أفريقيا برس – المغرب. كما لو كانت انتخاباتنا”، هذه الجملة رددها أكثر من مدون على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقصد بها اهتمام المغاربة بما ستفرزه صناديق الاقتراع في فرنسا، الأمر ليس بالجديد، لكنه كان هذه المرة أكثر حدة، في ظل اقتراب “اليمين المتطرف والعنصري” من الهيمنة على النتائج، لكن يبدو أن اليسار كان له الكلمة الفصل واعتلى القائمة ليزيح بذلك “هماً” كبيراً وضع على كاهل الجاليات المهاجرة هناك وخاصة تلك القادمة من دول المغربي العربي، التي باتت تفكر في مصيرها لو تسلم حزب أو تحالف لوبان الحكم.
الصور ومقاطع الفيديو التي ظهر فيها عدد من المهاجرين وهم يرفعون شارة النصر احتفالاً بفوز اليسار، كانت خير دليل على الخوف الكبير الذي تسرب إلى معيشها وهدد استقرارها لسنوات بل لعقود طويلة، خاصة الجيل الجديد من أبناء المهاجرين الذين كانوا أول من ساهم في بناء فرنسا، وتحت طلب وإلحاح هذه الأخيرة، وكانت دول المغرب العربي هي المزود الرئيسي لها باليد العاملة التي تتميز بالكفاءة والصبر.
بالنسبة للنخبة المغربية وعموم الرأي العام المغربي، لم تكن النتائج فقط موضوع الاهتمام، بل حتى تفاصيل الحملات الانتخابية والاطلاع على آخر التكهنات وقراءات المعاهد المتخصصة في استطلاعات الرأي، لذلك صدق من قال إن الانتخابات في فرنسا لكنها تبدو كما لو أنها في المغرب، وهو ما فسره البعض بكونه “حباً في أبنائنا هناك وليس حباً في من سيحكم فرنسا”، إلى جانب الجالية المغربية الكبيرة، هناك الاهتمام السياسي للنخبة السياسية في المغرب، وخاصة قضية الوحدة الترابية للمغرب (الصحراء الغربية) والتي لا يبدو أنه كان اختلاف حولها رغم تغير الرؤساء، لكن منذ مجيء ماكرون إلى قصر “الإليزيه” كانت هناك مناورات ومراوغات من جانبه، ربما في سبيل تحقيق غايات لا تتوافق مع المغرب الجديد الذي صنع لنفسه موقعاً محورياً في الخريطة العالمية، في رأي أحد المراقبين.
بعض المدونين اهتموا أكثر بالجالية المغربية في فرنسا، والظلال القاتمة التي أرخى بها حزب لوبان على مصيرهم وتعايشهم في بلاد موليير، والسنوات الطويلة جداً منذ أجدادهم الأوائل التي قضوها في خدمة هذا البلد دون كلل أو ملل، لذلك تعددت النعوت والأوصاف القدحية التي وصف بها حزب لوبان بين “عنصري” و”فاشي” و”عدمي” و”ناكر لجميل من ضحوا بأرواحهم من أجل فرنسا”، بل هناك من وصفه بـ”الهم” و”الكابوس” وأيضاً “فيلم رعب سيئ جداً”.
*
حالة هلع
عن حالة الهلع التي أصيبت بها مختلف الجاليات المهاجرة في فرنسا، وخاصة الجالية المغربية، ركز أستاذ التعليم العالي في التواصل السياسي، عبد الرحيم العماري، متحدثاً لـ “القدس العربي”، على دورها في الانتخابات الفرنسية، مبرزاً أنه “ودون ذكر الأسماء، ستجد ضمن القيادات المحلية والجهوية والوطنية، عدداً من الفاعلين الحزبيين من أصول مغاربية وعربية وإفريقية”، وخصّ بالذكر “أسماء من أصول مغربية – كانوا فيما مضى ناشطين سياسيين في فرنسا سنوات الرصاص بالمغرب ضمن حركات إلى الأمام و23 آذار/ مارس- هم اليوم من الفاعلين، خصوصاً ضمن حزب (فرنسا الأبية) و(الحزب الاشتراكي) و(الحزب الشيوعي)”.
وحسب عضو مختبر القانون العام وحقوق الإنسان في كلية الحقوق في جامعة الحسن الثاني في مدينة المحمدية، فإن “كل هؤلاء همّ الصوت المعبّر والمدافع عن المهاجرين بمختلف جنسياتهم”.
وأشار الناشط الحقوقي ضمن منظمات حقوقية وطنية ودولية إلى أن “اليسار الفرنسي بخطابه وبرامجه، لا يحيد عن ترسيخ ثوابت الجمهورية الفرنسية المنسجمة مع القانون الدولي بمرتكزاته، التي منها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين والقانون الدولي الإنساني”.
ووفق تصريح العماري لـ”القدس العربي”، فقد “كان تأثير الجاليات المغاربية والعربية حاسماً في فوز اليسار الفرنسي”، موضحاً أنه “لن تجد مظاهرة أو مسيرة ضمن الحملة الانتخابية لليسار الفائز، لم يرفع فيها العلم الفلسطيني وتبرز ضمنها الكوفية الفلسطينية”.
بخصوص سؤال هل يمكن الاطمئنان على مصير المهاجرين وليس فقط الجالية المغربية، قال الأكاديمي عبد الرحيم العماري، “نعم يمكن”، وأضاف موضحاً أن “اليسار الفرنسي خصوصاً مع خطاب فرنسا الأبية، ظل دوماً حريصاً على فرنسا الحريات والمساواة والأخوة، بمثابة الأركان المشتركة والعميقة للجهاز الأيديولوجي (المذهبي) للجمهورية الفرنسية، وبقوة المنطق والمسار والتاريخ”، وتابع توضيحاته، بالإشارة إلى أنه “على النقيض من ذلك، جاء تأسيس اليمين المتطرف على عهد أول رئيس يساري في الجمهورية الخامسة (فرانسوا متران)، بل غالى في خطابه اليوم إلى حد تضمين برنامجه السياسي منع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب مسؤوليات معينة”.
ولفت المتحدث إلى أن “اليسار الفرنسي خصوصاً مع موحّده (ملانشون)، منخرط اليوم في أعمال القانون الدولي وتحكيم مؤسساته الدولية في القضايا العادلة، التي منها القضية الفلسطينية”.
عكس القراءة المتفائلة لأستاذ التعليم العالي في التواصل السياسي، جاءت تدوينات أخرى متشائمة نوعاً ما، رغم فوز اليسار الفرنسي بالانتخابات، ومنها ما كتبته صفحة على فيسبوك تدعى “مسارات فكرية”، حين قامت بقراءة أولية في الانتخابات الفرنسية، مشيرة إلى أن “ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الفرنسية يحتمل قراءات متعددة، وطرح أسئلة حارقة كثيرة، لأن الكتلة الناخبة الفرنسية رجحت كفة اليمين المتطرف على كفة الجبهة الوطنية الجديدة (تحالف اليسار) حيث حصل اليمين المتطرف على أكثر من 10 ملايين صوت، بحصة 143 مقعداً، بينما حصل تحالف اليسار على 7 ملايين صوت وحوالي 185 مقعداً”.
*تقدم مضطرد لليمين
وحسب التدوينة، فإن “هذه النتائج تخفي حقيقة جد مخيفة، لأنها مؤشر دال على التقدم المضطرد لليمين المتطرف في فرنسا، فإذا عدنا إلى انتخابات 2002 نجد أن اليمين المتطرف قد حصل على مقعدين فقط، بينما حصل خلال هذه السنة (2024) على 143 مقعداً بكتلة انتخابية فاقت 10 ملايين، ليصبح قوة سياسية يضرب لها ألف حساب”.
بالنسبة لعموم المغاربة ما يهم هو مصير الجالية هناك، وليس من باب المبالغة إذا قلنا إن لكل عائلة مغربية فرداً في فرنسا أو يعيش جزء منها في باريس أو أي مدينة أخرى في الحواضر أو حتى في الضواحي والأرياف، لذلك لا عجب أن يكون الخوف من وصول اليمين المتطرف قد تسبب في كل هذا الهلع، رغم أن العقلاء يؤكدون صعوبة تحقيق أجندة حزب لوبان حتى لو فاز، نظراً لصعوبة المناخ الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا.
الصحافي المغربي عمر أوشن، كتب تدوينة (متشائلة) على وزن رواية الأديب الفلسطيني إميل حبيبي، أكد فيها أن “الفرحة لنتائج اليسار في فرنسا.. إحساس جميل يعيد الروح لمن يأس من السياسة”، واستطرد قائلاً: “لكن ثم لكن.. شيء ما عالق في عقلي يقول لي، الطريق شاق والفرحة عابرة قصيرة والقادم من الأيام أمواج عاتية من الأزمات”، ليختم بالإشارة إلى أن “السياسة ليست فقط الخطبة والريطوريك الفرنسي”.
أما الصحافي يونس دافقير، فقد كان أكثر سخرية في تعليقه على نتائج الانتخابات الفرنسية، مبرزاً أن الدرس الفرنسي الوحيد هو (وأورد بالدارجة المغربية ما معناه) “مرة أخرى لم نحسب عددهم إلا بشق الأنفس”، ليؤكد أن “المجتمع الفرنسي يتطرف يميناً “، مضيفاً بالدارجة المغربية ما معناه “وتدخلات السياسيين تعالج السرطان بقوالب دوليبران (يقصد دواء لوجع الرأس)”، لكنه “مع ذلك، كان عرساً لبذخ السياسة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس