المغرب والبرازيل.. هل تُراجع الحكومة اليسارية العلاقات مع الرباط؟

24
المغرب والبرازيل.. هل تُراجع الحكومة اليسارية العلاقات مع الرباط؟
المغرب والبرازيل.. هل تُراجع الحكومة اليسارية العلاقات مع الرباط؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في إطار السعي المغربي لتنويع شركائه وتوسيع شبكة تحالفاته على المستويين الإقليمي والدولي، صادقت لجنة الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية بالبرلمان البرازيلي قبل أيام، على نص الاتفاق الإطار-للتعاون بين البرازيل والمغرب في مجال الدفاع. وبهذه المصادقة الأخيرة، تدخل الاتفاقية المذكورة فعليا حيز التنفيذ، خاصة وأن “لجنة العلاقات الخارجية والدفاع الوطني” بمجلس النواب المغربي، كانت سباقة إلى المصادقة عليها منذ فاتح ديسمبر/كانون الأول 2021.

ويفتح هذا التقارب الباب واسعا أمام التعاون العسكري بين البلدين، بما فيه استثمار رأس المال والتجربة البرازيلية في الصناعات العسكرية بالمغرب. كما يرتقب أن يتيح للمغرب اقتناء أسلحة برازيلية متطورة. لكن التعاون الدفاعي والأمني ليس البعد الوحيد للعلاقات المتنامية بين البلدين في السنوات الأخيرة. بل يمكن اعتباره تتويجا طبيعيا ونتيجة لتطور العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية، على الخصوص خلال سنوات حكم اليمين للبرازيل.

ولذلك تطرح العودة المثيرة للجدل لليسار إلى الحكم داخل البرازيل نفسها، أسئلة وفرضيات موضوعها مستقبل العلاقات المتشعبة بين الرباط وبرازيليا. فهل تُراجع إدارة الرئيس لولا دا سيلفا ملف العلاقات بين البلدين؟ وهل تعود مرة أخرى إلى الاعتراف بـ “دولة” البوليساريو، منهية بذلك “العصر الذهبي” للعلاقات بين الرباط وبرازيليا؟

تعتبر الاتفاقية الموقعة في سنة 2019 مع الحكومة البرازيلية، هامة من حيث تضمنها نقل التكنولوجيا وتفتح المجال واسعا أمام المقتنيات العسكرية، وإقامة مشاريع مشتركة للتصنيع العسكري بالمغرب، وتنظيم تداريب ومناورات، وغيرها من القضايا الأخرى. بالإضافة إلى تضمنها بندا متعلقا بـ “احترام الوحدة الترابية للبلدين، وعدم المساس بها أو بالأوضاع الداخلية” وذلك في المادة الثالثة من الاتفاقية.

ترقية التعاون الدفاعي

يشير التعاون العسكري والأمني بين المغرب والبرازيل، إلى استراتيجية المغرب الخاصة بتنويع مصادر تسليح وتطوير قواته المسلحة، من خلال توسيع دائرة علاقاتها الإقليمية والدولية. ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، ستنضم البرازيل إلى قائمة الدول المصدرة للسلاح إلى المغرب، إلى جانب الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وإسرائيل، وتركيا. حيث يسعى المغرب أن يصبح إحدى القوى الأفريقية الرائدة في مجال الدفاع والأمن، بفضل الاستثمار المكثف في السلاح المتطور. لكن أيضا بفضل التدريبات العسكرية مع شركائه، خصوصا الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، ودول مجلس التعاون الخليجي، وإسرائيل، ومستقبلا مع البرازيل.

فالاتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي بين المملكة المغربية والبرازيل في المجال الدفاعي والأمني، من خلال رفع كفاءة وتعزيز قدرات قواته المسلحة،

ووفقا لموقع “أخبار الدفاع في أمريكا الجنوبية والعالم”، فإنه بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري والدفاعي، قد تبيع البرازيل للمغرب معدات عسكرية متطورة قد تشمل: راجمة الصواريخ ASTROS II / III MLRS، القادرة على إطلاق صواريخ من عيار 127 مم حتى 300 مم. وتتألف البطارية الواحدة من 6 عربات قاذفة، و6 عربات تموين حاملة للصواريخ، وعربة رادار واحدة للتحكم في إطلاق النار والتوجيه والقيادة. وأيضا راجمة “أستروس 2” التي يمكنها إطلاق صواريخ مختلفة من 9 كلم إلى 150 كلم. وسبق لمسؤولين عسكريين مغاربة أن عاينوا هذه الراجمة. إلى جانب صاروخ كروز “MICLA-BR” بمدى 300 كلم يتم إطلاقه من الجو. والنسخة البرازيلية من غواصة “سكوربين” الفرنسية. وأيضاً طائرات المراقبة والإنذار الجوي المبكر المعروفة باسم “Embraer R-99″، التي يمكن توظيفها لمراقبة الحدود المغربية الجزائرية والمنطقة العازلة في الصحراء.

كما أن البرازيل التي تحتل المرتبة الـ 12 ضمن أقوى الجيوش على المستوى العالمي وفقا لتصنيف مؤشر “غلوبال فاير باور” للعام الجاري، ولديها صناعة عسكرية متطورة، لا يمكن إلا أن تفيد الجيش المغربي الذي يُصنف الـ61 على المستوى العالمي، بحسب ذات المؤشر. فإلى جانب تنظيم مناورات عسكرية مشتركة، تنص الاتفاقية المذكورة على تبادل الخبرات الأمنية والعسكرية وهو ما من شأنه أن يرفع من جاهزية القوات المسلحة المغربية، لمواجهة التهديدات والمخاطر الأمنية المحيطة به، سواء داخل البلاد أو على المستوى الإقليمي. وبحسب بعض المراقبين، قد تشارك البرازيل—في هذا الإطار— للمرة الأولى، في مناورات الأسد الأفريقي، المقرر تنظيمها بالمغرب، خلال الفترة ما بين 22 مايو/أيار إلى 16 يونيو/حزيران 2023، في مناطق أكَادير وطانطان والمحبس وتزنيت والقنيطرة وبن جرير.

ومن جانب آخر، يتوقع اتفاق التعاون العسكري بين المغرب والبرازيل، تطوير قطاع الصناعة العسكرية حيث يسعى المغرب إلى جذب الاستثمارات البرازيلية في قطاع الصناعات العسكرية، إذ تنص الاتفاقية التي تم التصديق عليها في البرلمان البرازيلي على إمكانية ضخ استثمارات برازيلية مهمة في الصناعة العسكرية المغربية الجديدة، التي قنّنها القانون المغربي مؤخرا. حيث يتيح له الاتفاق الموقّع مع البرازيل في هذا الشأن إمكانية عقد صفقات للحصول على تكنولوجيات متطورة في مجال التسليح، خاصة وأن البرازيل تمتلك براءات اختراع يمكن أن تبيعها للمغرب لتطوير قطاع الصناعة العسكرية المغربية.

ويتماشى ذلك مع توجهات البرازيل الحالية، الخاصة بفتح قنوات مستقبلية بشأن الاستثمار في مجال الصناعة الحربية المغربية تحديدا، والتي بدأت تجذب إليها بالفعل استثمارات متعددة، من الولايات المتحدة، وكندا، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأوروبا. فالمعروف أن الرباط تهدف من وراء ذلك إلى تنزيل استراتيجيتها لتطوير الصناعة العسكرية، بما يسهم في تلبية حاجياتها الداخلية، وفي الوقت نفسه خفض فاتورة استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية.

موقف متوازن ومصالح

يُشير التوجه نحو تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع البرازيل، إلى رغبة المغرب في توظيفها لاستمالة الموقف البرازيلي لتأييد المقترح المغربي الخاص بتسوية قضية الصحراء، والمتمثل في منح الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، في أفق أن يسهم تطوير العلاقات المغربية البرازيلية في اختراق أمريكا اللاتينية، للتسويق للموقف المغربي الرسمي في قضية الصحراء. كما أن المغرب يدرك جيدا قوة العلاقات البرازيلية مع دولة جنوب أفريقيا، ولذلك قد تسعى المغرب لتوظيف البرازيل في حلحلة موقف جنوب أفريقيا تجاه قضية الصحراء.

والواقع أن البرازيل تتبنى موقفا “قانونيا وحكيما” بشأن قضية الصحراء المغربية، حيث تدافع عن “ضرورة التوصل إلى حل سياسي داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، وفقا لما قاله قبل شهر نبيل الدغوغي السفير المغربي ببرازيليا. ودافع الدبلوماسي المغربي عن كون الموقف البرازيلي “محترما للغاية، حيث لم تعترف قط بالكيان الوهمي [يقصد “الدولة” التي أعلنتها البوليساريو] وتواصل الدفاع عن حل سياسي في مجلس الأمن كسبيل لتسوية النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية”. وفي هذا السياق، صوتت البرازيل لفائدة القرار الأخير (رقم 2654) الذي تم تبناه مجلس الأمن الدولي في أواخر أكتوبر 2022، وهو القرار الذي أعاد التأكيد على مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

وقد تُرجم هذا التوجه البراغماتي للبرازيل بفتحها في 26 مارس 2022، غرفة التجارة المغربية – البرازيلية بمدينة الداخلة بقلب الصحراء، بهدف تعزيز المبادلات والتعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب والبرازيل. وتم افتتاح هذه الغرفة من طرف إدواردو نانتس بولسونارو المستشار السياسي لرئيس البرازيل السابق (وهو أيضا ابنه)، الذي أعرب عن أمله بالمناسبة، في “أن يصبح المغرب مركزا للصادرات البرازيلية نحو إفريقيا”. وتتطلع هذه التمثيلية ذات البعد الاقتصادي إلى أن تشكل آلية للتقارب ودعامة للتنمية الاقتصادية والتجارية خدمة للبلدين معا، كما تهدف إلى تعزيز الحوار بين الفاعلين في القطاعين العام والخاص والتشجيع على تأسيس مقاولات برازيلية في المغرب.

وبسبب حجمها الجغرافي وثقلها السياسي والاقتصادي، تقع البرازيل ضمن دائرة اهتمام “ديبلوماسية الفوسفاط” المغربية، كما أسماها وزيرها للفلاحة خلال زيارته المغرب العام الماضي. فهي تعتمد بشكل رئيس على الأسمدة الزراعية بسبب فقر تربتها، وبالتالي فإن توريد هذه السلعة يعتبر من أهم الدعائم التي ترتكز عليها الصناعات الزراعية البرازيلية، التي يبلغ حجمها حاليا 100 مليار دولار أمريكي سنويا.

ومن مظاهر الاهتمام المغربي السياسي والاقتصادي بالبرازيل، شروع عملاق الأسمدة العالمي شركة “المكتب الشريف للفوسفاط” في إنشاء مصنع للأسمدة في مدينة ساو لويس، بولاية مارانهاو الساحلية (شمال). وسيقوم بتصنيع الأسمدة الزراعية انطلاقا من الفوسفاط المغربي، إلى جانب بناء عدد من المخازن والمكاتب التسويقية في أرجاء البرازيل المترامية. كما يجري التخطيط لإنشاء مصنع لفوسفاط ثنائي الكالسيوم لتغذية الحيوانات اللحومة، توجه منتجاته لتزويد قطاع تربية الماشية البرازيلية، التي تنتشر من مناطق الوسط الغربي إلى المناطق الشمالية في البرازيل.

تطور اقتصادي غير مسبوق

لا يقل الشق الاقتصادي في ملف العلاقات المغربية البرازيلية أهمية عن الشق الدفاعي والأمني. فبعدما لم يكن حجم المبادلات التجارية يزيد إلا قليلا عن 230 مليون دولار سنة 1997، شهد تطورا كبيرا لينتقل إلى 3,13 مليار دولار برسم العام 2022، بحسب بيانات لوزارة الاقتصاد البرازيلية، ، وهو ما يمثل رقما قياسيا تاريخيا حتى الآن، في مقابل حجم تبادل قدره 2,48 مليار دولار في عام 2021. وتهيمن الأسمدة الزراعية على الصادرات المغربية نحو البرازيل (حوالي 1,7 مليار دولار)، تليها المواد الكيماوية غير العضوية والمركبات العضوية وغير العضوية من المعادن الثمينة (حوالي 170 مليون دولار)، ثم الملح والكبريت والجبص والإسمنت (حوالي 42 مليون دولار) ، ثم الأسماك والقشريات والرخويات واللافقريات المائية الأخرى (42 مليون دولار)، والآلات والمعدات والمواد الكهربائية وأجزاءها (20 مليون دولار)، والملابس وملحقاتها (حوالي 20 مليون دولار). كما تضم الصادرات المغربية أيضا أجزاء الطائرات والآليات الفضائية (2,5 ملايين دولار) والسيارات والجرارات والدراجات والمركبات البرية الأخرى وأجزاؤها.

لقد صدر المغرب في عام 2022 سلعا ومنتجات بقيمة تزيد عن 2,06 مليار دولار إلى البرازيل، الشريك التجاري الرابع للمملكة، بينما قامت برازيليا بتصدير منتجات بقيمة 1,06 مليار دولار نحو المغرب، وهو ما نتج عنه فائض تجاري ناهز مليار دولار لصالح المملكة.

ومن جهته، استورد المغرب على وجه الخصوص من البرازيل منتجات الصناعات الغذائية 648,32 مليون دولار، والمنتجات النباتية 304,28 مليون دولار، والمعادن الأساسية ومشتقاتها 46ر40 مليون دولار، ومنتجات الكيماويات والصناعات المرتبطة بها 24,96 مليون دولار والخشب والفحم 13,52 مليون دولار. وقد ضاعفت البرازيل أربع مرات صادراتها من القمح إلى المغرب العام الماضي، وفقا لغرفة التجارة العربية البرازيلية، حيث قامت المملكة باستيراد نحو 360 ألف طن من القمح البرازيلي خلال الأشهر الأربعة الأولى فقط من العام 2022، ما يمثل زيادة قدرها 632 % مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقها.

وبحسب خبراء برازيليين، فإن هذا النمو الكبير، الذي تشهده العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الرباط وبرازيليا في السنوات الأخيرة، يعود بالأساس إلى الطابع الاستراتيجي الذي تمثله المملكة بالنسبة للبرازيل التي ترى في المغرب دولة استراتيجية تعد منفذا آمنا إلى عدة أسواق عربية وإسلامية؛ ولكن قبل كل شيء باعتبارها نافذة إلى إفريقيا، وهي قارة في طور النمو وستنمو بشكل أكبر في المستقبل القريب من الناحية الاقتصادية والديموغرافية.

والعلاقات بين البلدين مرشحة لمزيد من التطور، بدليل أن الدورة 15 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب (SIAM)، الذي التئم بمدينة مكناس بين 2 و7 مايو/أيار 2023، شهد إنزالا غير مسبوق لما يقرب من 30 شركة برازيلية تتنوع منتجاتها بين البن، والفلفل الأسود، والقطاني، والدواجن، والآلات الزراعية، أسماك المياه العذبة، وغيرها.

هل تُراجع الحكومة اليسارية العلاقات مع المغرب؟

في عام 2020، اعتبر الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو أن “المغرب شريك استراتيجي للبرازيل”. فهل تشهد البرازيل تراجعا عن هذه الشراكة في ظل عودة اليسار إلى الحكم؟ أو لعل الصيغة المناسبة للسؤال هي: هل تستطيع البرازيل تحت ولاية اليسار أن تضحي بعلاقاتها الاستراتيجة مع المغرب، لفائدة تقارب يبدو منطقيا أكثر مع الجزائر؟

لقد كان لافتا إشادة نائب رئيس جمهورية البرازيل جيرالدو ألكمين، الثلاثاء الماضي، بمستوى شراكة بلاده مع المغرب، وإعرابه عن ثقته في “إمكانات تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين”. فقد غرد ألكمين على تويتر، معلقا على لقائه بسفير المغرب في برازيليا نبيل الدغوغي، يقول: “أعتقد أن هناك إمكانات كبيرة لزيادة حجم التجارة الثنائية، وتقوية شراكتنا في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل الطاقة المتجددة”.

وبعد أن ذكّر بأنه في عام 2022 تجاوز التدفق التجاري بين البلدين 3 مليارات دولار، أعرب ألكمين الذي وجهت إليه دعوة رسمية لزيارة المغرب، عن اهتمام بلاده بـ “إعطاء زخم جديد للعلاقات الاقتصادية والتجارية التي تزداد بين البلدين”، وفقا لبلاغ للسفارة المغربية في برازيليا، التي أشارت إلى اأن “الطرفين ناقشا إمكانات الشراكة الاقتصادية بين المغرب والبرازيل، وتحديدا في مجالات اللوجستيك البحري، ميناء طنجة المتوسط كمركز لإعادة الشحن بخصوص صادرات الزراعات الصناعية البرازيلية، وقطاعات الأمن الغذائي، والهيدروجين الأخضر لصناعة التعدين الخالي من الكربون، والوقود الحيوي”.

تغريدة نائب الرئيس البرازيلي يمكن قراءتها على أنها بمثابة رسالة طمأنة للشريك المغربي، خصوصا بعد التحركات الجزائرية الأخيرة لاسترجاع نفوذها السابق في أمريكا اللاتينية، التي تعتبر البرازيل قائدتها. صحيح أن ألكمين لا ينتمي إلى حزب الرئيس لولا دا سيلفا حزب العمال اليساري، بل ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي (وسط)، قد استقبل السفير المغربي وتباحث معه بصفته عضوا في الحكومة (يشغل كذلك حقيبة الصناعة والتجارة) ونائبا للرئيس. ويدفعنا ذلك إلى التوقف عند بعض التحليلات (خصوصا الجزائرية) التي تتوقع أن تتراجع البرازيل مستقبلا، في عهد الرئيس اليساري لولا دا سيلفا، عن تعميق شراكتها مع المملكة المغربية لفائدة الجزائر باعتبارها الأقرب إليها. وتراجع خصوصا موقفها المتوازن من قضية الصحراء.

والواقع أنه من المشكوك فيه، على الأقل في الأفق المنظور، أن تقدم البرازيل التي تحاول طي صفحة انتخابات الخريف الماضي المضطربة وما تلاها من شق للصف الوطني، على ذلك. فالموضوع لا تحكمه العاطفة من الأصل، بقدر ما تحدده المصالح العليا للبلاد، وحتى لو كان في نية إدارة “لولا دا سيلفا” التراجع عن شراكة البرازيل مع المغرب، فإن ثمة إكراهات ستفرض نفسها عليها. فموقف برازيليا المتوازن من قضية الصحراء انبنى على حسابات براغماتية، فرضته باعتباره موقفا رسميا للدولة البرازيلية وليس موقفا لحكومات يمينية سابقة.

المغرب أول شريك تجاري للبرازيل في المغرب العربي، الوثاني لها بالقارة الأفريقية، والثاني على الصعيد العربي (بعد السعودية). فهو زبون مهم للقمح وللحوم الحية والزيوت النباتية، وغيرها من المنتجات الزراعية والمعدنية البرازيلية. والمغرب هو على الخصوص يوفر لقطاع الزراعة الصناعية الضخم في البرازيل نصف حاجياته الحيوية من الأسمدة، وهي بملايين الأطنان، في وقت تشهد السوق الدولية للأسمدة أزمة حادة لا يُتوقع أن تنتهي قريبا بسبب الحرب الأوكرانية، بعد وقف ثلاثة من كبار المصدرين (الصين وروسيا وأوكرانيا) تزويد السوق الدولية بالأسمدة، وهو ما رفع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة. وإلى جانب امتلاك المغرب لأصول في شركات إنتاج وتوزيع الأسمدة في البرازيل، فقد شرع في تشييد مصنع كبير لإنتاج الأسمدة انطلاقا من الفوسفاط المغربي فوق التراب البرازيلي.

كما أن قطاع المال والأعمال البرازيلي انخرط في السباق الدولي، على الفرص الاستثمارية الواعدة جدا بالصحراء المغربية، من خلال غرفة التجارة والصناعة البرازيلية المغربية بمدينة الداخلة.

كما أبرم الجانبان اتفاق شراكة استراتيجية (يعني بعيدة الأمد) في مجالات الطاقة المتجددة واستعمالاتها، لدراسة وإنشاء هيكل وطني جاهز بالمغرب لشحن السيارات الكهربائية. من خلال إقامة شبكة من محطات الشحن الكهربائي، تُسهل على سكان المملكة المغربية شراء السيارات الكهربائية مستقبلا.

وفي ذلك كله، يتبنى المغرب عقيدة مفادها أن “الصحراء هي المنظار الذي ينظر به إلى علاقات المغرب مع محيطه الدولي”. وقد سبق أن أثبت بأنه مستعد للتضحية حتى بمصالحه الاستراتيجية مع دول محورية، مثل إسبانيا وألمانيا قبل عامين ومع فرنسا حاليا، متى ما تعلق الأمر بقضية الصحراء. ولذلك فإنه لا يبدو واردا أن تراجع الحكومة اليسارية ملف علاقات بلادها مع المغرب، لأن مصالح البرازيل كبيرة تفوق مصالح المغرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس