جاكوب كوهين: إسرائيل تسعى إلى إشعال حرب بين المغرب والجزائر

77
جاكوب كوهين: إسرائيل تسعى إلى إشعال حرب بين المغرب والجزائر
جاكوب كوهين: إسرائيل تسعى إلى إشعال حرب بين المغرب والجزائر

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. كاتب يهودي مغربي، ولد عام 1944 بمكناس، حاصل على ديبلوم في القانون العام”، هكذا يُقدم جاكوب كوهين نفسه لمتابعي ومتصفحي صفحته على منصة فايسبوك، مع “صورة غلاف” تمثله وهو يمسك بكلتا يديه كوبا رُسِم عليه علم دولة فلسطين. عمل مترجما وأستاذا محاضرا بكلية الحقوق بالدار البيضاء إلى غاية عام 1987، ثم هاجر إلى فرنسا حيث يستقر في باريس متفرغا للكتابة.

في المغرب هناك مناهضون كثر مسلمون ويهودا لإسرائيل. وليس كوهين بالتالي اليهودي المغربي الوحيد الذي يناصر القضية الفلسطينية، بقدر عدائه للمشروع الصهيوني المجسد في الكيان الإسرائيلي. لكنه ربما أكثرهم تصدرا للمشهد الإعلامي، وأقدرهم أيضا على المحاججة دفاعا عن مبادئه وأفكاره. وفي سبيل ذلك، نشر عدة كتب جميعها تدحض الدعاية الصهيونية، خصوصا في ارتباطها باليهود المغاربة وبالموساد.

في الإعلام الإسرائيلي، يثير كوهين بين وقت وآخر موجات غضب حادة ضده، على نحو ما فعل قبل سنوات عندما استهان بـ “الهولوكوست” (محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية) الذي يعتبر أنه تحول إلى آلية للدعاية الصهيونية، تبتز بها إسرائيل العالم. فقد “عملت المحرقة التاريخية بشكل جيد في اتجاه خدمة الدعاية لإسرائيل، أي إن مجرد الإشارة إلى هذه المأساة [الإنسانية في أي مكان من العالم] من المفترض أن تخفف أو تلغي أي انتقاد موجه للنظام الصهيوني وتجاوزاته”، يقول كوهين.

أما في الإعلام الجزائري، بما فيه وكالة الأنباء الرسمية، فإن جاكوب كوهين دائم الحضور باعتباره “شاهد إدانة” على الرباط وعلى تل أبيب، منتقدا “تطبيع” المغرب، ومبديا تعاطفا واضحا مع الجزائريين الذين يصادف كلامه هوى في نفوسهم. وهو ما يجعل موقف المغاربة منه متباينا، إذ في حين يحتضنه بقوة المناهضون للتطبيع مع إسرائيل التي يكرهها، لا يحمله كثير من اليهود والمسلمين في قلوبهم بسبب آرائه ومواقفه، بل حتى إن منهم من يجرده من يهوديته.

بينما ينظر إليه الإعلام القريب من السلطة في المغرب على أنه “لا يهوديا ولا مغربيا، بل مجرد شخص انتهازي وواجهة لخدمة أعداء الوطن”.

جاكوب كوهين الذي يعشق إثارة الجدل والانغماس في الجدال، والتحاضر في مناهضة التطبيع والمشروع الصهيوني وأطماعه، هو كل هذا وأكثر.. لكن للحكم عليه بموضوعية، وجب قراءة كتبه/رواياته التي حصرنا منها اللائحة التالية:

“عرس عميد الشرطة” (2000)، و”أنا لطيفة س.” (2002)، و”عن خطر الصعود فوق السطح” (2006)، و”الجاسوسة والصحفي والموساد يحرك اللعبة” (2008)، و”ربيع السيانيم” (2010)، و”قَدَرُ الأخوات بناني-سميرس” (2011)، و”الرب لا يمر مرتين من بيت لحم” (2012)، و”جسر فوق مضيق جبل طارق” (2013)، و”من إشتر إلى فاطمة”(2015)، و “اعترافات عميل للموساد”(2016)، و”هيمنة الموساد على تِنغير”(2020).

في جميع كتبه، يعتمد كوهين الأسلوب الروائي لسرد وقائع حقيقية وكشف خباياها، مستهدفا تفكيك آليات اشتغال الدعاية الصهيونية بين يهود المغرب (بالأساس) في الوطن الأم وفي الشتات الفرنسي والكندي، وأذرعها وفي مقدمتها جهاز المخابرات الإسرائيلي الشهير “الموساد”.

وفي الحوار التالي، الذي نقوم بترجمته وإعداده للنشر باتفاق مع قناة الزميل “سفيان إعلوشن”، يكشف المناضل جاكوب كوهين عن معطيات مثيرة تؤكد بالدليل نظرية تفكك دولة إسرائيل قريبا. كما يقدم تفسيرات لموقفه الرافض لتطبيع بلاده الأم مع الكيان، وقضايا أخرى…

سنبدأ هذا الحوار بسؤال عن إسرائيل، التي تشهد إضرابات وانقسامات داخلية لم يسبق لها مثيل. ما هو تفسيرك لما يحدث؟ هل نعيش بداية نهاية إسرائيل؟ أم إنه ما يزال من السابق لأوانه الحديث عن ذلك؟

في رأيي، يبدو أنها نهاية الحلم الصهيوني. في الواقع، كنت أقول دائمًا إن إسرائيل تتكون من خمسة أو ستة مجتمعات مختلفة حقا، متعارضة مع بعضها البعض، وتعيش تقريبا منفصلة في حالة عداء كامن. لكنني لم أتوقع ما يجري حاليا، أعترف بذلك. ربما توقعت أن يحدث ذلك بعد مرور وقت طويل. أقصد حالة تعارض المجتمعات الإسرائيلية مع بعضها بسبب وجود صراع خارجي، حرب خارجية تعزز من تماسك المجتمع الإسرائيلي. فكما تعلم، لدي الكثير من العائلة في إسرائيل ولذلك أعرف كيف يعيشون، وبماذا يشعرون، إلخ. وفي أوساط مختلفة، متدينة، وقومية، ويسارية، وغيرها. لكن ما حدث في الانتخابات الأخيرة هو أنني أفسر الأمر بهذه الطريقة: لم تعجب الدولة الصهيونية العميقة أو الدولة الصهيونية العالمية العميقة نتيجة الانتخابات، وبالتالي الحكومة التي تمخضت عنها. فلأول مرة، تتشكل حكومة يمينية مع اليمين المتطرف. فأرادت الدولة العميقة الصهيونية إحداث ثورة ملونة، أي منع هذه الحكومة من التصرف، ونزع الشرعية عنها في نظر الشعب. لأن الدولة العميقة تخشى، قبل كل شيء، من أن تظهر إسرائيل على حقيقتها، أي دولة فاشية، دولة غازية، دولة لا تريد صنع سلام عادل.

حتى الآن، تمكنت إسرائيل، بفضل تواطؤ وسائل الإعلام والحكومات الأجنبية، وخاصة الأوروبية والأمريكية، من إعطاء هذه الصورة، وترسيخ وهم كون إسرائيل دولة تريد السلام. وتقول دائمًا إنها لست ضد حل الدولتين. ولذا فهي حريصة على عدم الاستيطان كثيرًا، على الرغم من أن عدد المستوطنين قد ارتفع منذ اتفاق أوسلو من 150 ألفا إلى 800 ألف. لكنها قامت بذلك بالمراوغة وبحذر مع التراجع عن بعض الأنشطة الاستيطانية من وقت لآخر، وما إلى ذلك. وبعد ذلك، فجأة، ظهرت حكومة لا تدعو فقط إلى ضم الضفة الغربية، وتدعو إلى الفصل العنصري اتجاه عرب إسرائيل والفلسطينيين، ولكنها تطالب أيضًا بدولة تستند تقريبًا إلى “الشريعة اليهودية”؛ أي المزيد والمزيد من القوانين القائمة على الدين. فعلى سبيل المثال، تم حظر النقل يوم السبت [شاباط بالنسبة للمتدينين اليهود هو يوم الراحة الأسبوعي، الذي يبدأ من مساء الجمعة عند غروب الشمس إلى مساء السبت عند الغسق. ومحظور عليهم استعمال السيارة أو الهاتف أو المصعد، ولا يطبخون أيضا بل يتم تحضير الوجبات مسبقًا وحفظها دافئة، وأيظا عدم استخدام المال أو الكتابة أو تشغيل الموسيقى، الخ. – المترجم]، وحظر جلب الخبز إلى المستشفيات خلال عيد الفصح اليهودي. وهناك العديد من المؤشرات التي تجعل الدولة الإسرائية تبتعد عن المُثُل الصهيونية. لكن هذا التوجه لا رجعة فيه. لماذا ؟ لأن الجزء القومي الديني والجزء الأرثوذكسي [المتشدد] يمثلون حوالي 30 إلى 35 في المائة من سكان إسرائيل الذين يصنعون الأطفال.. كيف يمكن لي أن أصفها؟ إنها ما بين 8 و 12 طفلاً لكل أسرة متشددة. بينما الإسرائيليون الآخرون، أي أولئك المتقدمون، المتشبعون بمثل الغرب، العلمانيون، والمثليون، أولئك الذين لديهم مشاعر ندم إنساني على الفلسطينيين، الذين يعتقدون أنهم تقدميون، ليس لديهم أطفال. وعندما يلدون، فإنهم يصنعون طفلاً أو طفلين. ومن هنا جاء هذا الانقسام وسط المجتمع الإسرائيلي في وقت أبكر بكثير مما كنت أعتقد، تم إحداثه من طرف الدولة العميقة الصهيونية العالمية..

لماذا أقول الدولة العميقة الصهيونية العالمية؟ لأنها تمكنت من تعبئة جميع المؤسسات الدولية، اليونسكو، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والاحتياطي الفيدرالي، والبرلمان الأوروبي. ما علاقة هذه المؤسسات بإصلاح المحكمة العليا في إسرائيل؟ لا شيء بتاتا. لكن هذه التعبئة تكشف قوة الدولة الصهيونية العالمية العميقة، التي فكرت بالفعل في استخدام جزء كبير من السكان الإسرائيليين الذين أرادوا العيش في ما يُزعم أنه بلد حر وديمقراطي وإنساني ومتسامح، وما إلى ذلك. ما زالوا يريدون العيش في هذا الوهم، بينما في الحقيقة قد علقوا في الواقع [المُرّ]. والحقيقة هي ماذا؟ الحقيقة هي وجود سكان فلسطينيين مضطهدون، ومستعمرون يتم إذلالهم، وخاضعون للسيطرة، إلخ. وهنا، فكرة الدولة العميقة الصهيونية في صد الحكومة، وكادت تنجح في ذلك، لكن الحكومة [حكومة نتنياهو المتطرفة الحالية] قاومت جيدا. لكن كانت هناك أشياء لا يمكن إصلاحها تم ارتكابها. على سبيل المثال، هناك ضباط احتياط كبار في الجيش أرسلوا خطابات استقالاتهم. ويتعلق الأمر بمواطنين إسرائيليين يعطون شهرا في السنة للجيش. وهم أشخاص يشغلون مناصب مهمة للغاية: طيارو طائرات، عقداء وجنرالات، ومسؤولو استخبارات، الخ. قال الآلاف منهم: إنه تم التلاعب بهم، إذا صح التعبير، من خلال الدعاية. صحيح أنه بالنسبة لإسرائيلي، وأنا سبق أن كنت هناك في كثير من الأحيان، بالنسبة لإسرائيلي علماني، فإن رؤية رجال الدين الذين يعتقد أنهم طفيليون يعيشون مثل العلقات على ظهور الإسرائيليين.

في الواقع، هناك ما يقرب من معاداة للسامية داخل إسرائيل نفسها. فهناك أعمال معادية للسامية تحدث اليوم في إسرائيل. على سبيل المثال: يتم الاعتداء على المتدينين في الحافلات [من طرف علمانيين]. وفي الاتجاه الآخر، هناك سائقو حافلات [متدينون] على سبيل المثال لا يقبلون بركوب نساء يرتدين بدلات قصيرة في الحافلات، الخ.

هناك حقًا لحظة توتر لا تصدق في إسرائيل. وفي رأيي أن العيوب التي سببتها أزمة الإصلاح القضائي هذه لن يتم إصلاحها أبدا، حيث بات العديد من الإسرائيليين التقدميين يفكرون بالفعل في مغادرة البلاد. لذا في الحقيقة هناك حالة استقطاب ثنائي bipolarisation du pays في البلد، ستكون لها عواقب وخيمة. فكما تعلمون، في تاريخ إسرائيل، كان هناك ما يسمى مملكة أورشليم ومملكة يهودا [يقصد أن إسرائيل كانت تاريخيا منقسمة على نفسها – المترجم]. لذا ها هي [ذي مرة أخرى أمامنا]، إنها حقًا ضربة قوية موجهة [للمشروع الصهيوني] لم أتوقع حصولها على الإطلاق بشكل مبكر، لكنها أصبحت واقعها لا جدال فيه. إنها بداية نهاية الحلم الصهيوني.

هل تعتقد بأن المغرب يحتاج حقا إلى اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء؟ بعبارة أخرى، ما هو تأثير هذا الاعتراف على مستقبل ملف الصحراء؟

في رأيي، يؤسفني أن أقول بأن التأثير يكاد يكون صِفرًا. لأنه بصراحة، في المجتمع الدولي حاليا، كم عدد الدول التي تحتل الأراضي بصورة غير مشروعة وتدينها بانتظام الهيئات الدولية كل عام؟ هل تعرف منها الكثير؟ أنا أعرف واحدة على الأقل هي إسرائيل، التي تدينها الأمم المتحدة بانتظام، ويدينها الاتحاد الأفريقي عندما يجتمعون، إلخ. لأنها تحتل القدس والجولان والضفة الغربية. ولذا فإنها تنتهك القانون الدولي منذ عام 1949 [تاريخ تأسيس الكيان الإسرائيلي]، عندما دعا أول قرار مناهض لإسرائيل إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهذا القرار الذي يتجدد كل عام لا يُحتَرم أبدا. إذن هذه الدولة هي البلد الوحيد الذي أعرف أنه يتعرض للإدانة الدولية منذ 80 عامًا. ولذلك لن يجلب الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء شيئًا على الإطلاق للمغرب. فاعترافها لم يُحدث أي تغييرات على مستوى المجتمع الدولي فيما يتعلق بالاعتراف بمغربية الصحراء الغربية.

وأخيرا، ما الذي حصل عليه المغرب من هذا التطبيع مع النظام الصهيوني؟ فحتى الاعتراف الأمريكي ليس اعترافا حقيقيا. إنها مجرد ورقة، إنها رسالة من ترامب. لذلك لم تكن الحكومة الأمريكية هي التي اعترفت رسميا بمغربية الصحراء الغربية. وبالتالي، في الواقع لم يتغير شيء. ولسوء الحظ، كان لدى المغرب الكثير من الأوهام بهذا الخصوص، حيث كان هناك الكثير من التركيز على النظام الصهيوني. صحيح أن إسرائيل، في الواقع، هي لاعب رئيسي في المجتمع الدولي، بفضل قوتها العسكرية، وعبقريتها في علوم الكمبيوتر، وجهاز استخباراتها، وما إلى ذلك. ولذلك ربما اعتقد المغرب بأن الاعتراف الإسرائيلي سيؤدي إلى اعترافات أخرى. لكن اعترافها، في رأيي، ظل معزولا كما نرى. وسيجلب عناصر أكثر سلبية من العناصر الإيجابية.

وماذا ستجني إسرائيل من وراء هذا التطبيع مع المغرب ؟

ستجني الكثير، الكثير. فالدولة الصهيونية هي دولة الاكتساحات العسكرية، والاقتصادية، والنفوذ، والتكنولوجيا. ولذلك سترى أسماك القرش المالية الإسرائيلية، والصهاينة العالميين والإسرائيليين ينقضّون على المغرب، سوف يقطعونه تقطيعا. وعلى المستوى العسكري، ستقوم إسرائيل بإنشاء مصنع للطائرات بدون طيار، وسيكون تحت تصرفها الجيش المغربي تقريبا بحيث ستكونه وتدربه بسلاحها وتزوده بتقنياتها، وما إلى ذلك. وبذلك ستضع قدمها في المغرب، ويا لها من قدم! أي في تلك المنطقة من جنوب المغرب المتاخمة للجزائر، حيث سيكون لديها تفويض مطلق تقريبًا للقيام بما تريد؛ عمل كامل من نشر المعلومات المضللة، والدعاية، والمضايقات اتجاه الجار الجزائري، والتصنت، وربما تقوم حتى بجر المغرب على الرغم منه إلى حرب مع الجزائر.

لذلك، فإنه في الواقع بالنسبة لإسرائيل التطبيع مع المغرب كله مكاسب. بينما المغاربة لا يعرفون مع من يتعاملون، إنه أمر لا يصدق. إن الصهاينة هم أسوأ أسماك القرش في العالم. وبالمقارنة معهم، يبدو الأمريكان تقريبا سذجا. فبالنسبة لمن يعرف القليل عن العقلية الصهيونية، فلا يوجد أسوأ عنصرية من الصهاينة، ولا يوجد أسوأ معاداة للعرب منهم، أؤكد لكم ذلك. وأنا لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للنخب العربية أن تعتقد في حسن نية الصهاينة. إنهم عنصريون ومعادون للعرب بشكل عميق، وفي حمضهم النووي (DNA) لديهم كراهية العرب وازدراءهم. وأنا أعرف عما أتحدث، فأنا ذهبت إلى إسرائيل عشر مرات ولدي عائلتي هناك، ولدي أصدقاء، إلخ. إذن كيف يمكن للمغاربة، أقصد كيف للنظام المغربي، وللنخبة المغربية، أن ينخدعوا بهذه الطريقة؟

كما رأيتم، شرع المغرب مؤخرا في اعتماد سياسة تنويع الشركاء السياسيين، بحيث لم يعد هذا يقتصر على علاقته بفرنسا، بل وسع علاقاته مع بريطانيا، وإسرائيل، وروسيا، في سعي منه للابتعاد عن فرنسا. ربما لا تتفق مع هذه الاستراتيجية السياسية المغربية الجديدة؟

كلا، كلا، أبدا، أبدا.. بل على العكس من ذلك، أعتقد بأن المغرب يعمل بشكل جيد في هذا المضمار، وقد أحسن في تنويع علاقاته. فكما تعلم، لا يجب أن تثق بفرنسا كثيرا. أنظر إليها كيف واصلت استعمارها وإمبرياليتها في أفريقيا على مدى 60 عاما من الاستقلال، 60 عاما من الاستغلال، واغتيال المعارضين. أعني، أن فرنسا مثل أي دولة استعمارية لديها عقلية استعمارية. لقد استفادت استفادة كبيرة من الاستغلال الكامل، حتى أنها ذهبت إلى حد اغتيال المعارضين [الأفارقة لسياستها]، وتثبيت الديكتاتوريات، والمناورة بتنظيم الانقلابات العسكرية، وما إلى ذلك. أنظر إلى ما حدث في تشاد [باغتيال الرئيس إدريس ديبي]، وفي بوركينا فاسو باغتيال توماس سانكارا. لذلك كان من مصلحة المغرب أن ينأى بنفسه عن فرنسا. علاوة على ذلك، بذل المغرب الكثير من الجهود للانفتاح على البلدان الأفريقية، على غرار السنغال وساحل العاج، وما إلى ذلك. وأيضا الانفتاح على الهند وروسيا. لذلك أرى من الإيجابي هذا الانفتاح للدبلوماسية المغربية على الدول الأخرى. ومع ذلك، أعتقد أن المغرب ظل راسخا في المعسكر الغربي.

ومن الأمثلة على ذلك، أنه في الوقت الذي طلبت فيه أمريكا من المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل، استجاب لطلبها. ربما يكون مطلبًا أمريكيًا ملحًا مع بعض التهديدات وبعض الوعود وما إلى ذلك. هناك عدد من الأشياء التي لن يعرفها الكثير منا أو يعرفها لاحقًا. وهكذا فإن المغرب، على الرغم من كل شيء، لا يزال راسخًا في المعسكر الغربي والتطبيع مع إسرائيل سيرسخه أكثر في المعسكر الغربي. يجب ألا ننسى أن المغرب لديه خصم هائل في أفريقيا وهو الجزائر. عندما نرى ثقل الجزائر على المستوى الأفريقي، بسبب موقعها الجغرافي وثروتها ودبلوماسيتها وتاريخها، ندرك بأنها لا تزال خصما رئيسا يقطع الطريق أمامه.

وستحقق محاولات المغرب للانفتاح بعض النجاح مع الهند وروسيا، لأن روسيا لها أيضا مصلحة، حتى لو كان لديها حليف متميز هو الجزائر، فستكون لها أيضا مصلحة في إقامة علاقات جيدة مع المغرب.

لكن أخيرا، لا أعتقد أن المغرب سيتخذ الخطوة، على سبيل المثال، للانضمام إلى معسكر عدم الانحياز، أو معسكر البريكس، أو على سبيل المثال استخدام عملات أخرى غير الدولار، إلخ. أريد أن أقول إنني لا أعتقد أنه سينجح في تبني خط دبلوماسي مستقل بنسبة 100٪ عن أمريكا. وسيبقى بالتالي راسخا في صفها وبالتالي في المعسكر الغربي، وبالتالي مستقبله مرهون بميزان القوى بين المعسكر الغربي، الذي يخسر في هذا الوقت الكثير من الأرض، ومعسكر البريكس الذي يكسب المزيد من القوة.

على ذكر روسيا، هل تعتقد بأن الحرب الأوكرانية سيكون لها تأثير على قضية الصحراء ؟

من الواضح أن روسيا اكتسبت الكثير من النفوذ في جميع الدول، آخرها بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وغينيا، والجزائر وغيرها، وهي دول معادية لفرنسا وللغرب. وهكذا، كما قلت سابقا أن المغرب يرسخ انتماءه في المعسكر الغربي، من الواضح أن انتصار روسيا وشيك في الحرب، أقصد الانتصار الحتمي الذي نراه يلوح في الأفق بالفعل. فمن المؤكد أن خُمس أوكرانيا ضاع بالفعل منها [لفائدة روسيا]. ومن الناحية الاقتصادية، نشرت “بلومبرغ”، (Bloomberg) وهي وسيلة إعلام أمريكية، قبل أيام قليلة، تقول إنه في عام واحد، كسبت روسيا 600 مليار دولار رغم أنها في حالة حرب ومعرضة لعقوبات دولية. بينما خسرت أمريكا بالمقابل أكثر من 600 مليار. لذلك ترى بالفعل، أنه حتى من الناحية الاقتصادية [وليس فقط العسكرية]، فإن روسيا تزدهر بفضل تحالفها مع الصين، إلخ. وبالتالي، فإن مجموعة “البريكس” وحلفاءها يوجدون في حالة نشوة كاملة، وفي توسع كامل. وهكذا، بما أن الجزائر هي أحد العناصر الرئيسة لهذا التحالف في أفريقيا، فإنه من الواضح أنه لن يرغب أحد في إغضابها من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء، أو من خلال الترويج لحل من شأنه أن يكون —إلى حد ما— مخرجا مشرفا للمغرب، أي الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية. وهكذا، لن تتخلى الجزائر أبدا عن سياستها بخصوص قضية الصحراء، ولن يرغب حلفاؤها أبدا في التخلي عنها.

المصدر: قناة “سفيان إعلوشن” على يوتيوب

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس