عبد الرحيم شهيد لـ”أفريقيا برس”: توحيد اليسار المغربي مرتبط بتوحيد الاستراتيجيات

19
عبد الرحيم شهيد لـ
عبد الرحيم شهيد لـ"أفريقيا برس": توحيد اليسار المغربي مرتبط بتوحيد الاستراتيجيات

أفريقيا برس – المغرب. أكد عبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي بالبرلمان المغربي في حواره مع “أفريقيا برس” أن المعارضة البرلمانية وبشكل خاص المعارضة الاتحادية التي يمثلها حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تقوم بدورها كما يجب من خلال اقتراح المبادرات ومشاريع القوانين التي تهم مشاغل المواطن، غير أن الحكومة تتفاعل بشكل سلبي مع هذه المبادرات حيث تتعمد تعطيل هذه الجهود، حسب وصفه.

وفي تقييمه لأداء وتموقع اليسار المغربي باعتباره نائبا وقياديا بأعرق الأحزاب اليسارية المغربية التي لها تاريخ حيث تأسس حزب الاتحاد الاشتراكي قبل أكثر من 60 سنة ويحظى بشعبية وسبق أن تصدر النتائج الانتخابية، أشار شهيد بأن توحيد اليسار مرتبط بتوحيد الاستراتيجيات والغايات، وأن الأزمات التي شهدها العالم مؤخرا أثبتت أن الأحزاب الاشتراكية لا تزال تشكل ضرورة.

وعبد الرحيم شهيد هو رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب المغربي، وهو عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما أنه عضو بالشعبة البرلمانية لمجلس أوروبا، وهو رئيس سابق للمجلس الإقليمي لزاكورة (2015 – 2021).

حوار آمنة جبران

ماهي مآخذكم كمعارضة مغربية على حكومة عزيز أخنوش خاصة فيما يخص تطبيق النموذج التنموي بعد مرور سنتان تقريبا على ترأسها للحكومة؟

لقد كان معلوما لدى الجميع، أن من بين أهم التحديات التي ستطرح على هذه الحكومة بالإضافة إلى تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، هو تفعيل مخططات النموذج التنموي الجديد، وتنزيل الرؤية الاستراتيجية المتعلقة بخلاصاته. هذه الرؤية التي حددت الكيفية والمنهجية التي يجب على الحكومة اتباعها في الموضوع، حيث تمت المراهنة على ضمان إشراك كل الطاقات والكفاءات الوطنية، بمعنى أن المنهجية السليمة التي من شأنها ضمان حسن تنفيذ مخططات النموذج التنموي الجديد، هي المنهجية المبنية على المقاربة التشاركية، بحيث يجب أن يطلع كل الفاعلين حسب مواقعهم وحسب مساحات وهوامش تدخلهم، بمهامهم بشكل تكاملي، على هذا الأساس كان مطلوبا من الحكومة أن تنخرط في عملية أجرأة النموذج التنموي الجديد، من خلال وضع برامج ومخططات إصلاحية مع العمل على تتبع مستويات تقدمها، بصورة تتأسس على الميثاق الوطني من أجل التنمية باعتباره مرجعية أساسية، وهو ما لا يمكن تصور إدراكه إلا بتوافر شرطين أساسيين، حيث يتعلق الأمر بـ:

– شرط الانسجام: فلا يمكن تصور نجاح عملية أجرأة النموذج التنموي الجديد إلا بوجود حكومة بمكونات منسجمة، وهو ما غاب للأسف عن هذه الحكومة، حيث تتبعنا في محطات عديدة، كيف طفت على سطح المشهد السياسي المغربي خلافات مكوناتها الثلاثة، بالرغم من حرصهم الكبير على عدم إخراج هذه الخلافات إلى الرأي العام الوطني، وهو ما أثر على عملها حتى صارت ظاهرة عليها العديد من صور الارتباك والارتجال.

– شرط المقاربة التشاركية: إن نجاح عملية أجرأة النموذج التنموي الجديد رهين بمدى إشراك جميع الفاعلين في عملية تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد، الشرط الذي بدى جليا استحالة احترامه منذ الإرهاصات الأولى التي عرفتها عملية تشكيل الحكومة، فكيف لأحزاب اختارت نهج التغول والتعسف في فرض أحد أهم أسس الديموقراطية أي مبدأ الأغلبية، أن تحترم شرط تبني المقاربة التشاركية تجاه الهيئات الاقتصادية والاجتماعية وجميع مكونات المجتمع المدني في عملها المرتبط بتدير الشأن العام، الأكيد أنها ستتمادى في التعسف في فرض هذا المبدأ بشكل يختزله في العدد الذي تستند إليه من أجل فرض اختياراتها، وهو ما كان، حيث وبالاستناد على هذا الفهم المتعسف لمبدأ الأغلبية عملت الحكومة على تعطيل حتى أدوار المعارضة البرلمانية من خلال التعاطي السلبي مع مقترحاتها وتصوراتها.

هل برأيكم المعارضة تقوم بدورها كما يجب اليوم رغم الاختلافات والتباينات فيما بينها؟

أولا وجب التنبيه إلى إن إثارة مسألة الاختلافات بين مكونات المعارضة البرلمانية بهذه الصورة، يحيل على أن الأمر يتعلق باختلاف كتلة من المفروض فيها التجانس والانسجام، في حين أن الأمر ليس هكذا بالمطلق، فهو يتعلق بأحزاب سياسية بمرجعيات سياسية مختلفة، بل أكثر من هذا فهي بإيديولوجيات مختلفة، ومن العادي بل من البديهي أن ينعكس هذا الاختلاف على تصورات فرقها ومجموعاتها النيابية، ثم إن المسألة تتعلق بأحزاب سياسية تشغل اليوم موقع المعارضة البرلمانية، وليس بتحالف سياسي يستند على اتفاق مرجعي، حيث من العادي أن يكون هناك اختلاف فيما بينها على مستوى الأوليات والوسائل والأدوات.

من هذا المنطلق، فجوابي سيكون متعلقا بالأساس بأدوار المعارضة الاتحادية، ودون استحضار مجموع تدخلات وتحركات أعضاء فريقنا النيابي على مستوى مهام مجلس النواب، خاصة على المستويات التشريعية والرقابية والدبلوماسية الموازية، فالحكم أو تقييم أدوارنا يجب أن يتأسس على معيار وحيد، وهو مدى استثمارنا لمجموع الوسائل والآليات التي يتيحها أمامنا القانون، واسمحولي أن أؤكد لكم، أنه وبالرغم من التعاطي اللا إيجابي للحكومة مع جل مبادراتنا النيابية، إلا أننا توفقنا في شغل موقعنا وفي استثمار كل ما هو متاح أمامنا من وسائل ومن أدوات، بطبيعة الحال انطلاقا من تصورنا لطبيعة المعارضة التي تحتاجها بلادنا في هذه الظرفية، وبعيدا عن منطق المزايدات السياسية التي من الممكن أن تأخذ شكل مبادرات ظاهر فشلها المسبق نظرا لعدم واقعيتها.

كيف تقرأون تموقع اليسار المغربي في المشهد السياسي كحزب من العائلة اليسارية، وهل أن تكتل اليسار في المعارضة يضعه أمام فرصة حقيقية للتوحد وتجاوز ركود الماضي؟

نفس ما قيل بخصوص عدم صوابية الحديث عن المعارضة البرلمانية وكأنها كتلة متجانسة، يصح كذلك ونحن بصدد الحديث عن اليسار المغربي، حيث يتعلق الأمر بأحزاب سياسية يسارية باستراتيجيات وتكتيكات وغايات سياسية مختلفة بالرغم من مرجعياتها المتقاربة، عموما فإن اليسار في المغرب كما في العالم، أو لأكون أكثر تحديدا، فإن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية لاتزال ضرورة، وهذا واحد من بين أهم الدروس التي تعلمها العالم في مواجهته لتداعيات الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وعليه فإن الحديث عن توحيد اليسار في المغرب كما في العالم، مرتبط بشكل مباشر بالعمل على توحيد الاستراتيجيات والغايات، وليس الموقع والتموقع، وفي هذا الإطار فقد سبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وفي مناسبات عديدة أن تقدم بدعوة مباشرة إلى كل الإطارات التي تعتبر نفسها جزء من أسرة اليسار في المغرب، من أجل توحيد وجهات النظر وبالتالي أساليب العمل وأدواته.

هل بإمكان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية استعادة مكانته الشعبية والسياسية السابقة التي كان يتمتع بها في السابق ومكنته من تصدر الانتخابات في سنة 2002؟

إن نقاش موقع ومكانة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم، وحتى يكون نقاشا موضوعيا، يجب أن ينبني على تحليل موضوعي، أساسه أننا نتكلم عن حزب يساري تأسس قبل أكثر من 60 سنة، وراكم ما لم يراكمه أي حزب آخر بالمغرب، حيث يثبت الواقع أنه من بين الأحزاب الاشتراكية القليلة جدا التي لاتزال مستمرة إلى اليوم، ذلك أن جل الأحزاب الاشتراكية الأخرى في جميع دول المعمورة والتي لها مسارات قريبة من مساراته استنفذت مهاما التي أنشئت لأجلها وانتهت.

وفيما يتعلق بمكانة الحزب السياسية والتي تم ربطها بشكل غير سليم بمكانته الشعبية والتي يفهم من سياق الكلام أن المقصود منها هو موقع الحزب انطلاقا من النتائج الانتخابية، فإذا كان الأمر على عكس هذا، أي أن فهمنا للسؤال لم يكن موفقا، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان ولا يزال أكثر الأحزاب المغربية شعبية، أما إذا كان فهمنا للمكانة الشعبية المقصودة صحيحا، فمكانة الحزب محفوظة، ذلك أنه اليوم يأتي أولا بعد ترتيب الأحزاب الثلاثة التي تصدرت نتائج الانتخابات، وهو ترتيب طبيعي وموضوعي إذا ما استحضرنا العديد من المعطيات، أهمها مسار الحزب، وتحمله لمسؤولية تدبير الشأن العام في ظرفية صعبة من تاريخ البلد، ثم طبيعة السلوك الانتخابي للناخب المغربي، وغيرها من المعطيات التي تجعل ترتيب الحزب رابعا ترتيبا مفهوما، وعلى العموم فإن ربط ترتيب الحزب انتخابيا بمكانته السياسية هو ربط غير صائب، فمهما كان ترتيب الحزب انتخابيا، يسجل التاريخ أنه ظل يتموقع في مركز المشهد السياسي العام بالبلد، وهو الموقع الذي يشغله باقتراحاته، بمبادراته، بديناميته وعمله الذي يصب دائما في اتجاه خدمة المغرب ومصالحه.

هل أن تراجع الأحزاب الإسلامية سياسيا وشعبيا بعد خسارتها السلطة يعزز اليسار أكثر حسب تقديرك؟

أعتقد أنه وبالرغم من الخصومة الطبيعية بين أحزاب الإسلام السياسي وأحزاب اليسار، إلا أن أفول الأولى وتراجعها لا يعني بالضرورة انبعاث الأخيرة، ذلك أن انبعاث اليسار مرتبط بمدى إيمانه بمشروعه المجتمعي، وبمدى تفاني المنتمين إليه بالدفاع عليه، وهو بالضبط ما نؤمن به في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصا أننا حاملين لمشروع مجتمعي متضمن لأجوبة على جميع المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ما هو تقييمكم للحصيلة التشريعية للبرلمان المغربي كحزب معارض؟ وماذا قدمت المعارضة اليوم للمشهد السياسي وللمواطنين المغاربة؟

معلوم أن الحكومة لها دور مهيمن على مستوى إعداد القوانين، وبالتالي فهي المهيمن على المبادرة التشريعية، هكذا يكفي الاطلاع على الحصيلة التشريعية المرحلية للبرلمان، ليتبن أن هناك تقصيرا واضحا من طرف الحكومة في هذا المجال، وهي فرصة لنسجل تواضع الأداء الحكومي فيما يتعلق بالجانب التشريعي، كما نسجل استمرار تماطلها سواء بالنسبة لإيداع مشاريع قوانين جديدة ذات راهنية، أو بالنسبة لإيداع مشاريع القوانين التي سبق أن سحبتها دون أدنى توضيح أو تشاور، وهي المشاريع التي نعتبرها في المعارضة الاتحادية ذات أهمية بالغة كذلك، ويتعلق الأمر بمشروع القانون الجنائي، ومشروع قانون التغطية الصحية، ومشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة ومشروع قانون المناجم، وكذلك نسجل أنها في مقابل تقاعسها في هذا المجال هي تعطل حتى مجهودنا كمعارضة برلمانية، من خلال رفضها لمقترحات القوانين التي نتقدم بها.

في تقديركم ماهي الحلول للأزمة الاجتماعية بالمغرب المتمثلة في ارتفاع البطالة والفقر والأمية؟

انطلاقا من هويتنا السياسية، ومن التراكمات التي راكمناها كحزب مارس المعارضة لأزيد من أربعين سنة بكل ما أتاحته أمامه هذه المدة من الوقوف بشكل جلي على أهم انتظارات ومطالب المغاربة التي تأتي على رأسها المطالب الاجتماعية، وهو نفس الحزب الذي شارك في تدبير الشأن العام لأزيد من عشر سنوات، وبالتالي خبر مجموع التحديات التي يمكن أن تشكل عائقا أمام الاستجابة لمطالب المواطنات والمواطنين، يأتي تصورنا لواقع التشغيل بالمغرب، حيث سيق وأكدنا في مناسبات عديدة، كحزب وكفريق نيابي على أن السياسات العمومية القائمة في مجال التشغيل، قد أصبحت متجاوزة نظرا لكونها تعاني من اختلالات متعددة ومتداخلة تحد من قدرتها على خلق الفرص، هذا القصور وهذه المحدودية تجلت أكثر خلال تداعيات الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا، وقلنا بضرورة تبني سياسات ومقاربات أكثر شمولية وواقعية وناجعة، من شأنها أن تساهم في تقليص الفوارق المجتمعية، ودعم الاستقرار الاجتماعي، وخفض نسب البطالة، خاصة في أوساط الشباب، ومواكبة المتغيرات الديمغرافية عبر تخفيف الضغط على سوق الشغل، وفي هذا الإطار اقترحنا تصورا شاملا ومتكاملا يستهدف إنعاش التشغيل وخلق فرص الشغل عبر مجموعة من الإجراءات والمشاريع المتمحورة حول ترسيخ النمو الاقتصادي، وتقوية الاستثمار العمومي المنتج للشغل، ودعم البرامج الناجعة للتشغيل، كان مضمونه مجموعة من الإجراءات والتدابير –لا يتسع المجال لاستحضارها كاملة– أهمها ضرورة العمل على ضمان تناسقية السياسات العمومية في مجال التشغيل وتعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين والفاعلين المعنيين من خلال إحداث آلية وطنية للالتقائية تحت إشراف رئيس الحكومة لوضع سياسة شمولية مندمجة، وإعادة توجيه و تحفيز الاقتصاد الوطني نحو القطاعات ذات المردودية العليا في القيمة وخلق مناصب العمل اللائق (التكنولوجيا، الصناعات الطبية، .. )، والدفع بعجلة النمو لتنعكس كما وكيفا على فرص العمل، ثم إعادة توجيه وتعديل برامج إنعاش التشغيل بما يضمن فعاليتها ومساهمتها في تحفيز التشغيل وبما يتلاءم مع شروط العمل اللائق، إضافة إلى إقرار برامج جديدة تساهم في تمكين الشباب من الولوج إلى سوق الشغل القار، وغيرها من التدابير التي كان من شأنها أن تمكن من خلق فرص شغل أكثر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس