علماء يكسرون القواعد النووية “بانفجار ثلاثي البروتون”!

1
علماء يكسرون القواعد النووية
علماء يكسرون القواعد النووية "بانفجار ثلاثي البروتون"!

أفريقيا برس – المغرب. في إنجاز علمي جديد، تمكن فريق دولي من الفيزيائيين النوويين من رصد النظير النادر ألمنيوم-20 لأول مرة، والذي يتحلل بانبعاث 3 من البروتونات على مرحلتين.

هذا الاكتشاف يفتح نافذة جديدة على فهم البنية النووية في أقصى حدود استقرار المادة، ويؤهل العلماء لرحلة أعمق في عالم النوى الغريبة التي تعيش لزمن أقصر من لمح البصر، لكنها تحمل مفاتيح لفهم القوانين الأساسية التي تحكم الكون.

قال شو شياودونغ، الأستاذ المشارك في معهد الفيزياء الحديثة في الأكاديمية الصينية للعلوم، والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في “فيزيكال ريفيو ليترز”، في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه: “هذا البحث يعزز فهمنا لظاهرة انبعاث البروتونات، ويقدم رؤى جديدة حول بنية النوى وآليات تفككها”.

رحلة إلى أقاصي الجدول الدوري

تعلمنا في المدارس صغارا أن المادة تتكون من ذرات، والأخيرة تتكون من جسيمات أدق، وهي الإلكترونات التي تتخذ مدارا حول نواة الذرة، وهذه النواة تحتوي على مكونين هما البروتونات والنيوترونات.

يُعرّف العنصر بعدد البروتونات في نواته، ويُعرف هذا العدد بالعدد الذري. كل عنصر له عدد ذري فريد لا يتغير. على سبيل المثال، كل ذرات الأكسجين لديها 8 بروتونات، بينما كل ذرات الكربون لديها 6 بروتونات.

أما النظير فهو أحد أشكال العنصر الكيميائي. وتتميز النظائر بأن لها نفس العدد من البروتونات لأنها نفس العنصر، ولكنها تختلف في عدد النيوترونات في النواة.

ويؤدي هذا الاختلاف في عدد النيوترونات إلى اختلاف في الكتلة الذرية للنظير، ولكن الخواص الكيميائية تبقى متشابهة إلى حد كبير لأنها تعتمد أساسًا على عدد الإلكترونات الذي يساوي عدد البروتونات في الذرة المتعادلة.

لتحويل عنصر إلى عنصر آخر، يجب تغيير عدد البروتونات في نواة الذرة. يحدث هذا بشكل طبيعي في التحلل الإشعاعي حيث تتحول الذرات غير المستقرة إلى عناصر أخرى عن طريق انبعاث جسيمات.

ويمكن تحقيق الأمر بشكل اصطناعي كذلك، من خلال القصف بجسيمات في المفاعلات النووية، ومن أمثلة ذلك تحويل عنصر الرصاص إلى ذهب، والذي كان حلمًا قديمًا للخيميائيين.

كما يمكن كذلك تحويل نظير إلى نظير آخر لنفس العنصر عن طريق تغيير عدد النيوترونات في النواة.

وفي مختبر الأيونات الثقيلة الألماني، وفر العلماء جسيمات قوية قادرة على توليد حزم نووية عالية الطاقة ودقيقة التوجيه لقصف ذرات المغنيسيوم-20 في ذرات البريليوم، فتتفتت النوى، لتفقد النواة أو تكتسب بروتونات أو نيوترونات، فينشأ نظير جديد غير مستقر، وفي حالتنا هو ألمنيوم-20، بحسب بيان رسمي من الأكاديمية الصينية للعلوم.

وبحسب الدراسة، فهذه البيئة المتطورة ضرورية لإنتاج نظائر نادرة جدا لا يمكن الحصول عليها في الطبيعة أو في المختبرات العادية.

وباستخدام أجهزة كشف عالية الدقة، تمكن الباحثون من تتبع جميع الجسيمات الناتجة عن تفكك النواة أثناء القصف السريع، مما سمح بتحديد خصائص النظير الجديد بدقة غير مسبوقة.

وقد كشفت القياسات أن نواة ألمنيوم-20 غير مستقرة بشدة، حيث تتفكك بانبعاث 3 بروتونات متتابعة عبر آلية معقدة تُعرف بالتفكك المتسلسل.

هذا السلوك النادر يجعل الألمنيوم-20 مثالا فريدا لدراسة البنى النووية القصوى التي لا يمكن العثور عليها في الطبيعة إلا لفترات زمنية قصيرة جدا.

تحدى النماذج النظرية

النظريات التقليدية تقول إن النوى التي تمتلك العدد الكتلي نفسه (مجموع البروتونات والنيوترونات) يجب أن تتشابه في خصائصها، حتى لو اختلف توزيع البروتونات والنيوترونات. وتسمى هذه النوى بالنوى المرآتية.

لكن الدراسة الجديدة أثبتت أن نواة الألمنيوم-20 لا تتبع هذا التشابه مع نظيرها المرآتي النيتروجين-20.

نواة الألمنيوم-20 تحتوي على 13 بروتونا و7 نيوترونات، ونواة النيتروجين-20 تحتوي على 7 بروتونات و13 نيوترونا.

كلاهما يمتلك العدد الكتلي 20، لكن التحليل أظهر أن الحالة الأرضية (أقل طاقة مستقرة) للألمنيوم-20 لها عزم دوران مختلف بشكل كبير عن النيتروجين-20

هذا الاختلاف الكبير دليل على انكسار تناظر النظائر، وهي ظاهرة جوهرية لفهم القوى النووية عندما تصبح النوى شديدة الغنى بالبروتونات مثل حالة الألمنيوم-20 مقارنة بنظيره المرآتي النيتروجين-20.

كما بينت الدراسة أن الحالة الأرضية لألمنيوم-20 تتحلل أولا بانبعاث بروتون واحد لتشكل نواة مغنيسيوم-19، والتي تتحلل بدورها بإطلاق بروتونين إضافيين، وهو ما يعرف بتسلسل “1 بروتون- 2 بروتون”. هذه الظاهرة تمثل أول رصد مباشر لما يسمى “نشاط إشعاعي ثانوي للبروتونين” الناتج من تفكك أولي بالبروتون الواحد.

كما حدّد العلماء طاقة تفكك النواة بانبعاث 3 بروتونات بنحو 1.93 ميغا إلكترون فولت، وهي قيمة أقل بكثير مما تنبأت به الحسابات النظرية التقليدية المعتمدة على تناظر النظائر.

كما قاس الباحثون الكتلة الحقيقية للنواة ووجدوا أنها لا تتفق مع التقديرات القائمة، ما يفرض على نماذج البنية النووية مراجعة دقيقة لتضمين تأثيرات جديدة تؤثر في مستويات الطاقة للنوى غير المستقرة.

هذا يوضح أن النماذج الحالية للبنية النووية تحتاج إلى تعديل لتضمين تأثيرات جديدة تفسّر سلوك النوى غير المستقرة.

ويعلق شياودونغ على أهمية النتائج: “تُسهم هذه الدراسة في توسيع فهمنا لظواهر انبعاث البروتونات، كما أنها تقدم رؤى جديدة حول بنية النوى وآليات تفككها خارج خط تنقّط البروتونات”.

فيزياء النوى الغريبة

اعتمدت التجربة على أنظمة كشف متقدمة تتيح إعادة بناء المسارات الدقيقة للجسيمات المنبعثة، وهو ما سمح بتحديد كل من طاقة التفكك الثلاثي للبروتونات، ومستويات الطاقة المنخفضة في النواة، وآلية الانبعاث المتسلسل للبروتونات.

ولا يقتصر تأثير الاكتشاف على دراسة نظير ألمنيوم-20 فحسب، بل يمتد إلى إعادة تقييم حدود استقرار النوى الغنية بالبروتونات.

هذه ليست المرة الأولى لكسر تناظر النظائر، لكن إذا كان كسر تناظر النظائر ظاهرة شائعة في هذه المنطقة البعيدة من خريطة العناصر، فهذا يعني أن عدد النظائر غير المكتشفة قد يكون أكبر مما كان متوقعا.

كما قد تحتاج النماذج النظرية التقليدية إلى إدخال تأثيرات إضافية لفهم سلوك هذه النوى، وقد تمتد حدود الاستقرار النووي إلى مناطق أبعد مما تشير إليه الحسابات الحالية.

وتتنبأ البيانات كذلك أن النظير المجاور سيليكون-21 ربما يكون باعثا لـ4 بروتونات دفعة واحدة، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من الدراسات الطموحة في المستقبل القريب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس