خلفيات اتفاق التعاون العسكري بين المغرب وإثيوبيا

1
خلفيات اتفاق التعاون العسكري بين المغرب وإثيوبيا
خلفيات اتفاق التعاون العسكري بين المغرب وإثيوبيا

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في 2017، لم يتوقف توسيع حضوره من خلال عقد علاقات تعاون وشراكات تشمل مجالات متعددة مع أبرز دول القارة. وضمن هذا المسعى، وقعت الرباط قبل أسابيع اتفاقيتين للتعاون العسكري مع كل من إثيوبيا ورواندا، لا تتوقفان عن إثارة الجدل والتأويلات بشأن أهدافهما وتوقيتهما؛ خصوصا ما يتعلق بالاتفاق العسكري المغربي الإثيوبي..

اتفاق استراتيجي وتاريخي

على هامش الزيارة التي قادت عائشة محمد موسى، وزيرة الدفاع في حكومة الجمهورية الديمقراطية الفيدرالية لإثيوبيا، إلى المغرب في 17 من الشهر الماضي، وقع البلدان اتفاقا للتعاون في المجال العسكري، يهم مجالات التكوين، والتدريب، والتمارين العسكرية، والبحث العلمي، والصحة العسكرية، وكذا تبادل التجربة والخبرة في مختلف الميادين ذات الاهتمام المشترك، حسب ما أفاد به بلاغ لإدارة الدفاع الوطني. وبحسب المصدر ذاته، فإن هذا الاتفاق ينص أيضا على إحداث لجنة عسكرية مشتركة قصد تحديد محاور التعاون، تجتمع بالتناوب في الرباط وأديس أبابا، مبرزا أن مسؤولي البلدين أعربوا عن تطلعهم ورغبتهم في تدعيم العلاقات الثنائية من خلال تفعيل اتفاق التعاون العسكري وتبادل الزيارات في ما بينهم. ويضيف بلاغ إدارة الدفاع المغربية بأن الاتفاق يندرج “في إطار مبادرات التعاون جنوب-جنوب الأوسع نطاقا، التي يقودها الملك محمد السادس بهدف تعزيز التكامل الإقليمي والاستقرار القاري”.

ووفقا للإعلام المقرب من السلطة، فإن هذه الخطوة تندرج ضمن السياق الاستراتيجي للسياسة الأفريقية التي ينتهجها المغرب في السنوات الأخيرة، والتي تسعى إلى تنويع الشركاء داخل القارة الأفريقية. وهو توجه لم يعد يقتصر على حلفائه التقليديين في غرب أفريقيا، بل امتد إلى شرق القارة ووسطها. فمنذ عودة المغرب إلى حضن الاتحاد الإفريقي عام 2017، تبنّت تبنى إستراتيجية نشطة لتعميق حضوره في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، من خلال عقد شراكات متنوعة تشمل قطاعات الاقتصاد والأمن والدفاع.

وضمن هذا الأفق، يسعى المغرب من خلال التقارب مع إثيوبيا إلى ترسيخ موقعه كشريك أمني وتنموي موثوق. فقد برز في السنوات الأخيرة كلاعب إقليمي، يقدم الدعم لجيوش الدول الصديقة عبر فتح مدارسه العسكرية للتدريب وإجراء المناورات العسكرية المشتركة، فضلا عن تقديم مساعدات تقنية ولوجستية.

وتأتي هذه التحركات المغربية في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تسابقاً إقليميا ودوليا، نحو تعزيز النفوذ، من قبل قوى دولية وإقليمية. وهو ما يجعل من التحالفات الدفاعية والعسكرية إحدى أدوات الحضور الفاعل والتأثير الحقيقي. وفي هذا السياق، بات الجيش المغربي يمثل نموذجا يحتذى به في مجال تحديث المؤسسات العسكرية الإفريقية، ما يدفع عددا من الجيوش الأفريقية، ومنها الجيش الإثيوبي، إلى الانفتاح على التجربة المغربية والاستفادة من تطورها. وما يضفي على التعاون المغربي-الإثيوبي زخما إضافيا هو المكانة التي باتت تحتلها القوات المسلحة الملكية المغربية على الصعيد الإفريقي. فقد شهد الجيش المغربي، خلال السنوات القليلة الماضية، نقلة نوعية في مجال التحديث والتطوير العسكري، من خلال توسيع دائرة الشراكات الدولية في ميدان التدريب والتسليح، والانخراط في برامج عسكرية مشتركة مع شركاء عالميين، بحيث أصبحت المؤسسة العسكرية المغربية توصف بأنها من بين الأكثر احترافية وانضباطا في أفريقيا، بفضل السياسة المتوازنة التي تنتهجها المملكة، والتي تجمع بين التأهيل الداخلي والانفتاح الخارجي.

اتفاق ضد من؟

من حيث السياق، وجب التذكير بأن إثيوبيا قامت خلال العام الماضي بمبادرات لتوسيع نطاق تعاونها الدفاعي، حيث وقعت اتفاقية مع كينيا المجاورة، تعهد البلدان بموجبها بمعالجة المخاوف الأمنية المشتركة. ووقّعت إثيوبيا منذ أشهر اتفاقية تعاون دفاعي أخرى مع رواندا، التي انضافت إلى قائمة طويلة من الدول التي تُوسّع معها علاقاتها العسكرية. وبالمقابل، يرتبط المغرب باتفاقيات دفاع مشتركة مع غالبية دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، بعضها يعود إلى سنوات طويلة. كما شرع في الفترة الأخيرة في توسيع آفاق تعاونه العسكري مع دول أخرى بشرق ووسط القارة، نظير إثيوبيا ورواندا.

وعلى الرغم من الأبعاد الإستراتيجية المهمة للتعاون العسكري المغربي الإثيوبي، إلا أنه حتى الآن ما يزال أقرب إلى شراكة ثنائية لا ترتقي إلى مستوى تحالف عسكري أو محور إقليمي جديد. فالاتفاق يركز على مجالات تدريب وبناء القدرات والدعم التقني والصحي، دون أن يصل الأمر إلى مستوى التزام دفاعي متبادل أو تنسيق ضد أطراف أخرى.. فإنها أتت في وقت تتصاعد فيه الخلافات المصرية الإثيوبية، وكذا التجاذبات المتعددة الأطراف في منطقة القرن الأفريقي، التي تتقاطع مصالح عدة دول بسبب التحالفات المتباينة والمصالح المتضاربة بين دوله، التي تعيش تحت وطأة تدخلات عدة أقطاب دولية بينها الصين وتركيا وروسيا.. وأيضا مصر التي أرسلت مؤخرا شحنة كبيرة من الأسلحة إلى الصومال، في خطوة تعتبرها إثيوبيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، حيث استندت مصر على شرعية ميثاق جامعة الدول العربية لمواجهة رغبة إثيوبيا التي لا تملك واجهة بحرية، في الوصول إلى البحر الأحمر.. كما أن الاتفاقية أتت في وقت تجتاز العلاقات الاقتصادية المصرية-المغربية لحظة خلاف تجاري.

ولذلك، فإن ميلاد اتفاق عسكري بين المغرب وإثيوبيا، يمكن اعتباره خطوة أولى على طريق إقامة شراكة استراتيجية ناشئة وسط تعقيدات حسابات وتوازنات إقليمية صعبة. وبينما يذهب الموقف المغربي إلى أن التقارب مع إثيوبيا عسكريا قد جاء بعد تواتر الاستثمارات المغربية في قطاعات الصناعة والبنوك، ويدخل في إطار تفاهمات قد تفضي في المدى المنظور إلى اعتراف أديس أبابا بسيادة المغرب على صحرائه الغربية، وفي نفس الوقت يفتح أمام المغرب أسواقا جديدة في شرق أفريقيا، تساهم في تحقيق أهدافه الاقتصادية والصناعية.. وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق باتفاقية تعاون وليس بشراكة استراتيجية أو باتفاق دفاع مشترك، فإن الإعلام وجزء من المحللين المصريين اعتبروا الاتفاق الدفاعي بين الرباط وأديس أبابا موجها ضد بلادهم. وبينما التزم الرأي المعبر عنه من طرف بعض المسؤولين المصرين، باعتبار الاتفاق شأنا يخص الطرفين الموقعين عليه ولن يؤثر في ما يجري بين مصر وإثيوبيا، أُطلق العنان للإعلام المصري ليعبر عن المسكوت عنه في الموقف المصري الرسمي من الاتفاق. فاعتبر إعلاميون ومحللون مصريون بأن إسرائيل تلعب دورا في هذه الاتفاقية، حيث تقدم دعما عسكريا وتكنولوجيا واستخباريا لكل من إثيوبيا والمغرب، بهدف تقويض أي نفوذ إيراني محتمل في القرن الأفريقي.. ولا شك كذلك لإزعاج مصر وتقويض حضورها أكثر بالمنطقة.

لكن المدهش هو التزام الجزائر الصمت، دون إبداء أي انزعاج من الاتفاق الدفاعي المغربي الإثيوبي، ربما تفاديا لإزعاج إثيوبيا التي تمر علاقاتها معها ببرود واضح، بقدر تعمقها مع المغرب.

أسئلة الخلفيات والأبعاد

وقّع المغرب مع وزيرة الدفاع الإثيوبية اتفاق تعاون عسكري في 17 من يونيو الشهر الماضي. وفي اليوم الموالي (18 يونيو)، وقع على اتفاق آخر مع وزير الدفاع الرواندي يهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في المجال العسكري. لكن المثير للتساؤل هنا، أن الاتفاق العسكري المغربي-الإثيوبي استقطب كل الاهتمام، عربيا على الخصوص.

ربما يُفسر ذلك بالنظر إلى وزن إثيوبيا، التي تقع في شرق أفريقيا، وتعد ثاني أكبر دول القارة سكانا وتحتضن مقرات الاتحاد الأفريقي، سر هذا الاهتمام. كما أنها تمتلك واحدا من أقوى خمس جيوش في أفريقيا. فوفقا للتصنيف الأخير (2025) للجيوش في العالم، احتلت إثيوبيا الرتبة 5 كأقوى جيش في أفريقيا (المرتبة 52 عالميا)، من بين 145 دولة شملها تصنيف مؤشر “غلوبال فاير باور”، الذي يعد من بين أشهر المؤشرات عالميا. واحتل المغرب المرتبة السابعة أفريقيا (59 عالميا)، بينما رواندا غائبة عن قائمة تصنيف الـ 20 جيشا الأقوى في أفريقيا.

من الواضح أن الاتفاقية الدفاعية المغربية الإثيوبية تتكامل ذلك مع جهود الرباط، في تطوير صناعتها الدفاعية محليا بشراكات دولية، خاصة مع إسرائيل بعد تطبيع العلاقات عام 2020. فقد بات المغرب يمتلك ثاني أكبر أسطول طائرات مُسيَّرة في أفريقيا ويسعى إلى تصنيعها. وجدير بالتذكير بهذا الصدد أنه سبق أن أبرم اتفاقات مع شركات إسرائيلية وتركية وهندية وباكستانية، يتعلق بعضها بتصنيع مركبات ومدرعات عسكرية في المغرب، وبعضها الآخر بإنشاء مصانع لإنتاج طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة على أراضيه. وهذه الطفرة النوعية في برنامج التصنيع العسكري تمنح المغرب أوراق قوة إضافية، لتعزيز التعاون الدفاعي مع دول أفريقية. وربما تتيح له مستقبلا تزويد شركائه في القارة بالتكنولوجيا أو المعدات، وهو ما يزيد من جاذبيته كشريك في مجالات الدفاع.

ويتوقع مراقبون مغاربة انضمام دول أفريقية أخرى، إلى سلسلة اتفاقيات مماثلة للاتفاق المغربي – الإثيوبي – الرواندي، ضمن إستراتيجية دفاعية واضحة المعالم تهدف إلى دعم التقارب وتعزيز النفوذ المغربي في القارة. وتعكس رؤية شاملة تتجاوز مجرد الدعم العسكري التقليدي، لتشمل بناء القدرات وتطوير الكفاءات في مختلف المجالات ذات الصلة. وفي هذا الصدد، سبق لوفد القوات المسلحة الملكية المغربية إلى مؤتمر رؤساء أركان الدفاع الأفارقة، الذي انعقد في كينيا بين 26 و31 مايو الماضي، أن أكد على استعداد المغرب لتعزيز التعاون العسكري الثنائي مع الدول الأفريقية، من خلال تقوية الشراكات وتكثيف برامج التكوين والتدريب، لمواجهة التحديات الأمنية المتنامية. وذلك “في إطار الرؤية الإستراتيجية التضامنية التي تتبناها المملكة”.

كرونولوجيا التقارب العسكري بين المغرب وإثيوبيا

شهدت العلاقات المغربية الإثيوبية انفراجا كبيرا خلال العقد الأخير. لقد كانت علاقات المغرب بإثيوبيا متوترة على مدى عقود طويلة، خاصة خلال فترة حكم النظام الماركسي (1974 – 1991) برئاسة منغستو هايلي مريام، حيث اعترفت أديس أبابا بجبهة البوليساريو عام 1979. وبعد سقوط النظام الماركسي في 1991 إثر ثورة وحرب أهلية قادتها الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، ظلت من كبار مناصري الجبهة على المستوى الأفريقي إلى جانب الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا. لكن هذا الدعم (كان سياسيا وديبلوماسيا في الغالب) تراجع مع تحسن العلاقات المغربية الإثيوبية، بعد الزيارة التي قام بها الملك المغربي محمد السادس إلى إثيوبيا عام 2016، والتي توجت بالتوقيع على اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وأمنية بين البلدين.

ويعمل المغرب على تعزيز دبلوماسيته اقتصاديا وسياسيا وعسكريا مع العديد من بلدان القارة الإفريقية، من خلال إبرام الكثير من الاتفاقيات والمشاريع والشراكات التنموية المختلفة. وفي هذا السياق، دشنت إثيوبيا انفتاحا دبلوماسيا تجاه المغرب، بزيارة وزيري خارجيتها وماليتها إلى الرباط في مايو 2015. وتمخض عن المباحثات الاتفاق على إنشاء مُركب ضخم لتحويل الفوسفات لإنتاج الأسمدة الزراعية في إثيوبيا في 2021، مناصفة بين الرباط وأديس أبابا، بقيمة 4 مليار دولار لإنتاج 3,8 مليون طن، حيث يقدم المغرب الخبرة والتكنولوجيا في مجال الفوسفات، وتوفر إثيوبيا المواد الخام. ويعزز هذا المشروع، الذي يعد من بين الأكبر من نوعه في العالم، الأمن الغذائي في إثيوبيا التي يزيد سكانها عن 120 مليون نسمة، ويدعم التنمية الزراعية في المنطقة.

في 12 مايو 2024 عين المغرب ملحقا عسكريا لدى سفارته في إثيوبيا.

وفي 20 مايو 2024، استضافت أديس أبابا، الجلسة الأولى من المشاورات السياسية بين المغرب وإثيوبيا، والتي ترأسها من الجانب المغربي السفير فؤاد يزوغ المدير العام في وزارة الخارجية المغربية، وميسغانو أرجا وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية.

وفي يوليو 2024، زار وفد من القوات المسلحة المغربية إثيوبيا. تلتها زيارة عمل قام بها رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير (الماريشال) برهانو جولا إلى المغرب في غشت 2024، حيث تباحث مع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بإدارة الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي. ورأى مراقبون أنها لم تكن زيارة عادية من حيث النتائج، حيث اتفق البلدان على تعزيز التعاون العسكري على أكثر من صعيد. بينما اعتبرت العديد من التحليلات الزيارة تعبيدا لطريق قد يفضي إلى سحب أديس أبابا اعترافها بجبهة البوليساريو، أسوة بدول أفريقية عدة استطاع المغرب إعادة توجيه بوصلتها نحوه بفضل شراكات استراتيجية واعدة.

وخلال الفترة من 23 إلى 26 أبريل 2025، قام الفريق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية محمد بريظ بزيارة إلى أديس أبابا، أجرى خلالها محادثات مع المشير برهانو جولا، رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية. وتم خلالها إعداد اتفاق للتعاون العسكري بين البلدين.

وفي 17 يونيو 2025، قامت وزيرة الدفاع بإثيوبيا عائشة محمد موسى بزيارة عمل إلى المغرب، توجتها بالتوقيع مع الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، على اتفاقية تعاون عسكري في مجالات التدريب وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس