أفريقيا برس – المغرب. مخيمات تندوف، الخاضعة لسلطة الجزائر وتديرها جبهة البوليساريو، هي ليست مجرد منطقة جيوسياسية خفية، بل هي أيضا مركز للإرهاب العابر للحدود، وفقا لتحليل نشرته مجلة «ذا ناشيونال إنترست» المرموقة. فالجبهة الانفصالية تخلت عن هويتها الانفصالية لتجسد تهديدا أمنيا عالميا، يفاقمه عَرَّابٌ جزائري أدرجه الاتحاد الأوروبي ضمن الدول «عالية المخاطر» في مجال تمويل الإرهاب.
تتوالى التحذيرات من تحول جبهة البوليساريو إلى منظمة إرهابية تتحالف مع قوى الشر. ففي مقال مثير نشر يوم 9 يونيو في مجلة «ذا ناشيونال إنترست» المرموقة، وهي مجلة أمريكية نصف شهرية متخصصة في الشؤون الدولية، كسر أحمد شعراوي، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Fundation for Defense of Democracies)، جدار الصمت. ويرى شعراوي أن جبهة البوليساريو لم تعد مجرد حركة انفصالية، بل أصبحت، على حد تعبيره، «جناحا مسلحا متحالفا مع أكثر الأطراف تطرفا في المنطقة». هذا التحليل الموثق جيدا يندرج في إطار توجه متنام بين المراقبين الغربيين: إعادة تصنيف قضية الصحراء كقضية أمن عالمي. هذه المرة، يأتي التحذير من المجلة التي نشرت المقال الشهير عام 1989 «نهاية التاريخ؟» لفرانسيس فوكوياما.
وعبر شعراوي عن رأيه بدون مواربة: لا يتعلق الأمر بانحراف عن المسار، وإن يمثل طفرة، منددا بتحول واضح من جانب جبهة البوليساريو نحو منطق التبعية الأيديولوجية والعملياتية لمنظمات مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني. ويرتكز تحليله على وقائع محددة: مراسلات معترضة بين ممثل للبوليساريو في دمشق وعميل لحزب الله، تشيد بهجوم 7 أكتوبر الذي قادته حماس، وتشير إلى جبهة موحدة تمتد «من غزة إلى الصحراء الغربية»، بل وتشير إلى هجوم على السفارة الإسرائيلية في الرباط.
يستخدم الشعراوي هذا الواقعة، التي نشرت في السابق من قبل صحيفة دي فيلت الألمانية، كدليل ملموس على التحول الجذري في الحركة الانفصالية، التي أصبحت «أجندة استراتيجية»، كما يؤكد هذا المحلل. ويرى أن دعم إيران للبوليساريو، بما في ذلك من خلال توفير طائرات مسيرة انتحارية، يمثل نقطة تحول خطِرة لم يعد بإمكان القوى الغربية تجاهلها.
المغرب، «الحاجز الوحيد أمام التوسع الإرهابي»
في تحليله، يستند الشعراوي أيضا إلى تطور السياق الإقليمي. أشار إلى أن المزيد من الدول، بدءً من الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، ومؤخرا المملكة المتحدة، قد اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، في حين طرد النظام السوري الجديد جبهة البوليساريو من دمشق. هذه الدينامية، حسب قوله، تزيد من عزلة الحركة، التي انحصرت الآن في داعمين رئيسيين: الجزائر، العراب الأبدي، وإيران، المفسد الإقليمي الأكبر.
نبرة المقال حادة، تكاد تكون اتهامية. يطالب شعراوي صناع القرار الدوليين قائلا: «هل نريد أن نعهد بمنطقة بأكملها إلى منظمة على صلة بحزب الله، مدعومة من إيران، ومتجذرة في شبكات جهادية في منطقة الساحل؟»، وأضاف: «هذا من شأنه أن يضعف الحاجز الوحيد أمام تمدد الإرهاب في شمال إفريقيا».
وحرص صاحب المقال أيضا إلى استحضار أحداث ماضية غالبا ما يتم تجاهلها: إنشاء خلايا جهادية في مخيمات تندوف عام 2008، وظهور عدنان أبو الوليد الصحراوي، العضو السابق في جبهة البوليساريو الذي أصبح زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، واستخدام الأطفال كجنود، وهو ما أدانته المنظمات غير الحكومية أمام الأمم المتحدة.
وراء هذه الحجة، يبرز المغرب كحصن أمني رئيسي ضد انتشار الإرهاب في منطقة الساحل. وأكد قائلا: «المغرب اليوم هو الحصن الوحيد ضد تحول الصحراء الغربية إلى ملاذ للجهاديين»، معتبرا بذلك أن الاعتراف بالسيادة المغربية هو واجب استراتيجي. لم تعد البوليساريو «قضية» بل تهديدا حقيقيا للمنطقة.
من «لاجئين» إلى إرهابيين
في عددها الصادر في 8 يونيو، وتحت عنوانٍ مثير: «صحراويون متطرفون على رأس الدولة الإسلامية في الساحل»، سارت صحيفة «لافانغارديا» الإسبانية المعروفة في نفس الاتجاه. عشرات «الصحراويين» المتطرفين منحدرين من مخيمات تسيطر عليها جبهة البوليساريو، هم الآن من بين قادة الفرع التابع لتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل، وهي من أعنف التنظيمات في القارة الإفريقية. نشأوا وترعرعوا في مخيمات تندوف، واستفادوا من برنامج «عطلات في السلم»، وتعلموا الإسبانية لدى عائلات استضافتهم…ثم انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية. هذا الخبر الصادم يمثل جرس إنذار جيوسياسي. فالأطفال الذين ظنت أوروبا أنها تنقذهم من شظف العيش في الصحراء أصبحوا وجوها متعددة اللغات لجهاد عابرٍ للقارات. وكشفت «لافانغارديا» أن إجادتهم التامة للغة الإسبانية تمثل الآن أداة دعائية تستخدمها شبكات داعش، لا سيما للتحريض على القيام بهجمات منعزلة في أوروبا.
هذا المسار ليس عرضيا ولا هامشيا. وأكد انحرافا موثقا منذ سنوات: مخيمات تندوف ليست مجرد مخيمات لاجئين، بل هي مشتل لغسل الأدمغة وإنتاج التطرف، تحت سيطرة جبهة البوليساريو التي أصبحت الآن عاجزة، أو متواطئة، في احتواء تحولها الإرهابي. وكل هذا بمباركة الجزائر.
ما تحذر منه صحيفة «لافانغارديا» هو أن العناصر المتطرفة في البوليساريو أصبحت الآن قادرة على نقل أنشطتها الإرهابية إلى الأراضي الأوروبية. بعيدا عن أوهام «المقاومة» التي سادت في القرن العشرين، فإن هذه الشخصيات الجديدة هي نتاج عمى جيوسياسي يغذيه الإفلات من العقاب. إن الإحسان الساذج لبعض الأوساط الناشطة والدبلوماسية يتحول إلى تواطؤ سلبي.
تمويل الإرهاب: الجزائر، «دولة عالية المخاطر»
لقد دُق ناقوس الخطر. يبقى أن نسمعه قبل أن يصبح ثمنه باهظا. ويعززه خطر جديد، وهو خطر الجزائر، العراب الدائم. في ما يشبه ضربة دبلوماسية كانت السلطات الجزائرية تفضل إخفاءها وراء خطابها، أضافت المفوضية الأوروبية أمس الثلاثاء الجارة الشرقية إلى قائمتها السوداء للدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبذلك، تنضم الجزائر إلى دائرة الدول الخاضعة للمراقبة المشددة، إلى جانب فنزويلا ولبنان ولاوس.
ويتعين على المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي زيادة يقظتها في أي معاملة تتعلق بالجزائر، وهو إجراء رسمي مدعوم بتقييم تقني دقيق، وفقا للبيان الصحفي الصادر عن المفوضية الأوروبية، والذي استند إلى تحليلات أجراها فريق العمل المعني بالإجراءات المالية، وهي الهيئة الدولية المسؤولة عن تقييم إجراءات الدول لمكافحة غسل الأموال، والحوارات الثنائية، والزيارات الميدانية. وتنضاف هذه الصفعة للجزائر إلى سلسلة من الإشارات التي تصورها كدولة مارقة. فالتبجح ومواقف الإنكار لا يمكنها على الإطلاق تغيير الواقع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس