مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. تتصاعد التوترات بين البلدين الجارين منذ 6 سنوات، خاصة بعد أن قطعت الجزائر علاقتها الدبلوماسية مع المغرب في عام 2021. وفي تطور مفاجئ ومثير للريبة والقلق، كشف “المرصد الأطلسي للدفاع والتسليح” عن وجود تحركات عسكرية غير مسبوقة للجيش الجزائري قرب الحدود الجنوبية الغربية مع المغرب. ويتعلق الأمر بإنشاء مدرجات عسكرية تُستخدم عادة لهبوط طائرات النقل العسكرية التكتيكية الضخمة، يقول الخبراء إنها تستعمل عادة أثناء الحروب، سواء لنقل الجنود إلى الجبهات أو للدعم اللوجستي أو لإخلاء الجرحى والقتلى.. وهو ما يعيد إلى الواجهة تساؤلات ملحّة قديمة-جديدة حول احتمال دخول الجزائر في مواجهة مباشرة مع جارها الغربي.
المرصد الذي دعم منشوره بصورة جوية لأحد المدرجين مع إحداثيات موقعه، وعد بمواصلة متابعة تحركات الجيش الجزائرية على طول خط الحدود مع المغرب. والواقع أن الأسابيع الأخيرة شهدت تطورات عسكرية لافتة على الحدود مع المغرب. فقد انتهت الجزائر قبل أيام من بناء قاعدة جوية جديدة في بلدة أم العسل، التابعة لولاية تندوف (جنوب غرب الجزائر)، وتقع على بعد حوالي 70 كيلومترا من خط الحدود المغربية، تحت قيادة المنطقة العسكرية الجزائرية الثالثة. وتقع القاعدة الجزائرية الجديدة تحديدا جنوب منطقة محاميد الغزلان المغربية، وفقا لما ذكر مرصد الدفاع والتسليح الأطلسي على منصة X. وأظهرت صورة للأقمار الصناعية مرفقة بالخبر، وجود طائرتين مقاتلتين من صنع روسي على الأقل من طراز ميغ-29 في القاعدة، مزودتين بصواريخ جو- جو. بالإضافة وجود مستودعات للذخيرة وغيرها من المنشآت العسكرية الأخرى بالقاعدة.
وللتذكير، فإن الجزائر شرعت في بناء هذه القاعدة منذ أواخر العام 2021. ثم توسيع مدرجها بحيث أصبح يستوعب طائرات عسكرية أكبر حجما، مثل مقاتلة الـ “سوخوي” الروسية الصنع. علاوة على ذلك، تتمركز في القاعدة الدبابات التي كانت متمركزة سابقا في مخيمات تندوف. لكن المثير للاستغراب أن قاعدة “أم العسل” لا تحظى بأية حماية طبيعية تقريبا، عدا ما كان من صواريخ للدفاع الجوي وضعها بها الجيش الجزائري.
عودة شبح أزمة 2020
الواقع أن الحدود الجزائرية – المغربية المغلقة منذ 31 عاما تشكل قنبلة موقوتة.
بتاريخ21 مايو 2020، نشرت “الجريدة الرسمية” للمملكة المغربية مرسوما حكوميا يقضي بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، لأرض تبلغ مساحتها 23 هكتارا بنواحي مدينة جرادة [38 كلم على الحدود الشرقية مع الجزائر]، من أجل بناء ثكنة عسكرية فوقها قرب الحدود مع الجارة الجزائر. وما أن التقطت المواقع الاعلامية المغربية الخبر ونقله عنها الإعلام الجزائري، حتى تحول الخبر “العادي” إلى موضوع جديد للمزايدة السياسية بين الجزائر والمغرب.
فقد قادت حينها الجزائر (رئيسا وحكومة وإعلاما) حملة على المغرب بسبب ما قالت إنها “عمل استفزازي”، بل وذهبت السردية الجزائرية بعيدا حد اتهام جارها الغربي بـ “إقامة قاعدة إسرائيلية” على حدودها، وحاولت جر إسبانيا ─دون جدوى─ إلى صفها بزعم أن قاعدة جرادة “تهدد” مليلية.. وقال الرئيس الجزائري تبون نفسه حينها، في مقابلة مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، بأن إقامة قواعد عسكرية على الحدود بين البلدين هو “تصعيد خطير” وبمثابة “إعلان حرب”.
وعلى الرغم من أن مسطرة نزع الملكية للأرض التي ستشيد فوقها قاعدة “جرادة”، اتخذت مسارا شفافا حيث تم نشره في الجريدة الرسمية للمملكة، أي إعلانه للعموم.. وعلى الرغم من أن القوات المسلحة الملكية المغربية أوضحت في بيان رسمي، أن إحداث الثكنة الجديدة بإقليم جرادة يأتي في إطار مشروع نقل الثكنات العسكرية إلى خارج المدن. وأن ثكنة جرادة “ستخصص لإيواء الجنود، وليس لها هدف عملي”؛ إلا أن القيادة العسكرية في الجزائر واصلت حملتها عبر الإعلام العمومي والخصوصي المرتبط بها، معتبرة أن “جرادة” ليست ثكنة بل قاعدة استراتيجية قد تضم سلاحا استراتيجيا، هو إنذار بتحول كبير في ميزان القوى لأول مرة منذ حرب الرمال في 1963. وبينما أعلن الجيش المغربي في بيانه أن ثكنة “جرادة” تفصلها عن الحدود الجزائرية 38 كيلومترا، زعمت المصادر الجزائرية من خلال بعض وسائل إعلامها الرسمي التي لا تعرف المنطقة، أن المسافة لا تزيد عن 6 كيلومترات (وهناك من بينها من زعم بأن المسافة هي كيلومتر واحد فقط!).
واتفق محللون غربيون مع الجزائريين حول طبيعة الموقع العسكري، فكشفوا بأن المغرب إنما هدفت من وراء إنشاء قاعدة جرادة، خلق توازن استراتيجي مع القاعدة البحرية “مرسى الكبير” قرب وهران.. بحيث يمركز الجيش المغربي فيها أسلحة قوية قادرة على تحييد الخطر الذي تشكله القاعدة البحرية الجزائرية، التي تقع في مرمى نيران قاعدة جرادة.
لكن، لماذا نعيد التذكير بقاعدة جرادة التي خرجت اليوم من دائرة الجدل جزائريا؟
إخلال بعقيدة “توازن الردع”
وفقا للخبير المغربي في التحليل الاستراتيجي عبد الحميد العوني، فإن الدولة المغربية قد نقلت إلى جيشها ملكية الأراضي الحدودية مع الجزائر. ويوضح ذلك في دراسة له حول القواعد العسكرية على الحدود بين المغرب والجزائر، بالقول إنه “مع القضم الترابي المتواصل لتراب المملكة بعشرات الكيلومترات من طرف الجزائر كما حدث في إقليم فكَيكَ [المقصود: استيلاء الجيش الجزائري على واحة “العرجة” في ربيع 2021، وطرد فلاحي النخيل المغاربة منها بدعوى أنها أرض جزائرية]، ارتأت المملكة تحفيظ الأراضي الحدودية لصالح القوات المسلحة الملكية، ثم قررت بعدها بناء قواعد عليها توازي القواعد الخمس والعشرين الجزائرية على الحدود مع المغرب”.
فقد “أصبح واضحا أن هذه القواعد الجزائرية التهمت، ولسنوات سابقة، مئات الكيلومترات من الأراضي المغربية المربعة، بسبب التداخل وعدم الترسيم الفني والتقني لهذه الحدود. فاختار المغرب الرد على هذه الاستراتيجية بخطة مثيلة تؤسس لتوازنات أخرى، تكرس من جهة الحدود الموروثة [عن الاستعمار]، دون تمدد عرفي من قبل الجزائر أو وضع يدها على كيلومترات [أخرى من الأرض المغربية] غير مأهولة أو غير مستغلة. وأصبح من الطبيعي أن تستغلها القوات المسلحة الملكية للحفاظ عليها”.
وتكشف تقارير صادرة عن مراكز دراسات دولية حول الموضوع، أن الطرفين الجزائري والمغربي دخلا في ما يمكن تسميته شرنقة “الردع الاستراتيجي”، القائمة على تكثيف إنشاء القواعد العسكرية على جانبي الحدود. بمعنى، مثلا، أن الجزائر كلما أقامت قاعدة عسكرية على الحدود المغربية، يقوم المغرب بإقامة قاعدة مضادة على الجانب الآخر من الحدود، في إطار “استراتيجية الردع”. إلى هنا وكانت القاعدة مفهومة وحتى “منطقية”. لكن منذ أعلن المغرب عن إقامة ثكنة (أو “قاعدة” بالنسبة للجزائر) في جرادة، قبل خمس سنوات، سرّب جنرالات الجيش الجزائري أن معادلة الردع تغيرت لتصبح: قاعدتان عسكريتان اثنتان في مقابل كل قاعدة ينشئها المغرب! وتبعا لهذه المعادلة، يبدو منطقيا أن على المغرب أن يرد على كل تصعيد جزائري بمضاعفة قواعده، حتى يضمن “توازن ردعي” مع الجزائر. لكنه فرض معادلة جديدة لا تساير هذا المنطق، إذ تفضل القوات المسلحة الملكية إنشاء قاعدة عسكرية متطورة بدل قاعدتين…
إعلان جزائري للحرب؟؟
ومن هذا المنظور، لا يبدو واضحا تماما ضمن أية “معادلة أنشأت الجزائر المدرجين “المؤقتين لنزول وإقلاع الطائرات العسكرية الضخمة، في منطقة الحدود (شرق المغرب وغرب المغرب) الواقعة بين مدينتي بشار الجزائرية وبوذنيب الجزائرية. فهذا النوع من البنى التحتية العسكرية (المؤقتة) يتم إنشاؤه على عجل خلال الحروب، لنقل القوات القتالية والسلاح والتجهيزات والجرحى والقتلى.. فهل الجزائر تتوقع حربا محتملة مع جارها الغربي؟؟؟ ونفس الغموض يلف قاعدة “أم العسل” في ولاية تندوف، التي أقيمت في مواجهة قاعدة مغربية للقوات البرية في محاميد الغزلان.. فالمعروف أن تندوف “ولاية عسكرية” لا تنقصها القواعد لا الجوية ولا البرية…
إن هذه التطورات المثيرة للقلق تأتي في أعقاب تواتر تحليلات مراكز بحث وتفكير دولية، من بلوغ درجة التحشيد الرسمي والشعبي في الجزائر والمغرب ضد بعضهما البعض، مستويات بالغة الخطورة قد تؤدي إلى خروج الوضع عن السيطرة وبالتالي الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مدمرة. وفي هذا الإطار، كان تقرير صدر الشهر الماضي عن مؤسسة “أوكسفورد أناليتيكا” المتخصصة في تحليل النزاعات وتقديم الاستشارات الاستراتيجية عبر العالم، حذر من عواقب أية حرب محتملة بين المغرب والجزائر، منبها من أن “التوتر بين البلدين لا يُظهر أي بوادر انفراج، رغم سعي كل منهما لتجنب الحرب. فالمغرب حَذِر بشأن القدرات العسكرية للجزائر. بينما تُبدي الجزائر من جانبها حذرا كبيرا بشأن علاقات المغرب مع كل من فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل. وفي غضون ذلك، يسعى الجانبان إلى تعزيز نفوذهما في منطقة الساحل وأوروبا، من خلال تقديم الاستثمارات والشراكات الأمنية وتوثيق العلاقات الدبلوماسية”. وخلص التقرير الذي حمل عنوان “آفاق تحسين العلاقات بين المغرب والجزائر ما زالت قاتمة”، إلى أن “أيا من الطرفين لن يستطيع ضمان النصر في حرب لن تعمل سوى على تدمير شرعيته الوطنية وتُفاقم عدم الاستقرار الداخلي في البلدين”.
انتشار مكثف على جانبي الحدود
عمليا، من القاعدة البحرية “مرسى الكبير” قرب وهران في أقصى الشمال الغربي على البحر الأبيض المتوسط، وحتى القاعدة الجوية “أم العسل” قرب تندوف في أقصى الجنوب الغربي، تنشر الجزائر 25 قاعدة عسكرية على حدودها المشتركة مع المغرب، والبالغة 1739 إلى 1900 كيلومترا. وهذا التفاوت في طول الحدود مرده إلى خلاف متفجر حول الحدود “الموروثة عن الاستعمار”، يستمر منذ استقلال الجزائر وحتى اليوم، وهي في كل الأحوال أطول حدود مغلقة في العالم.
لكن تلك القواعد لم تعد ─منذ خمس سنوات─ أسرارا عسكرية. ففي خضم الجدل الذي أثارته الجزائر رئيسا ومؤسسة عسكرية وإعلاما في صيف 2020 حول ثكنة (أو قاعدة) جرادة، رد الجيش المغربي بطريقة غير مباشرة لكن صادمة. فقد
قام موقع “فارماروك” المقرب من الجيش المغربي، بنشر صورا لـ 25 قاعدة عسكرية جزائرية قبل 5 سنوات، التقطت من خلال برنامج “غوغل إيرث”، قال الموقع إنها كل القواعد العسكرية التي تنشرها الجزائر على حدودها الغربية مع المغرب وليس 30 قاعدة، كما سبق أن كان شائعا. وكان مدهشا للغاية أن صار مكشوفا للجميع أنه ليس بين إحداها وبين الحدود المغربية سوى 6 كيلومترات فقط، بينما تبعد باقي القواعد في حدود قصوى تصل إلى 60 كيلومترا.
وضمن التفاصيل التي سمحت الصور وإحداثيات مواقع تلك القواعد بملاحظتها، وجود:
– قاعدتين لا تبعدان سوى بـ 8 كيلومترات عن الحدود إحداهما خاصة بالمضادات الجوية والثانية للتموين.
– قاعدة عسكرية للوجستيك لا تبعد عن الحدود إلا بـ 10 كيلومترات.
– قاعدة للمدرعات على بعد 23 كلم وأخرى 26 كلم على الحدود.
– قاعدة تبعد بـ 30 كيلومترا.
– ثلاث قواعد عسكرية، إحداها للمشاة وأخرى للمدفعية وثالثة للمدرعات، لا تبعد جميعها عن الحدود سوى بـ 35 كيلومترا.
– قاعدة عسكرية كبرى على بعد 35 كلم من الحدود.
– ثلاث قواعد عسكرية، إحداها للمدرعات وأخرى للتنصت وثالثة للرادار، تبعد جميعها عن الحدود المغربية بـ 40 كيلومترا.
– قاعدة تبعد بـ 45 كلم.
ويعني ذلك أن الجيش المغربي لديه اطلاع واسع بما يجري في القواعد العسكرية الجزائرية. ولذلك شكل نشر صور الـ 25 قاعدة صدمة قوية للأوساط العسكرية الجزائرية، ما دفع الجيش الجزائري إلى القول إن ما حدث من تصوير، هو رسالة موجهة إلى جنرالاته، الذين ردوا على هذا “الاستفزاز” المغربي، عبر موقع “ألجيري باتريوتيك” المقرب من المخابرات العسكرية الجزائرية.
وكشف الموقع بأن ما نشر من صور ومعلومات بالغة الحساسية بزعم أنه تم الحصول عليها من خلال تطبيق “غوغل إيرث”، هو من عمل القمر الصناعي المغربي “محمد السادس”. وللتوضيح، فإنه لدى المملكة قمران يحملان اسمَي “محمد السادس-1” و”محمد السادس-2″، أحدهما مخصص للتجسس العسكري.
أما بالنسبة للمغرب، فإن عدد القواعد العسكرية التي يمتلكها على طول الحدود مع الجزائر غير معروف بدقة. لكن بعض التقارير تقول إن عددها يقرب من 17 قاعدة عسكرية. ولا تتوفر معلومات دقيقة حولها، ما عدا قاعدة “جرادة” الغامضة والتي نعلم عنها فقط أنها “استراتيجية” وفقا للجيش الجزائري، وأنها تمتد على مساحة 33 هكتارا في قلب غابة “بن علي” في جماعة لعوينات (إقليم جرادة)، على بعد حوالي 38 كيلومترا من الحدود مع الجزائر.
مصادر:
• 25 bases militaires algériennes près des frontières marocaines (“FAR Maroc” 12/7/2020).
• Provocation: les satellites Marocains épient les bases algériennes, “Algérie Patriotique” (14/7/2020).
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس