مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. يُعتبر موضوع “التسونامي الذي يهدد بمسح المغرب من الخريطة”، من الموضوعات التي لا تكاد تختفي من مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث على الشبكة العنكبوتية. من حيث المبدأ، لا عجب في ذلك. فالموضوع بقدر ما هو مثير للأسئلة بقدر ما هو غامض ومخيف. وبالتالي يتم الركوب عليه من طرف الباحثين عن “البوز”، من ناشري الأخبار الملفقة والشائعات لأغراض مختلفة. والمدهش أنهم جميعا يغلفون دائما حديثهم عن “تسونامي المغرب” بنظريات وفرضيات “علمية”. والحال أن موضوع التسونامي يفرق آراء المتخصصين ويثير جدلا لا ينتهي، في وقت ما زالت جامعات ومعاهد ومراكز أبحاث تحاول فهم الظاهرة، للتخفيف من أضرارها المدمرة والقاتلة..
وقبل أيام، أثار تعليق لوحة تتضمن إرشادات للتصرف في حال حصول تسونامي، بشاطئ مدينة الجديدة مخاوف المغاربة وأسئلتهم الحائرة. فالسلطات لم تبادر لتشرح للناس بأن الأمر يتعلق بإجراءات “روتينية”، يتم اعتمادها بتعاون مع اليونسكو لإرشاد السكان في حال حدوث مد بحري عملاق. وبعد تعليق اللوحات، يقول خبراء إنه سيتم نصب أجهزة للإنذار في المدينة نفسها (الجديدة) قريبا، ما من شأنه أن يزيد مخاوف السكان في غياب حملات تحسيسية لتوضيح ما يجري.
في الملف التالي، سوف نستنطق وثائق بحثية وأطروحات جامعية أنجزت حول موضوع “تسونامي المغرب” المثير لجدل لا ينتهي، وننصت إلى آراء خبراء وباحثين مرموقين حول الموضوع، بحثا عن حقيقة الأمر..
تسونامي المحيط الأطلسي
إنه في كلمات سيناريو جدير بيوم القيامة. إذ تقوم هذه الفرضية على مجموعة من القراءات والتوقعات العلمية، من أبرزها أن الشطر الشمالي من جزيرة “لابالما” التي يوجد بها البركان الذي ينشط من وقت لآخر، سبق له أن عرف قبل نصف مليون سنة انبعاث نشاط بركاني كبير، نتج عنه انزلاق جزء منه إلى البحر، فخلف وراءه فوهة عملاقة يصل قطرها إلى عشرة كيلومترات. أما البركان النشط حاليا على الطرف الجنوبي من الجزيرة نفسها فهو جبل (كومبري بييخا) الذي يطل على المحيط الأطلسي من ارتفاع يصل إلى 2000 متر، ويبلغ طوله 20 كلم وعرضه 15كلم. ويتماسك الجبل اعتمادا على توازن هش منذ أن انزلق جناحه الغربي بأربعة أمتار خلال ثوران البركان في عام 1949.
وبسبب ذلك التوازن الهش للجبل الشاهق، يعتقد علماء بأن من شأن أي ثورة بركانية قوية قادمة أن تؤدي به إلى انزلاق أرضي هائل، فيلقي في البحر من شاهق كتلة صخرية هائلة يقدرون حجمها بين 200 و500 كيلومتر مكعب. وهذه الكتلة الخرافية التي لا يمكن تخيل حجمها ومداها، يتوقع أن تحرك مياه المحيط من الأعماق بقوة هائلة وسرعة تعادل سرعة طائرة نفاثة، لتشكل تسونامي عملاق سوف يبلغ ارتفاع موجه عشرات الأمتار، ويتحرك في نفس الوقت وفي شكل تموجات نحو السواحل المغربية، وأيضا الأفريقية والأوروبية والأمريكية، ليدمر بقوة هائلة كل ما يصادفه في طريقه.
وإذا ما كانت الحسابات الدقيقة كشفت بأن الجبل البركاني المشرف على السواحل الجنوبية للمغرب، ينزلق بواقع سنتيمتر واحد فقط كل عام، فإن العلماء يقفون مع ذلك عاجزين عن تحديد توقيت حدوث ذلك. هل بعد عام، أم بعد قرن، أم مليون سنة. لكن بعضهم يرجحون أن يثور البركان ويحدث التسونامي خلال القرن الحالي، ليكون بذلك أضخم كارثة تعرفها البشرية في العصر الحديث..
على أن آراء العلماء إن اتفقت حول حتمية وقوع الكارثة يوما، فإن وجهات نظرهم تباينت حول توقيتها وحجمها، وبالتالي نتائجها المتوقعة. والحال أن آخر مرة ثار فيها البركان المذكور كانت في 19 سبتمبر/أيلول 2021، وكانت المخاوف من وصول الحمم البركانية إلى البحر قد تُحدث التسونامي المزعوم. لكن بعد عدة أيام لم يقع شيء، عدا الأضرار التي أصابت المساكن والبنى التحتية بالجزيرة.
فرضية مبالغ فيها
لا يتفق الأخصائيون البارزون عبر العالم في موضوع الحجم والمدى التدميري المتوقع للتسونامي المفترض. فبينما يعتقد بعضهم بأن أي انزلاق للجبل البركاني في البحر، مهما كان حجمه لن يكون قويا مثل ذلك الذي قد ينجم عن زلزال بحري عادي.. يرى آخرون العكس. وعلى هذا الأساس تراوحت توقعات العلماء بين متفائلة، وأقل تشاؤما ثم متشائمة. وهكذا يعتقد خبير الزلازل البريطاني بيل ماغوير بأن التسونامي العملاق سوف يخلف ملايين الضحايا في طريقه، حيث سوف يصل ارتفاع موجه إلى 50 مترا. بينما يرى كل من الأمريكي ستيفن وارد والبريطاني سيمون داي الباحثان في الفيزياء البحرية، بأن التسونامي الناتج عن انزلاق الجبل البركاني المُشار إليه سيبلغ موجه 650 مترا عند الانطلاق، لكنه سوف يفقد قوته شيئا فشيئا ليحتفظ عند ارتطامه باليابسة بقوة تدمير متوسطة فقط. أما شارل مادر الخبير الأمريكي بنمذجة modélisation التسونامي، والذي أثبتت أعماله مصداقيتها من قبل، فيذهب من جهته إلى الاعتقاد بأنه حتى إذا انزلقت الكمية القصوى المفترضة ممثلة في كتلة 500 كيلومتر مكعب من صخر الجبل البركاني في البحر، فإن النتيجة لن تكون كارثية بالحجم الذي يزعمه البعض.
أما خبير علوم البحر الأمريكي الشهير تشيك واتسون فكان قدم فرضية قبل سنوات، يزعم فيها بأن النمذجة الرقمية التي قام بها لتمثيل حدوث التسونامي الناجم عن انهيار الجبل البركاني لجزيرة “بالما”، كشفت له بأن أمواجه سوف يبلغ ارتفاعها عند الاقتراب من الشواطئ المغربية 150 مترا، ثم تشرع في فقدان قوتها تدريجيا لتصل 40 أو 50 مترا عند بلوغها الشواطئ الأسبانية والبرتغالية، لتنتهي عند حدود 7 إلى 8 أمتار حين تصل الشواطئ البريطانية.
وطبعا سوف تكون لهذا التسونامي العملاق قوة تدمير – برأيه – غير محدودة وغير مسبوقة في تاريخ التسوناميات، ولا شيء يستطيع أن يوقفه أو يصمد في طريقه. لكن واتسون تراجع عن فرضيته بعد ذلك، حيث اعتبر في تصريحات صحافية بأن أقواله السابقة “اجتزئت من سياقها، وحملت معاني لم يقصدها”.
في خضم هذا الجدل، يرى خبير علوم البحار الأمريكي واتسون في فرضيته الجديدة، بأن النمذجة الرقمية لوقوع التسونامي المذكور تُظهر علو موج لن يتجاوز 5 أمتار (بدل 150 التي زعمها سابقا) في أكثر الحالات تشاؤما. وأضاف بأن التسونامي سوف يتوغل في المحيط الأطلسي [غربا] وليس نحو الشواطئ المغربية [شرقا]. كما يشير إلى أن احتمال أن يبلغ الموج علو عشرة أمتار أو أكثر، بعيدا عن جزر الكناري يراه ضعيفا. ويضم واتسون رأيه إلى آراء غيره من العلماء، الذين رأوا أن فرضية التسونامي تلك مستحيلة التوقع، لأنها بكل بساطة بنيت على مؤشرات خاطئة علميا. ومنها مثلا ما قيل بصدد الانزلاق الأرضي للجبل البركاني بحجم هائل جدا يصل إلى 500 كلم مكعب، ليتشكل بسبب ذلك التسونامي العملاق بعد سقوطه القوي في البحر. فيرى تشيك واتشون بأنه يُحتمل أن تسقط تلك الكتلة الصخرية في المحيط الأطلسي لا قطعة واحدة ضخمة، بل مجزأة إلى آلاف القطع. وهو ما سوف يُحدث أثرا مخففا في مياهه العميقة، بحسب رأيه. وينهي واتسون توقعه بأن التسونامي الذي قد يهدد المغرب لن يكون أصله إلا زلزاليا، لا بسبب بركان جزيرة لابالما.
تسونامي المتوسط
قبل ثلاث سنوات، حذرت آخر دراسة علمية نشرتها المجلة المتخصصة في العلوم “سيونتفيك ريبور”، وأنجزها باحثون في المجلس الأعلى للبحوث العلمية بإسبانيا، من أن سواحل شمال المغرب وإسبانيا باتت معرضة لمخاطر التسونامي أكثر من أي وقت مضى، بسبب تصدعات وانزلاقات ناتجة حاليا عن زلازل تقع في قعر بحر البوران. (في غرب البحر الأبيض المتوسط بين المغرب وإسبانيا).
فإذا كانت التقارير في السابق تحصر خطر وقوع تسونامي في الواجهة الغربية (المحيط الأطلسي)، فإن تقارير دولية نشرت في السنوات الأخيرة تؤكد احتمال تعرض البر الشمالي للمغرب المحاذي للمتوسط للخطر نفسه. وفي هذا الإطار، خلصت الدراسة الإسبانية المشار إليها في تقديم هذا المقال، إلى أن الأندلس والمغرب أكثر عرضة لأمواج تسونامي مما كان يعتقد سابقا. وكشفت الدراسة بأن تزايد النشاط الزلزالي يمكن أن يولد موجات تغمر مناطق مكتظة بالسكان على الساحل الجنوبي لإسبانيا وشمال المغرب، مما ستبدو معه أنظمة الإنذار الحالية غير فعالة.
وحذرت الدراسة الإسبانية إياها من أن موجات التسونامي، وفق ما أظهرت تجارب المحاكاة والسيناريوهات المحتملة، ستنتشر ‒ في حال انطلاقها في بحر البوران (الجزء الأقصى غرباً من البحر المتوسط يقع بين إسبانيا في الشمال والمغرب والجزائر في الجنوب) ‒في فرعين رئيسين لتضرب بقوة الساحل الجنوبي لإسبانيا والشمالي المغرب. وتضيف الدراسة أنه يمكن أن يصل ارتفاعها إلى ستة أمتار، بحيث ستستغرق ما بين 21 و35 دقيقة للوصول إلى السواحل المذكورة. وتتوقع الدراسة أن يكون التسونامي سريعا للغاية، مما سيجعل أنظمة الإنذار المبكر الحالية غير فعالة، بحيث يمكن أن تشكل تهديدا لسكان السواحل المذكورة، وتضر بالبنية التحتية البحرية والبرية.
فالمعروف أن الفوالق المتواجدة في أعماق المتوسط بين المغرب والجزائر وتونس في الجنوب، وفي الشمال ما بين إسبانيا وجنوب فرنسا وإيطاليا وصولا إلى تركيا، تعتبر مناطق زلزالية نشطة بسبب تقارب وحركية تكتونية بين القارتين الإفريقية والأوروبية، ببضعة سنتيمترات خلال السنة. ويتسبب ذلك في وقوع زلازل متفاوتة القوة من وقت لآخر، على طول المنطقة الممتدة من تركيا بأقصى شرق المتوسط إلى شمال المغرب بأقصى غربه، مهددة بإطلاق موجات مد عالي جدا (تسونامي). ومما يفاقم خطر حدوث ذلك ارتفاع مياه البحر بسبب ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي، نتيجة للارتفاع المتواتر في درجة الحرارة نتيجة الناتج عن التغير المناخي.
ولعل من حسن الحظ أن جزءا هاما من ساحل منطقة الريف المغربي (أقصى شمال المغرب تطل على غرب المتوسط)، هو عبارة عن مرتفعات صخرية منيعة يمكن لها أن تقف في وجه البحر في حال حصول موجات تسونامي.
أنظمة للإنذار المبكر
على الرغم من أن احتمال تعرض السواحل المغربية لتسونامي يبقى ضعيفا، وأن فترة حدوث تسونامي مماثل لذلك الذي ضرب سواحل المغرب في عام 1755، حددت في أجل يقدره بعض الباحثين في ما بين 1000 و2000 سنة وحتى 10.000 سنة (أنظر الحوار مع بروفيسور أوميرى).. وعلى الرغم من أن أمواج التسونامي في منطقة البحر المتوسط ومنطقة شمال شرق المحيط الأطلسي (اللتان تحاذيان سواحل المغرب)، تقل عما هي عليه في المحيط الهادي، فقد سُجلت مع ذلك عدة أمواج تسونامي ناجمة عن نشاط زلزالي في هاتين المنطقتين الأخيرتين.
ولذلك يشكل نظام الإنذار في شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، أحد الإنذار بأمواج التسونامي التي تتولى تنسيقها “لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات”. ويضم “نظام الإنذار المبكر بأمواج التسونامي وتخفيف آثارها في شمال شرق المحيط الأطلسي وفي البحر المتوسط والبحار المتصلة” هذا، 39 دولة عضو يوجد بينها المغرب. ويتمثل دوره في تقييم المخاطر، وإصدار الإنذارات وإحالتها إلى الجهات المعنية، فضلا عن توعية السكان المعرضين لمخاطر أمواج التسونامي. وتضطلع لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات، بتنسيق عملية تنفيذ هذه النظم لضمان تشغيلها بصورة مستقلة.
وفي هذا الإطار، سبق أن سلمت اليونسكو عدة أجهزة عالية الدقة للإنذار المبكر من الزلازل للمركز الوطني المغربي للبحث العلمي والتقني. وهذه الأجهزة التي تم تركيب أحدها في المعهد الوطني للجيوفيزياء، والـأجهزة الأخرى بمدن القنيطرة، والعرائش، وطنجة، (على الواجهة الأطلسية)، والحسيمة والناظور (على الواجهة المتوسطية)، وفاس (بوسط المغرب)، ستتيح إمكانية رصد الزلازل قبل حدوثها، وإطلاق رسائل تحذير عبر مكبرات الصوت. كما أن هذه الأجهزة التي تبرعت بها شركة يابانية متخصصة لفائدة المركز المغربي، ستساعد أيضا في التحذير من التسونامي. وهي مبرمجة أيضا لكي تؤدي إلى التوقيف الفوري لبعض المنشآت الحساسة، كمحطات إنتاج الطاقة النووية، والقطارات، والمصاعد، الخ.
ويوجد خبراء مغاربة كثيرون يشتغلون في مراكز ومعاهد مغربية متخصصة، ضمن فرق ووحدات بحث علمية حول مخاطر التسونامي، نذكر منها مثلا: المركز الملكي للاستشعار الفضائي، والمركز الوطني المغربي للبحث العلمي والتقني، والمعهد العلمي المغربي، والشبكة الوطنية المغربية لعلوم وتقنيات البحر، وغيرها. كما يوجد باحثون مغاربة آخرون يشتغلون حول الموضوع نفسه في مراكز أبحاث وجامعات بالبرتغال وفرنسا وغيرهما.
حوار مع البروفيسور رشيد أُوميرى:
تسونامي الانفجار البركاني قد يحدث بعد 10.000 سنة!
البروفيسور رشيد أوميرى خبير دولي متخصص في دراسة ظاهرة التسونامي، يشتغل منذ 2011 باحثا في المعهد البرتغالي لدراسة البحر والجو بالعاصمة البرتغالية لشبونة. وهو مهندس مدني حاصل على دكتوراه في الجيوفيزياء. ألف وشارك في تأليف عدة مراجع علمية عالمية في موضوع تخصصه، كما أنجز عشرات الأبحاث حول تقدير آثار التسونامي على كل من المغرب والبرتغال، وأسهم في إنشاء وتطوير نظام إنذار ضد التسونامي في البرتغال. ويشتغل حاليا ضمن فرق عاملة على عدة مشاريع حول الموضوع لدى الاتحاد الأوروبي.
بروفيسور أوميرى، من خلال استقرائك لماضي المغرب مع التسونامي، هل تعتبره منطقة مهددة؟
بالنظر إلى الموقع الجيولوجي الخاص للمغرب، خصوصا قربه من منطقة فالق جزر الأصور – جبل طارق ذات النشاط الزلزالي المرتفع، والتي ترسم منطقة الحدود بين الصفائح الأفريقية والأورو-أسيوية، يمكن اعتباره دون شك أكثر بلدان غرب أفريقيا تهديدا بخطر التسونامي الذي ينجم عن زلزال بحري. وهكذا تشير المراجع التاريخية والفهارس العلمية المتخصصة في التسونامي إلى أن الساحل الأطلسي عانى عبر التاريخ من تأثيرات هائلة ناجمة عن التسونامي الذي تلا زلزال فاتح نوفمبر 1755 وبلغت قوته بين 8,5 و8,7 درجات، وهو المعروف بزلزال لشبونة الشهير. فقد تسبب هذا التسونامي في أضرار بالغة بالمدن الساحلية: طنجة، وأصيلة، والعرائش، والمهدية، وسلا، والرباط، ومزاغان(الجديدة)، وأسفي، وأكادير.
أما في البحر الأبيض المتوسط، فنذكر بأن الزلزالين التاريخيين لعامي 1522 و1680 تولدت عنهما موجات تسونامي في سواحل البحر الأبيض المتوسط المغربية، لكنها لم تخلف – لحسن الحظ –خسائر مهمة. كما عرف المغرب أيضا خلال القرن الماضي تسوناميين صغيرين حدثا يومي 25 نوفمبر 1941 و28 فبراير 1969، وتم تسجيل حدوثهما على طول الساحل المغربي من طرف آلات قياس المد والجزر المغربية، لكنهما لم يخلفا أضرارا.
لننتقل إلى مثال محدد لتهديد يثير كثيرا من اللغط.. فقد انتشرت منذ مدة على الشبكة العنكبوتية أشرطة فيديو تتنبأ بتسونامي عملاق يهدد المغرب، ومصدره انفجار بركاني مفترض بجزيرة من جزر أرخبيل الكناري. هل هذا التهديد جدي؟
بخصوص هذا الموضوع، كشفت دراسات نشرت مؤخرا إلى وجود مؤشرات جيولوجية أكيدة تفترض بأنه خلال الثوران القادم لبركان (كومبري بييخا) الواقع بجزيرة لابالما، يحتمل أن ينجم عنه انهيار كارثي للجناح الغربي للجبل البركاني بحيث تنزلق في البحر كتلة هائلة من الصخور يفترض أن يبلغ حجمها بين 150 و500 كيلومتر مكعب. صحيح أن حدوث انزلاق بهذا الحجم الهائل من الصخور يمكن أن ينتج تسونامي كبير يدمر على الخصوص السواحل الجنوبية للمغرب [المقابلة لجزر الكناري]، لكن استقرار جزيرة لابالما من جهة أخرى يبقى موضوع جدال علمي. ووحده حدوث اندفاع متواصل صاعد للجزيرة يمكن أن يؤدي إلى فقدانها استقرارها [الجيولوجي]. وبالنظر إلى حجم التطور الحالي لجزيرة لابالما، فإن حدوث الانهيار المفترض سوف يستغرق حدوثه 10000 سنة!
وباختصار، فإن خطر التسونامي الذي قد يتسبب فيه بركان الجزيرة إياها، قائم لكنه ضعيف الاحتمال جدا.
طيب بروفيسور أوميرى. باعتبارك خبيرا في تنفيذ المحاكاة الرقمية لوقوع التسونامي، دعني أسألك: لو حدث تسونامي غدا، كيف ستجري الأمور في الواقع؟ وأين تتوقع أن يبلغ مداه بالنسبة إلى المغرب؟
رغم أن التسوناميات شكلت في أغلب مناطق المعمور خطرا ضعيف الاحتمال، إلا أن التسونامي الذي ضرب اليابان في 2010، وقبله ذلك الذي وقع في المحيط الهندي في 2004 كشفا عن حجم التأثير المدمر الذي يمكن أن ينجم عن هذا النوع من الكوارث. وكونها تحدث بوتيرة منخفضة يعني غالبا بأن السلطات والناس بشكل أعم يميلون إلى تناسي إمكانية حدوث ظاهرة طبيعية كهذه.
أما الجواب على سؤالك فيرتبط بالمدى الذي قد يكون للتسونامي الذي تفترض حدوثه. فإذا كان مشابها لذلك الذي ضرب سومطرة في 2004، أو اليابان في 2010، أو لشبونة في 1755 (هذا الذي ضرب المغرب كذلك)، فإن تأثيره على السواحل المغربية سوف يكون دون شك مدمرا. والسبب في ذلك أن المغرب يعرف تمركزا كبيرا للسكان والمشاريع الاستثمارية السياحية والتجارية والصناعية على طول سواحله، ما يضاعف بشكل كبير هشاشة ذلك التمركز في مواجهة التسوناميات.. وفوق ذلك، فإن سكان السواحل المغربية غير مهيئين لمواجهة كوارث طبيعية كهذه، بحيث إذا ما تكرر تسونامي شبيه بذلك الذي حدث في عام 1755م فسوف تنجم عنه خسائر بشرية هائلة.
ما العمل إذن من أجل التقليص من آثار الكارثة المحتملة؟ هل يسعفنا العلم في معرفة وقت حدوث التسونامي؟ بمعنى، هل يمكن توقع هذا الصنف من الكوارث؟
هذا النوع من الكوارث لا يمكن لنا توقعه. وما يجعل التسونامي غير قابل للتوقع هو كونه ينتج عن ظواهر جيولوجية هي نفسها لا يمكن توقعها؛ من قبيل الزلازل تحت – بحرية، والانزلاقات الأرضية في الأعماق البحرية، الخ. وعلى العكس من ذلك، من الممكن توقع فترات عودة مثل هذه الكوارث، على سبيل المثال، من خلال الاستناد إلى فترات تكرار الزلازل التي ولدت موجات تسونامي في الماضي. وبعد أن يتولد التسونامي عن زلزال، يمكن توقع ساعة بلوغه المناطق الشاطئية، بفضل أدوات استشعار خاصة، وبفضل القيام بعملية محاكاة رقمية لبرمجة التسونامي.
وهل يمكن التخفيف من أضرار التسونامي؟
نعم من الممكن ذلك…
كيف؟
من خلال إقامة نظام للإنذار، ووضع خطط لإجلاء الناس، وأيضا من خلال العمل على تحسيس سكان المناطق الساحلية وتربيتهم على التعامل مع هذا الخطر، وكذلك من خلال الدراسة العلمية لمظاهر الهشاشة حيال التسونامي، وحماية المناطق المهددة (من خلال إقامة الأسوار البحرية والحواجز الكاسرة للأمواج، الخ.). فجميع هذه الإجراءات من شأنها أن تخفف من حجم الأضرار في حال حودث التسونامي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس