المناضل اليساري المغربي في غيبوبة بعد حادث مُريب

1
المناضل اليساري المغربي في غيبوبة بعد حادث مُريب
المناضل اليساري المغربي في غيبوبة بعد حادث مُريب

أفريقيا برس – المغرب. تعيش الحركة الحقوقية والقوى السياسية المغربية الداعمة للقضية الفلسطينية مناخاً من القلق والتوجّس منذ 11 آب (أغسطس) مع إدخال المناضل سيون أسيدون أحد مستشفيات الدار البيضاء وهو في حالة غيبوبة. تضاربت الأنباء والإفادات في تفسير وضعه الصحي بين حادث منزلي عارِض، والتعرّض لاعتداء مجهول.

وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، قد أشار في بلاغ يوم الثلاثاء الماضي، بأن الأبحاث بخصوص قضية أسيدون لا تزال جارية وسيتم ترتيب الآثار القانونية المناسبة فور انتهائها.

وأوضح البلاغ أنّه «تنويراً للرأي العام حول هذه الواقعة، فإنه بتاريخ 11 آب (أغسطس) 2025، تقدم شخصان أمام مصالح الشرطة وأفادا بأن مشغّلهما تغيّب عن العمل وانقطع الاتصال به هاتفياً. ولما توجها إلى منزله، تعذر عليهما ربط الاتصال به. ولاحظا أنّ سيارته مركونة أمام باب المنزل.
وأضاف المصدر ذاته، أنه على إثر ذلك، انتقلت عناصر الشرطة القضائية إلى منزل المعني بالأمر، حيث وجد المعني بالأمر داخل الطابق الأرضي فوق أريكة مغمى عليه. وتبيّن أنه لا يزال على قيد الحياة، حيث نُقل على الفور إلى المستشفى».

وأشار البلاغ إلى أنه بعد إجراء تحريات داخل المنزل ومحيطه، عثر على مجموعة من أغراضه الشخصية، فضلاً عن مجموعة الكتب الموضوعة بشكل مرتب، من دون أن تظهر أي آثار اقتحام أو بعثرة.

إلا أنّ بيان «الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع» يثير شكوكاً حول إصابات وكدمات غير طبيعية على رأس وكتف أسيدون.

من مُناصر لـ «الأيديولوجية الطائفية» إلى مناهض للصهيونية

ولد النَّاشط السياسي والمناضل الحقوقي المناهض للصهيونية سيون أسيدون (أكادير ــــ جنوب المغرب ـــــ 1948) لعائلة يهودية أمازيغية، انتقلت إلى الدار البيضاء، بعد الزلزال الذي ضرب المدينة. ثم هاجر مع أسرته إلى فرنسا. هناك، تابع دراسته في مجال الرياضيات في باريس. تشبّع بالفكر اليساري، ليعود إلى بلده المغرب عام 1967 بعد إتمام دراسته. أسهم في تأسيس منظمة «23 مارس» الماركسية ــ اللينينية، إحدى أهم حركات اليسار الجديد المغربي، ما أدى إلى اعتقاله وقضائه أكثر من 12 سنة من السجن السياسي خلال مدة السبعينيات والثمانينيات، بين عامَي 1972 و1984.

عن مدة الاعتقالات التي سبقتها يقول: «كان المحققون يوجهون إليّ سؤالاً معناه: ما الذي دفعك إلى هذا المسلك؟ كنت أريد أن أثبت لهم عكس ما يفكرون به؛ أي أنني برغم أصولي اليهودية، ومن عائلة بورجوازية، إلا أنني أتبنى أفكاراً ثورية اشتراكية».

في عام 1986، أسّس شركة معلوماتية، وهو متزوج من سيدة فلسطينية أميركية لديه منها ابنٌ. وهو حالياً منسّق فرع المغرب في «حركة مقاطعة إسرائيل» (BDS) العالمية، وعضو مؤسس لمنظمة الشفافية ومحاربة الرشوة «ترانسبرانسي المغرب» في 2005، وعضو مجلسها الإداري الدولي.

في صِلَته بالصهيونية، يقول أسيدون: «لم أُوْلَدْ مناهضاً للصهيونية، وبما أن والدَيَّ لا صلة لهم بالفكر الشيوعي، فحظوظي كانت ضئيلة لأعي منذ صغري وتلقائياً حقيقة الأمور. وهكذا، مرّت سنواتٌ قبل أن أُصدم وأهتز وأخرج اضطراراً من قالب النظرة المكتسبة ومن الإحساس المبتذل للتضامن الطائفي».

يُرْجِعُ أسيدون التحول في حياته وأفكاره من مُناصر لـ «الأيديولوجية الطائفية» إلى مناهض للصهيونية، إلى خمسة ظروف كان لها الفضل في هذا التحول الكبير: كان الظرف الأول هو ماركس وأفكاره الشيوعية، ما جعله يقتنع أنّ الصهيونية ليست حلاً للمسألة اليهودية، بل «أسوأ إجابة عليها».

أما الظرف الثاني، فكان حين عاد إلى المغرب عام 1967، مع النكسة. عودة كانت حاسمة بالنسبة إلى مواقفه من الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ أسهم نضاله الثوري ضمن اليسار الجديد المغربي، في إحداث تغيير في البلاد وفهم معاناة الفلسطينيين. أما العامل الثالث، فهو حرب فيتنام؛ تليها الثورة الثقافية الصينية؛ ثم أخيراً الانتفاضة الطالبية في أيار (مايو) 68 في فرنسا.

يذكر أسيدون أنّ «اليسار الجديد في المغرب، كما في باقي العالم العربي، هو مولود عام 1967، وقد شكّلت القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من نضالنا».

وباكتمال نضجه ووعيه السياسيَيْن، صار أسيدون يعبِّرُ عن نفسه باعتباره «مواطناً مغربياً، عربياً ــ أمازيغياً». وكان قد صرّح في فيلم وثائقي (Marocains juifs, destins contrariés) عن اليهود المغاربة (2014): «ليس الإسرائيليون مدنيين أبداً: فهم خاضعون جميعاً للخدمة العسكرية، وبالتالي فإنهم يقترفون جرائمَ حرب».

الجبهة المغربية لدعم فلسطين: غموض كبير يلفّ الحادث

بعد انتشار الخبر، أصدرت «الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع» بياناً اعتبرت فيه أنّ هناك غموضاً كبيراً يلفّ الحادث، ولم تستبعد احتمال تعرّض أسيدون لاعتداء، خصوصاً «أننا أمام شخصية حقوقية وطنية وأممية بارزة، ومناضل صلب من أجل فلسطين وضد التطبيع». وجاء في البيان: إننا في الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع نتابع بقلق بالغ ما تعرض له المناضل الحقوقي سيون أسيدون، عضو أمانة الجبهة ومنسق حركة المقاطعة BDS المغرب.

بعد انقطاع الاتصال به ومع بعض المقربين منه، تم الاضطرار إلى اقتحام البيت، بعد الحصول على إذن من وكيل الملك وبحضور الشرطة، وعضوين من المقربين منه، يوم الاثنين 11 آب (أغسطس) 2025، حيث وُجد ملقياً على كرسي فاقداً للوعي، وعليه آثار إصابات على رأسه وكتفه غير طبيعية، ما استدعى نقله على وجه السرعة إلى مصحة في المحمدية. وقد خضع هناك لعملية جراحية دقيقة في الدماغ، وأُدخل إلى قسم العناية المركزة، حيث تبيّن من المعطيات الطبية أنه يعاني من نزيف في الدماغ والرئتين، وهو حالياً تحت التنفس الاصطناعي.

وإلى حدود هذه اللحظة، نترقب جميعاً أن تحصل تطوّرات إيجابية في حالته الصحية، ونطالب بكشف نتائج التحقيقات التي يفرضها الغموض الكبير المحيط بالحادث، خصوصاً أننا أمام شخصية حقوقية وطنية وأممية بارزة، ومناضل صلب من أجل فلسطين وضد التطبيع، ما يجعل احتمال الاستهداف أمراً قائماً. وهو ما يستوجب التعامل مع الواقعة بكل الجدية والمسؤولية، بعيداً من أي استخفاف أو معالجة سطحية.

فالرفيق أسيدون من الشخصيات الوطنية البارزة؛ فهو مناضل يساري، ومعتقل سياسي سابق في «سنوات الجمر والرصاص». كما إنه سليل عائلة يهودية مغربية عريقة، كرّس مساره النضالي من أجل الديموقراطية بالمعنى الشامل في بلادنا، ومناهضة التطبيع والدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعوب المقهورة. وهو من أشد المناهضين للصهيونية والكيان الصهيوني والتطبيع، سواء عبر عمله في BDS المغرب أو عبر عضويته في أمانة الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع.

إن الرأي العام الوطني والدولي يتابع بقلق وينتظر معرفة الأسباب الحقيقية لما حدث، وعليه تعلن السكرتارية الوطنية للجبهة ما يأتي:

1. تمنياتنا بالشفاء العاجل والتام للمناضل الكبير اسيدون.

2. مطالبتنا للسلطات المعنية بالكشف عن كل الحقائق والحيثيات المرتبطة بهذا الحادث الأليم.

3. مطالبتنا السلطات الصحية باتخاذ كل التدابير اللازمة للعناية الصحية بالمناضل الكبير.

4. انتظارنا للملف الطبي لاتخاذ كل الإجراءات على ضوئه.

5. الإبقاء على اجتماع السكرتارية الوطنية مفتوحاً لمتابعة كل المستجدات وإخبار الرأي العام الوطني والدولي بها، واتخاذ الموقف المناسب بحسب كل مستجد.

نجدّد تمنياتنا للرفيق سيون أسيدون بالشفاء العاجل، وعودته إلى ميادين النضال والتضامن ومناهضة التطبيع».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس