محمد الغفري: المغاربة مع إيران وضد الكيان الصهيوني

1
محمد الغفري: المغاربة مع إيران وضد الكيان الصهيوني
محمد الغفري: المغاربة مع إيران وضد الكيان الصهيوني

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. بالنسبة إلى محمد الغفري عضو سكرتارية التنسيقية الشعبية العربية لمقاومة التطبيع، فإن العدوان الإسرائيلي/الأمريكي الذي يستهدف إيران، هو عقاب لها على دعمها للمقاومة الفلسطينية، وبسبب تمسكها بحقها في امتلاك مشروع نووي سلمي.. وبالنسبة إلى تأثير التحشيد المذهبي الذي يستهدف “إيران الشيعية” (من جهات مغربية وأخرى مشرقية)، يرى الغفري بأنه زاد من حدة الاستقطاب المذهبي في وسائل الإعلام وليس في الواقع المجتمعي العميق..

وبصدد المآخذ المغربية على دعم إيران لـ “البوليساريو”، وما إذا كانت ثمة محاولات لفتح نقاش مع الطرف الإيراني حول الموضوع، يؤكد محمد الغفرى على أن تركيز الجهود يظل منصبا على القضية الفلسطينية كأولوية، حيث لا تشكل قضية الصحراء المغربية محورا للحوار العربي-الإيراني في سياق التنسيق حول التضامن مع فلسطين.

وباقي التفاصيل تقرؤونها في نص الحوار التالي.. ولا تفوتنا الفرصة للتذكير بأن محمد الغفري هو أيضا منسق الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب، ومنسق الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع…

ما هو تقييمكم لمواقف المغاربة من الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل؟

بالنسبة للحرب الإسرائيلية على إيران، من الطبيعي أن يتضامن المغاربة مع إيران، لكن بتحفظ نظرا لانعدام الثقة بين المغاربة وإيران. فالمغرب يتهم إيران بدعم جبهة البوليساريو، بينما تنفي إيران ذلك. وبالتالي يظل الشك وانعدام الثقة عاملان مؤثران في هذا الصدد بين البلدين.

من الواضح أن التضامن مع إيران في هذه اللحظة المفصلية ليس بمستوى التضامن مع غزة.. والسبب البارز وراء ذلك هو موقف إيران من قضية الصحراء الغربية، لكن هناك من يسوق أيضا العامل المذهبي (مذهب المغرب سني/وإيران شيعية)؟

بالنسبة للمغاربة الذين بوصلتهم فلسطين، لا يمكن أن يكونوا في صف الكيان الصهيوني بل دعمهم لإيران واضح على وسائط التواصل الاجتماعي. صحيح، لا يمكن إنكار أن الاختلاف المذهبي يلعب دورا في تشكيل نظرة بعض المغاربة، لكن السبب الأبرز والأكثر حسما لتحفظ المغاربة تجاه دعم إيران هو دعم الأخيرة المزعوم لجبهة البوليساريو، والذي يعتبره المغاربة اعتداء صريحا على وحدتهم الترابية، في غياب أي دليل على دعم إيران لجبهة البوليساريو.. علما بأن إيران سحبت اعترافها بـ ” الجمهورية الصحراوية سنة 1991. وترى إيران أن تسوية ملف الصحراء ينبغي أن يتم من خلال قرارات الأمم المتحدة والمغرب. بدوره يقر بحق إيران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. ولذلك يبقى العامل السياسي هو الذي يطغى على أية اعتبارات أخرى، ويخلق حاجزا من انعدام الثقة يصعب تجاوزه، بينما دعم المغاربة لفلسطين هو نابع من مبادئ التضامن وعدالة قضيتها.

من خلال متابعتنا لتفاعل الشارع المغربي مع مجريات الحرب المفصلية بين الكيان الإسرائيلي وإيران، لاحظنا أن غالبية المغاربة يتعاطفون مع إيران (طبعا) لكن في صمت، عكس ما يحصل مع غزة..

تعبير الشارع المغربي عن التعاطف مع القضية الفلسطينية يأتي من جذور عميقة تشمل البعد الديني، حيث القدس قضية مركزية في الوجدان الإسلامي، والمغاربة يشعرون بمسؤولية دينية تجاه المسجد الأقصى الذي يحتضن باب المغاربة، وحي المغاربة… وتشمل كذلك التراث النضالي حيث فلسطين قضية تحرر عربية تاريخية، والمغرب والمغاربة كانوا ولا زالوا دائما في طليعة الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني.

بل إن المغرب الرسمي حتى الآن، وعلى الرغم من التطبيع، لا يعترف بإسرائيل إلا في إطار حل الدولتين مع تأكيد ثابت على حقوق الفلسطينيين. أما الحرب الإسرائيلية على إيران فينظر اليها الحقوقيون على أنها جريمة إمبريالية بإدارة صهيونية على دولة ذات سيادة، تتم معاقبتها بسبب دعمها للمقاومة الفلسطينية، ومن أجل حقها في امتلاك سلاح نووي على غرار عدوها الكيان الصهيوني. بينما تنظر لها العامة في سياق سياسي مختلف، على أساس أنها تنافس إقليمي بين قوتين [إسرائيل وإيران]، وليس كقضية تحرر وطني مثل فلسطين.

ومن ذلك فإن التضامن الأكثر حيوية مع غزة يعكس خصوصية مكانتها في الضمير الجمعي المغربي والعربي، بينما تظل القضايا الجيوسياسية الأخرى محل تقييم وفق أبعاد متعددة.

ما هو تأثير التحشيد المذهبي ضد إيران على حاضنتها الإسلامية المفترضة، ومن ضمنها المغرب؟ هل نجح في تعميق التباعد السني-الشيعي؟ وبأي قدر؟

تأثير التحشيد المذهبي ضد إيران في الحاضنة الإسلامية عموما والمغرب خصوصا، يتطلب التذكير أولا، بالتنوع داخل العالم الإسلامي. فالإسلام يتميز بتنوع مذهبي وثقافي، والعلاقات بين الدول تستند إلى مصالح متعددة الأبعاد: سياسية، واقتصادية، وأمنية، وليس فقط لاعتبارات مذهبية. فالخلافات التاريخية بين السنة والشيعة موجودة، وهي في الأصل صراع سياسي نتج بشكل كبير عن عوامل سياسية وليس دينية بحتة. وكذلك ساهمت بعض المحاولات الإيرانية لـ “تصدير الثورة” من إيران في ردود الفعل الإقليمية، وساهمت في تعقيد المشهد لكنها لم تقضِ على قنوات الحوار بين العلماء والمؤسسات الدينية المعتدلة.

وبالنسبة للتأثير الفعلي للتحشيد، فقد نجح في تعميق الهوة لدى شرائح محدودة متأثرة بالخطابات الإعلامية المتطرفة. لكنه فشل في تفكيك الوعي الجمعي لدى الأغلبية التي تفرّق بين السياسة والدين، وترفض اختزال الإسلام في الصراع المذهبي. وبالتالي فإن التحشيد المذهبي زاد من حدة الاستقطاب في وسائل الإعلام وليس في الواقع المجتمعي العميق، حيث تظل قيم الوحدة الإسلامية والتسامح هي السائدة لدى عموم المسلمين.

هل حاول الفاعلون المدافعون عن قضايا الأمة الإسلامية-العربية، وفي مقدمتهم المدافعون عن القضية الفلسطينية والمناهضون للتطبيع مع الكيان، ربط جسور الحوار مع الطرف الإيراني لحلحلة موقف طهران من قضية الصحراء؟

لا توجد أدلة على محاولات جادة من قبل الفاعلين العرب المدافعين عن فلسطين لربط القضيتين. تركيز هذه الجهود ظل منصبا على القضية الفلسطينية كأولوية، مع تحفظات على السياسات الإيرانية الإقليمية. والجواب على سؤالك هو بالنفي: لا تشكل قضية الصحراء محورا للحوار العربي-الإيراني في سياق التنسيق الفلسطيني.

الملاحظ بعد 7 أكتوبر 2023، أن بعض الإعلام وبعض الوجوه البارزة في المشهد المغربي، أصبحت لا تتورع في إعلان تأييدها الصريح للكيان الإسرائيلي.. ما الذي تغير تحت سماء المغرب؟

الموقف الرسمي والشعبي التاريخي في المغرب يدعم بشكل واضح وقوي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. أما بخصوص بعض الأصوات المحدودة التي ظهرت مؤخرا، فهي تعبر عن آراء فردية لا تمثل الإجماع المغربي.. وبعضها تراجع عن دعم الكيان الصهيوني بعد جرائمه في غزة. والأصوات التي تحدثت عنها تأتي في سياق التطبيع الرسمي وليس الشعبي مع إسرائيل، وهو تطبيع تحكمه مصالح سياسية واقتصادية محددة ومؤقتة. كما أنها أصوات لا تعكس تغيرا في الموقف الشعبي العام، الذي يظل متضامنا مع حقوق الشعب الفلسطيني. على أن بعض هذه الأصوات قد تكون مرتبطة بضغوط سياسية أو إعلامية معينة.

وعموما وحسب المصرح به رسميا، فإن الحكومة المغربية تؤكد على أن التطبيع لا يعني التخلي عن الحقوق الفلسطينية. والشعب المغربي يظل وفيا لمواقفه المبدئية في دعم القضية الفلسطينية العادلة. فهو من أكثر شعوب العالم دعما لها بمسيراته المليونية في شوارع طنجة و الرباط والدار البيضاء.

شنت القوات الأمريكية مساء السبت 21 يونيو 2025 هجوما استهدف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، هي نطنز وأصفهان، وأهمها موقع فوردو.. ما هي قراءتك لهذا التصعيد البالغ الخطورة؟

هذا الاعتداء ليس مجرد انتهاك لسيادة إيران، بل عمل عدواني صارخ يُمثل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وهو طعنة في خاصرة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتهديد مباشر وغير مسبوق لسلامة ملايين المدنيين الأبرياء. وقد كان من الممكن أن تمتد آثاره لتشمل مناطق أوسع حسب الظروف الجوية وطبيعة الضرر، لولا التدبير الرزين من الجانب الإيراني الذي نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن آمنة، ما حال دون وقوع كارثة إنسانية عالمية. ومهما كانت المزاعم المرفقة بهذا الهجوم، فهو تهور وتصعيد خطير وغير مسؤول إلى أقصى الحدود.

إن هذا التهور من جانب “الكوبوي” الأمريكي يدمر الثقة الدولية مستقبلا في التعامل مع الملفات النووية، وحل النزاعات سلميا ويرسل رسالة مفادها أن استخدام القوة العسكرية المباشرة خيار مرجح بغض النظر عن العواقب المترتبة عنه.

عمد الكوبوي الأمريكي إلى تفجير بؤرة توتر تعيش على فوهة بركان، وهذا العدوان ليس سوى إلقاء الزيت على النار، مما يزيد من حدة الاستقطاب واحتمالات الانزلاق إلى مواجهات أوسع يصعب احتواؤها، تُهدد أمن وسلامة كل مواطن في الشرق الأوسط من الخليج إلى المتوسط. للأسف، الكوبوي الأمريكي يلعب بالنار في مستودع بارود.

في مواجهة هذا العدوان الصريح، تتجلى المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية لمجلس الأمن الدولي، الهيئة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع).و لا يجوز للمجلس أن يقف متفرجا أو يتذرع بالانقسامات السياسية بين أعضائه الدائمين.

كان على المجلس أن يصدر قرارا فوريا وإلزاميا يُدين هذا الاعتداء الأمريكي بشكل واضح وصريح، ويؤكد على عدم شرعيته وانتهاكه الصارخ لمبادئ السيادة الوطنية وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليها في ميثاقه. ولو لجأت الدولة المعتدية إلى استخدام حق النقض (الفيتو)، فإن ذلك كان سيزيد من إدانتها شعبيا ودوليا.

كما يجب على مجلس الأمن أن يطالب بتحقيق دولي مستقل ومحايد، لتقييم كامل الضرر الناجم عن الهجوم، خاصة فيما يتعلق بالمنشآت النووية، وتحديد المخاطر الإشعاعية والبيئية المحتملة، وتحميل المسؤوليات القانونية.

علاوة على ذلك، على المجلس أن يتحمل مسؤوليته في منع أي تصعيد إضافي يُهدد بالسقوط في حرب إقليمية شاملة، وذلك بدعوة فورية لجميع الأطراف إلى أقصى درجات ضبط النفس والانسحاب من حافة الهاوية.

يجب على المجلس [أجرينا الحوار قبل إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل] أن يُذكر الولايات المتحدة بواجباتها القانونية بموجب القانون الدولي، وضرورة احترام سيادة الدول وعدم المساس بسلامة منشآتها الحيوية التي قد تترتب عليها عواقب إنسانية كارثية.

كما عليه أن يعيد التأكيد على أن الحل الوحيد المستدام لأي خلافات، بما فيها الملفات النووية، هو الطرق الدبلوماسية والحوار والتفاوض، وليس القصف والعدوان.

ختاما، إن الاعتداء الأمريكي على إيران ومنشآتها النووية ليس حدثا عابرا، بل نقطة تحول خطيرة تهدد بإشعال حريق إقليمي لا تُحمد عقباه، وتضع أرواح المدنيين في الشرق الأوسط على كف عفريت. فمن شأن استهداف منشآت قد تحتوي على مواد نووية هو لعبة خطيرة بمصائر الشعوب. ولذلك فإن صمت مجلس الأمن أو تقاعسه عن اتخاذ موقف حازم وعادل وفقاً لميثاقه سيكون بمثابة مشاركة في الجريمة وفي المسؤولية عن أية كوارث تنتج عن هذا العدوان أو أي تصعيد لاحق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس