داخل ورشة صغيرة بوادي الزحون بالمدينة العتيقة لفاس المغربية ينهمك النساج التقليدي عبد القادر الوزاني في حياكة قطعة قماش على نول قديم يتجاوز عمره نصف القرن، يمد خيوطها الحريرية ليحيك قطعة “بروكار” ما يسمى أيضا بالديباج أو الخريب عند أهل فاس.
وتتداول الأحاديث بأن البروكار اليدوي، وهو قماش فاخر منسوج من الحرير الطبيعي ومزركش بخيوط الذهب، كان جزءا من الطقوس لدى الفاسيين. وكانت كل فتاة في سن الزواج تشتري قطعة خضراء اللون، لتكمل (الكسوة الجوهر) المعروفة باللبسة الفاسية، التي تصر معظم عرائس المغرب على ارتدائها.
لكن هذه العادة باتت اليوم مجرد ذكريات تتناقلها نساء المدينة، مع تراجع عدد حرفيي الحياكة اليدوية، وغلاء الكلفة التي تصل إلى 368 دولارا و524 دولارا لإنتاج قماش من ستة أمتار مربع بالطريقة التقليدية. هذا دون الشك أو الجدل حول جودته وقيمته الفنية الأصيلة والتاريخية، واختياره والمباهاة به في مناسبة تنتظر كل أم أن تكون فيها ابنتها بأبهى حلةعلى حياكة القماش في براعة شديدة.
ارتسمت ابتسامة ارتياح على وجه الوزاني وهو يقول بصوت اختلط بصوت صرير النول الذي ينسج عليه إن البروكار اليدوي يتهافت عليه عشاقه من داخل المغرب وخارجه، فهم يرون فيه تراثا عريقا يحبون الاحتفاظ بقطعة منه للذكرى وكتعبير عن سحر فاس.
داخل ورشة ضيقة أنهكتها السنون، تخبرك القطع التي نسجها هذا العجوز تحت الطلب، بمدى مهارته في حرفة إذا ذكرتها في فاس ذكرت اسمه، فهو من يحتفظ اليوم بأسرار تشغيلها، ويقول إنه ورثها عن معلمه المنتمي لعائلة بن الشريف الفاسية. حين يتحدث إليك الوزاني وهو على أعتاب الثمانين من عمره، تشعر أن حرفته هي حياته، لا يكل ولا يمل وهو يعمل طوال نهاره لينسج مترا واحدا، ويبدع رسوما ونقوشا جميلة تبهر الأبصار. ويشعرك بفخره وهو يتحدث اليك عن قصته مع البروكار منذ أول خيط نسجه وهو فتى في الـ17 من عمره.
وفي الختام وبشموخ، قال إنه يقاوم لبقائها حاضرة في الذاكرة، ويدعمه في ذلك عشاق هذا التراث.