أفريقيا برس – المغرب. يروج منذ شهور على منصات التواصل الاجتماعي محتوى، ظاهره بريء يبدو متعلقا بحرية الرأي والتعبير، لكن تواتره وعزفه على وتر واحد هو “علاقة اليهود بالمغرب” بات أمرا مثيرا للريبة.. فهذه يهودية تقول بعصبية وبلكنة مغربية غريبة إن “المغرب أرض يهودية، سبق اليهود إليها الجميع بدليل أنه يحتضن 600 ضريح للقديسين اليهود”.. وهذا حاخام إسرائيلي كبير يدعو اليهود من العالم إلى الهجرة إلى المغرب “في حال خسرت إسرائيل الحرب (الحالية)”، ليقيموا فيه “مجتمع التوراة”.. وهذا شخص يحمل اسما مسلما مغمورا يقود حملة لتجنيس من هب ودب من اليهود بالجنسية المغربية.
فما الذي يجري التخطيط له في الخفاء، في استغلال واضح للتسامح الذي ظل سائدا في المغرب على مدى قرون طويلة بين الأغلبية المسلمة من السكان والأقليات اليهودية؟
“ملتمس” للبرلمان للتجنيس
خلال شهر يونيو الماضي، بينما كان قلب الرأي العام المغربي موحدا يترقب مآل “مفاوضات وقف إطلاق النار” في غزة وهو يتمزق لمآسي القطاع الشهيد، قفز فجأة إلى واجهة الأحداث اسم شخص مغمور يدعى “الحسين بن مسعود”. والسبب في ذلك أن هذا الشخص الذي بعث من العدم، يتزعم “حملة” على “البوابة الوطنية للمشاركة المواطِنة”، تهدف إلى جمع 20.000 توقيع المطلوب لتقديم التماس إلى مجلس النواب المغربي، لمطالبة المشرعين بـ”منح أبناء وأحفاد اليهود من أصل مغربي الجنسية المغربية”. وصرح حينها وكيل “الملتمس” الحسين بنمسعود بأن “مبادرته” تسعى إلى “الحفاظ على الرابطة بين اليهود من أصل مغربي وأمير المؤمنين (الملك المغربي) ووطن آبائهم وأجدادهم، من خلال إعادة الجنسية المغربية للأجيال التي فقدتها”.
إن ما حرك شكوكا كثيرة حول هذا “الملتمس”، الذي أثار جدلا واسعا بعد ظهوره، هو كون الواقفين وراءه ليسوا مغاربة يهودا (وهذا ─مبدئيا─ من حق كل يهودي مغربي الأصول) بل أشخاص يحملون أسماء مسلمة، وبالتالي لا علاقة لهم بالموضوع. وأيضا تزامن هذه “الحملة” مع الأحداث المفجعة في قطاع غزة.
وخلال شهور الصيف، توارى هذا الموضوع خلف الأحداث الساخنة حتى نسيه الناس تماما. لكن يوم الخميس 10 أكتوبر 2024، توصل البرلمان المغربي بملتمس عبارة عن “مبادرة تهدف إلى وضع نص تشريعي من طرف ممثلي الأمة (نواب البرلمان)، قصد منح الجنسية المغربية لجميع أبناء وأحفاد اليهود المغاربة. وحملت الأخبار أن “اليهود المغاربة يطالبون بالحصول على الجنسية المغربية لأبنائهم وأحفادهم، لأنهم يعيشون معاناة جراء فقدانهم الجنسية المترتب عن النسب، وهو ما تواصل لأجيال، لأسباب قاهرة وخارجة عن إرادتهم ومتجاوزة لظروفهم”.
بل إن الواقفين وراء هذه “المبادرة” وجهوا اتهامات للبرلمان المغربي “بعدم التحرك بما يكفي خلال الدورات السابقة للبرلمان، لتمتيع اليهود المغاربة وذويهم بكافة حقوقهم ورفع المعاناة عنهم”، ومطالبين بالتفاعل مع هذه المبادرة لـ “منح الجنسية لليهود ذوي الأصول المغربية أينما كانوا، بما في ذلك أولئك الذين سبق لهم أن تنازلوا عنها، ولجميع أولادهم وأحفادهم مع احتفاظ أصحاب الطلب بجنسياتهم الأخرى”.
ويُقصد باليهود المغاربة الذين تسعى المبادرة لمنحهم الجنسية المغربية، اليهود المسجلين في السجلات والإحصاءات التابعة للمؤسسات العمومية، وسجلات الإحصاء بالمعابد والمصليات الخاصة باليهود المغاربة في المغرب أو خارجه، المصادق عليها من طرف وزارتي الداخلية والعدل المغربيتين ومجلس الطائفة اليهودية بالمغرب.
ربما لو ظهرت هذه “المبادرة” قبل تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان في ديسمبر 2020، أو حتى فقط قبل طوفان الأقصى قبل عام، لَمَرّت مرور الكرام ولما حركت كل هذا الجدل والشكوك حولها.. أما وأن تظهر في هذا التوقيت الذي يجري الحديث فيه بقوة عن الترتيب لإقامة “شرق أوسط جديد”، ومن طرف جهات مشبوهة، فإن الأمر يدعو إلى الحذر الشديد منها.
المغرب “أرض يهودية”؟!
الحاخام اليهودي الأصولي يوشياهو يوسف بينتو (سليل أسرة “بينتو Pinto” المغربية اليهودية الشهيرة)، الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والمغربية، وإن كان أتباعه وكذا الإعلام الإسرائيلي يطلق عليه لقب “الحاخام المغربي”. هو زعيم روحي يهودي مؤثر جدا رغم مشاكله القضائية في الكيان. وبعد قضائه سنة في السجن داخل الكيان الإسرائيلي ودفعه غرامة كبيرة، في قضية رشوة ضابط كبير في الشرطة، غادر إلى أرض أجداده المغرب في 2017 حيث استقر بشكل دائم، وأصبح “حاخاما أكبر” ليهود المغرب الذين يقدرون بين 2000 و3000 نسمة. هو معروف بكونه واحدا من أغنى عشرة رجال دين يهود، وينشط بكثرة من خلال قناته على منصة يوتيوب، حيث يقدم تعاليم دينية ووصايا لمريديه. كما أنه كثير الثناء على المغرب باعتبارها أرض تسامح، لم تخن يهودها خلال الحرب العالمية الثانية [كما فعلت دول أخرى كثيرة] ولم تسلمهم للمحرقة (الهولوكوست) النازي.
وفي هذا الإطار، يروج تسجيل فيديو ليوشياهو يوسف بينتو على مواقع التواصل مدته أقل من دقيقة واحدة ولا يحمل تاريخا، إلا أن الوقائع التي يثيرها تشير إلى أنه حديث. يوجه من خلاله نداء إلى أتباع منظمته “شوڨا إسرائيل” (يوجدون على الخصوص بمدينة أسدود المحتلة) عبر العالم أجمع، لكي يلتحقوا بالمغرب، «فأنتم لن تجدوا بلدا أفضل منه.. لقد كان جيدا لآبائنا وأجدادنا.. والأوقات القادمة صعبة للغاية.. والمغرب سيكون لكم مأوى وملجئا لليهود.. كونوا منتبهين والتحقوا بهذه الأرض قبل أن تحل عليكم الفترات الحرجة.. تعالوا نقيم “مجتمع التوراة” وتنهلوا من نبع المعرفة وتقوموا بمعاملاتكم التجارية».. وما بين السطور، يشير “بينتو” إلى أن اليهود ينتظرهم مستقبل مظلم إذا خسر الكيان الحرب الجارية، وبالتالي عليهم الفرار بجلدهم من الكيان ومن العالم، والمجي إلى المغرب للاستقرار فيه “قبل فوات الأوان”، لإقامة مجتمعهم اليهودي “الفاضل” وممارسة التجارة!
شريط فيديو قصير آخر يروج على الشبكات الاجتماعية المغربية، وتظهر فيه امرأة صهيونية في أرذل العمر تتحدث بلهجة مغربية متعثرة وبطريقة عصبية مستفزة، تجادل فيه المغاربة بأن بلادهم هي أرض يهودية. وللدلالة على مزاعمها، تدعي بأن اليهود قدموا إلى المغرب عقب تدمير مملكة أورشليم [أي تدميرها على يد الملك البابلي نبوخذ نصر في المائة السادسة قبل الميلاد]، ثم أتى بعد اليهود أقوام آخرون [بينهم العرب]. وتمضي العجوز الصهيونية مدعية بأن المغرب الذي يأوي أضرحة 600 من “الصِّدِّيقين” [أولياء] اليهود هو أرض يهودية مقدسة، “سيسترجعونها” (كذا!)…
إن هذين النموذجين ليسا سوى مثالين على ظاهرة لافتة، يجري التسويق لها على شبكات التواصل. فالمغرب في فهم هؤلاء هو أرض بلا أصحاب، أو بالحد الأدنى بلا رأي يعتد به. صحيح أنه إلى جانب هذه النماذج العجيبة من اليهود، ثمة منشورات ليهود متشبتين بمغربيتهم وبجيرانهم المسلمين الإخْوة في الوطن. بل إن بعضهم لا يتردد في الجهر بالعداء لدولة الكيان ويدعو الله بزوالها لأنها قائمة على “ظلم تاريخي”.. غير أن رواج دعوات إلى “الاستيطان الجماعي” لأرض المغرب، والتمهيد لذلك بترويج مزاعم ملفقة وغير صحيحة تاريخيا يدعو إلى الشك والحذر…
“إسرائيل” أخرى في المغرب؟
في كتاب “بيبيو ! الخراب على الباب”، يجيب رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد وايحمان، بشكل عن سؤال: هل هناك مخطط لنقل دولة “إسرائيل” إلى المغرب؟ فيقول إنه من خلال ما تم رصده وجمعه من معطيات بشأن الاختراق الصهيوني للمغرب، على الأخص في العشرية الأخيرة، كنا نتساءل كلما اصطدمنا بأمور لا تصدق في طبيعة التسللات والمخاتلات الصهيونية: ترى إلى ماذا تهدف هذه الاختراقات غير المسبوقة وغير المعقولة بأي مقياس من المقاييس؟ لكن مستويات معينة من هذه الاختراقات غير المسبوقة أصبحت تطرح أسئلة لم تعد تقتصر على الحيرة والبعث على القلق، بل إنها تبعث على التوجس من الآتي القريب والكارثي بكل تأكيد !
فبالموازاة مع تمييع و تخوين الدولة والمؤسسة الملكية، من خلال ادعاء جهات إسرائيلية بأن والد الملك الحالي (الحسن الثاني) كان جاسوسا يسهل على الكيان التجسس على القمم العربية والإسلامية التي انعقدت بالمغرب؛ يتم إطلاق حملة أخرى لتفسير مفهوم “إمارة المؤمنين” ومفهوم المكون العبري في الدستور المغربي تفسيرا على مقاس الصهاينة، يصبح معه معنى “أمير المؤمنين” (الصفة الدينية لملك المغرب)، يكاد يكون حصريا هو الإقرار بأن الملك بصفته تلك، هو الراعي لحوالي مليون يهودي مستوطن ومحتل بفلسطين المحتلة، الذين ابتدعوا لهم اسما جديدا هو: “الجالية المغربية بإسرائيل”.. ويتابع وايحمان في تحليله بأنه “وفقا لهذه البدعة الجديدة، يصبح من حق مجرم الحرب وزير الحرب الصهيوني السابق عمير بيرتس المزداد بمدينة أبي الجعد المغربية، أو قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الصهيوني سامي الترجمان ابن مدينة مراكش، أو غادي آيزنكوط، رئيس أركان هذا الجيش الإرهابي سابقا، أو وزير الداخلية في حكومة نتانياهو السابقة أريي أدرعي، إذا ما سقطوا في الانتخابات هناك أو أضاعوا مناصبهم، أن يأتوا إلى هنا [المغرب] ويترشحوا للانتخابات ويشكلوا حكومة ويحكموا المغرب!”
ولأجل ذلك يتم تجنيد سلاح الدعاية الرهيب لتحقيق هذا الهدف.. ثم توالت موجات زيارات ضباط جيش الاحتلال والموساد وحاخامات الجيش والسياسيين [بعد عقد اتفاقية التطبيع] ليجوبوا المغرب طولا وعرضا، ترافقهم قوافل من “السياح ” تحت ذريعة زيارة أولياء اليهود ومقابرهم، التي لم يسألوا على مدى عقود حيث تركت للإهمال.. و”صاحب ذلك كله موجة من الكتابات حول التاريخ و التراث اليهوديين، اختلط فيها العلم بالخرافة و الأساطير وتم الترامي على مؤسسات بحثية وإعلامية، وخلق أخرى (كأرشيف المغرب)، حتى أن المرء في المدة الأخيرة ليتخيل أن المغرب هو بلد يهودي خالص”..فـ “الفنون المغربية في عرفهم هي فنون يهودية في الأصل! والموسيقى الأندلسية المغربية الأصيلة (الموشحات والقصائد والتقاسيم) وكذا الفن الغرناطي (الذي يشتهر به شرق المغرب) هو الآخر فن يهودي! هذا بالنسبة للشطر العربي من التراث المغربي، أما بالنسبة إلى الشطر الأمازيغي، فإن الأمازيغ بحسب الدعاية الصهيونية الجديدة هم وفنهم في الأصل يهود !!وقس على ذلك أيضا الطبخ وعموم التراث المادي واللامادي. بل ذهبت الدعاية الصهيونية الجديدة إلى الادعاء بأن أمازيغ المغرب هم في الأصل القبيلة اليهودية الثالثة عشرة المفقودة!
هذا عن التسلل الثقافي والسياسي الناعم. أما بصدد الأدوات العنيفة لتحقيق المشروع الصهيوني في المغرب الكبير، فقد سبق لرئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية الأسبق عاموس يادلين أن كشف عن إرساء شبكة للتجسس في كل من تونس والجزائر والمغرب “جاهزة للتأثير والتخريب في أي وقت”، بحيث لا تنتظر سوى التعليمات للشروع في التنفيذ !
والمثير أنه بعد أن كانت هذه الشبكة في البداية سرية، خرجت إلى العلن لتتحدث وتعلن عن نفسها كإطار منظم تحت مسمى “محبي إسرائيل في المغرب الكبير”!
عندما كاد اليهود أن يقيموا “إسرائيل” في المغرب مرتين!
خلال العصر الحديث، شهد المغرب محاولتين معروفتين حتى الآن، لإقامة وطن خاص باليهود على أرضه. المحاولة الأولى كانت في ستينيات القرن السابع عشر الميلادي، قام بها إقطاعي مغربي يهودي الديانة حاول إقامة إمارة مستقلة في شرق المغرب، وانتهت محاولته بمقتله. والمحاولة الثانية كانت أخطر من الأولى، وناقشتها الحركة الصهيونية مطلع القرن العشرين وتقضي بإقامة “وطن بديل” ليهود أوروبا الشرقية المضطهدين بجنوب غرب المغرب.
1662م – “إمارة” يهودية بشرق المغرب!
خلال نهاية الدولة السعدية (حكمت المغرب بين عامي 1554و1659)، وبوادر صعود الدولة العلوية (1666)، عرفت بلاد المغرب الأقصى فراغا سياسيا، دفع العديد من ذوي الجاه والمكانة الاجتماعية إلى السعي إلى الانفراد بحكم مناطقهم، وكان من بينهم إقطاعي يهودي بشرق المغرب يسمى هارون بن مشعل. ولد ابن مشعل بمدينة وجدة في عائلة يهودية عريقة ذات نفوذ تجاري واسع، فورث عنها المجد والثروة والمكانة الاجتماعية في قلب البلاط السلطاني، ما جعله حاكما لمنطقة تازة يفعل ما يشاء حتى بالغ في ظلمه وجبروته، بحيث لم يسلم أحد من جبروته لا مسلمين ولا يهودا. فحدثته نفسه بتأسيس مقاطعة يهودية في نواحي بني يزناسن (منطقة وقبيلة في شرق المغرب)، فيصبح حاكما لتازة وفاس، كما ورد في كتاب “التاريخ الدبلوماسي للمغرب” للمؤرخ عبد الهادي التازي.
كان ابن مشعل رجلا فاحش الثراء ما مكنه من شراء العتاد والأسلحة وحتى ضمائر الرجال، فحرص على تحقيق الأمن والأمان مستعينا بابنته زليخة كمترجمة له مع الوفود الأوروبية التي كانت تأتيه؛ إذ كانت تتقن إلى جانب العبرية والعربية والدارجة المغربية، اللغات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية. وعاش في قصر منيع يشبه القلعة الحصينة، ومن حوله مؤونة تكفيه لسنوات عديدة، سلبها من السكان اليهود والمسلمين الذين كانوا مضطرين إلى دفع ضرائب باهظة على أملاكهم.
ويقول المؤرخ عبد الهادي التازي أنه “كان واردا جدا يومها أن ينوب المغرب عن فلسطين لو تمكن ابن مشعل من إقامة دولة يهودية تشمل تازة، ثم تعم فاس لتنساب منها إلى باقي البلاد المغربية الأخرى.
وعن هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب، تتداخل الأسطورة بالتاريخ بحيث تتضبب الرؤية الموضوعية لما جرى. ويحكى أن زليخة وقعت في حب شاب مسلم، فأدخلته القصر وأسكنته معها سرا وجعلته يحضر حفلات والدها الماجنة التي كان يقيمها كل ليلة. وبينما كان يشرب ابن مشعل شراب “الماحيا” المُسْكِر (يصنع من تقطير التين المجفف بعد تخميره) ويوزعه على الحاضرين، كان الشاب يراقب التفاصيل الدقيقة لنمط حياته وروتينه اليومي، ومداخل القصر ومخارجه وأشكال الحراسة. فقد كان العشيق في الواقع جاسوسا ينقل أسرار القصر إلى المولى الرشيد الذي كان يؤسس لحكمه من مدينة فاس البعيدة.
كان الناس من حول ابن مشعل إما خائفون من بطشه، وإما مترددون في الثقة به. لكن الهالة والهيبة التي أحاط بها نفسه سرعان ما انهارت، يقول المؤرخ عبد الهادي التازي. و”ذلك أن ابن مشعل كان مارًا ذات يوم، وإذا به يقف على امرأة تحمل طفلا صغيرا وبيدها جرة ماء. فطلب منها أن تسقيه كي يختبر – على ما يبدو – مدى شعورها نحوه، لكنها رفضت. وهنا طوّح هارون بن مشعل بصغيرها [وفي رواية أخرى أنه شطر الطفل بضربة من سيفه إلى نصفين!]. فجمعت الأم أشلاء الطفل ورجعت إلى قريتها لتلهب الناس ضد ابن مشعل”.
ومن سوء حظ ابن مشعل أن اعتداءه على هذه المرأة تزامن مع بداية صعود الدولة العلوية، التي أخذت على عاتقها منذ البداية تطهير البلاد وضمان أمنها واستقرارها. وهو ما وضع نهاية لطموحه في إقامة “دولته العبرية” على أرض المغرب، خاصة أنه كان يتقدم للسيطرة على مدينة فاس.
كان يومها المولى الرشيد وهو أحد أعضاء الأسرة العلوية طالبا بجامعة القرويين في فاس، وكان على اطلاع بتصرفات ابن مشعل. فجمع طلاب الجامعة حوله ─تقول رواية مؤرخ البلاط عبد الهادي التازي المشكوك فيها─ واتجه بهم صوب “إقطاعية ابن مشعل لإسقاطه، مستخدما الحيلة التي لم يذكر المؤرخون تفاصيلها. بينما تختلف عنها الحكايات التي تبدو أشبه بقصص ألف ليلة وليلة. ومنها ما يزعم أن المولى الرشيد تنكر في زي فتاة مهداة إلى ابن مشعل، بينما اختبأ أصدقاؤه الطلاب في صناديق زعم أن فيها هدايا. وتنتهي القصة الرسمية لمغامرة ابن مشعل بمقتله في صيف 1663، واستفادة الرشيد من أملاك ابن مشعل وثرواته لتجهيز جيش قوي، سيتمكن به لاحقا من أن يفرض نفسه سلطانا جديدا على المغرب ومؤسسا للدولة العلوية، التي ما زالت تحكم المغرب حتى اليوم.
1903م – “وطن” ليهود روسيا بجنوب شرق المغرب!
بُعَيد التوقيع على اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل قبل أربع سنوات، كشفت وثيقة سرية مسربة للإعلام الإسرائيلي عن وجود مخطط قديم لدى ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل، كان يهدف إلى إعلان المغرب “دولة لليهود”، أي قبل حتى أن تتمخض لدى الحركة فكرة تهجير يهود العالم إلى فلسطين.
وأوضحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية إلى أن هرتزل رَوّج، في الوثيقة السرية والغامضة، لـ”خطة المغرب”، الأقل شهرة من “خطة أوغندا”. وكانت تقضي بتوطين يهود روسيا في منطقة تسمى وادي الحصان، بجنوب غرب المغرب.وأوضحت المصادر ذاتها أنه بينما يتم تدريس “خطة أوغندا” (التي كانت تقضي بتوطين اليهود في شرق إفريقيا) في المقررات المدرسية الإسرائيلية ضمن دروس التاريخ، لا يعرف الكثير خطة هرتزل البديلة لخطة أوغندا والتي أطلق عليها اسم “خطة المغرب” لتوطين يهود روسيا في المغرب، وهو اقتراح أثير في رسالة كتبها هرتزل في العام 1903.
ووفق المعطيات ذاتها، فإن وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشامبرلين، كان قدّم في أبريل 1903 عرضا إلى هرتزل يروم توطين اليهود في شرق إفريقيا البريطانية وتحديدا في كينيا. واشتهر ذلك الاقتراح في الخطاب الصهيوني باسم “خطة أوغندا”. إلا أن هرتزل رفض الاقتراح بشكل قاطع، مبررا رفضه بأن “اليهود يشتاقون فقط لأرض إسرائيل”.
وأشارت الصحافة العبرية إلى أن هرتزل فكر بعد ذلك، في تقديم موقع آخر للدولة اليهودية؛ وهو منطقة وادي الحصان في جنوب غرب المغرب، في 20 يوليو 1903، أي قبل شهر من موعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي. لكن موته المفاجئ في الثالث من يوليو 1904، أدى إلى تجميد الخطة.
وأوضح يعقوب حاجويل، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، في تصريح لـوسائل إعلام إسرائيلية بأن “هرتزل كان رجلا براغماتيا للغاية. فعندما رأى مشكلة اليهود المضطهدين الذين يعانون من أعمال شغب ضدهم، بشكل رئيس في أوروبا الشرقية، بدا له أن المغرب لديه مجتمع يهودي مزدهر مع مراكز يهودية نشطة، وبذلك يصلح بديلا لهم.
بينما أوضح البروفيسور يوسف شتريت من قسم اللغة العبرية في جامعة حيفا، بأن “الخيار المغربي” قدّمه لأول مرة شقيقان كانا نشطاء معروفين في الحركة الصهيونية حينها، هما باروخ ويعقوب موشيه توليدانو، وهما ابنان لأبوين هاجرا من المغرب”.
ويضيف البروفيسور ذاته أن باروخ تحدث باسمه وباسم أخيه مع هرتزل قبل وفاته بشهور. ثم وجه نداءه بعد ذلك إلى الحاخام الفرنسي فيدال في فاس، الذي كان مقربا من النظام الملكي والحكومة المغربية، من أجل إقامة منطقة مستقلة خاصة باليهود في وادي الحصان بجنوب غرب المغرب.
وأضاف البروفيسور شتريت بأن “الحاخام الفرنسي، الذي كان مطلعا على تفاصيل السياسة الداخلية للبلاد، كان يعلم بأن هذه الخطة وهمية لم تأخذ في الاعتبار الوضع الداخلي للمغرب، فوضعها في درج لديه ونسيها تماما. ولاحقا عثر حفيد له في إسرائيل على الوثيقة وكشفها لأول مرة للإعلام الإسرائيلي بعد وقت قليل على التوقيع على اتفاقية التطبيع بين المغرب والكيان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس