لماذا يحتاج جنرالات الجزائر لميزانية تسلح تفوق خمسة أضعاف نظيرتها المغربية؟

20
لماذا يحتاج جنرالات الجزائر لميزانية تسلح تفوق خمسة أضعاف نظيرتها المغربية؟
لماذا يحتاج جنرالات الجزائر لميزانية تسلح تفوق خمسة أضعاف نظيرتها المغربية؟

هيثم شلبي

أفريقيا برس – المغرب. وافق بداية الأسبوع الجاري جنرالات الجزائر المدنيون، على الميزانية التي وضعها نظراءهم العسكريون، مانحين لهم قرابة ربعها للتصرف بها كما يشاؤون، من أصل 99 مليارا هي مجمل الموازنة العامة للبلاد للعام 2023، وهو ما سارع نواب النظام للموافقة عليه دون نقاش. وقد بدا لافتا للانتباه، بعض الأرقام التي كان لا بد أن تستوقف من يفترض أنهم نواب عن الشعب في مراقبة أوجه صرف ثرواته، من ضمنها أن الميزانية المخصصة للمؤسسة العسكرية بلغت 22 مليار دولار من أصل 99 مليارا، في وقت لا نعلم أن الجزائر تخوض حربا لا موسعة ولا محدودة، بل ولا تستطيع خوضها، في المدى المنظور على الأقل. أما الرقم الثاني الذي من المفترض أن يزيد الطين بلة، فهو أن العجز المسجل في هذه الموازنة يفوق 43 مليار دولار، يمكن أن يسهم في تقليصه أن يشهد سعر المواد البترولية من نفط وغاز ارتفاعا صاروخيا، كما يمكن أن يفاقمه اتجاه هذه الأسعار نحو الانخفاض، وهو الاحتمال الذي يرجحه كثير من الخبراء الاقتصاديين، مما يعني أن النظام أدخل البلاد في مقامرة غير مأمونة العواقب بأموال الجزائريين وثرواتهم، علما بأن الجزائر لا تستطيع زيادة صادراتها النفطية والغازية بأي مقدار، بعد أن وصلت أقصى طاقة إنتاجية لها، بل إن هذه الصادرات مرشحة للانخفاض، وهذا موضوع آخر!

الآن، لنحاول الإجابة على سؤال العنوان: لماذا يحتاج جنرالات الجزائر ربع ميزانية البلاد منفردين؟ وما هي الظروف الداخلية أو الخارجية التي تبرر لهم طلب هذه الميزانية غير المسبوقة؟

داخليا، فهذه الميزانية ليس لها أي تبرير في نظر المواطنين العاديين، الذين يكتوون بنار تضخم الأسعار وشح السلع، مثل كثير من بلدان العالم. وعليه، فإنها قد تجر على المؤسسة العسكرية مزيدا من النقمة والسخط، لأن الميزانية تعاني أصلا من عجز يقرب من نصفها. كما أن معظم الأسلحة التي ينوي جنرالات البلاد شراءها،غير صالحة في قمع الاحتجاجات الشعبية التي يمكن أن تشهدها البلاد، لاسيما وأن الأوضاع التي دعت إلى خروج ملايين الجزائريين للشارع في 2019، لا تزال دون أدنى تغيير يذكر.

أما خارجيا، فلنبدأ في حذف الاحتمالات المستبعدة، لنرى ما هي الدواعي المتبقية، ولتكن البداية من العلاقة مع المغرب الذي نصبه جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، عدوا أبديا لا يمكن التفكير في الجلوس معه أو محاولة إصلاح العلاقة معه. للتذكير، فميزانية الدفاع المغربية لعام 2023 تصل بالكاد إلى 5 مليارات دولار، وهو رقم كبير بالمناسبة بالمقاييس المغربية، لكنه لا يشكل إلا أزيد قليلا من خُمس ( حوالي 22.5 بالمئة) ميزانية التسلح الجزائرية، وعليه، لا يمكن الحديث عن سباق تسلح كما جرت العادة. أما الأسطوانة المشروخة بأن هذه الميزانية الضخمة هي لمواجهة “إسرائيل التي أصبحت على حدودنا الغربية” فهي من السخف بحيث لا يكررها إلا جاهل أو غبي، لماذا؟ أولا لأن العلاقة العسكرية بين المؤسستين المغربية والإسرائيلية لا تتجاوز شراء الأسلحة (من ضمن مصادر أكثر وبكميات أكبر كالولايات المتحدة والصين وتركيا)، والتعاون في بضع مشاريع في إطار توطين المغرب لبعض الصناعات العسكرية داخله، وبالتالي تدخل في خانة تبادل التقنيات والمعارف، أي أنه لا يوجد ما لديه علاقة بإسرائيل داخل التراب المغربي، وأن علاقة البلدين العسكرية لا تختلف عن علاقة المغرب مع شركائها التقليديين (الولايات المتحدة، الصين، إسبانيا، الخ) أو علاقة الجزائر بشركائها الروس والصينيين وغيرهم. نقول ذلك حتى لا نذكّر بالحقيقة المفجعة التي تقول أن منظومة التسلح الإسرائيلية تفوق نظيرتها العربية مجتمعة، أي أن الجزائر لو ضاعفت رقم موازنتها للتسلح عشر مرات، لن تستطيع التفوق أو معادلة قوة السلاح الإسرائيلي، ناهيك طبعا عن وجود ولو مجرد احتمال، مهما بلغ ضعفه، في دخول المؤسسة العسكرية الجزائرية في أي مواجهة من أي نوع مع إسرائيل، وهي البديهية التي لا داعي للاستفاضة فيها.

أسطوانة مشروخة أخرى، تقول بأن هذه الميزانية الضخمة تأتي في إطار الاستعداد لشن حرب على المغرب، بل إن من يعدون أنفسهم خبراء يحددون لذلك تاريخا محددا هو عام 2026!! وهي “الخرافة” التي لا تقل سخفا عن سابقتها، حيث أنه لا يوجد حالم واحد يمكنه القول بأن مثل هذه الحرب، لو حدثت،يمكنها أن تحقق لجنرالات الجزائر أي مكسب سياسي أو عسكري مهما تضاءل شأنه، بل ستقود إلى نتيجة حتمية واحدة: انهيار النظام الجزائري!! فلا يوجد تفوق عسكري لجهة على أخرى، كما أنها تفتقد أدنى حد من المشروعية الداخلية أو الدولية (بالنظر إلى فرق تماسك الجبهتين الداخليتين وشبكة التحالفات الدولية، والتي تميل جميعها لصالح المغرب بشكل واضح)، ناهيك عن أن ميدان المعركة الواسع يجعل من خوض حرب سريعة وخاطفة مهمة مستحيلة، هذا دون الحديث عن دروس التاريخ التي تعطي الغلبة دائما للطرف المعتدى عليه!

ولو تحولنا إلى احتمال خوض جنرالات الجزائر هذه الحرب “بالوكالة”، عبر تسليح مرتزقة البوليساريو بهذا العتاد المنوي شراؤه، ودفعهم إلى الانتحار على تخوم الحائط الأمني في الصحراء المغربية، فيمكن الرد على هذا الاحتمال بكلمات بسيطة: ما لا يستطيع الجيش الجزائري نفسه إنجازه، لن تستطيع حفنة من المرتزقة أن تنجح فيه! وسيتحول سريعا إلى مكسب استراتيجي للمغرب، بعد أن يسحقهذه العصابة، وستكون تكلفته السياسية كارثية على النظام الجزائري.

أما القول بأن بلدا كالجزائر، لديه حدود بآلاف الكيلومترات مع دول تعيش فوضى أمنية، وتشكل مرتعا للجماعات الإرهابية من كل صنف، كليبيا ومالي والنيجر، وسيحتاج إلى عتاد متخصص لمراقبة حدوده ومنع اختراقها، فهو كلام مشروع ومطلوب، لو كان صحيحا، أو لنقل، دقيقا! وذلك لأسباب عديدة. فمن جهة، فإن مثل هذه العتاد المختص بضبط الحدود لا يكلف الجزائر ربع موازنتها، بل ولا عُشرهذا الرقم، بدليل أن المغرب المحاط بمرتزقة البوليساريو الذين يناصبونه العداء علنا، لم يحتج لدفع هذه المبالغ الطائلة لضبط حدوده ومنع تسلل عنصر ولو واحد من المرتزقة، مع الدعم اللوجستي الذي يتلقونه من المؤسسة العسكرية الجزائرية وحلفائها الإيرانيين وأذرعها كحزب الله! كما أن ذاكرتنا لا تزال حية، ونعلم يقينا أن كثيرا من هذه “الحركات الجهادية” الإرهابية هي صنيعة المخابرات الجزائرية أصلا، وبالتالي فهي لا تشكل تهديدا حقيقيا لها، وما وجودها إلا من أجل استخدامها كفزاعة لابتزاز جوارها الأفريقي، وخدمة أجندات الراعي الفرنسي في مستعمراته السابقة، والذي قد يطلب من وكيله المحلي (الجيش الجزائري) استكمال مهمة قوات “برخان” التي تم طردها من عدد من الدول الأفريقية، لاسيما بعد أن أزال جنرالات الجزائر العقبة الدستورية التي كانت تمنع اشتراكهم في حروب خارج الحدود!!

إذا، ماذا يبقى من أسباب قوية محتملة (يمكن أن تضاف إلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة)، من أجل تبرير هذا الإنفاق الجنوني على المؤسسة العسكرية الجزائرية؟! ربما تتمثل الإجابة المتبقية في احتمالين أساسيين: شراء المواقف، والاستفادة من العمولات الفلكية؛ كيف ذلك؟

أمام الانتصارات الدبلوماسية المغربية، وعجز جنرالات الجزائر عن تقديم عرض ينافس العرض المغربي لدول القارة السمراء (التنمية والخبرة والموارد في إطار تعاون جنوب- جنوب رابح)،لم يبق للجزائر سوى محاولة الحفاظ على “حياد” اللاعبين الدوليين الكبار (الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي) والمتوسطين (الهند، تركيا، اليابان، إسرائيل، دول الخليج العربي) وغيرهم، وذلك بعد أن أيقنت أن جميع الدول المذكورة آنفا إما أنها أقرب للمغرب أو لا يمكنها أن تدخل في حالة عداء معه؛ ولأن هذه الدول لا تعرف سوى لغة المصالح، فليس أمام الجزائر سوى لعب ورقتي الغاز، وشراء البضائع التي تشغل مصانع هذه الدول، وهنا يبرز السلاح كمصدر سهل لكسب “التفهم” للمواقف الجزائرية، عبر عقود تسلح مليارية، وفتح القطاع النفطي أمام شركاتهم، وغيرها من وسائل “كسب الود”!

أما الفوائد المباشرة لميزانية التسلح الجزائرية الضخمة، فتتمثل في أن عمولات هذه الصفقات التسليحية تكون “فلكية”، وبالتالي فهي تسيل لعاب أعتى الجنرالات، في الجزائر وفي غيرها من الدول التي لا تعرف أي نوع من الرقابة على مؤسساتها العسكرية!

أخيرا، يبرز تساؤل حارق: أين الشعب الجزائري الكريم من هذا كله، ومتى سنشاهد ربع هذه الأرقام الفلكية موجهة إلى قضايا تنموية تهتم بتوفير حياة كريمة للمواطنين في مختلف أماكن تواجدهم، وتسهم في إنقاذ حياة المئات الذين تبتلعهم أمواج البحر الأبيض المتوسط في “قوارب الموت”؟ أشك أننا سنعيش هذه اللحظة مع نظام بهذه التركيبة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس