الميثاق الجديد للاستثمار، هل يُمَكّن المغرب من رفع نسبة النمو وخفض معدلات البطالة؟

43
الميثاق الجديد للاستثمار، هل يُمَكّن المغرب من رفع نسبة النمو وخفض معدلات البطالة؟
الميثاق الجديد للاستثمار، هل يُمَكّن المغرب من رفع نسبة النمو وخفض معدلات البطالة؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في إطار طموح المغرب إلى بناء نموذجه التنموي الجديد، الذي وضع من بين محاوره الاستراتيجية تطوير

الاقتصاد وتنويعه والرفع من تنافسيته، سعيا إلى خلق قيمة مضافة وفرص عمل مستدامة وذات الجودة، تنكب السلطات العمومية على توجيه بوصلتها نحو القطاع الخاص، حتى يقود قاطرة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما يساعد على إعطاء النمو زخما طال انتظاره.

وفي هذا الإطار، تسعى الحكومة، من خلال “ميثاق الاستثمار الجديد”، الذي صادق عليه البرلمان المغربي يوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2022، إلى رفع حصة الاستثمار الخاص في الاقتصاد، لتبلغ 350 مليار درهم (33 مليار دولار) خلال السنوات الثلاث عشرة المقبلة. وتريد الرباط من خلال ذلك أن تشكل رؤوس أموال الشركات الخاصة، ثلثي إجمالي حجم الاستثمار بالبلاد بحلول 2035. مع تمكين القطاع من إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الوطني، بالنظر إلى مضامين “ميثاق الاستثمار الجديد” التحفيزية المبتكرة التي تهدف إلى تعزيز قطاع الأعمال.

فما هو الجديد الذي أتى به “ميثاق الاستثمار الجديد”؟ ولماذا لا تُحدث الاستثمارات العامة الأثر المطلوب، رغم كونها بين الأضخم في العالم؟ وما هي مسببات ضعف القطاع الخاص المغربي؟ وكيف تنوي الحكومة المغربية تحفيزه ودعمه حتى يقود قاطرة النمو؟ وما هي “الصناعات الاستراتيجية” التي خصها “الميثاق” الجديد بدعم وحوافز استثنائية؟

تلك أبرز الأسئلة التي يحاول هذا المقال الوقوف عندها..

كان المغرب من أسرع الدول استجابة للحد مـن آثار الجائحة اقتصاديا واجتماعيا، حيث لجأ في وقت مبكر إلى مجموعة من الإجراءات النوعية وغير المسبوقة. ومكنت هذه الإجراءات على سبيل المثال من الحد من تعميق مستوى الفقر والهشاشة، حيث إن معدل الفقر ارتفع من 1,7 % سنة 2019 إلى 2,5 % أثناء الحجر سنة 2020. ومعدل الهشاشة من 7,3 % إلى 8,9 %، وقد كان من الممكن أن يصل معدل الفقر إلى 11,7 % ومعدل الهشاشة إلى 16,7 % في غياب هذه الإجراءات، بحسب مصادر حكومية مغربية.

لكن طموحات المغرب بـ “تحويل الأزمات إلى فرص للإقلاع”، تعتبر تحديا شديد التعقيد والصعوبة، فرض على السلطات ابتكار خطط استراتيجية جديدة لتطوير نسيجه الصناعي والنهوض بالمتطلبات الاجتماعية، في سياق يتسم بتعدد الأزمات وشح الموارد المالية.

معادلة الاستثمار المختلة

باختصار، يمكن تلخيص علة المفارقة في أنه في الوقت الذي يسجل المغرب نسبة استثمار عمومي مرتفعة، مقارنة بعدد من الدول المتقدمة، تبقى مردوديته ضعيفة وغير كافية لتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، من شأنه أن يعود بالنفع على المواطنين من خلال تحسين مستوى معيشتهم. فالمعطيات الرسمية لبنك المغرب تفيد بأن قيمة متوسط الاستثمار، ناهزت 32,2 % من الناتج الداخلي الإجمالي ما بين سنتي 2000 و2019، مقابل 25,6 % كمتوسط مسجل على المستوى العالمي.

هكذا تتجاوز نسبة الاستثمار من الناتج الداخلي الخام في المغرب، تلك المسجلة في عدد من الدول، من بينها كوريا الجنوبية وتركيا وإسبانيا وفرنسا، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية وبولندا والبرتغال والبرازيل ومصر.

وعلى الرغم من تجاوزه لهذه البلدان، يبقى تأثير الاستثمار في المغرب على خلق فرص الشغل محدودا؛ حيث تشير معطيات بنك المغرب إلى أن كل نقطة من النمو، كانت تخلق أكثر من 30 ألف منصب شغل سنويا ما بين سنوات 2000 و2009. بينما خلال الفترة 2010-2019 انخفض المعدل بشكل كبير، لينحدر إلى أقل من 21 ألف منصب شغل.

لقد بذلت الدولة المغربية في السنين الأخيرة مجهودات استثمارية كبيرة، للمساهمة في خلق دينامية اقتصادية وتوفير فرص الشغل، وقد خصصت الحكومة ضمن قانون مالية 2022 استثماراً عمومياً قدره 245 مليار درهم (22,52 مليار دولار)، مقابل 230 مليار درهم (21,14 مليار دولار) سنة 2021، و198 مليار درهم (18,20 مليار دولار) سنة 2020. ويشمل هذا الغلاف المالي من الاستثمار، حصة ستنجزها الإدارات المركزية والمحلية، إضافة إلى المؤسسات والمقاولات العمومية؛ بحيث يمثل الاستثمار العمومي حوالي ثلثي حجم الاستثمار الإجمالي في المغرب، فيما تناهز حصة استثمار القطاع خاص المنجز من طرف المقاولات حوالي 35 %.

هكذا، تكمن المفارقة في كون نسبة الاستثمار في المغرب تعادل، ما كانت تسجله الدول التي تسمى “التنانين الآسيوية” (سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان) في فترات سابقة، وتمكنت مع ذلك من تحقيق معجزات اقتصادية مكنتها من الالتحاق بركب الدول الصاعدة. وهو ما لم يتحقق في المغرب بسبب ضعف مردودية الاستثمار.

الاستثمار الخاص ضعيف

يتميز النسيج المقاولاتي في المغرب بهيمنة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، إذ لا يزيد رقم معاملات 92% منها 3 مليارات درهم. بينما تبقى القدرة الاستثمارية لهذه المقاولات ضعيفة جدا، حيث لم تقم سوى 29 % منها باستثمارات خلال سنوات 2016 و2017 و2018، فيما أنجزت 80 % من المقاولات الكبرى استثمارات، وفق معطيات رسمية. ويفسر بنك المغرب (البنك المركزي) ضعف الاستثمار الخاص بوجود معيقات، تقف أمام تطور المقاولات وإنجازها للاستثمار؛ يقول إن أبرزها هي: الفساد، والضغط الضريبي، ومنافسة القطاع غير المهيكل، وصعوبات الولوج إلى التمويلات البنكية.

لكن، لماذا يحجم القطاع الخاص في المغرب عن الاستثمار؟ بحسب الخبراء المغاربة، فإن ضعف تنافسية المقاولة المغربية يتجلى أساسا عند مقارنتها مع المقاولة الأجنبية، التي تتيح لها ظروف الاشتغال توفير منتوج بأقل تكلفة. ناهيك على العراقيل الإدارية التي ما زالت عالقة في منظومة الاستثمار في المملكة.

وترتبط المملكة باتفاقيات تبادل حر مع عدد من دول العالم، في مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهو ما يتيح للمقاولات المغربية الحصول على المواد الأولية دون أداء رسوم جمركية لكن بأسعار مرتفعة. ولذلك تبقى المواد الأولية القادمة من الصين الأكثر تنافسية، لكن بكين لا ترتبط مع المغرب باتفاق تبادل حر.

عامل آخر يثقل كاهل المقاولات المغربية، هو العبء الضريبي الذي يشمل كلا من الضريبة على الدخل، وعلى المواد الأولية وعلى الطاقة. ويتركز العبء بشكل كبير وبالأساس على عدد محدود من الشركات الكبرى، بحيث سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، أن كشف أن 2 % من المقاولات فقط تدفع 80 % من إجمالي الضريبة على الشركات.

ولذلك، بينما في جل الاقتصادات العالمية يتم الرهان كثيرا على المقاولات الصغيرة والمتوسطة، للقيام باستثمارات تمكنها من التطور وبالتالي خلق فرص شغل، نجد أن أغلب الاستثمارات في المغرب تقوم بها الشركات الكبرى، لكنها تبقى بدون مردودية كبيرة ولا تخلق فرصا وفيرة من الشغل.

وبرأي رجال أعمال مغاربة، فإن استثمارات القطاع الخاص تصطدم بإكراهات عديدة، من بينها صعوبة الولوج إلى التمويل والصفقات العمومية، إضافة إلى تأخر آجال أداء مستحقات المقاولات على الدولة المغربية، سواء من طرف القطاع العام أو القطاع الخاص. وبالتالي ينبغي على الدولة والقطاع الخاص أن يشكلا معا وحدة عمل متكاملة، بحيث لا يتم إقصاء العنصر الفاعل في النسيج المقاولاتي، الذي هو فئة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة والمقاولين الذاتيين. حتى تكون قادرة على خلق فرص الشغل والمساهمة في النمو الاقتصادي الوطني ومحاربة البطالة.

بينما يرى خبراء اقتصاديون مغاربة بأنه يوجد بين المقاولين من لا يرغب في الاستثمار، تجنبا لأداء ضرائب أعلى. وهو ما سبق أن تجلى في خلاصات عدد من الدراسات الرسمية، التي كشفت أسباب إحجام المقاولات على خطط توسيع وتنويع النشاط لخلق قيمة مضافة.

ميثاق جديد للاستثمار

وكان محافظ بنك المغرب (البنك المركزي) عبد اللطيف الجواهري، قد ربط في وقت سابق هذا العام المساعي نحو تحقيق معدلات أعلى من النمو الاقتصادي، بتسريع وتيرة تنمية الاستثمارات وتحفيز مناخ الأعمال بشكل أكبر. وهو ما تظهره بيانات بنك المغرب، التي خلصت إلى أنه خلال العقدين اللذين سبقا تفشي الجائحة، بذل المغرب جهودا كبرى لتعزيز الاستثمارات، بلغت قيمتها 32,3 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 25,6 % كمتوسط عالمي.

لقد كان “ميثاق الاستثمار” (القديم) يقتصر على سلسلة من الإجراءات الضريبية، وغيرها من التدابير الأخرى المتعلقة بالوعاء العقاري فقط. فكان من الضروري وضع بعض الضوابط الجديدة من خلال إعطاء المزيد من التماسك والفعالية لنظام الاستثمار، وبهدف زيادة حصة استثمار القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات، من الثلث فقط إلى الثلثين في أفق العام 2035. وهو ما من شأنه أن يخلق فرص عمل جديدة، ويعزز التنمية العادلة للمناطق، ويعطي الأولوية للقطاعات الواعدة في الاقتصاد المحلي.

وحسب مشروع القانون-الإطار بمثابة “ميثاق الاستثمار الجديد”، الذي أصدرته رئاسة الحكومة ووزارة الاستثمار والتقانية وتقييم السياسات العمومية، وصادق عليه البرلمان المغربي قبل أسبوع، فإنه “بعد مرور أكثر من 26 سنة على اعتماد القانون-الإطار رقم95/18، بمثابة میثاق الاستثمار (القديم)، أصبح من الضروري القيام بإصلاح سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه. وذلك من أجل ملاءمتها مع التحولات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية العميقة، التي يعيشها المغرب على الصعيدين الوطني والدولي”.

وتراهن الدولة من خلال هذا الميثاق على رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035. كما يتوخى الميثاق الجديد “توجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وتحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تعزيز جاذبية المملكة وجعلها قطبا قاريا ودوليا في مجالات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذا تحسين مناخ الأعمال، وتسهيل عملية الاستثمار، والرفع من مساهمة الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي”.

وكان الملك محمد السادس قد دعا في خطابه الافتتاحي للبرلمان في 8 أكتوبر 2021، إلى اعتماد “میثاق جديد ومحفز للاستثمار في أقرب وقت ممكن”. وفي منتصف شهر فبراير 2022، ترأس الملك جلسة عمل مخصصة لعرض مضامين مشروع الميثاق في صيغته الأولى، كما اقترحتها حكومة عزيز أخنوش حديثة التنصيب حينها. وتمحور أساسا حول التدابير الرئيسة المقترحة للدعم، أبرزها تخصيص تعويض مجالي إضافي يروم تشجيع الاستثمار في الأقاليم الأكثر هشاشة، وتعويض آخر قطاعي إضافي يمنح تحفيزات بهدف إنعاش القطاعات الواعدة. وبتاريخ 13 يوليوز 2022، اعتمد مجلس الحكومة مشروع القانون الجديد حول الاستثمار، وفقا لتعليمات الموجهة إليها من الملك.

وبتاريخ 21 يوليوز 2022، تمت إحالته على مجلس النواب (البرلمان) المغربي، ليحال على “لجنة المالية والتنمية الاقتصادية” بتاريخ الجمعة 22 يوليوز. واستغرقت مناقشته وإدخال تعديلات الفرق البرلمانية الممثلة للأحزاب إلى غاية 18 أكتوبر الماضي، حيث أحيل على التصويت في جلسة عامة. فوافق عليه مجلس النواب بالأغلبية: 159 موافقون، ولم يعارضه أحد، بينما امتنع على التصويت عليه نائبان برلمانيان.

تشجيع الاستثمارات الاستراتيجية

على الرغم من أن “ميثاق الاستثمار الجديد” ما يزال يحتاج إلى إصدار نصوص تنظيمية، من شأنها أن تسمح بتنزيله على الأرض، وتُيسر لنا كمراقبين فهم مخرجاته وغاياته على نحو أفضل، إلا أنه من الواضح أن “الميثاق” تشجيع المشاريع ذات الطبيعة الاستراتيجية (الصناعات الدفاعية، والصناعات الدوائية، والاستثمارات المغربية بالخارج)، فضلا طبعا عن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ووضع آلية لتنمية الاستثمار الأجنبي بالمغرب.

فبموجب المادة 17 المتعلقة بـ “نظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي”، فإنه “يمكن أن تستفيد مشاريع الاستثمار التي تكتسي طابعا استراتيجيا، من امتيازات خاصة تكون موضوع تفاوض [مع اللجنة الخاصة بالبت في ملفات الاستثمار]”. وتوضح المادة نفسها بأنه “يعتبر مشروع استثماري استراتيجيا، عندما يستوفي معيارا أو أكثر من المعايير المحددة بنص تنظيمي. غير أن مشاريع الاستثمار المنجزة في مجال الصناعة الدفاعية، تعتبر تلقائيا مشاريع ذات طابع استراتيجي”.

ووفقا للمادة 21، الخاصة بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي: “تضع الدولة نظام دعم خاص من أجل تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي. وتُحَدّد كيفيات تفعيل هذا النظام بموجب نص تنظيمي”.

في ما يخص دخول المغرب فعليا غمار الاستثمار فعليا قي الصناعات الدفاعية، كانت الرباط قررت أعلنت رفع ميزانيتها الدفاعية إلى 17 مليار دولار، ستخصص منها حوالي 10 مليار دولار خلال السنة 2023 لتوطين صناعات عسكرية متطورة، بشراكة مع شركات متخصصة من بريطانيا وبلجيكا والولايات المتحدة والإمارات العربية وإسبانيا والسعودية وباكستان وإسرائيل… وعلى الرغم من أن بعض المحللين رأوا بأن رفع ميزانية الدفاع المغربية إلى هذا المبلغ القياسي أتى ردا على إعلان الجزائر رفع ميزانية جيشها إلى سقف قياسي بمبلغ يناهز 22 مليار دولار، إلا أن المطلع على الاستراتيجية المغربية المتبعة يدرك بأن المغرب شرع منذ 2016 في تنفيذ مخططه الاستراتيجي لتوطين صناعات دفاعية. فغير القوانين ووضع لأول مرة إطارا قانونيا ينظم الاستثمار في هذا النوع من الصناعات، وأيضا قوانين لخزن ونقل السلاح داخل التراب المغربي.

ويأتي الرفع من ميزانية الدفاع بالتالي، كتحصيل حاصل لما حمله “ميثاق الاستثمار الجديد”، الذي عاش مخاضا طويلا استغرق سنوات طوالا قبل أن يخرج إلى الوجود أخيرا. ولا علاقة مباشرة له بسباق التسلح المستمر بين البلدين منذ أزيد من ثلاثة عقود.

وضمن الصناعات الاستراتيجية التي يشملها “الميثاق” الجديد بالدعم، حتى ولو أنه لم يذكرها صراحة، هناك تشجيع الاستثمارات المغربية في الخارج. من الواضح أن المقصود بهذا الدعم بالأساس هو المقاولات المغربية التي توجه استثماراتها نحو الدول الأفريقية، خصوصا غرب القارة السمراء. وذلك تماشيا مع الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب منذ عقد من الزمن. وأيضا الصناعات الدوائية، التي سبق للمغرب أن وضع مخططا لتطوير مختبراتها ومصانعها المتواجدة منذ أكثر من نصف قرن. وقد تعززت تلك المختبرات والمصانع الدوائية المغربية، بوحدات استراتيجية، نظير القطب البيوتكنولوجي بإقليم بنسليمان الذي لا محيد عنه على صعيد افريقيا والعالم، لاعتباره قادرا على تأمين الاحتياجات الصحية للقارة الإفريقية على المديين القصير والطويل، من خلال إدماج البحث الصيدلاني والتطوير السريري، وتصنيع وتسويق المنتوجات البيو-صيدلية ذات الضرورة الكبرى، بمواكبة من الشركة السويدية “ريسيفارم”. ويتطلب إنجاز هذا المختبر/ المصنع الذي يُعتبَر ثمرة شراكة بين الدولة والقطاع الخاص المغربي، ويحمل اسم “سينسيو فارماتيك”، تعبئة استثمار بحوالي 400 إلى 500 مليون أورو. ويرتقب أن يكون من أولى المشاريع التي ستحظى بدعم وافر ضمن “ميثاق الاستثمار الجديد”.

وللتوضيح، فإن مشروع بنسليمان هذا، سيحتوي عند انتهاء الأشغال على ثلاثة خطوط صناعية ستبلغ قدرتها المشتركة للإنتاج 116 مليون وحدة في أفق سنة 2024. وستخصص هذه الخطوط لإنتاج محاقن معبأة مسبقا، وقارورات لتعبئة السوائل الصيدلية، وأخرى مجففة خاصة بالتجميد. ويُفترض أنه شُرع في إنتاج عبوات تجريبية بهذا المصنع منذ أواخر يوليوز الماضي.

وسيصبح أكبر منصة لتعبئة وتغليف اللقاحات بأفريقيا، ومن بين المنصات الخمس الأولى من نوعها بالعالم عند الانتهاء من إنجازه. ويهدف هذا المشروع الهام، على المدى المتوسط (2022-2025)، إلى نقل التعبئة المعقمة وتصنيع المواد النشطة لأكثر من 20 لقاحا ومنتوجا للعلاجات الحيوية، من ضمنها 3 لقاحات مضادة لكوفيد-19، في أقل من 3 سنوات بالمغرب، لتغطية أكثر من 70 بالمائة من احتياجات المملكة وأكثر من 60 بالمائة من احتياجات القارة الإفريقية.

صندوق سيادي استراتيجي لتمويل المشاريع الكبرى

تأتي المصادقة بالبرلمان أخيرا على “الميثاق الجديد للاستثمار”، بعد إدخال تعديلات عليه، في أعقاب ثلاث محطات أخرى مهمة في المغرب. أولاهما، تمثلت في إقرار “النموذج التنموي الجديد” الذي أعدته لجنة ملكية، بهدف رفع وتيرة النمو الاقتصادي للبلاد. والثانية، هي الشروع في تنفيذ القانون-الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي. والثالثة، تمثلت في إخراج “صندوق محمد السادس للاستثمار” أخيرا إلى حيز الوجود، وذلك بعد مصادقة البرلمان على قانون إحداثه، ونشره بالجريدة الرسمية، وتعيين وزير المالية السابق وسفير المغرب بباريس محمد بن شعبون على رأسه قبل أسبوع.

وبذلك تشكل هذه الإصلاحات الأربعة حجر الزاوية، للنهوض بالاقتصاد المغربي وجعل نموه أكثر شمولا واستدامة.

وقد شرعت الحكومة المغربية في إجراءات إخراج “صندوق محمد السادس للاستثمار” إلى حيز الوجود، وذلك بعد مصادقة البرلمان على قانون إحداثه، ونشره بالجريدة الرسمية. ويندرج هذا الصندوق في إطار التوجهات المغربية الكبرى، لتدبير الأزمة التي يعرفها المغرب بسبب جائحة كورونا، وفي مقدمتها إطلاق خطة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل. من ضمنها إحداث “صندوق الاستثمار الاستراتيجي” الذي يمكن من تعبئة ما قيمته 45 مليار درهم (4,14 مليار دولار)، تم تخصيص غلاف مالي يبلغ 15 مليار درهم (1,38 مليار دولار) منها من الميزانية العامة للدولة. وأعطى الملك محمد السادس توجيهاته بأن يتم تخويل هذا الصندوق “الشخصية المعنوية”، وتمكينه من هيئات التدبير الملائمة، وأن يكون “نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية”.

ولذلك تقرر تحويل الصندوق المذكور إلى “شركة مساهمة” تحت اسم “صندوق محمد السادس للاستثمار”، برأسمال قدره 15 مليار درهم، يُكتتَب في مجموعه من قبل الدولة عند الإحداث، مع إمكانية فتح رأسماله في حدود 49 % لأطراف أخرى. وضمانا لاستمرار الطبيعة العمومية للصندوق، فقد تم التنصيص على ألا تبلغ حصة أي هيئة غير تابعة للدولة في رأسماله نسبة 33 %.

ويتمثل الغرض الأساسي للصندوق في الإسهام في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى، وتعزيز رأسمال الشركات، ودعم الأنشطة المنتجة، وذلك في انسجام وتكامل مع الاستراتيجيات القطاعية والسياسات العمومية، ولهذه الغاية، سيتولى الصندوق، على وجه الخصوص، الإسهام في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى ومواكبتها على الصعيدين الوطني والترابي، في إطار شراكات مع القطاع الخاص، والمساهمة، من خلال الصناديق القطاعية أو الموضوعاتية المنصوص عليها في المادة 4 من القانون، في رأسمال المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمساهمة، بصورة مباشرة، في رأسمال المقاولات العمومية والخاصة الكبرى العاملة في المجالات التي يعتبرها الصندوق أولوية، والإسهام في تمويل المقاولات العاملة في المجالات التي يعتبر الصندوق أنها تكتسي طابعا أولويا، وذلك عن طريق وضع أدوات مالية مناسبة، من قبيل تسبيقات أو قروض قابلة للإرجاع أو تمويلات بأموال شبه ذاتية.

وسيتولى الصندوق كذلك، إعداد ووضع كل آلية تمويل مهيكلة تخصص لإيجاد حلول تمويل للمقاولات العاملة في المجالات التي يعتبرها الصندوق أولوية، والإسهام في إعداد مشاريع استثمارية والقيام بهيكلتها المالية، على الصعيدين الوطني والترابي، وذلك من أجل تسهيل وتحسين شروط تمويلها وتنفيذها، وإنجاز كل عملية لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بالأنشطة التي تدخل في غرض الصندوق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس