الموسم الدراسي في المغرب: بين فرحة التلاميذ وتذمر الآباء وغضب المدرسين

12
الموسم الدراسي في المغرب: بين فرحة التلاميذ وتذمر الآباء وغضب المدرسين
الموسم الدراسي في المغرب: بين فرحة التلاميذ وتذمر الآباء وغضب المدرسين

أفريقيا برس – المغرب. انطلقت الدراسة بشكل فعلي بالمؤسسات التعليمية الخصوصية والعمومية بالمغرب بجميع أسلاكها، أمس الإثنين، وفق ما سطَّره مقرر تنظيمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، على أن ينتهي الموسم الدراسي في الأسبوع الثاني من شهر تموز/ يوليو 2023.

بالنسبة لعُمر، وهو تلميذ بالسنة أولى إعدادي في إحدى المدارس الخصوصية في مدينة سلا، قريباً من العاصمة الرباط، فمن الجيد العودة للمدرسة من جديد ولقاء الزملاء والأصدقاء، “مرَّت العطلة سريعاً، وأنا راغب في لقاء أصدقائي الذين اشتقت لهم والتعرف على المدرسين الجدد وكذلك طريقة التعامل والتدريس في السلك الإعدادي عوض الابتدائي الذي غادرته”، وفق تعبير التلميذ متحدثاً بحماس لـ”القدس العربي”.

هذا الحماس لا ينتاب جميع التلاميذ الملتحقين بالمدرسة، خاصة منهم الأصغر سناً، وهذا هو حال الطفلة مريم البالغة من العمر 6 سنوات، حيث رفضت الولوج إلى المدرسة وبقيت متمسكة بوالدتها التي أكدت لـ “القدس العربي” أن الطفلة لا تريد الالتحاق بالمدرسة، فيما اعتبرت معلمتها “أنه شعور عادي سرعان ما سيتلاشى عند اعتيادها للمكان الجديد وتكوين صداقات مع زملاء فصلها”، وفق تعبيرها.

وقالت الوالدة الشابة “إنها السنة الأولى لابنتي في المدرسة، كانت تدرس السنة الماضية بروضة الأطفال، تعلقت بمعلمتها القديمة ونسجت علاقات صداقة مع الصغار الذين كانوا برفقتها، ستحتاج أسبوعاً أو أسبوعين لتصبح الأمور على ما يرام”.

غلاء وإضراب

سعادة التلاميذ بعودتهم إلى فصولهم الدراسية ولقاء أقرانهم، رافقها تذمر من طرف الآباء والأمهات بسبب الغلاء الحاصل على مستوى اللوازم المدرسية والمقررات الدراسية، على الرغم من تأكيد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي أن أسعار الكتب المدرسية لن يطرأ عليها أي تغيير خلال الموسم الدراسي الجديد.

وذكرت الوزارة، في بيان اطلعت عليه “القدس العربي”، أن الحكومة سعت إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر المغربية وتفادياً لأي زيادة في أسعار الكتب المدرسية، حيث قامت بإصدار قرار مشترك مع وزارة الاقتصاد والمالية يقضي بتخصيص آلية لدعم ناشري الكتب المدرسية.

“هذا القرار شمل الكتب المدرسية المغربية المتعلقة بالتعليم العمومي واستثنى بعض المستويات التعليمية”، وفق ما أكده محمد أمين، صاحب مكتبة لـ”القدس العربي”، مؤكداً أن الدفاتر وباقي اللوازم المدرسية وغيرها عرفت زيادة في الأسعار من درهم إلى 4 دراهم حسب الجودة. كما أن المقررات الدراسية الخاصة بالمدارس الخصوصية التي تعتمد على مناهج فرنسية أو إنجليزية لتدريس موادها عرفت زيادة في الثمن.

وبالحديث إلى إحدى الأمهات تواجدت بنفس المكتبة لاقتناء كتب طفليها، والتي أبدت تذمُّرها من كُلفة انطلاق الموسم الدراسي الجديد قائلة: ” بِتْنا نصرف أموالنا ونضيف مُدَّخراتنا من أجل الدخول المدرسي ومصاريفه، بل أعرف أصدقاء يقترضون المال لتغطية مصاريف اقتناء الكتب واللوازم المدرسية وتسجيل أبنائهم بالمدارس الخاصة وسداد مبالغ التأمين المُبالغ فيها التي لا نجد لها أي تبرير”.

تقرير مغربي رسمي أكد أَنَّ نفقات التعليم تضاعفت أكثر من ثلاث مرات بين سنتي 2001 و2019، منتقلة من 1.277 درهماً (حوالي 120 دولاراً) فِي 2001 إلى 4.365 درهماً (حوالي 407 دولارات) في 2019.

وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصائية) ضمن تقرير حديث صادر بمناسبة الدخول المدرسي، تحت عنوان “كم تبلغ نفقات الأسر من أجل تمدرس أبنائها؟” أن حجم تلك النفقات ضمن ميزانية الأسر، خلال الفترة ذاتها، انتقل من 1,6 إلى 4,8 فِي المئة على المستوى الوطني، ومن 0,7 إلى 2,2 في المئة بالوسط القروي (الأرياف)، ومن 2 إلى 5,6 في المئة بالوسط الحضري (المدن).

وحسب مستوى المعيشة، تبلغ نفقات الدخول المدرسي لـ 20 في المئة الأعلى من الأسر الميسورة 5 مرات نفقات الـ20 في المئة الأدنى من الأسر الأكثر هشاشة، أي ما يعادل على التوالي 3.456 (حوالي 321 دولاراً) و721 درهماً (72 دولاراً)، و26,6 و62,7 في المئة من نفقاتها السنوية على التعليم.

وبالنسبة لقطاع التّعليم، بلغ متوسط نفقات الأسر التي لها أطفال يتابعون الدراسة حصراً في القطاع الخاص 3.639 درهماً (340 دولاراً) أربع مرات نفقات الأسر التي لها أطفال يتلقون تعليمهم حصراً في القطاع العام 928 درهماً (87 دولاراً)، أي 28 و48,1 في المئة على التوالي من نفقاتها السنوية على التمدرس.

ظروف استثنائية

مصطفى الأسروتي، المسؤول الإعلامي في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”، يرى أن الدخول المدرسي الحالي يأتي في ظروف استثنائية في ظل أزمة عالمية وأخرى على الصعيد الداخلي المغربي، تتعلق بالغلاء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات وارتفاع سعر اللوازم المدرسية التي لم تشملها الاتفاقية المبرمة مع وزارة التربية الوطنية بخصوص عدم تغيير أسعارها.

وأبرز عضو المكتب الوطني للنقابة المذكورة، ضمن تصريح لـ “القدس العربي”، أن الساحة التعليمية في المغرب تعيش منذ مدة على وقع احتجاجات مستمرة واحتقان دائم جراء الملفات المطلبية العالقة لرجال ونساء التعليم التي عمرت طويلاً دون التفاعل معها بالجدية المطلوبة، خاصة ما تعلق منها بتجميد الترقيات والمستحقات المالية التي استمرت لما يفوق ثلاث سنوات، وملفات ما يعرف نقابياً وإعلامياً بـ”التعاقد” و”خارج السلم”، و”الزنزانة 10″ وغيرها.

هذه الملفات العالقة جعلت المدرسين والأساتذة يستقبلون الدخول المدرسي الجديد في حالة من الغضب والإحباط، بسبب التهاون في معالجة كل ما له علاقة بمصلحة الأساتذة، في الوقت الذي يؤدي فيه رجال ونساء التعليم أدوارهم بكل تفان وإخلاص دون تأخير أو تماطل، وفق تعبير الأسروتي، لافتاً إلى التسويف والتهاون في إخراج نظام أساسي عادل ومنصف والذي عمَّر طويلاً ووعد به خمسة وزراء دون أن يخرج لأرض الواقع لحد الآن. بالإضافة لغياب التواصل المطلوب بخصوصه.

وخلص النقابي المغربي إلى أنه لا يمكن الحديث عن دخول مدرسي ناجح دون الاهتمام بالفاعل الرئيسي في القطاع والنهوض بوضعيته وهو الأستاذ والأستاذة. وتابع بالقول: “تمنينا أن تكون الأوضاع جيدة، إلا أن الاحتقان هو سيد الموقف، إذ يعتزم الأساتذة تنظيم اعتصام بحر الأسبوع الجاري فضلاً عن رغبتنا خوض إضراب وطني يوم 26 أيلول/ سبتمبر الجاري وغيرها من المواعيد النضالية”.

ابتزاز الآباء والتلاميذ

ووجهت صحيفة “الصباح” المغربية انتقاداً قوياً لوزارة التعليم حول الموسم الدراسي الجديد، فتحت عنوان “جنازة مدرسة” كتبت افتتاحية مما جاء فيها “في وقت كان مفروضاً أن يرقى الدخول المدرسي إلى عيد وطني ولحظة فرح يتقاسمها الآباء والأمهات والأساتذة والتلاميذ العائدون إلى فصول الدراسة بعد فترة قصيرة من الراحة، يتحول إلى جنازة ومأساة اجتماعية بكل معنى الكلمة”.

وأضافت الصحيفة نفسها “مؤسف أن يكون الوزير الحالي (وهو عرّاب النموذج التنموي الجديد للمناسبة) على علم بهذه المحرقة التي يتعرض لها الآباء والأمهات هذه الأيام، دون أن يحرك ساكناً، أو يظهر ما يمكن اعتباره تغييراً للمنكر، بالقلب على الأقل”.

واعتبرت “الصباح” أن وزير التعليم شكيب بنموسى منذ تعيينه في المنصب، ما زال يتلمس خطواته في قطاع لم ينجز فيه أي شيء يذكر، عدا إنتاج الكلام والخطابات والدراسات، بينما تترك الأسر والتلاميذ عرضة إلى الابتزاز من قبل منظومة متوحشة لاقتصاد التعليم، تفرض على الوزير نفسه إملاءاتها حد وقوفه موقف حياد سلمي، وفق تعبير الافتتاحية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس