طبول الحرب تدق بين الجزائر والمغرب

23
طبول الحرب تدق بين الجزائر والمغرب
طبول الحرب تدق بين الجزائر والمغرب

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. كشف بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية، أن الرئيس عبد المجيد تبون القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، قد عقد الأربعاء الماضي، اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن، ضم كبار المسؤولين والقادة العسكريين. ورغم أن قصاصة الرئاسة المقتضبة، اكتفت بالقول إن الاجتماع “خُصص لتقييم الوضع العام في البلاد”، دون أية تفاصيل، إلا أن مصادر جزائرية مطلعة (غير رسمية)، أوضحت بأن الاجتماع خُصص لتدارس التطورات الأخيرة بين المغرب وإسرائيل، حيث عقد الطرفان الاثنين والثلاثاء الماضيين اجتماعات بالرباط، تمخضت عن اتفاقات لتعزيز التعاون العسكري.

وعلى الرغم من أنه لم يُكشف النقاب عن مداولات الاجتماع المذكور للمجلس الجزائري الأعلى للأمن، وما تمخض عنه من قرارات، إلا أن مصادر جزائرية مُعارضة كشفت، من جانبها، أنه في أعقاب الاجتماع تم إعطاء تعليمات صارمة وواضحة، من أجل “إعداد القوات العسكرية للجزائر، لحرب محتملة مع المغرب”. وأن “الجيشين الجزائري والمغربي يوجدان في حالة طوارئ ومقدمات مواجهة عسكرية”.

ويأتي هذا التطور البالغ الخطورة، في أعقاب تعهد تل أبيب بتوسيع تعاونها العسكري مع المغرب، ليشمل قطاعات استراتيجية كالحرب الالكترونية والاستخبارات والقوات الجوية. وكشف مصادر أمريكية الأربعاء الماضي، اتخاذ البيت الأبيض قرارا بتشييد قاعدة أمريكية صناعية عسكرية في المغرب.

منذ الإعلان عن التوقيع على اتفاق التطبيع المغربي-الإسرائيلي في 10 ديسمبر 2020، وما رافقه من اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء الغربية، أعلنت الجزائر لأول مرة منذ 50 عاما بأن قضية الصحراء لم تعد قضية تضامن مع “الشعب الصحراوي”، بل أصبحت “قضية أمن قومي” جزائري.

فالتطبيع عند إعلانه قبل عامين، كان مجرد علاقات براغماتية ليست فيه لإسرائيل من أهمية بالنسبة للمغرب، سوى ما كان من نفوذها على الولايات المتحدة الأميركية. لكن وتيرة تطور العلاقات بين تل أبيب والرباط أظهرت بمرور الوقت، أن التطبيع انتقل بالفعل من كونه “مبرر الضرورة” إلى فرصة وخيار استراتيجي.

ويتمثل مردوده الاستراتيجي بالنسبة للمغرب، في كون السلطات الجزائرية أصبحت قلقة جدا منه، وحذرة من انعكاساته الكبرى على موازين القوى بينها وبين المغرب. أساسا بسبب ما يمكن أن يحققه المغرب من تفوق عسكري وأمني وتكنولوجي، سيكون نتيجة تعاونه مع الكيان الإسرائيلي.

ولهذا، “ففي مواجهة تعزيز محور تل أبيب-الرباط بمباركة واشنطن، اتخذت الجزائر سريعا إجراءات هامة من أجل تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا. فاقترحت السلطات الجزائرية إقامة شراكة استراتيجية عسكرية مع الروس، بما في ذلك طلب وصول غير محدود على أسلحة متطورة جدا، تسمح للجيش الجزائري بتعديل ميزان القوى مع المغرب. وبالمقابل، أبدت الجزائر استعدادها لاحتضان قاعدة عسكرية روسية فوق أراضيها. لكن الجزائر تأكدت بمرور الوقت بأن الروس لا ينظرون إليها، سوى كواحدة من أهم زبائن سلاحهم في العالم.

لكن في وقت كانت الجزائر تدير ظهرها للمظلة الروسية لتستبدلها بالمظلة الفرنسية، حدثت تطورات قلبت تماما حسابات كل من الرئيس الجزائري والمؤسسة العسكرية في بلاده الأسبوع الماضي…

توسيع التعاون مع تل أبيب وواشنطن

كجزء أساسي من اتفاق التطبيع بينهما، اتفق المغرب وإسرائيل الأسبوع الماضي، على توسيع تعاونهما العسكري، ليشمل الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، وفق ما أفاد بيان لقيادة القوات المسلحة الملكية، الثلاثاء 17 يناير/كانون الثاني 2023، إثر انعقاد اجتماع لجنة مشتركة بالرباط. وكشف البيان أن كلا من المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، الفريق الفاروق بلخير ومدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، درور شالوم، ترأسا بالرباط الإثنين 16 والثلاثاء 17 يناير/كانون الثاني، الاجتماع الأول للجنة تتبع التعاون المغربي الإسرائيلي في مجال الدفاع. وتطرق الاجتماع إلى مختلف مجالات التعاون العسكري اللوجيستية والتدريب، فضلا عن “اقتناء وتحديث التجهيزات” العسكرية.

وكان البلدان قد أبرما اتفاق تعاون أمني في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أثار حفيظة الجارة الجزائر التي ردت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في صيف ذلك العام، في سياق توتر حاد بينهما بسبب النزاع حول الصحراء. وتضمن الاتفاق الأمني الاستراتيجي بين الرباط وتل أبيب كذلك “التعاون في مجال الصناعة الدفاعية ونقل التكنولوجيا”، وبيع طائرات بدون طيار عسكرية “هيرون”، و”هيرميس – 900″، ومُسَيّرات “هاروب” الانتحارية، وصواريخ “سبايك” المضادة للدبابات.

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2022، دشّنت الرباط مرحلة جديدة نحو تعزيز التعاون العسكري مع تل أبيب، عبر زيارة وصفت بـ”غير المسبوقة” للمفتش العام للقوات المسلحة المغربية بلخير الفاروق إلى إسرائيل، شارك خلالها في مؤتمر دولي حول الابتكار في المجال العسكري.

لكن الأسبوع الماضي حمل أخبارا غير جيدة للجزائر. فقد أُعلن عن تسلم المغرب بالفعل أسلحة إسرائيلية متطورة جدا، ودخولها الخدمة لدى الجيش المغربي. بينها منظومة Barak MX المضادة للصواريخ، والقادرة على إسقاط أي طائرة أو مُسيرة أو صاروخ في مدى 150 كيلومترا؛ أي أنها ستصل إلى جزء مهم من جنوب إسبانيا. ويتم تصنيعها من قبل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية. وأيضا صاروخ أرض – أرض LORA البالستي، وهو صاروخ بعيد المدى قادر على ضرب أهداف أرضية ثابتة أو متحركة. ويتميز بسرعة قصوى “هايبر سونيك”، ويحمل رأسا حربيا بوزن 600 كغ يساوي 52 قنبلة عنقودية شديدة التفجير وعالية التدمير، خارق للتحصينات ويصعب اعتراضه. وترافقه رادارات قادرة على كشف الأهداف المعادية على مسافات تصل إلى 470 كيلومترا. يتم تصنيع النظام من قبل شركة IAI الإسرائيلية (صناعات الفضاء الإسرائيلية). وهي نفس الشركة التي ستوفر نفس هذه الأنظمة لمشروع الدرع الأوروبي المضاد للصواريخ الذي تروج له ألمانيا.

إلى جانب ذلك، أعلن الحساب الرسمي لوزارة الدفاع الإسرائيلية، بأن التصنيع العسكري قد بدء بالفعل مع المغرب، بدون ذكر أية تفاصيل. لكن مصادر إعلامية إسرائيلية قالت، إن الأمر يتعلق بتوطين صناعة الطائرات المسيرة الانتحارية الإسرائيلية في المغرب.

وبتزامن مع إعلان إسرائيل شروعها في نقل التكنولوجيا العسكرية الدقيقة، لتوطين صناعة حربية بالمغرب، كشفت مصادر إعلامية أمريكية بأن واشنطن قررت إقامة قاعدة صناعية عسكرية في المغرب. فقد كشفت صحيفة نيويورك ديلي نيوز أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أصدر تعليماته لوزير الدفاع لويد أوستن، قصد إعداد خطة طارئة لإنشاء قاعدة صناعية عسكرية أمريكية في المملكة المغربية. وبحسب ذات المصدر، تم اقتراح الخطة خلال اجتماع رفيع المستوى في نهاية ديسمبر/كانون الأول الأخير، عندما ناقش بايدن وأوستن الاستراتيجية العسكرية العالمية الجديدة لأمريكية؛ حيث طلب بايدن من أوستن الضغط على البنتاغون لتسهيل الجوانب اللوجستية والقانونية، لتنفيذ استثمارات صناعة الدفاع الأمريكية في المغرب. ويتوخى المشروع، بحسب الصحيفة الأمريكية، “تعزيز دور الرباط الريادي في مكافحة الإرهاب، ودمجها في المعادلة العسكرية العالمية، من خلال تطوير قدراتها الفنية العسكرية”.

وبحسب الإعلامي، فقد تلقى الرئيس الأمريكي قبل اجتماعه مع وزير دفاعه أوستن، تقريرا مفصلا من مدير وكالة المخابرات المركزية CIA وليام بيرنز حول توسع نفوذ روسيا في إفريقيا، بما في ذلك زيمبابوي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والجزائر ودول الساحل والصحراء.

وزعم تقرير وكالة المخابرات المركزية بأن “روسيا لا تدعم فحسب وبقوة النظام الجزائري عسكريا وسياسيا، بل تتفاوض أيضا لإنشاء قاعدة لوجستية كبيرة، من شأنها أن تمنحها منفذا هاما إلى الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وخلص تقرير المخابرات المركزية الأمريكية إلى أن “من شأن ذلك أن يهدد مصالح واشنطن وحلفائها بالمنطقة.

بين موسكو وباريس

في غضون ذلك، وفي خضم الجدل الذي سبق أن أثاره تخصيص الجزائر أضخم ميزانية للدفاع في تاريخها، كشف موقع “ألجيري بارت”، الجزائري المتخصص في التقصي، أن الجيش الجزائري لن ينفق في النهاية الميزانية الضخمة المعلن عنها سابقا والبالغة 22,7 مليار دولار أمريكي. وهي الميزانية التي كانت مخططة في النسخة الأولى، ضمن مشروع قانون المالية للعام 2023. فقد تم تخفيض ميزانية وزارة الدفاع الوطني الجزائرية إلى 18 مليار دولار أمريكي. وهو مبلغ يبقى رغم ذلك ضخما وغير مسبوق في تاريخ الجزائر.

ففي النسخة النهائية والرسمية لقانون المالية 2023، التي نُشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 ديسمبر 2022، بلغت الميزانية المحددة لصالح وزارة الدفاع الجزائرية 2486 مليار دينار (أي ما يعادل 18,1 مليار دولار أمريكي). وكان مقررا أن يقوم الرئيس الجزائري بزيارة دولة إلى موسكو يومي 17 و19 ديسمبر 2022، للتوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية.

وإبرام صفقات سلاح ضخمة، تشمل اقتناء أسلحة متطورة، على رأسها مقاتلات الجيل الخامس الشبحية الروسية (سوخوي سو-57). بل وذهبت مصادر متفرقة إلى أن الزيارة ستشهد مفاوضات حول فسح الجزائر المجال لروسيا، لإقامة قاعدة عسكرية في الجنوب الصحراوي بالقرب من الصحراء الغربية ومالي. لكن الزيارة تأجلت على نحو مفاجئ إلى موعد لاحق لم يتحدد. وفُسّر هذا التأجيل، بحسب مصادر الموقع المذكور، بالضغوط الأوروبية والأمريكية القوية التي مورست على الجزائر.

فالجزائر التي تعد أوروبا الشريك التجاري الأكبر لها، بما يزيد عن 80% من مجمل مبادلاتها الخارجية، تعرضت وتتعرض لضغوط قوية من الاتحاد الأوروبي، كي تبتعد عن روسيا. وطوال النصف الثاني من العام 2022، مارست السفيرة الأمريكية بالجزائر إليزابيث مور أوبين، ووكالة المخابرات المركزية، وكبار المسؤولين الأمريكيين الذين أرسلتهم واشنطن خلال عام 2022 إلى الجزائر، مثل منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة بريت ماكغورك، ضغوطا شديدة من خلال تحذيرات جدية ضد تعميق العلاقات العسكرية بين الجيش الجزائري وروسيا. وحثت واشنطن الجزائر على عدم عقد صفقات ضخمة مع روسيا المعرضة لعقوبات دولية.

وكان 27 عضوا بالكونغرس الأمريكي قد وجهوا، أواخر أيلول/سبتمبر 2022، رسالة يطالبون فيها الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على الجزائر، بسبب صفقات الأسلحة الضخمة التي تعقدها مع روسيا، والتي قالوا إنها بلغت خلال العام 2021 وحده 7 مليارات دولار. ولذلك، فإنه وفقا لمحللين جزائريين مستقلين، فإن تخفيض الجزائر لميزانيتها المخصصة للدفاع للعام 2023، أتت كنتيجة لتلك الضغوط الغربية وفي مقدمتها الأمريكية. وبحسب المحلل الجزائري عبدو السمار، فإن القيادة الروسية غاضبة جدا على نظيرتها الجزائرية، بسبب إلغاء هذه الأخيرة لصفقات السلاح الضخمة. فموسكو كانت تعول كثيرا على مليارات الدولارات التي كانت ستجنيها من صفقات السلاح الموعودة للجزائر، في وقت تعاني فيه من شح من العملة الخضراء، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها. وبحسب السمار دائما، فقد “اقتنعت القيادة الجزائرية أخيرا بأن السلاح الروسي هو مجرد خردة quincaillerie، بعد الأداء الكارثي الذي قدمه في حرب أرمينيا مع أذربيجان، والحرب الروسية الأوكرانية، في مواجهة السلاح الغربي، خصوصا منه الأمريكي”.

وبالتالي نستنتج بأنه صار مفروضا على الجزائر أن تبحث لها باستعجال، عن مصادر غربية بديلة تعوض بها جزءا من مخزون السلاح الروسي، الذي راكمت منه كما هائلا على مدى العشرين عاما الأخيرة. وفي هذا الإطار، أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مصدر عسكري جزائري، الخميس الماضي، عن زيارة [لم تكن مبرمجة من قبل] رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة لفرنسا أواخر الشهر الجاري، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره الفرنسي الجنرال تييري بورخارد. وتتضمن الزيارة بحسب ما هو معلن، “الإعداد للزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري إلى باريس في مايو/أيار القادم، ومناقشة الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي”.

وتعد هذه أول زيارة يقوم بها رئيس لأركان الجيش الجزائري إلى فرنسا، منذ العام 2006. وكان بورخارد وشنقريحة قد التقيا، على هامش الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى بالجزائر، في شهر أغسطس/آب 2022، وناقشا كذلك “الأوضاع الأمنية في الساحل”. وللتذكير، فإن فرنسا لم تتقبل أبدا “طردها” من منطقة الساحل، واستدعاء مالي للروس للمساعدة على تطويق الأوضاع الأمنية المنفلتة في البلاد. وكانت الجزائر التي تسمح للطيران العسكري الفرنسي بعبور أجوائها للوصول إلى منطقة الساحل، قد انقلبت على باريس ودعمت انتشار قوات “مرتزقة فاغنر” الروسية في مالي. بل ذهبت مصادر جزائرية روسية إلى تأكيد تمويل الجزائر للجزء الأكبر من أجور المرتزقة الروس إرضاء لموسكو، وهو ما نفته الجزائر بشدة..

لكن تدهور الأوضاع في مالي، التي تربطها بالجزائر حدود شاسعة، ليست الهم الأكبر للقيادتين العسكرية والمدنية في الجزائر. ففي ثنايا الشق غير المعلن لرئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة إلى فرنسا بعد أيام، ثمة حديث عن مفاوضات لعقد صفقات سلاح سمينة في الأفق القريب.

الجزائر والمغرب وحرب “المحاور” والتحالفات

يدفع السباق المحموم بين الجزائر والمغرب، باعتبارهما أكبر بلدين مغاربيين، منذ ستة عقود، على بسط النفوذ والسيطرة الإقليمية، كل يوم أكثر بعيدا عن بعضهما البعض، ليرميهما في أحضان قوى خارجية لها أجنداتها الخاصة بالمنطقة. وبالموازاة مع حالة الاستقطاب الخارجي للمنطقة، يتسابق البلدان لاستقطاب الدول المغاربية الثلاث الأخرى، كل إلى صفه ضد الشقيق الخصم. وهكذا استطاعت الجزائر “الاستحواذ” تماما على تونس وإبعادها عن المغرب، أو حتى عن مواصلة التمسك بحياد بينهما. بينما تحاول موريتانيا بصعوبة بالغة الاستمرار على النهج الذي تسميه “الحياد الإيجابي”، بين الرباط والجزائر العاصمة. أما ليبيا الموزعة بين أكثر من حكومة فما زالت محصنة عن الاصطفاف الواضح الصريح، إلى هذا الجانب أو ذاك.

والحقيقة أن اصطفاف كل من الجزائر والمغرب خلف قوى خارجية عظمى، ليس وليد الساعة. فالجزائر اختارت منذ استقلالها في 1962 التوجه نحو المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي. وعندما سقط وتشرذمت مكوناته إلى دول مستقلة، واصلت الجزائر الاصطفاف خلف روسيا. بينما انخرط المغرب مبكرا إلى جانب المعسكر الرأسمالي، حتى قبل اندلاع الحرب الباردة. فخلال الحرب العالمية الثاني، قاتل المغاربة إلى جانب “الحلفاء” على أمل أن ينالوا استقلالهم، عندما تتحرر أوروبا من “محور الشر”. وفي خريف العام 1942، عندما قامت القوات الأمريكية بإنزالها التاريخي في المغرب، كان ذلك إيذانا لفرنسا الاستعمارية بأن لحظة استقلال المغرب من قبضتها ليست ببعيدة. وبعد استقلال المغرب في 1956 أصبح جزءا لا يتجزأ من المعسكر الرأسمالي.

لكن مع انحسار “الحرب الباردة” الأولى، غداة سقوط المعسكر الشرقي مع مطلع التسعينيات، سقطت الأيديولوجيا وأصبح توجه الجزائر نحو روسيا وتوجه المغرب نحو أوروبا والولايات المتحدة، براغماتيا تحكمه المصالح أولا وقبل كل شيء.

وعلى الرغم من اكتساب المغرب صفة “حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو” منذ 2004، فقد حرض على الحفاظ على نوع من التوازن بين الشرق والغرب، حتى لا يخسر أيا منهما. غير أن عودة الحرب الباردة (الثانية)، التي اندلعت غداة تجدد التوتر السياسي والعسكري بين كتل السلطات المتعارضة سياسيا، التي تقودها روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة وحلف الأطلسي، من جانب آخر، مع أزمة أوكرانيا الأولى في 2013. وزادت الحرب الروسية الأوكرانية منذ عام من حدة التقاطب والاستقطاب، بين الشرق والغرب.

ويجري حاليا حديث عن محور الرباط-تل أبيب في مواجهة محور الجزائر-طهران، وأيضا عن محور الرباط-واشنطن مقابل محور الجزائر – موسكو أو محور الجزائر-باريس. وأخطر ما يمكن أن يلحق المنطقة المغاربية من سياسة المحاور هذه في الأمد المنظور، هو أن تتحول الجزائر والمغرب إلى أداتين متحاربتين بالوكالة، في إطار الحرب الروسية الغربية القائمة في أوكرانيا.

ولذلك يمكن أن نرى في ابتعاد الجزائر عن “الحليف” الروسي لفائدة الشريك الفرنسي عامل أمان، من أن الجزائر لن تنفذ وعيدها بإعلان حرب على المغرب. حرب ستكون مدمرة لكامل المنطقة المغاربية، لا قدر الله.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس