أفريقيا برس – المغرب. في خطوة وُصفت بأنها تحول نوعي في مسار تمكين المرأة الموريتانية، أعلنت حكومة موريتانيا عن إطلاق أول برنامج وطني موسّع يضع ريادة الأعمال النسوية في قلب السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، بما ينقل مشاركة النساء من شعار تنموي متكرر، إلى رؤية عملية ترمي إلى خلق آلاف فرص العمل وتحويل طاقات النساء إلى رافعة حقيقية للنمو والاستقرار الاجتماعي.
وبهذا البرنامج، تفتح موريتانيا، وفقاً لمراقبي الشأن النسوي، صفحة جديدة في دعم الكفاءات النسائية، وتُعيد رسم ملامح سوق العمل وتُعزز حضور المرأة كمحرك للتنمية لا كمستفيدة منها فقط.
واعتبرت الحكومة في بيان لها «أن البرنامج الجديد الخاص بتمكين المرأة يشكل خطوة جديدة نحو تعزيز ريادة الأعمال النسوية وتحويل الدعم الاجتماعي إلى تمويل إنتاجي مستدام يرفع من مساهمة النساء في الدورة الاقتصادية الوطنية».
ووفقاً للبيان، فإن «البرنامج الذي قدّمته وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة صفية بنت انتهاه أمام مجلس الوزراء يمثل تصورًا متكاملًا لتوسيع نطاق تجربة برنامج دعم التعاونيات النسوية الذي غطى الفترة من 2019 إلى 2024 ويحولها لمبادرة وطنية شاملة تستهدف التمكين الاقتصادي للمرأة وخلق أكثر من عشرة آلاف فرصة دخل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة».
ويقوم البرنامج على ثماني مكونات رئيسية تشمل التمويل، والتكوين والمواكبة، والمنتديات الوطنية للتشاور، والتمكين السياسي، والولوج إلى الملكية العقارية، والاستدامة، والمتابعة والتقييم، إضافة إلى الاتصال والتعبئة المجتمعية لنشر ثقافة التمكين.
ويهدف مكون التمويل إلى دعم المشاريع النسائية الصغيرة والمتوسطة من خلال تمويلات موجهة تُمنح وفق معايير شفافة وواضحة، بينما يركّز مكون التكوين والمواكبة على تنظيم دورات مستمرة في ريادة الأعمال والإدارة المالية.
ويشمل البرنامج مكونًا خاصًا بدعم حصول النساء على منح عقارية عبر شراكات مؤسسية مع الجهات المعنية، إلى جانب آلية دقيقة للرقابة والتقييم لقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي.
وفي تعليق لها على البرنامج، أوضحت الوزيرة صفية بنت انتهاه «أن هذه المبادرة تعكس إرادة الحكومة في رفع نسبة استفادة النساء من التمويلات الإنتاجية إلى 35% خلال أربع سنوات، وتعزيز استقلاليتهن الاقتصادية وتقليص الفوارق الاجتماعية».
وأكدت «أن التصميم الجديد يهدف إلى تحويل الدعم الاجتماعي إلى تمويل تنموي قائم على الأداء والنتائج، مستفيدًا من أدوات رقمية حديثة للمتابعة والقياس».
ويندرج إطلاق البرنامج وفقا للوزيرة، في سياق السياسات الحكومية الرامية إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.
ويتكون البرنامج من ثمانية محاور رئيسية تشمل: التمويل، التكوين والمواكبة، المنتديات الوطنية للتشاور، التمكين السياسي للنساء، الولوج إلى الملكية العقارية، الاستدامة، المتابعة والتقييم، والاتصال والتعبئة المجتمعية.
ويأتي إطلاق البرنامج الوطني الموسع لتمكين النساء في موريتانيا ليكون امتداداً طبيعياً لمسار بدأته السلطات قبل أربع سنوات من خلال مشروع «تمكين المرأة والعائد الديمغرافي في الساحل»، الذي امتد ما بين عامي 2021 و2024 بتمويل من البنك الدولي بلغ 60 مليون دولار.
وقد شكّل ذلك المشروع حجر الأساس لتوجه وطني أوسع نحو دعم النساء والفتيات في مجالات التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي سياق استدامة هذا التوجه، تبنى المشروع شعارا خاصا هو «معاً نكون أقوى»، بهدف تحقيق إنجازات ملموسة لصالح النساء والفتيات في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل وتنمية قدرات الشباب.
وارتكز البرنامج على جملة من المحاور التكاملية، من أبرزها: تعزيز الوعي لتغيير السلوكيات المجتمعية السلبية، مكافحة التسرب المدرسي بين الفتيات، تحسين جودة الخدمات الصحية، وتوزيع مستلزمات الصحة الإنجابية، إلى جانب تطوير مهارات الحياة والإدماج الاقتصادي للفتيات والنساء في سن العمل.
وشهدت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة خطوات متسارعة نحو تمكين المرأة في مختلف المجالات، غير أن الطريق ما يزال طويلاً أمام تحقيق المساواة الفعلية والمشاركة المتوازنة في مراكز القرار.
فعلى الصعيد السياسي، أسفرت سياسات الحصص الانتخابية عن ارتفاع ملحوظ في تمثيل النساء داخل البرلمان، حيث تشغل النائبات اليوم نحو ربع المقاعد، كما تشغل النساء تسعة مقاعد في الحكومة إضافة لحضور كبير في المجالس المحلية ومجالس الجهات؛ لكن التأثير في صناعة القرار بقي محدوداً بالمقارنة مع الطموحات المعلنة. وفي الجانب الاقتصادي، تبرز المرأة الموريتانية كفاعل رئيسي في قطاعات الزراعة والتجارة الصغيرة، إلا أن مشاركتها في الاقتصاد الرسمي ما تزال ضعيفة، إذ لا تتجاوز نسبة رائدات الأعمال 11٪، ويعزو الخبراء ذلك إلى صعوبة الوصول إلى التمويل، وضعف التكوين المهني، وغياب شبكات الدعم المؤسسية القادرة على مواكبة المشاريع النسائية وتطويرها.
أما في الجانب الاجتماعي، فما تزال التحديات البنيوية ماثلة أمام الفتيات والنساء، من تسربٍ دراسي وزواجٍ مبكر إلى فجواتٍ في الحقوق القانونية والمساواة في الأجور والملكية.
وعلى الرغم من اعتماد الحكومة وبعض المنظمات الوطنية والدولية برامج توعوية وتمويل صغيرة لتحسين وضع المرأة الريفية، فإن العادات والتقاليد تشكّل حاجزاً حقيقياً أمام التحول الاجتماعي المطلوب.
ويرى المهتمون بهذا الشأن أن تعزيز التعليم والتدريب المهني للنساء، وتوسيع فرص التمويل للمشاريع الصغيرة، وتطبيق القوانين المتعلقة بالمساواة، هي مفاتيح المرحلة المقبلة لضمان تمكينٍ حقيقي ومستدام للمرأة الموريتانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس