عام على الاحتجاجات في المغرب… لماذا لم يُسقط الشارعُ التطبيعَ مع الكيان؟

20
عام على الاحتجاجات في المغرب... لماذا لم يُسقط الشارعُ التطبيعَ مع الكيان؟
عام على الاحتجاجات في المغرب... لماذا لم يُسقط الشارعُ التطبيعَ مع الكيان؟

أفريقيا برس – المغرب. صلاة الغائب على روح الشهيد يحيى السنوار في ساحات المدن الكبرى، ورايات حزب الله اللبناني ترفرف إلى جانب صور شهداء المقاومة (نصر الله وهنية والعاروري) خفاقة قبالة البرلمان المغربي في قلب العاصمة الرباط.. إبداع لا يفتر في الشعارات وفي الأشكال التضامنية مع فلسطين ولبنان، وطوفان بشري عارم مشحون بالغضب والحب، أجساد في أقصى الغرب العربي وعقولها وقلوبها هناك في أقصى الشرق، الذي يشهد حربا مصيرية سوف تحدد مستقبل “الشرق الأوسط الجديد”، ربما للأبد…
هكذا يبدو المغرب بعد أكثر من عام على انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى”.. رهان السلطة على انفراج قريب للحروب المشتعلة يعيد إلى الشارع “هدوءه”، بينما رهان الجماهير العريضة من الشعب على إسقاط التطبيع دعما لـ”محور المقاومة”…

بعد حوالي 6 أسابيع من اليوم، ستكون قد انقضت أربع سنوات على التوقيع على “اتفاقيات أبراهام”، التي تم في إطارها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب إلى جانب الإمارات والبحرين. وخلال السنوات الثلاث التي تلت التوقيع، ظلت الاحتجاجات على التطبيع محدودة العدد وإن كانت متواصلة. لكن منذ أكثر من عام بقليل، يشهد الشارع في المغرب غليانا شعبيا نتيجة للحرب الإسرائيلية على غزة، التي يشنها الكيان ردا على عملية “طوفان الأقصى”.. تظاهرات لأطباء المستشفيات يطالبون بفتح باب التطوع للالتحاق للعمل في مستشفيات قطاع غزة الشهيد، ومسيرات ضخمة واحتجاجات بالآلاف، شارك فيها ملايين المغاربة من كل الأعمار والفئات، مؤيدة لفلسطين ولمحور المقاومة، ومُطالِبة بوقف زخم التطبيع المتسارع مع الكيان.

الشارع في مواجهة الدولة

بحسب الباروميتر العربي 2022، فإن 31% من المغاربة لا يدعمون تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ويعتبرون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي للمغرب. ولا شك أن النسبة ارتفعت أكثر مع المجازر المروعة والدمار الهائل الذي صنعته آلة الحرب الصهيونية في غزة والضفة ولبنان خلال عامي 2023 و2024. وقد أظهرت هذه الحرب أيضًا أنه على الرغم من وتيرة التطبيع التدريجية، فمن الواضح أن القضية الفلسطينية ما تزال أولوية قصوى ومحط اهتمام كبير لدى السواد الأعظم من الشعب المغربي. ومما كشفت عنه هذه الحرب أنه لا تزال هناك معارضة شعبية واسعة للتطبيع مع إسرائيل في كل الدول العربية، وفي مقدمتها المغرب، على عكس ما توهم كثيرون وفي مقدمتهم الإسرائيليون.

وفي هكذا وضع مُفارق، يجد المغرب نفسه تجاه الحرب المستمرة في غزة، بين مطرقة المصالح الجيوسياسية من جهة، وسندان الضغط الشعبي والتزاماته التاريخية من جهة أخرى. فكيف تنظر الدولة المغربية إلى هذه المفارقة؟

برأي د. سعيد الصديقي، الأستاذ سابقا بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بمدينة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وأستاذ العلاقات والقانون الدولي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فإن “هناك ثلاثة عناصر أساسية تحدد موقف المغرب في هذه المرحلة: الالتزام المبدئي بدعم الحقوق الفلسطينية، ومصالح المغرب المترتبة عن الإعلان الثلاثي [اتفاقية التطبيع] الذي وقع بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل في 22 ديسمبر 2020، والتعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية في أوساط الشعب المغربي الذي يعارض الكثير منه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

“ولذلك اتخذ المغرب موقفا حذرا ومعتدلا، إذ أدان استهداف المدنيين ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وشدد على احترام القانون الدولي الإنساني. وبالمقابل شارك عدد كبير من المغاربة في مظاهرات في مختلف المدن للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية وإدانة الهجمات الإسرائيلية على غزة”.

لقد أظهرت التظاهرات الشعبية التي تشهدها مختلف المدن المغربية منذ 7 أكتوبر 2023، وفي مقدمتها المسيرة المليونية التي نظمت بالرباط يوم 15 أكتوبر 2023، بأن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي تتضامن مع فلسطين، وتدين الاعتداءات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، أكدت هذه الأحداث أن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع لا تزال تشكل عناصر موحِّدة بين القوى السياسية المغربية المختلفة، وخاصة بين المعارضة الإسلامية واليسارية.

كما أصدرت معظم الأحزاب السياسية، بما فيها تلك الموجودة في الائتلاف الحكومي الحالي، بيانات تضامن مع الفلسطينيين وأدانت الهجمات الإسرائيلية على غزة. إلا أن الحركات الإسلامية واليسارية تظل هي الأكثر نشاطا في حشد الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية. وبالإضافة إلى المسيرات الشعبية، يستخدم المغاربة منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن التضامن ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو لفضح المذابح والدمار الهائل في غزة ولبنان.

السياحة… القطاع الأكثر تضررا

ليس من الواضح بعد بشكل كافي، حجم تأثير حركية الشارع الضاغط على مشهد مناهضة التطبيع في المغرب. لكن من الواضح أن ثمة قطاعات تأثرت أكثر من غيرها وبشكل فوري تقريبا، من حجم الغضب الفوار ضد الكيان. وتكاد تُجمع في هذا الصدد جميع التحليلات داخل إسرائيل وخارجها، على أن السياحة توجد في طليعة القطاعات التي ستتأثر سلبا وبشكل كبير في مستقبل قريب، بعد أن كانت من أكثر القطاعات الواعدة بتطور سريع.

ففي 2019، أي قبل التوقيع على اتفاقية التطبيع بين الرباط والكيان، زار المغرب قرابة 40.000 سائح إسرائيلي عبر بلد ثالث، غالبا فرنسا أو تركيا، بسبب غياب الربط المباشر. وفي سياق إطلاق المغرب نظام طلبات تأشيرات السفر الإلكترونية لمواطني 110 دولة عبر العالم، منذ يوليو 2022، تمت معالجة 160.000 طلب، فمثل الإسرائيليون أكثر من نصف نسبة الحاصلين بينهم على تأشيرة الدخول إلى المغرب للسياحة.

وهكذا قفز العدد إلى 70.000 سائح إسرائيلي بينما زار الكيان 2500 سائح مغربي، وفقا لإحصائيات صادرة عن المكتب الإسرائيلي المركزي للإحصائيات. وكانت مراكز دراسات ومحللين غربيين وإسرائيليين يتوقعون أن يتضاعف هذا الرقم، بينما كان طموح الحكومة المغربية أن تستقطب 200.000 سائح إسرائيلي. بل لقد تسارعت خطوات التطبيع إلى درجة أنه، قبيل اندلاع معركة طوفان الأقصى بقليل، كانت الرباط وتل أبيب منخرطتان في مفاوضات لحذف تأشيرة السفر على مواطني البلدين.

لكن بينما كان رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المطرف يمسكون مقاليد الحكم، أواخر العام 2022، تراجعت العلاقات بين المغرب وإسرائيل بشكل ملحوظ. وتراجع بالتالي عدد السياح، حيث تفيد أرقام وزارة السياحة المغربية بأن حجم السياح الإسرائيليين انخفض الحجم إلى 50.548، مسجلا بالتالي انخفاضا ملحوظا بلغ 32، بينما ارتفع بالمقابل عدد السياح المغاربة للكيان خلال نفس العام إلى 3.200 سائح، مسجلا زيادة بواقع 10,3 % عن سنة 2022، بحسب مكتب الإحصاء الإسرائيلي المذكور.

وغداة 7 أكتوبر 2023، تم إغلاق مطاعم تهيء الطعام اليهودي (كوشير) بالمغرب من طرف أصحابها (مغاربة يهود أو فرنسيين يهود)، على الرغم من أنه لم يسجل أي اعتداء على اليهود في البلاد. وفي الوقت نفسه استعادت المظاهرات المناصرة للفلسطينيين زخمها، الذي فقدته على مدى السنوات الثلاث الموالية للتوقيع على اتفاق التطبيع، ما أدى إلى ارتفاع حدة الدعوات إلى قطع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

وعلى الرغم من أن حصيلة العام الجاري (2024) ما زالت غير معلنة بعد، إلا أن الإعلام الإسرائيلي يقول إن واقع الحال يكشف بأن إقبال السياح الإسرائيليين يسجل تراجعا نحو “وجهة المغرب”، أسوة بوجهات أخرى من قبيل مصر وتركيا. وفي هذا الصدد، يشدد نائب رئيس العلاقات الجوية في وزارة السياحة الإسرائيلية نير مازور، في تصريح لموقع “ماكو” التابع للقناة 12 الإسرائيلية، على أن “الحرب الجارية حاليا سوف يكون لها بكل تأكيد انعكاسات على خارطة الوجهات السياحية للإسرائيليين على المدى القصير”. ويضيف موضحا بأنه “في ما يخص البلدان العربية، ليس ثمة شك في أن إقبال السياح الإسرائيليين على وجهات مثل مصر والمغرب والأردن وتركيا، سوف يشهد تراجعا محسوسا في المستقبل القريب”.

لماذا لم يُسقِط الشارعُ التطبيع؟

كيف يمكن للمغرب أن يحل معضلة التباين في المواقف بين الدولة وغالبية الشعب؟ وهل سيتكرر سيناريو 2002، عندما أدت الاحتجاجات الشعبية في المغرب على السياسة الإسرائيلية تجاه الانتفاضة الثانية، إلى إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط؟ وهل سيؤثر مثل هذا السيناريو على التطبيع الجاري للعلاقات بين المغرب وإسرائيل؟

في تقييم صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، فإن “التعامل السلمي” للسلطة المغربية مع هذه الاحتجاجات، إنما يهدف إلى “تخفيف التوتر لامتصاص غضب الشارع حتى لا يلتفت إلى المطالب السياسية والاجتماعية”. فـ”الملك والسلطة يسمحان للمواطنين بالقيام بالاحتجاجات لذلك السبب لا أكثر. وبالتالي، بحسب الجريدة العبرية، فإنه “لا يوجد خطر على التطبيع المغربي مع إسرائيل”. بيد أن الدول التي وقّعت اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وبينها المغرب، “تعاني جرّاء ضغوط كبيرة من الدول العربية الأُخرى، تضيف يديعوت أحرونوت. ولذلك “أدان ملك المغرب السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة، والمحاولة الإسرائيلية لفرض واقع جديد على الأرض. كما قال إن التصعيد الأخير هو نتيجة عدم وجود أفق سياسي للقضية الفلسطينية. وأصدرت وزارة الخارجية المغربية بالموازاة مع ذلك─ من جانبها ─ خلال الحرب عدة إدانات ضد إسرائيل.

وبحسب تقديرات خبراء إسرائيليين لم تكشف “يديعوت أحرونوت” عن هوياتهم في مقالها، فإن “العلاقات مع إسرائيل مهمة، بالنسبة إلى الدول العربية المطبعة، لأسباب اقتصادية وأمنية. ومن المرجح بالتالي أن تتغلب هذه المصالح على الدعوات إلى قطع العلاقات [مع الكيان الغاصب]. كما تلعب إدانات هذه الدول ضد إسرائيل دورا في التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليها”.

ويرى حسين إبيش المحلل السياسي لدى معهد دول الخليج في واشنطن، أن الدول التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي “كان لديها أسباب للقيام بذلك، وهذه الأسباب لا تزال قائمة”. ويكشف ريكاردو فابياني، مدير شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، هذه الأسباب بالقول “هناك الكثير من المصالح على المحك: الاتفاقيات الأمنية، والدعم الدبلوماسي، ونقل التكنولوجيا العسكرية، والدعم المقدم من الولايات المتحدة.. هناك الكثير من المصالح، بحيث لا يمكن للدول المرتبطة باتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل تغيير موقفها”. أضف إلى ذلك أن “هناك أيضا مسألة عدم الاستسلام لضغوط المواطنين من طرف حكامها”.

وبحسب الكاتب المغربي جمال عميار، مؤلف كتاب “المغرب وإسرائيل واليهود المغاربة”، فإن العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية التي أقيمت بين المغرب وإسرائيل منذ عام 2020، قوية للغاية بحيث لا يمكن إلغاؤها حتى لو كان التطبيع لا يحظى سوى بدعم أقلية من المغاربة”. ويضيف عميار بأن “القطيعة مع إسرائيل من شأنها أيضا أن تخلق “اضطرابا دبلوماسيا”، خاصة مع الإدارة الأمريكية”، مذكرا بأن “الدعم الأمريكي في قضية الصحراء كان في نظر الرباط (مقابلا كبيرا) للتطبيع”.

ويرى عميار بأن المملكة “يمكن لها أن تستثمر الموقف الشعبي “الحساس أصلا”، من أجل لعب دور أكثر ديناميكية في جهود الوساطة، معتمدة على علاقاتها مع إسرائيل ومع الدول العربية، وأيضا مع الجالية اليهودية الكبيرة في المغرب، التي تجعل منها بلدا فريدا من نوعه في العالم العربي”.

ويقدر عدد اليهود المغاربة الذين يعيشون في المملكة حتى اليوم بحوالي 3000 شخص، في حين يعيش حوالي 700.000 إسرائيلي من أصل مغربي في الكيان، ويحافظون على علاقات قوية مع المغرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس