تحميص واستخراج زيت الزيتون بأيدي نساء المغرب

4
تحميص واستخراج زيت الزيتون بأيدي نساء المغرب
تحميص واستخراج زيت الزيتون بأيدي نساء المغرب

أفريقيا برس – المغرب. لطالما كانت منطقة البحر الأبيض المتوسط مهداً للإبداع في صناعة زيت الزيتون، حيث تجاوز استخدامه كونه مجرد مكون غذائي ليصبح جزءاً من التقاليد الطبية وحتى وسيلة للإضاءة. على مر العصور، طورت الحضارات أنواعاً خاصة بها من الزيتون، مستفيدة من خصائص التربة والمناخ في كل منطقة، بالإضافة إلى المعرفة المحلية المتوارثة.

ارتقى هذا “الذهب الأخضر” ليصبح عنصراً أساسياً في النظام الغذائي المتوسطي، حيث لا غنى عنه على الموائد من فلسطين ومصر إلى المغرب وتونس، مروراً باليونان وإيطاليا وإسبانيا.

تعود ممارسة زراعة الزيتون واستخراج زيته إلى بدايات الزراعة نفسها، أي منذ حوالي 8000 عام في الشرق الأوسط وبلاد ما بين النهرين. ويعود وجود شجرة الزيتون في حالتها البرية إلى أكثر من 14000 عام، بينما تعود أولى آثار الزراعة الموثقة إلى 3000 عام قبل الميلاد.

تجذرت هذه الممارسة في ثقافات الشعوب القديمة، حيث كانت لشجرة الزيتون رمزية مهمة في الأساطير والمعتقدات. وفي الأديان التوحيدية، تكتسب شجرة الزيتون بُعداً مقدساً يرتبط بالنقاء والألوهية.

في دراسة بعنوان “معارف الفلاحين حول زيوت الزيتون (زيتون، Olea europaea var. europaea) والزيتون البري (البرّي، Olea europaea var. sylvestris) في الريف، شمال المغرب” نُشرت في “المجتمعات الجبلية والطبيعة” (2017)، يبرز الباحثان يلدز أوميرودي توماس ودومينيك كوبت أن الأمازيغ استغلوا الزيتون منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد.

في المغرب، تُعرف مناطق عديدة بجودة زيت الزيتون، مثل جبال الأطلس وسوس والريف، بالإضافة إلى مناطق وزان وخنيفرة وبني ملال. تقليدياً، كان إنتاج الزيتون نشاطاً أسرياً قبل أن يتطور بشكل صناعي.

علوانة.. علامة تجارية نسائية

في منطقة تاونات، تقوم النساء منذ زمن طويل بإنتاج زيت نادر وثمين يُعرف بـ”علوانة”، مستفيدات من معرفة متوارثة عبر الأجيال. يتميز هذا الإنتاج بكونه نسائياً بالكامل، على غرار زيت الأركان في سوس.

في بساتين الزيتون الواسعة في تاونات وتازة والناظور، تتبع النساء تقليداً يقضي بتخصيص جزء من كل محصول لإنتاج علوانة. حياة الزواق، واحدة من النساء اللواتي يتقن هذه الممارسة، تترأس تعاونية عين ليلى وتشرف على جميع مراحل الإنتاج.

تشرح حياة أن الزيتون المخصص لعلوانة يُقطف قبل أن ينضج تماماً، وتتم عملية التحميص في أفران تقليدية مصنوعة من الطين. هذه الخطوة تتطلب صبراً ودقة، حيث يتم التحميص حتى اليوم التالي للحصول على الثمار المجففة.

“المسألة تتعلق بشوي الزيتون وهو ما زال ‘أخضر’، لكن ليس بأي طريقة كانت. نقوم بذلك في الأفران التقليدية المصنوعة من الطين، التي نشعلها ثم ننظفها من الرماد المطفأ، لنقوم بعد ذلك بعملية التحميص. تتطلب هذه الخطوة الكثير من الصبر والانتباه، إذ تستغرق عادة حتى اليوم التالي. نحصل في النهاية على ثمرة مجففة من الماء، تشبه بصريًا التمر وتكون غنية في الأساس بزيتها.”

حياة الزواق تُسحق الثمار المجففة باستخدام حجر، ثم تُعجن العجينة الناتجة في وعاء من الطين على موقد تقليدي، بإضافة الماء تدريجياً. يتم استخلاص الزيت باستخدام سلال من ‘الدوم’ وآلية ضغط يدوية، ويُعبأ المنتج النهائي في زجاجات.

نجاح يتجاوز الحدود المحلية

رغم التحديات، تؤكد حياة الزواق أن إنتاج علوانة ضروري للمنطقة. وقالت “في المنطقة، من غير المعقول التفكير في محصول الموسم دون استخراج هذا النوع”. وتضيف أن علوانة تلقى إقبالاً وطنياً ودولياً، رغم أن النساء العارفات بهذه التقنية أصبحن نادرات.

يُباع علوانة بسعر يعكس تعقيد عملية الإنتاج، حيث بلغ سعر اللتر 200 درهم في آخر معرض إقليمي، مقارنةً بـ 80 درهم لزيت الزيتون التقليدي. تشير حياة الزواق إلى أن هذه الممارسة لا تزال بحاجة إلى اهتمام أكبر للحفاظ عليها كتراث. ومع ذلك، يتجاوز نجاح علوانة الحدود، حيث تتلقى طلبات من مناطق أخرى في المغرب ومن الخارج.

ممارسات نسائية يجب الحفاظ عليها

كرّست نرجس العلوي، عالمة الأنثروبولوجيا، جزءاً من أبحاثها لهذه المعرفة النسائية. في مقالها “معصرة زيت في المغرب”، تبرز البعد البيئي لاستخراج زيت علوانة التقليدي، حيث “لا يوجد ترسيب، لأن الزيتون فقد مياهه المرة في حرارة الفرن”.

تعتبر العلوي أن هذه الممارسة تمثل معرفة تقنية نسائية وإقليمية، وتشير إلى أن “الأداة البدائية، والإجراء التقني والعمل العضلي، يسكن ذاكرة النساء: الجسدية؛ التقنية؛ المكانية؛ الزمنية؛ الاقتصادية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس