جدل في المغرب حول فتوى إخراج الزكاة من الرواتب

1
جدل في المغرب حول فتوى إخراج الزكاة من الرواتب
جدل في المغرب حول فتوى إخراج الزكاة من الرواتب

أفريقيا برس – المغرب. بعدما لجأت الحكومة المغربية الحالية إلى سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع من البرلمان، وبينما تعالت نداءات المجتمع المدني في المغرب من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من “الإجهاز” -وفق تعبير مراقبين- على الطبقة المتوسطة والفقيرة عبر الزيادات المتوالية في أثمان المواد الاستهلاكية، دون وجود أي مؤشرات على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل هذا الواقع فاجأ “المجلس العلمي الأعلى” (كأعلى مؤسسة دينية رسمية) الرأي العام المحلي بإصدار فتوى جديدة تخصّ زكاة الأموال، ما أشعل الجدل في شبكات التواصل الاجتماعي، وأثار انتقادات واسعة، خصوصًا بعد التأكيد على وجوب الزكاة عن رواتب الموظفين الشهرية.

رسميًا، وُصفت هذه الفتوى بأنها “تاريخية” و”غير مسبوقة”، وبأنها جاءت ثمرة اجتهاد فقهي جديد في إطار المذهب المالكي، من أجل مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية. وتنصّ على وجوب إخراج الزكاة عن الرواتب الشهرية وعائدات العمل بالأجرة.

أما شعبيًا، فقد ركّزت معظم التعليقات عبر منصات التواصل الاجتماعي، على مسألة الرواتب الشهرية، بالنظر إلى أن أغلب المدونين من فئة الموظفين والأجراء في القطاعين العام والخاص، وفي مختلف المهن.

وفصّلت الفتوى في أحكام الزكاة المتعلقة بعدة قطاعات بعدما “اتسع نطاق مفهوم المال في الواقع المعاصر”. وحسب نص الاجتهاد الفقهي الذي اطلعت عليه “القدس العربي”، تشمل هذه القطاعات: الفلاحة، والماشية، ومنتجات الزراعة غير الحبوب، والغابات، والصيد، والتجارة، والصناعة، وأخيرًا قطاع الخدمات.

وفيما يخص الرواتب التي تمحورت حولها الانتقادات، أكدت الفتوى أن الزكاة لا تُفرض على كامل الراتب، بل على الجزء المتبقي بعد خصم النفقات الأساسية للموظف وأسرته، مثل السكن والغذاء والنقل والالتزامات العائلية، مع اعتماد الحد الأدنى للأجر في المغرب (3266 درهما، أي نحو 354 دولارا) كمعيار لتحديد الحاجيات الضرورية.

كما أوضحت أن وجوب الزكاة يقتصر على الأموال التي تبلغ النصاب الشرعي (حوالي 7438 درهما، أي نحو 805 دولارات) وتبقى سنة هجرية كاملة دون أن تنقص عنه، مع إمكانية إخراج الزكاة شهريا أو دوريا تسهيلا على الموظفين.

وأشار المجلس العلمي الأعلى في فتواه إلى أن الزكاة تختلف عن الضريبة، فهي عبادة مالية وركن من أركان الإسلام، تُخرج طاعة لأمر الله وتُصرف في مصارفها الشرعية المحددة في القرآن الكريم.

ويرى الصحافي أحمد الأرقام أنه “من الجيد أن يجتهد العلماء لتيسير أداء الزكاة بإصدار فتوى كما نص الدين الإسلامي”، لكنه استدرك قائلاً: “لقد أخفقوا في إعطاء أمثلة واضحة”، مستعرضا بعض النماذج الخاصة بالرواتب والزكاة المقدّرة. وتساءل كيف قام العلماء “بتقدير ذلك شهريا، حتى ولو كان المعني بالأمر يمتلك منزلا وسيارة ومحطة وقود وأطفاله الصغار يشتغلون، فلا يمكنه صرف 3220 درهمًا (349 دولارًا) شهريا، إذ يتعدى ذلك بكثير، ومنهم من يضطر إلى الاقتراض”.

أما الباحثة لطيفة البوحسيني، فقد وجهت انتقادات لاذعة إلى “المجلس العلمي الأعلى”، قائلة إن “عقله تفتق على تقديم فتوى لتحديد مقدار زكاة أجور الموظفين، الذين تُقتطع منهم ضرائب مهمة شهريًا مما يتقاضونه”. وتساءلت: “ماذا لو اجتهد مجلسنا الموقر وقدم فتوى تخص ثروات الأوليغارشية؟”.

وأضافت: “ألا تعلمون ما تجنيه هذه الأوليغارشية من أرباح خيالية؟ وكيف يعتلي بعضهم مراتب بين أغنياء العالم في بلد أصبح فيه الفقر هو الشيء الأعدل قسمة بين أغلب ساكنته؟”. وتابعت: “لماذا تتهربون من مساءلة من يغرفون دون حياء من الثروات التي تخلقها أياد عاملة تتقاضى أجورا زهيدة؟”.

وختمت البوحسيني قائلة: “من يجعل نفسه في خدمة السلطوية الأوليغارشية القائمة على المظالم، يفقد ثقة الناس في كلامه، بل يفقد مصداقيته واحترامه. فالعلم والدين، قبل أن يكونا شهادات أو تقعيرا لغويا، هما قيم نبيلة وجرأة على قول الحق، واستعداد لتحمل الثمن الذي يميز العلماء الحقيقيين عن غيرهم”.

من جانبه، تساءل الكاتب والباحث محمد أقديم بصيغة استنكارية: “هل استنفد المجلس العلمي الأعلى كل القضايا والنوازل التي تؤرق فعلاً الشعب المغربي وتنغص عليه معيشته، ولم يبق له سوى مشكل تحديد مقدار زكاة أجور الموظفين؟”.

وتابع: “هل استنفد كل جهوده العلمية والدعوية لإقناع المليونيرات والمليارديرات بإخراج الزكاة، ولم يبق له سوى أجور الموظفين العموميين؟”. وسخر قائلاً: “هل تقاطرت على المجلس طلبات استفتاء من عدد كبير من الموظفين العموميين، الذين يعانون حرجا في عدم معرفتهم بمقدار زكاة أجورهم السنوية؟ ألهذه النازلة الكبرى سارع المجلس إلى إصدار فتواه؟”.

وألمح أقديم إلى أن الفتوى قد تكون “مجرد تمهيد أو تبرير شرعي لما يمكن أن تقدم عليه الدولة مستقبلا من اقتطاع زكاة أجور الموظفين من المنبع”، متسائلا: “هل تكفي أعضاء المجلس العلمي الأعلى فعلا 3266 درهما (حوالي 354 دولارا) كمصروف شهري؟”.

واختصر الإعلامي محمد بحسي الموقف بقوله: “الذي لا يضمن راتبه مسكنا يسع أهله، ومركبا مريحا، وكسوة نظيفة، وأكلا كافيا، وتعليما للأبناء وتطبيبا، تجوز فيه الزكاة وليس العكس”. وهو ما وافقه عليه الصحافي عمر أوشن في تعليق مشابه، بينما علقت مدونة ساخرة: “من أراد أن يخرج الزكاة، أنا موجودة على الله”.

في المقابل، قدّمت بعض التدوينات قراءة نقدية للفتوى، معتبرة أنها “تأتي في سياق وطني محمود يروم إحياء فريضة الزكاة وربطها بالواقع الاقتصادي الحديث الذي يعتمد على الدخل الشهري المنتظم، بدل الأموال التجارية أو الزراعية كما في العصور السابقة”. لكنها أضافت أن “رغم وجاهة المقصد، فإنها تطرح ملاحظات نقدية من حيث الفقه والواقع والتطبيق”.

وخلص العديد من المعلقين إلى أن فتوى المجلس العلمي الأعلى تمثل خطوة مهمة في تجديد فقه الزكاة وربطها بالدخل العصري، لكنها تحتاج إلى مراجعة دقيقة في بعدها الواقعي والفقهي حتى تكتمل فائدتها وتصبح نموذجًا لتيسير أداء الزكاة دون حرج أو التباس.

واللافت في الأمر أنها المرة الأولى التي يخوض فيها الرأي العام المغربي في تفاصيل فتوى تتعلق بالزكاة. فلم تكن هذه القضية تثير نقاشا واسعا في السابق، لكن ما إن مست الرواتب الشهرية حتى اشتعل الجدل، رغم أن باقي القطاعات -كالزراعة والتجارة- كانت دائما حاضرة في أحكام الزكاة، وقد فصّلتها الفتوى الجديدة مع إضافة قطاع الخدمات الذي يشمل الأجور الشهرية.

اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس