًا على أنه “من غير الصحيح وجود قيود على النشاط الاستخباراتي”.

لكن، ما كشفته المصادر لا ينسجم مع هذا النفي، إذ تربط تلك المصادر عملية الانسحاب بسياق سياسي أوسع، ارتبط بما سمّته “موجة تقارب” بين حكومة بيدرو سانشيز والرباط، شملت توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات الأمن والهجرة، إلى جانب التحوّل الجذري في الموقف الإسباني إزاء ملف الصحراء المغربية، حين اعترفت مدريد رسميًا بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل للنزاع، متخلية عن دعمها السابق لإجراء استفتاء تقرير المصير.

في هذا الإطار، أوضحت مصادر استخباراتية لها خبرة طويلة في التعامل مع الملف المغربي لـ “إل موندو”، بأن “الحكومة لا تريد إزعاج المغرب”، مضيفة: “لهذا السبب أخرجت عملاء CNI من هناك، لتفادي أي نوع من المشاكل أو سوء فهم الذي قد يُهدد العلاقة”. وبحسب هذه المصادر، لا يوجد مبرر منطقي لتفكيك الشبكات الاستخباراتية، لأن “المغرب ليس منطقة صراع”، و”القاعدة العامة أن هذا النوع من المهام لا يُنفَّذ في بلدان تعيش حروبا أو اضطرابات أمنية شديدة، حفاظا على سلامة العملاء، لكن هذا لا ينطبق على الحالة المغربية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس