أفريقيا برس – المغرب. لو نظرت إلى سرب نمل يمر عبر إحدى القاعات الجامعية في طابور صارم، غالبا لن ترى فيه أكثر من آفة منزلية.
لكنّ فريقا بحثيا من كلية الزراعة بجامعة أوبرن الأميركية يقترح زاوية مختلفة تماما، حيث يبدو أن النمل، الذي يعيش في مستعمرات مزدحمة تشبه المدن، قد يكون من أنجح الكائنات على الأرض في إدارة حرب طويلة ضد الميكروبات، من دون أن يخسر سريعا معركة مقاومة المضادات الحيوية التي نتعثر فيها نحن البشر منذ أقل من قرن.
مستخلصات من النمل
الباحثون، بقيادة عالم الحشرات كلينت بينِك من الكلية، اختبروا مستخلصات من ستة أنواع فقط من النمل (سهلة العثور في جنوب شرق الولايات المتحدة).
وبحسب الدراسة، التي نشرت مؤخرا في دورية “بيولوجيكال جورنال أوف ذا لينيان سوسايتي”، خرجوا برسالة بسيطة لكنها ثقيلة الدلالة، وهي أن النمل لا يعتمد على “سلاح واحد” لمقاومة البكتيريا، بل يمتلك ترسانة كيميائية متعددة، ويبدو أنه يستخدمها بقدر من الدقة يفتقده الطب البشري أحيانا.
منذ اكتشاف المضادات الحيوية واستخدامها على نطاق واسع، كان الإنجاز الطبي هائلا لكن الثمن ظهر سريعا، فالكثير من البكتيريا (وحتى بعض الفطريات) طوّرت مقاومة، وظهرت “بكتيريا خارقة” يصعب علاجها.
فرضيتان مهمتان
الفريق البحثي من جامعة أوبورون يضع المقارنة بوضوح، فالبشر يعتمدون على المضادات الحيوية منذ أقل من 100 سنة تقريبا، بينما النمل يستخدم دفاعاته الكيميائية منذ عشرات ملايين السنين، السؤال إذن ليس “هل لدى النمل مضادات حيوية؟” بل “كيف ظلت فعالة كل هذا الزمن؟”
الفرضية الأولى التي اختبرها الباحثون تشبه ما يفعله طبيب ذكي عند فشل دواء، وهو البحث عن بديل، هل يملك النمل أكثر من نوع واحد من المضادات؟
لاختبار ذلك، استخدم الفريق مذيبات مختلفة لاستخراج المركبات من أجسام النمل أو إفرازاته، ثم قاسوا النشاط المضاد للميكروبات، والنتيجة كانت إجابة بـ”نعم”، هناك دليل على أن النمل ينتج فئات متعددة من مركبات مضادة للميكروبات.
وهذه نقطة مهمة في سياق مقاومة الدواء، فعندما لا يكون السلاح واحدا، تقل فرصة أن يكفي تعديل جيني واحد لدى الميكروب لإفشال كل شيء.
الفرضية الثانية التي اختبرها العلماء تمسّ واحدة من أكبر مشاكل الطب اليوم، وهي أن كثير من المضادات الحيوية تعمل كقصف واسع، تقتل الهدف، ولكنها تربك البكتيريا كلها، فتضغط على ميكروبات أخرى موجودة في الجسم كي تطوّر مقاومة.
هنا يقول الفريق إنه وجد مؤشرات على أن النمل لا يتصرف بهذه العشوائية غالبا، بل ينتج مركبات تبدو متخصصة ضد مجموعات مختلفة من الممرضات، فهناك مركبات تستهدف الفطريات، وأخرى ضد البكتيريا سلبية الغرام، وأخرى ضد إيجابية الغرام.
بعبارة أقرب للواقع اليومي، فالنمل لا يسكب مطهرا على كل شيء، بل يختار دواء يناسب العدو.
ملاحظة لافتة وعلاج محتمل
وسط النتائج، ظهرت ملاحظة لافتة، فمستخلصات معظم الأنواع التي اختُبرت كانت فعّالة ضد فطر صار اسمه يتردد في تقارير العدوى حول العالم “كانديدا أوريس”، وهو قادر على التسبب في عدوى شديدة وقد يكون متعدد المقاومة، كما أنه قادر على الانتشار داخل مرافق الرعاية الصحية.
لهذا صنّفته جهات صحية كخطر يستحق الانتباه الشديد، وتضعه منظمة الصحة العالمية ضمن قائمة أولويات الممرضات الفطرية ضمن الفئة “الحرجة”.
قد يفيد هذا الكشف في تطوير علاج يجنبنا خطر هذا الفطر، لكن يظل هناك جبل كامل من الأسئلة التي تحتاج لإجابة قبل أن نصل لتلك النقطة: ما المركبات الفعالة بالضبط؟ وهل هي مركب واحد أم خليط؟ هل يمكن تصنيعها أو استخلاصها بكميات كافية؟ ما مدى سميّتها على خلايا الإنسان؟
الفريق نفسه يضع في الدراسة “الخطوة التالية” في اتجاه تحديد طبيعة المركبات وكيف يستخدمها النمل فعليا، ليبدأ بحثا جديدا يمكن أن يفضي إلى نتائج إيجابية.





