سناء جدوبي… أول قائدة نسائية لفرقة أحيدوس

3
سناء جدوبي... أول قائدة نسائية لفرقة أحيدوس
سناء جدوبي... أول قائدة نسائية لفرقة أحيدوس

أفريقيا برس – المغرب. في إحدى ليالي الصيف بأولماس، وعلى إيقاع طقوس الزفاف الأمازيغي، لم يكن أحد يتوقع أن الطفلة التي اخترقت حلقة أحيدوس بخطى واثقة ستصبح، بعد سنوات، أول قائدة نسائية لهذا الفن العريق في المغرب. كانت سناء حينها في الحادية عشرة من عمرها، حين استولى عليها “جنّ أحيدوس”، كما تقول ممازحة “اكتشفوا أنني ملموسة بجنون أحيدوس”.

دخلت الحلقة، لا لتتفرج، بل لتؤدي، لتقلّد، لتتناغم مع الخطوات والإيقاعات. كان ذلك أول اعتراف جماعي بموهبتها، وصفق الجميع دون أن يعرفوا أن تلك اللحظة ستكون حجر الأساس في حكاية استثنائية.

منذ تلك الليلة، التقط عمّها ـ قائد الفرقة ـ إشارات الموهبة المختبئة في ابنة العائلة، وقرر أن يضمها إلى فرقته، لا كراقصة فقط، بل كـ”تامسورت”، أي كقائدة. خطوة بدت جريئة جدا في مجتمع لا يتقبل بسهولة فكرة أن تقود فتاة صغيرة فرقة من الرجال.

لكن العم كان يؤمن، وعرض الأمر على والديها، فوافق الأب دون تردد، بينما ترددت الأم بين حلم أن تتابع ابنتها دراستها، وخوف أن تعيش سيناريو مختلفا عن باقي فتيات القرية: زواج مبكر وأمومة سابقة لأوانها. إلا أن الأم، التي لم تتح لها فرصة التمدرس، آثرت ألا تحرم ابنتها من فرصة حياة مختلفة، ووافقت.

في عيون المتنمرين… وفي قلب الجمهور المحب

في نفس العام، شاركت سناء لأول مرة في مهرجان عين اللوح، المهرجان الوطني لفن أحيدوس، لتصبح أصغر قائدة فرقة عرفها هذا الفن. لم يكن الأمر سهلا. ففي كل منطقة تزورها مع الفرقة، كانت تُستقبل بنظرات تتأرجح بين الإعجاب والرفض.

“بعض الناس لا يمانعون وجودي كقائدة، بل يشجعونني، وآخرون لا يتقبلون فكرة امرأة تقود فرقة أحيدوس، ليس بسبب الفن، بل بسبب جنس القائد”. سناء جدوبي

ورغم التنمر المستمر الذي تعرضت له في صغرها، سواء من أقرانها أو من الكبار، فإن الدعم العائلي ظل صمام أمانها، خصوصا والدها، الذي كان يردد دوما: “تابعي دراستك، ولا تتركي شغفك، فقط حافظي على التوازن”.

وبالفعل، ظلت سناء محافظة على هذا التوازن الدقيق، تمارس الفن في العطل فقط، دون أن يمس ذلك بمسارها الدراسي. حصلت على البكالوريا سنة 2022، والتحقت بكلية القانون بالرباط، لكنها قضت عاما واحدا فقط، قبل أن تغير الوجهة نحو شغفها الحقيقي: المسرح.

كانت الفنانة لطيفة أحرار قد التقتها واشتغلت معها، سنة 2018، خلال تصوير فيلم شاركت فيه سناء. أعجبت بها، وشجعتها على الالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. ورغم أنها رسبت في امتحان الولوج مرتين، لم تستسلم. في المحاولة الثالثة، فتحت لها أبواب المعهد، وها هي الآن طالبة في سنتها الأولى.

لكن الطريق لم يكن مفروشا بالتصفيق فقط. سنة 2021، كانت الأصعب في حياتها. ضغوطات نفسية، وتعليقات مهينة على مواقع التواصل الاجتماعي جعلتها تفكر في الانسحاب. لكن طبيعتها العنيدة أعادت ترتيب المشهد، وقالت خلال حديثها مع يابلادي، فكرت في النساء المهمشات في منطقتي، وخفت أن يكون انسحابي رسالة هزيمة”، ليتحول بذلك ألمها إلى رسالة. وأصبحت مصدر إلهام لعدد من الشابات اللواتي اخترن نفس الدرب، حتى صار للمغرب “اليوم أربع قائدات فرق نسائية في فن أحيدوس” تحكي بنبرة فخر.

“تيفسا”.. ثمرة تجربة سناء وعشقها للتراث

لم تكتفِ سناء بقيادة فرقة عمها، فخلال هذه السنة حيث تبلغ 20 عاما، أسست فرقتها الخاصة: “تيفسا”، الاسم الذي يرمز لفصل الانبعاث بين الشتاء والربيع. وقالت “نحن نبتة من فرقة عمي، نبتنا على تربة أحيدوس”. الفرقة شبابية، مختلطة، وتحمل روحا جديدة لهذا الفن التقليدي، دون أن تمس بجذوره.

حين تصعد إلى الخشبة، تختفي ملامح الفتاة المرحة، الفرِحة، الحساسة، وتظهر “تامسورت”. وتروي سناء “أشعر بمسؤولية كبيرة، لا مجال للخطأ. أريد أن نظهر بأفضل صورة، وهذا ما تعلمته من عمي”. تقود الفرقة بحركاتها الفريدة، تحترم الكلاسيكية، وتضيف لمساتها الخاصة، في المواضيع، في اللباس، وحتى في فلسفة الأداء.

ألوان لباسها ليست مجرد زينة: الأخضر رمز المرأة والخصوبة، الأصفر رمز الحيوية والطاقة والأرض، أما الأحمر، فيرمز إلى “الرجل النبيل الذي نحمله فوق رؤوسنا”.

تحلم سناء اليوم بأن تصير مخرجة، وأن تسافر أيضا بفرقتها إلى محافل دولية، وأن تزرع “تيفسا” في تربة ثقافات أخرى. لكن الحلم الأكبر هو أن تساهم، من موقعها، في إبراز التراث الأمازيغي اللامادي في أبهى صوره.

وفي كل عرض، حين يشتد التصفيق، وتتناوب الأقدام على الأرض، تتذكر تلك الليلة… زفاف أحد الأقارب، حلقة أحيدوس، وطفلة تتسلل إلى الدائرة لتقول للعالم: أنا هنا، وهذا مكاني.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس