ما الذي ينتظر المغرب والجزائر في عهد “ترامب الثاني”؟

11
ما الذي ينتظر المغرب والجزائر في عهد
ما الذي ينتظر المغرب والجزائر في عهد "ترامب الثاني"؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. منذ إعلان فوز المرشح الجمهوري ذو الـ78 عاما، دونالد ترامب، بالانتخابات الرئاسية الأميركية في السادس من نوفمبر، ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية، بعد حصوله على 277 صوتا مقابل 224 لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، تثار تساؤلات والتكهنات حول تأثير هذا التحول السياسي على قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. خاصة في ظل المواقف الحاسمة التي تبناها ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، في ما يتعلق بالملف المغربي والدعم الأمريكي لمغربية الصحراء، وانعكاسات ذلك على الجزائر.

تردد إدارة بايدن

في 20 من ديسمبر 2020، اعترفت الولايات المتحدة تحت رئاسة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء. وينطوي هذا الاعتراف بشكل خاص على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب، في إطار اتفاقيات أبراهام التي وقّعتها الإمارات والبحرين قبل ذلك. في الوقت نفسه، توجه سفير الولايات المتحدة في الرباط، إلى مدينة الداخلة، المركز الاستراتيجي الجديد للمملكة الواقع على الساحل الأطلسي للصحراء، من أجل إطلاق عملية الافتتاح الرسمي للقنصلية. لكن وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، أدى إلى تجميد هذا المشروع، حتى لو لم تتراجع إدارته قط عن قرار ترامب، الذي كان له تأثير الدومينو، حيث سمح بدعم أكبر من العديد من الدول الأوروبية لصالح خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، بما في ذلك ألمانيا وإسبانيا ومؤخرا فرنسا.

هكذا، فمنذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع 2021، ظل ملف الصحراء واحدا من بين أهم القضايا الإقليمية الموروثة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن قبل أسابيع عن مغادرة منصبه، عن اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، وذلك تزامنا مع استئناف الرباط لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وعلى مدار السنوات الموالية، التزم موقف إدارة بايدن حذرا دبلوماسيا واضحا في التعاطي مع قرار الاعتراف، إذ حرصت واشنطن على عهده على اتباع مسار متوازن يجمع بين التأكيد على ثبات موقفها من دعم السيادة المغربية على الإقليم من جهة، والإشارة إلى دعم الجهود الأممية لحل النزاع عبر مبعوثها الخاص ستافان دي ميستورا من جهة ثانية، لكن دون اتخاذ خطوات عملية لترجمة قرار الاعتراف على أرض الواقع.

ولعل أبرز مؤشرات هذا التردد الأميركي ما كشف عنه المتحدث باسم الخارجية في مارس 2024، حين أقر بعدم وجود خطط لفتح القنصلية قائلا “ليس في الوقت الحالي”. بدوره قال مدير مكتب الميزانية والتخطيط في الخارجية الأميركية، دوغلاس بيتكين، إنه لا يوجد تقدم ملموس في الوقت الحالي بشأن فتح القنصلية في الصحراء الغربية. وأوضح أن هناك عملية تخطيط جارية تأخذ في الاعتبار عدة عوامل رئيسية، تشمل تقييم الظروف الأمنية وتوفير الموارد المناسبة، بالإضافة إلى المسائل السياسية. وعند سؤاله بشأن الجدول الزمني والإرادة السياسية، اختار الإشارة إلى أن كل هذه العناصر تشكل جزءا من عملية اتخاذ القرار، متجنبا تقديم أي التزامات محددة أو جداول زمنية واضحة، مؤكدا أن الأمر لا يزال في مرحلة التخطيط وأن التفاصيل المحددة ستتطلب متابعة لاحقة.

ولهذا السبب، فإن الدولة وجزء من الرأي العام في المغرب يؤيدون بقوة عودة ترامب—الذي تعتبره وسائل الإعلام المغربية “حليفا رئيسيا”— إلى البيت الأبيض. وقد بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تهنئة “حارة” إلى دونالد ترامب في نفس يوم انتخابه، ذكَّر فيها بالاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، واصفا إياه بأنه “عمل لا ينسى وسيظل الشعب المغربي ممتنا له إلى الأبد”. وأضاف الملك بأن المغرب والولايات المتحدة “يوحدهما تحالف تاريخي وشراكة استراتيجية صمدت أمام اختبار الزمن”، ما يمنح العلاقة بينهما “قوة دافعة في خدمة السلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط وأفريقيا”.

وفي ذات السياق، تتوحد مواقف وآراء المغاربة في أجهزة الدولة المختلفة كما في الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، حول إبداء مظاهر التفاؤل بالولاية الثانية لترامب، وتتعاظم انتظاراتهم من إدارته بقدر ما يسود قلق مُبَرّر في الجارة الجزائر.

انتظارات المغاربة

شاءت الصدف أن يتزامن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في 6 نوفمبر الماضي، مع الذكرى 49 للمسيرة الخضراء التي يخلدها المغاربة كل عام في ذكرى خروج 350 ألف مغربية ومغربي في السادس من نوفمبر 1975 لتحرير الصحراء سلميا من الاحتلال الإسباني، استجابة لنداء الملك الراحل الحسن الثاني.

لقد شكّل قرار ترامب السابق بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء محطة مفصلية بالنسبة إلى الدبلوماسية المغربية، حيث كان له تأثير إيجابي غير مباشر على مواقف أوروبية إزاء قضية الصحراء، من خلال تمهده لخطوات مماثلة من بعض الدول الأوروبية. ولذلك يتوقع مراقبون مغاربة وغربيون منذ شهور أن تحمل عودة ترامب إلى البيت الأبيض انعكاسات استراتيجية على قضايا المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية والعلاقات المغربية-الأمريكية.

ولذلك يميل المزاج المغربي الموحد حول قضيته الوطنية الأولى، قضية الصحراء، إلى اعتبار أن مصلحة المملكة إنما تكمن في استئناف العمل مع الإدارة الجمهورية برئاسة دونالد ترامب، التي تمتلك تصورا واضحا بشأن ملف الصحراء وتداعياته على منطقة الساحل والصحراء والقارة الأفريقية.

ووفقا لتوقعات كبار المحللين الإسبان، فإن عودة ترامب المحتملة للبيت الأبيض تعني عودة دعم قوي للموقف المغربي، حيث سبق أن أثار اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في ديسمبر 2020، تحولا مفصليا في المواقف الدولية حيال قبول المقترح المغربي للحكم الذاتي. فالتحركات الدبلوماسية التي يقودها المغرب، مدعوما بتأييد دولي من دول قوية كالولايات المتحدة وفرنسا، قد تثمر في إنهاء النزاع بشكل نهائي خلال السنوات القليلة المقبلة. فمن شأن حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به كل من الولايات المتحدة وفرنسا، أن يعيق أية خطوة قد تتعارض مع الرؤية المغربية للحل في مجلس الأمن.

وبالتالي، فإن تعاون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد يشكل منعطفا حاسمًا نحو مزيد من الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، مما يجعل حل النزاع أكثر اقترابا من رؤية المغرب. كما أن الاستثمارات الضخمة التي أنفقتها الرباط في أقاليم صحرائها الجنوبية، وكذا إنشاء بنى تحتية كبرى؛ بالإضافة إلى أن المغرب يعتمد على دوره الحيوي في التحكم بتدفقات الهجرة ومكافحة الإرهاب لتعزيز موقفه لدى الشركاء الأوروبيين، مما يشكل وسيلة ضغط إضافية لدعم مواقفه بشأن الصحراء.

أما في باب انتظارات المغرب، فيعول المغاربة على أن تقدم إدارة ترامب الحالية على فتح القنصلية الأمريكية [الموعودة] في الداخلة، فضلا عن إعطاء دفعة جديدة في ما يتعلق بقضية الصحراء على نطاق دولي. كما يتوقع أن تقوم واشنطن بتفعيل صندوق الاستثمارات في أفريقيا برأسمال يناهز 3 مليارات دولار، الذي سبق أن وعدت أن يكون مقره بالمغرب، عندما اعترف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء أواخر العام 2020، لكن تم تجميده في عهد بايدن.

بينما في الشق الظاهر حتى الآن من انتظارات الجانب الأمريكي، فإنه بالنسبة للرئيس المحافظ ترامب المصمم بشكل مسبق على “فرض السلام في الشرق الأوسط”، رجّحت مصادر غربية عديدة أن يُعيد إطلاق اتفاقيات أبراهام، مع الاعتماد على المغرب لإقناع الدول العربية الأخرى [في مقدمتها موريتانيا والسعودية وليبيا]. كما أنه من المرجح أن تسعى إدارة ترامب إلى استعادة الدور الأميركي المؤثر في القارة الأفريقية، في سياق منافستها مع روسيا والصين اللتين تعززان حضورهما بالقارة بقوة، في مقابل تراجع الحلفاء الغربيين. وبهذا الصدد أيضا سوف تعتمد واشنطن على الرباط.

مخاوف في الجزائر

وينتظر المغرب كذلك وبالأساس، أن تدفع الولايات المتحدة العمل داخل الأمم المتحدة، في اتجاه دفع مجلس الأمن إلى اتخاذ قرارات حاسمة من شأنها أن تنهي النزاع المفتعل حول الصحراء. وذلك من خلال الضغط على الجزائر للقبول بحل سلمي يعتمد الحكم الذاتي حلا سلميا واقعيا ووحيدا كفيلا بالاستجابة لتطلعات السكان، سواء في أقاليم الصحراء المغربية أو اللاجئين بمخيمات تندوف. لكنه سيناريو يبدو أبعد ما يكون عن الواقع، إذ تشي كل المؤشرات إلى أن القيادة الجزائرية لم تعد تعتبر قضية الصحراء الغربية “قضية مبدأ”، بل تحولت إلى قضية “أمن قومي” جزائري.

وعلى الرغم من أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هنأ بدوره نظيره الأمريكي عند انتخابه، إلا أن رسالته كانت أقل حماسة بكثير من تلك التي وجهها إليه العاهل المغربي. فقد توجه إليه بشكل خاص “بالتمنيات بالصحة والسعادة في إنجاز مهامه السامية”. وهو أمر مفهوم متى استحضرنا أن العلاقات بين الجزائر وواشنطن تقتصر على التعاون الأمني وحده، وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، لم يزر أي مسؤول أمريكي كبير الجزائر. والواقع أن الكثير من المؤشرات ترجح بقوة أن تفضل إدارة ترامب الرباط خلال فترة ولايته الثانية، خاصة وأن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو هو من تولى حقيبة وزارة الخارجية. فهذا الأخير، سبق وأن وضع الجزائر نصب عينيه بالفعل في عام 2022، عندما طالب إدارة جو بايدن بفرض عقوبات قاسية على الجزائر، بسبب كونها رابع أكبر زبون للأسلحة الروسية في العالم، معتبرا أن المليارات التي تحصل عليها موسكو من الجزائر لقاء مشترياتها من الأسلحة تساعدها على تمويل حربها ضد أوكرانيا. وتأسيسا على ذلك، تعلق مجلة “جون أفريك” الفرنسية بأن “مجرد النطق همسا باسم ماركو روبيو يبعث قشعريرة في العمود الفقري للجزائر”.

فضلا عن ذلك، فإن نقاط الاتفاق بين الولايات المتحدة والجزائر شبه منعدمة. فالجزائر لن تنضم أبدا إلى اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع “إسرائيل”، كما أنها لن تتقبل بصدر رحب أدنى تغيير يطرأ بشأن قضية الصحراء بمبادرة أمريكية أو بغيرها. كما أن الوضع الخارجي للبلاد لا يبدو قويا بشكل خاص في الوقت الحالي، مع الاضطرابات على الحدود مع مالي، وعدم الاستقرار في ليبيا، والتوترات مع الدول الأوروبية حول مواقفها بشأن نزاع الصحراء.

لكن الجزائر تعتني مع ذلك بصورتها في أمريكا والغرب عموما. ولأجل هذا عهدت بالدفاع عن مصالحها لدى النخب الأمريكية المؤثرة إلى شركة lobbying، معروفة بقربها من الجمهوريين ومن “إسرائيل”. ويصل مبلغ العقد إلى 720 ألف دولار سنويا. لكن ذلك لن يكون كافيا لتقريب المواقف بين الجزائر والولايات المتحدة، وفقا للمجلة المذكورة. ويفتح ذلك أمام الجزائر طريقا نحو اختراق صعب لكن ممكن، لدوائر القرار في واشنطن. ويرى الدكتور محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في مقاله المذكور أعلاه بأن “مجال التأثير واللوبيات في أمريكا متشعب ومعقد ومتغير، وهو مجال يتيح للجزائر الوصول إلى إدارة ترامب والتفاوض معها في بعض الملفات والسياسات”.

وردا على تلويح النشطاء المغاربة على الشبكات الاجتماعية، بأن تعلن إدارة ترامب الجديدة جبهة بوليساريو “منظمة إرهابية” والجزائر “دولة راعية للإرهاب”، نذكر بأن ممثل جبهة البوليساريو لدى المنظمات الدولية بجنيف أبي بشرايا البشير، سبق أن نفى في تصريح لموقع “الحرة” التابعة للخارجية الأمريكية، وجود أي مخاوف لدى الجبهة من عودة ترامب إلى السلطة. ومع ذلك يستدرك مضيفا: “لدينا أمل في أن يستوعب ترامب وفريقه درس العهدة الماضية، ويتأكد بأن النزاع ليس بالبساطة التي كانوا يتصورونها. فهناك قانون دولي واضح، وهناك حلفاء للشعب الصحراوي لا يمكن التغاضي عن وجهة نظرهم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس