المغرب يرفع ميزانية “حالة الطوارئ المائية”

25
المغرب يرفع ميزانية
المغرب يرفع ميزانية "حالة الطوارئ المائية"

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. يعاني المغرب منذ 3 أو 4 سنوات من تداعيات أسوأ جفاف يعيشه منذ 42 عاما، حيث جفت عشرات السدود وأصبحت البوادي المغربية على مشارف أزمات عطش غير مسبوقة، قد تُحرك موجات هجرة كبرى نحو المدن. لكن عكس ما يعتقد كثيرون لا يؤثر شح السماء أو سخاؤها بالتساقطات المطرية والثلجية، فقط على مدى تلبية حاجات المواطنين إلى ماء الشرب. بل ويؤثر أيضا وبشكل بليغ على الضيعات الزراعية العملاقة التي توفر الغذاء بأشكاله للمغاربة وللخارج (الصادرات الفلاحية إلى دول أوروبا وأفريقيا). كما يؤثر بالسلب او بالإيجاب على قطاعات الصناعة (المغرب ثاني دولة صناعة في القارة بعد جنوب أفريقيا)، والسياحة…

ولذلك مع ندرة التساقطات خلال السنين الأربع الأخيرة، أصبح الجفاف معطى “هيكليا”، وفقا لتشخيص خبراء البنك الدولي، وجب على السلطات المغربية التعامل معه على هذا الأساس، وليس معالجته سطحيا باعتباره حالة عابرة. وفي هذا الإطار، سبق أن أطلق المغرب برامج متعددة ومتداخلة لمعالجة الوضع شموليا ضمن التداعيات المعقدة للتحول المناخي، لعل أبرزها وأضخمها هو “البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027”. وهذا البرنامج الذي يعد خطة عمل سبق أن قررت الحكومة تخصيصها باستثمارات تبلغ 115 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار) على ثماني سنوات، قرر ملك المغرب عقب الاجتماع الذي ترأسه الثلاثاء الماضي، لمتابعة تنفيذ البرنامج المذكور، رفعها إلى 143 مليار درهم (15 مليار دولار)، “لتخصيص اعتمادات إضافية هامة من أجل تسريع وتيرته وتحيين محتوياته، كما أعطى تعليماته للحكومة، لتفعيل إجراءات محاربة أثار الجفاف”، وذلك اعتبارا لـ “الطابع الاستراتيجي لقضية الماء”، كما جاء في بيان صادر عن القصر.

ثمة وهم شائع لدى طيف واسع من المغاربة، مفاده أن بلدهم غني بما لا ينضب من الموارد المائية. ويكفي للتأكد من شيوعه النظر إلى سلوكياتهم التي تتسم بتبديد الماء بلا حساب، إلى درجة المبالغة مثلا في غسل سياراتهم ومركباتهم بشكل متكرر. والحال أنه لا يتطلب الأمر أي مجهود لكي يتأكد المرء، من أن البلاد قد دخلت بالفعل دورة جفاف حاد، خلال العشرية الأخيرة، لا تذكر مثله ذاكرة الأجيال الحالية.

الفلاحة والصناعة وماء الشرب

لكن عكس ما يعتقد كثيرون تؤكد التقارير الدولية على أن المغرب أصبح بؤرة مناخية ساخنة، وأحد أكثر بلدان العالم معاناة من شح المياه؛ إذ يقترب بسرعة من العتبة المطلقة لـ “الإجهاد المائي”البالغة أقل من 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنويا. ولا يؤثر شح السماء أو سخاؤها بالتساقطات المطرية والثلجية، فقط على مدى تلبية حاجات المواطنين إلى ماء الشرب. بل ويؤثر أيضا وبشكل بليغ على قطاع الفلاحة الذي يوفر الغذاء بأشكاله للمغاربة وللخارج (الصادرات الفلاحية إلى دول أوروبا وأفريقيا). كما يؤثر كذلك بالسلب او بالإيجاب على قطاعات الصناعة (المغرب ثاني دولة صناعة في القارة بعد جنوب أفريقيا)، والسياحة…

وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية، يستهلك المغاربة سنويا مليارا و300 مليون متر مكعب من مياه الشرب، مصدر غالبيتها من الأمطار والعيون والسدود والآبار. بينما تستهلك الأنشطة الصناعية 1,08 مليار متر مكعب من المياه، 81% منها مصدرها مياه البحر المعالجة. غير أن الأنشطة الفلاحية كانت إلى غاية العام الماضي، أكثر القطاعات الإنتاجية استهلاكا للماء بالمغرب، بما يقرب من 87 %. فقد كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم سنتي 2019 و2020، أن المياه السطحية والجوفية تستخدم بشكل أساسي في السقي (حوالي 88%)، يليها تزويد السكان بالماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية الأخرى (%12).

غير أن الأرقام الصادرة عن وزارة الفلاحة المغربية، تشير إلى أن حجم المياه المخصصة للأنشطة الفلاحية آخذ في التراجع منذ العام الماضي. فهذا القطاع الاستراتيجي لم يحظ سوى بمليار متر مكعب من المياه للسقي في 2022، بينما كانت حصته تقارب 6 مليارات قبل سنوات قليلة فقط. وهذا التراجع المهول يمثل نسبة 80 %.

إلى جانب ذلك، لا ينبغي إغفال الضغط الذي تمارسه السياحة على موارد المغرب الشحيحة من المياه. لكن الأرقام تغيب بهذا الصدد لسبب غير واضح. لكن يمكن أن نأخذ فكرة واضحة مع ذلك، عندما نستحضر بأنه زار المغرب أزيد قرابة 11 مليون سائح خلال العام الماضي (2022)، وأن ثمة قاعدة متعارف عليها دوليا، مفادها بأن متوسط استهلاك كل سائح هو 300 لتر في اليوم، بالنسبة للسائح العادي، و880 لتر بالنسبة للسائح الثري (باحتساب ري ملاعب الغولف، وملء المسابح الكبيرة، والاستحمام المتكرر، وغيرها).

وعلى الرغم من أن العام الفلاحي 2022-2023 لم يكن جافا تماما، حيث سجل تساقطات مطرية وثلجية مهمة، إلا أن حقينات السدود والمنشئات المائية لم تنتعش بالقدر الكافي. فإلى حدود الشهر الماضي، بلغ متوسط نسبة الملء 34,4 %، بحسب مديرية المياه التابعة لوزارة الفلاحة، بواقع يقارب 5,55 مليار متر مكعب. لكنها كميات متفرقة، تتمركز غالبيتها في الثلث الشمالي من البلاد. ولذلك يتم تسريع تنفيذ ربط الأحواض المائية، حتى يتم نقل المياه بين الجهات لمعالجة الخصاص.

العجز المائي والعجز المالي

إن “قضية الماء” معقدة في المغرب. فقد كانت تقلبات هطول الأمطار من عام لآخر، عاملا رئيسيا من عوامل المؤثرة في تقلب الاقتصاد الكلي في المغرب. لكن مواسم الجفاف السابقة كانت تعقبها عموما فترات انتعاش قوي، ولم تكن تعوق النمو القوي الطويل الأجل للناتج الداخلي الفلاحي. بيد أنه مع زيادة تواتر مواسم الأمطار الضعيفة، أصبح الجفاف تحديا هيكليا، وهو ما يؤثر سلبا وبشكل خطير على أداء الاقتصاد المغربي على المدى الطويل.

لقد سبق أن كشف تقرير للبنك الدولي حول المناخ والتنمية صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، عن أن “الاحتياجات الاستثمارية اللازمة للحد من آثار تغير المناخ والتكيف معها، ستتطلب استثمار المغرب ما يقدر بنحو 23,3 مليار دولار بين 2022 و2030، مع تركيز ثلثي هذا المبلغ على احتياجات التكيف، واستثمار 25 مليار دولار أخرى بين عامي 2031 و2040؛ ثم 29,5 مليار دولار إضافية بين عامي 2041 و2050”. ويركز التقرير على أهمية “الاستثمارات لأجل تلبية احتياجات التكيف أهمية خاصة في المناطق القروية”، حيث تحذر التقديرات الواردة في التقرير من أن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ (مدى توافر المياه، وانخفاض غِلال المحاصيل) يمكن أن تؤدي إلى هجرة أكثر من 1,9 مليون مغربي من المناطق القروية (نحو 5,4% من مجموع السكان) بحلول العام 2050. وعلى الرغم من أن تدابير التكيف يمكن أن تحد من عدد المهاجرين، بسبب تغير المناخ من المناطق القروية، ينبغي على المغرب أيضا اتخاذ خطوات لإحداث فرص شغل أكثر تنوعا في تلك المناطق.

وحذر البنك الدولي في تقرير من أن إمدادات المياه انخفضت بنسبة 25%، ما يؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد المغربي، كما انخفض حجم المحاصيل بسبب تغير المناخ. وهذان العاملان يؤديان إلى انخفاض إجمالي الناتج الداخلي الخام بنسبة 6,5%. كما حذر التقرير من أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات المنجزة في البنية التحتية للمياه، إلا أنه لا يزال من الضروري تدعيمها بإصلاحات على مستوى السياسات في قطاع المياه، وإحداث تغييرات في سلوكيات المستهلكين.

هكذا، وبعد الانتعاش القوي للاقتصاد المغربي من أضرار كوفيد-19 في عام 2021، عانى الاقتصاد المغربي العام الماضي من آثار الجفاف الشديد وتباطؤ اقتصاد العالمي في عام 2022، فاندحر معدل نمو الاقتصاد إلى 1,3% في عام 2022، انخفاضا من 7,9% في عام 2021. وظهر جليا مرة أخرى مدى ضعف الاقتصاد المغربي، في مواجهة استفحال عدم انتظام مستويات هطول الأمطار.

ومن مظاهر ذلك، نذكر خصوصا الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية (الخضر والفاكهة والدجاج واللحوم الحمراء)، ما دفع معدل التضخم إلى تجاوز سقف 10%. وطبعا لعب تراجع كميات التساقطات دورا كبيرا في ذلك، ما نتج عنه تآكل مثير للقلق للقوة الشرائية، ليس فحسب بالنسبة إلى أفقر الأسر وأكثرها هشاشة، بل وأضر بشكل كبير بالطبقات الوسطى.

مسؤولية “النموذج” الفلاحي كذلك

إن معضلة الماء في المغرب لا يتحمل مسؤوليتها الجفاف “الهيكلي” وحده، بل لعلها تجد تفسيرها في السلوكيات والسياسيات السائدة كذلك. وبهذا الصدد، توجه انتقادات كثيرة للنموذج الفلاحي المعتمد بالمغرب منذ العام 2008، بسبب أضراره الفادحة. وقد حمل هذا “النموذج” اسم “مخطط المغرب الأخضر” بين 2008 و2018، ويحمل اسم “مخطط الجيل الأخضر” منذ 2020. و”مخطط المغرب الأخضر” هذا، للتذكير، هو برنامج يحدد السياسة الزراعية المغربية على مدى 10 سنوات، أَطلقه عزيز أخنوش عام 2008، عندما كان وزيرا للفلاحة. وفي عام 2020، تم تعويضه ببرنامج جديد يعتبر استمرارا له، يحمل اسم “مخطط الجيل الأخضر 2020-2030″، بقيادة عزيز أخنوش دائما.

عموما يهدف هذا الـ”نموذج” رسميا إلى تعزيز وجلب استثمارات كبرى للقطاع الفلاحي، ورفع الناتج الداخلي الفلاحي الخام، ومحاربة الفقر في البوادي، وتعزيز الصادرات الفلاحية بسلاسل إنتاج ذات قيمة مضافة مرتفعة. لكن خبراء الفلاحة والاقتصاد المغاربة يوجهون انتقادات كثيرة لهذا النموذج الفلاحي، من حيث قضى على زراعة الحبوب والقطاني والبذور المنتجة لزيت الطبخ وغيرها من الزراعات المعاشية، لفائدة تعزيز الزراعات الموجهة إلى التصدير. وهو ما نتج عنه إضرار كبير بالفلاحة والفلاحين.

هكذا، وفي هذه الفترة من الجفاف الشديد ومخاطر الإجهاد المائي، الذي يعاني من تداعياته القاسية المغرب، وفي وقت تشهد المملكة حاليا تراجعا مقلقا لحقينات سدودها المائية، إلى ما دون 10% بالنسبة لبعضها، بينما كانت تبلغ 49% خلال خريف عام 2021، تدعو المنظمات المغربية غير الحكومية المدافعة عن البيئة، إلى اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على ما تبقى من مياه بالبلاد. وفي مقدمتها الوقف الفوري لزراعة بعض أنواع الفاكهة، مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر والحوامض والفراولة والطماطم، التي تستنزف كميات كبيرة من المياه السطحية والجوفية. فالخبراء المغاربة يقولون إن إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو مثلا يستهلك 1000 لتر (أي طن واحد) من مياه الري. بينما يمكن أن يستهلك إنتاج حبة بطيخ واحدة وزنها 10 كيلوغرامات، ما يصل إلى 500 لتر (نصف طن) من المياه العذبة غير المتجددة بسبب الجفاف.

لكن وزير الفلاحة المغربي رد قبل أيام، بأنه “لا توجد قوانين تمنع زراعة تلك الأصناف من الزراعة”؛ ومضيفا بأن ما يروج حول استنزافها لكميات كبيرة من المياه “ليس دقيقا”!

بينما يرد الخبراء بأن تصدير تلك الخضر والفاكهة المستنزفة للماء، هو في واقع الأمر تصدير لمياه أصبحت أكثر شحا عاما بعد عام. فالصادرات منها إلى أوروبا وأفريقيا ارتفعت بنسبة 117% العام الماضي رغم الجفاف، ما يعني أن الضغط على موارد المياه تضاعف. بينما تم التخلي بالمقابل عن زراعات أساسية، بحيث أصبح المغرب يستورد 100 % من حاجته من الدرة، و98 % من حاجته من الزيوت النباتية للطبخ، ونصف حاجته من السكر والحبوب.

وبالتالي خلق “النموذج” الفلاحي المغربي الجديد تبعية غير مسبوقة إلى الخارج، في ما يخص الحاجيات الأساسية للمستهلك المغربي.

مخطط طوارئ ضد العطش

إن الرهانات على الماء كثيرة ومتداخلة المشارب والأبعاد. ولذلك سبق أن كشف تقرير للبنك الدولي، حول “المناخ والتنمية” صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، عن أن “الاحتياجات اللازمة للحد من آثار تغير المناخ والتكيف معها، ستتطلب استثمار المغرب ما يقدر بنحو 23,3 مليار دولار بين 2022 و2030، مع تركيز ثلثي هذا المبلغ على احتياجات التكيف، واستثمار 25 مليار دولار أخرى بين عامي 2031 و2040؛ ثم 29,5 مليار دولار إضافية بين عامي 2041 و2050”. ويركز التقرير على أهمية “الاستثمارات لأجل تلبية احتياجات التكيف أهمية خاصة في المناطق القروية”، حيث تحذر التقديرات الواردة في التقرير من أن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ (مدى توافر المياه، وانخفاض غِلال المحاصيل) يمكن أن تؤدي إلى هجرة أكثر من 1,9 مليون مغربي من المناطق القروية (نحو 5,4% من مجموع السكان) بحلول العام 2050. وعلى الرغم من أن تدابير التكيف يمكن أن تحد من عدد المهاجرين، بسبب تغير المناخ من المناطق القروية، ينبغي على المغرب أيضا اتخاذ خطوات لإحداث فرص شغل أكثر تنوعا في تلك المناطق.

ويتضمن البرنامج أيضا خططا لزيادة فرص الحصول على مياه الشرب في المناطق الريفية. في السنوات الأخيرة، ركزت استراتيجية المغرب الإنمائية على مكافحة ندرة المياه. للقيام بذلك، أطلقت البلاد خطة مدتها 30 عاما بقيمة 37,6 مليار دولار لتحسين أنظمة المياه الوطنية للاستخدام المنزلي والزراعي، وحماية إمدادات المياه المتأثرة بتغير المناخ.

لكن على المديَيْن القصير والمتوسط، عَجّل المغرب بإحداث “برنامج وطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027″، تم إطلاقه في منتصف يناير/كانون الثاني 2020 من طرف الملك، بميزانية استثمارات بقيمة 115,4 مليار درهم (12 مليار دولار). وتتحدد أهدافه في “دعم وتنويع مصادر التزويد بالماء الشروب، ومواكبة الطلب على هذا المصدر الثمين، وضمان الأمن المائي، والحد من آثار التغيرات المناخية”. وذلك من خلال النركيز على خمسة محاور أساسية، هي: ويتعلق الأمر بتنمية العرض المائي لاسيما من خلال بناء السدود، وتدبير الطلب وتثمين الماء خاصة في القطاع الفلاحي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، والتواصل والتحسيس من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها.

وإجرائيا، تعمل الحكومة على ربط أحواض الأنهار الثلاثة الهامة (سبو وبورقراق وأم الربيع)، من خلال بناء سدود جديدة وتحسين أداء حوالي 20 سدا كبيرا قائما. وهو ما سيرفع سعة التخزين في المملكة إلى 6,6 مليار متر مكعب من المياه العذبة. كما ستعجل الحكومة أيضا بالانتقال إلى مصادر المياه البديلة، مثل تحلية مياه البحر، ورفع النسبة المئوية للقدرة على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في إطار البرنامج. كم يستهدف أيضا تحويل واستبدال نظم الري التقليدية بالري الموضعي (بالتنقيط)، وذلك انطلاقا من النتائج الجد مشجعة التي تم تسجيلها منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر، والتي مكنت من رفع المساحات المجهزة بالري بالتنقيط على الصعيد الوطني إلى حوالي 585.000 هكتار، مع تسجيل آثار جد إيجابية سبق أن همت أكثر من 100.000 فلاح. وتهيئة مساحات مسقية إضافية تشمل 350 ألف هكتار، في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 دائما.

وبعد ثلاث سنوات من إطلاق البرنامج، شهد توسعا وتطويرا لأهدافه ما استدعى رفع الغلاف الاستثماري المخصص له (بأمر من الملك) من 115 مليار درهم إلى 143 مليار درهم، بحسب ما أعلن بيان الديوان الملكي الثلاثاء الماضي.

“تحلية” ماء البحر.. بين المزايا والأضرار

يتوقع البرنامج المذكور أن تتوفر أهم المدن الساحلية على محطات خاصة لتحلية ماء البحر، وحتى بعض المدن الداخلية البعيدة عن البحر ستخصص لها محطات وقنوات لضخ الماء مسافة عشرات الكيلومترات، بعد تحليته من البحر. وبحسب نزار بركة وزير التجهيز والماء، فإنه في أفق سنة 2030 سيتم توفير مليار و300 مليون متر مكعب من خلال تحلية مياه البحر، ستوفر منها الوزارة 600 مليون متر مكعب، بينما سيوفر المكتب الشريف للفوسفاط (عملاق الفوسفاط العالمي وهو شركة مملوكة للدولة المغربية) حوالي 560 مليون متر مكعب المتبقية.

وقد تم الانتهاء أخيرا من محطة كبرى لتحلية مياه البحر في مدينة أكادير تعمل بالطاقة المتجددة، تطلبت استثمارا بقيمة 250 مليون دولار، وستشرع في إنتاج 400 ألف متر مكعب في اليوم من ماء الشرب والسقي. ووضعت المملكة مشروعا آخر لبناء محطة متوسطة في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية، لتوفير ماء الشرب والسقي بميزانية تبلغ 100 مليون دولار. كما سيتم قريبا الشروع في بناء واحدة من أكبر محطات تحلية ماء البحر في العالم بالدار البيضاء، بغلاف مالي يناهز 1,5 مليار دولار، ستوفر 300 مليون متر مكعب سنويا من ماء الشرب والسقي. ووفقا لوزارة الفلاحة المغربية، فإن الهدف من اعتماد تحلية مياه البحر هو توفير مليار متر مكعب في السنة، ستخصص منها 500 مليون متر مكعب لسقي 100 ألف هكتار لإنتاج الخضر والفاكهة.

من الواضح أن المغرب بات يعول بشكل أساس على تحلية ماء البحر، لتغطية نقص المياه الذي يتفاقم عاما بعد آخر. فالبلد يعد من القلة المحظوظة من الدول التي تقع على بحرين، حيث يصل طول واجهته على المحيط الأطلسي إلى 3000 كلم و على البحر الأبيض المتوسط إلى 500 كلم. ولعل ما يشجع على ذلك أن الخبراء المغاربة تمكنوا من خفض كلفة إنتاج المتر المكعب، من الماء المحلى من البحر من 5 دولارات إلى 10 دولارات فقط. وذلك من خلال عدة تدابير بينها استعمال الطاقة المتجددة (الشمسية والريحية) المنخفضة التكلفة.

لكن دراسة صدرت عن الأمم المتحدة حذرت من أن كل لتر واحد من الماء العذب تتم تحليته من ماء البحر، يقابله 1,54 لترا من الماء شديد الملوحة الذي ينتج عن عملية التحلية، أي أن ما يعادل 142 مليون لتر مكعب من المياه شديدة التركيز بالملوحة تُصب يوميا في البحار. ووجدت الدراسة أن حوالي 55% من المياه شديدة الملوحة التي ترمى في بحار العالم، تفرزها المحطات في الخليج العربي بشكل خاص. حيث تفرز السعودية ما نسبته 22% منها والإمارات 20,2% والكويت 6,6% وقطر 5,8%. ونقل موقع معهد المياه والصحة والبيئة التابع للأمم المتحدة عن معدي الدراسة، أن المياه شديدة الملوحة التي تفرزها تلك المحطات تتسبب في القضاء على الحياة البحرية في السواحل التي تشكل المورد الأساسي للكثير من العائلات التي تعتمد على الصيد البحري.

وحذرت الدراسة من أن تكنولوجيا تحلية ماء البحر، التي يزداد الطلب عليها عالميا بكثافة، تفرز مياها شديدة الملوحة ترمى في البحر، وستكون كافية بمرور السنين لتغطية مساحة تعادل ولاية كاليفورنيا الأمريكية (424 ألف كيلومتر مربع)، بمياه شديدة الملوحة يصل ارتفاعها إلى 30 سنتيمترا. وقالت الدراسة إن المخلفات، وهي مياه تمثل نسبة الملح فيها خمسة بالمائة، غالبا ما تحتوي كذلك على مواد سامة مثل الكلور والنحاس المستخدم في عملية التحلية. بينما لا يزيد معدل نسبة الملح في مياه البحر في جميع أنحاء العالم بشكل عادي عن 3,5 %.

ونبه المشرفون على الدراسة من أن هذه النفايات الكيماوية تتراكم في البيئة البحرية، ويمكن أن تكون لها تأثيرات سامة على الأسماك. وأوضحوا أن المياه شديدة الملوحة يمكن أن تقلل مثلا مستويات الأوكسجين في ماء البحر، قرب محطات التحلية؛ مع تأثيرات كبيرة على المحار والسلطعون ومخلوقات أخرى تعيش في قاع البحر، مما يؤدي إلى حصول تأثيرات بيئية يمكن ملاحظتها على مستوى كامل مستويات السلسلة الغذائية. وبسبب ذلك، شدد الباحثون على أن هناك ضرورة ملحة إلى تطوير أساليب أفضل لمعالجة المخلفات الناتجة عن تحلية مياه البحر، لتجنب تلويث البيئة ولخفض تكاليف التخلص من هذه النفايات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس