خلفيات زيارة وزيرة المواصلات الإسرائيلية للمغرب

17
خلفيات زيارة وزيرة المواصلات الإسرائيلية للمغرب
خلفيات زيارة وزيرة المواصلات الإسرائيلية للمغرب

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. تعيد زيارة وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف الحالية إلى المغرب، الزخم إلى زيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين في حكومة نتنياهو، التي تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ كيان الاحتلال، بعد أن شهدت العلاقات بين الرباط وتل أبيب برودا ملحوظا بسبب أحداث الحرم القدسي والموقف من الصحراء الغربية. ومن المنتظر في هذا السياق أن يزور المغرب في غضون الأيام القليلة القادمة، رئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أمير أوحنا المنحدر هو الآخر من أصول يهودية مغربية.

لكن ريغيف لم تأت في زيارة عائلية لأرض الأجداد، كي “تشعل شمعة على قبر جدها”، كما غردت على حسابها في تويتر. فعلى عكس اهتمام وسائل الإعلام المغربية، التي تركز على الأصول اليهودية المغربية للوزيرة الإسرائيلية، يهتم الإعلام العبري بما سيترتب عن الزيارة من اتفاقيات ملموسة، يكون من شأنها أن تدفع قدما عملية “التطبيع” المتسارعة بين الرباط وتل أبيب. فما هي أجندة زيارتها الحالية؟

تقوم وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف، بزيارة إلى المغرب منذ الأحد الماضي. ووفقا لمصادر إعلامية إسرائيلية، فإن ريغيف (58 عاما)، التي تنحدر من أب يهودي مغربي وأم يهودية إسبانية، وولد جدها لأبيها بمدينة العرائش (شمال غرب المملكة)، يرافقها وفد هام من كبار المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين. يوجد على رأسهم مدير شركة الطرق الوطنية في إسرائيل التابعة لوزارة النقل الإسرائيلية، ومدير هيئة السكك الحديدية الإسرائيلية.

تبدو أجندة زيارة الوزيرة ريغيف مزدحمة، فهي التي وصلت مساء الأحد إلى المغرب وقعت يوم الإثنين مع نظيرها المغربي محمد عبد الجليل، على ثلاث اتفاقيات لتعزيز النقل بين الكيان الإسرائيلي والمغرب، سوف “تسمح باستخدام رخص القيادة الإسرائيلية للسياقة على الطرق في المغرب، وتشجع الشحن المباشر للبضائع والسلع بين الجانبين، وتسهل التبادلات المتعلقة بسلامة الطرق والابتكار في مجال النقل”، بحسب ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.

لكن تبدو هذه العجلة في التوقيع مريبة، بالنظر إلى أن زيارة وزيرة النقل الإسرائيلية سوف تمتد إلى غاية السبت القادم (3 يونيو/حزيران)، بحسب الإعلام الإسرائيلي. لكن موقع “إسرائيل فالي”، في تغطيته للزيارة يقول إنها مخصصة لـ “الدراسة”، دون أن يكشف أية تفاصيل عن الموضوع. بيد أن حديثه عن وجود كل من مدير شركة الطرق الإسرائيلي التابعة لوزارة النقل الإسرائيلية، ومدير هيئة السكك الحديدية الإسرائيلية، ضمن الوفد الإسرائيلي الذي تقوده وزيرة النقل يكشف أن وجودهما ليس للنزهة.

ويسمح بالتالي للمراقب باستنتاج بعض من خلفيات الزيارة، ولعلها تتمثل في خدمة هدفين اثنين. الأول، “دراسة” فرص لدخول المقاولات العمومية الإسرائيلية، في سوق البُنَى التحتية المغربية التي باتت تشهد تنافسا دوليا محموما من قبل مقاولات عالمية عملاقة. والثاني، “دراسة” تدليل الطريق أمام تنمية المبادلات التجارية بين البلدين، التي ما زالت رغم ارتفاعها لا ترقى إلى مستوى ما حققته الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى المغرب.

هاجس رفع المبادلات التجارية

ارتفع عدد السياح الإسرائيليين للمغرب من حوالي 50 ألفا في العام 2019 (قبل التطبيع) إلى 200 ألف إسرائيلي زاروا المغرب في 2022، وفقا للأرقام الرسمية. فهناك ما بين 700 ألف ومليون إسرائيلي من أصول مغربية يعيشون في إسرائيل، حيث يحافظ العديد منهم على روابط قوية مع أرض الأجداد. بينما زار إسرائيل بضع مئات من المغاربة فقط، أغلبهم رجال أعمال وفنانون وصحفيون.

ورغم أن التجارة الثنائية بين الكيان الإسرائيلي والمغرب ارتفعت بنسبة تقارب الثلث خلال العام الماضي، إلا أن ذلك لا يزال دون طموح سلطات تل أبيب التي كانت تسعى إلى بلوغها 500 مليون دولار، أو على الأقل 350 مليون دولار. فالميزان التجاري بين الجانبين كان ولا يزال دائما مختلا لفائدة المغرب، من حيث حجم صادرات المغرب أقل من وارداته من الكيان.

وعلى سبيل المقارنة، تشير بيانات الأمم المتحدة التي أنه خلال الفترة من 2020 إلى 2021، ارتفعت الصادرات الإسرائيلية السنوية إلى الإمارات من 74 مليون دولار إلى 384 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، ارتفعت التجارة من الإمارات إلى إسرائيل من 115 مليون دولار إلى 632 مليون دولار. ووقع الطرفان اتفاقية للتبادل الحر مؤخرا، على الرغم من أن 80 % من صادرات الإمارات، التي وقعت اتفاقية التطبيع في نفس السنة مثل المغرب (2020)، هي في الواقع عبارة عن بضائع وسلع مستوردة يعاد تصديرها إلى الكيان الإسرائيلي.

بينما لم “تنفجر” صادرات السلع والبضائع المغربية، كما يأمل الإسرائيليون، رغم أن المغرب يوفر سلعا زراعية طرية (خضر وفاكهة) ومعلبة ومجمدة، ومنتجات بحرية طرية ومجمدة ومعلبة، وسلع صناعية متنوعة. ويعود ذلك لأسباب متعددة ومتداخلة ومعقدة، نكتفي منها بسبب هام، هو جاذبية السوق الأوروبية الأكبر من الإسرائيلية، والأقرب من المغرب جغرافيا ما يخفض تكلفة النقل. بل حتى الأسواق البعيدة مثل الخليجية، وجد المغرب قبيل أسابيع قليلة الطريق إلى تذليل الصعوبات مع السعودية، من خلال الاتفاق على سلاسل نقل بحري.

وضمن هذا الأفق نقرأ جانبا من أجندة وزيرة النقل الإسرائيلية الحالية للمغرب. فالرفع من المبادلات بين الجانبين لا يمكن أن يتم من خلال الرحلات الجوية، وحتى النقل البحري الذي ليس جديدا بين بعض الموانئ الإسرائيلية وميناءي الدار البيضاء وطنجة المتوسط، ما يزال محدودا للغاية. ومنه تأتي زيارة الوفد الإسرائيلي المرافق لوزيرة النقل، لـ”دراسة” سبل تجاوز المعوقات الحالية.


دخول مُناقصات البنى التحتية

يشهد المغرب حاليا ومنذ سنتين، منافسة شرسة بين مقاولات عمومية وخاصة صينية وفرنسية وإسبانية وألمانية وكورية جنوبية، على الحصول على صفقات مشاريع قطاع السكك الحديدية بالمغرب. فليس سرا أن المغرب وضع مخططا يمتد حتى العام 2040، لتقوية وتوسيع شبكة سككه الحديدية، بغلاف استثماري ضخم جدا يزيد عن 37 مليار دولار. ويشمل مد الشبكة إلى مدن داخلية جديدة، وكذا إنشاء خطوط جديدة للقطار الفائق السرعة “البراق” (350 كلم/ساعة)، بطول 1100كلم، ستربط الخط الوحيد الحالي (طنجة-الدار البيضاء) بخط (الدار البيضاء-مراكش) و(مراكش-أكَادير)، ثم إنشاء خط جديد آخر باتجاه الشرق سيربط الدار البيضاء بوجدة الواقعة عند الحدود الجزائرية.

ولذلك فإنه ما دام ربط المغرب بإسرائيل بريا عبر السكك الحديدية مستحيلا، باستحضار واقع الجغرافيا، فإن المبرر الوحيد الذي يبدو ممكنا لتفسير حضور مدير هيئة سكك حديد إسرائيل ضمن وزيرة نقل بلاده، هو “دراسة” إمكانية أن تنضم هيئته إلى سباق المنافسة على نيل صفقات ضمن هذه المشاريع الحالية والمستقبلية. فالمعروف أن المساحة الجغرافية الضيقة لإسرائيل، لا يسمح لمقاولاتها (العمومية والخاصة) المتخصصة في البنى التحتية، سواء بتطوير شبكتها للسكك الحديدية التي لا تزيد في المجمل عن مئات الكيلومترات. كما أن وجودها في محيط جغرافي وبشري شاسع لا يكن لها الود، لا يسمح لهيئة السكك الحديدية الإسرائيلية بالدخول في منافسات لنيل صفقات لدى دول الجوار.

وبالمثل، برمجت السلطات المغربية مشاريع كبرى لإقامة بُنى تحتية طرقية، على غرار تلك المقررة بين مراكش وورزازات التي ستكلف حوالي مليار دولار (تتضمن نفقا يعبر جبال الأطلس). وكذلك الطريق السريع العابر للصحراء المغربية، بين تزنيت والكَركَرات عبر العيون والداخلة، وهو طريق مزدوج بطول يناهز 1500 كلم.. وغيرها من المشاريع الطرقية الجديدة أو التي تتطلب صيانة دورية (كالطرق السيارة)، كل هذه المشاريع تُسيل لعاب كثير من المقاولات الدولية.

وبالمثل، يمكن القول بأنه ما دام الربط الطرقي مستحيل بريا، باستحضار موانع الجغرافيا والسياسة الحالة، فإنه لا يبدو من مبرر يمكن أن يشرح حضور المسؤول الأول عن “طرقات إسرائيل” ضمن الوفد الإسرائيلي المذكور، سوى بالسعي إلى “دراسة” إمكانيات ولوج سوق صفقات الإنشاءات الطرقية مستقبلا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس