مستوى قياسي جديد في حجم الإنفاق العسكري للجزائر والمغرب

89
مستوى قياسي جديد في حجم الإنفاق العسكري للجزائر والمغرب
مستوى قياسي جديد في حجم الإنفاق العسكري للجزائر والمغرب

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. مستوى قياسي جديد في حجم الإنفاق العسكري للجزائر والمغرب في 2025، وعجز متفاقم في الميزانية في البلدين!
وفقا لآراء خبراء عسكريين أوروبيين، وغالبيتهم جنرالات عسكريون متقاعدون، فإن وقود سباق التسلح المحموم بين الجزائر والمغرب هو خلافاتهما المزمنة حول قضية الصحراء، وتنافسهما حول “زعامة” المنطقة. وهذا السباق يقود البلدين أكثر فأكثر إلى تخصيص إنفاق مرهق وخرافي على التسلح، خصوصا من جانب الجزائر التي يوفر لها الغاز الطبيعي عوائد مالية كبرى.
لكن الخبراء يدقون ناقوس الخطر، في سياق ذلك، من أن مستوى التسلح بين الخصمين المغاربيين القويين بلغ مستويات مقلقة، بات معها ميزان القوى مهددا بالاحتلال للمرة الأولى في التاريخ مع الجيران الأوروبيين. ودليلهم على ذلك، أن الجزائر سوف تنفق على جيوشها أكثر من إسبانيا العام القادم.. وأن الجيشين الجزائري والمغربي باتا يمتلكان أسلحة متطورة لا تمتلكها حتى جارتهما الأوروبية الأقرب جغرافيا إليهما…

بعد مصادقة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد الماضي، على قانون الموازنة العامة للبلاد للعام 2025، ستخصص الجزائر بموجبها 25 مليار دولار، أي ما يعادل 20% من ميزانيتها لنفقات الدفاع، وهي أضخم ميزانية في تاريخ البلاد لهذا القطاع الحساس، ما يجعلها أكثر دول القارة الإفريقية إنفاقا على جيوشها.

في الشق السياسي، يرى كثيرون داخل الجزائر وخارجها أن ذلك يكشف درجة هيمنة الجيش على الدولة في البلاد. لكن على المستوى الموضوعي، ربما تكون لهذا الأمر الواقع مبررات تفرضه فرضا. فمن منظور جيواستراتيجي، تحاصر الجزائر عوامل تجعلها في حاجة ─بشكل دائم─ إلى تسلح أكثر عددا وتطورا. وفي مقدمة هذه العوامل، كبر مساحة البلاد، حيث الجزائر هي عاشر أكبر دول العالم مساحة (2,382 مليون كلم مربع). ويجعلها ذلك تملك حدودا بحرية وبرية مع 8 دول (موريتانيا، مالي، النيجر، ليبيا، تونس، المغرب، إيطاليا وإسبانيا)، حيث يزيد طول حدودها البرية على 6500 كلم. ويفرض هذا الواقع الجغرافي على الجزائر، وفقا لدراسات خبراء دوليين، أن تتوفر الجزائر على أكثر من ضعف ما تتوفر عليه حاليا من قوات وسلاح. ويبرر ذلك من حيث المبدأ موضوعيا، تنامي إنفاق البلاد على قطاع الدفاع إلى درجة أنه بات يلتهم حصة الأسد، أي خُمس الميزانية العامة للدولة.

وهكذا زادت الميزانية المخصصة للدفاع بأكثر من الضعف، خلال السنوات الخمس الأخيرة. ففي 2021 خصصت لها الحكومة الجزائرية 9 مليارات دولار، وزادت على ذلك قليلا خلال العام الموالي (2022). لكن في العام 2023 قفزت ميزانية الدفاع إلى الضعف (18 مليار دولار)، لتبلغ 22 مليارا في العام الحالي.

ويتزامن ارتفاع ميزانية الدفاع للعام القادم مع ما يبرره مسؤولون ومحللين جزائريين، بوجود تحديات تواجه الجيش الجزائري في المحيط المباشر المضطرب للبلاد، خاصة الاضطرابات على الحدود الشرقية [مع غرب ليبيا] والجنوبية [مالي] للبلاد، وكذا بسبب الأوضاع المتدهورة مع الجار الغربي الأكثر مبعثا للقلق[المغرب].

على المستوى النظري، يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية في القارة الإفريقية من حيث عناصر القوة، وذلك وفقا لتقرير صادر عن موقع “غلوبال فاير باور” الأمريكي المتخصص حول أقوى الجيوش للعام 2024. ووفقا لتقرير للموقع نفسه حول حجم الإنفاق العسكري، تصنف الجزائر في المرتبة الرابعة في قائمة الدول الإسلامية الأكثر إنفاقا على جيوشها، بعد كل من السعودية وتركيا وإندونيسيا، وفي المرتبة الثالثة عربيا، والـ 26 عالميا.لكن خبراء عسكريين إسبان وغيرهم، يعتقدون أنه على المستوى العملي، يفتقد الجيش الجزائري إلى الخبرة القتالية الميدانية، حيث لم يسبق له في تاريخه على مدى 62 عاما أن خاض حربا. كما أن المناورات والتمارين العسكرية التي ينظمها غالبا داخلية ولا تسمح له بتبادل التجارب.

المغرب يرفع ميزانيته للدفاع

على الطرف الآخر الغربي من الحدود، تضمن قانون الموازنة العامة للعام 2025 في المغرب، الرفع من ميزانية الدفاع إلى 133 مليار درهم (13 مليار دولار)، بزيادة قدرها ثمانية مليارات و687 مليون درهم عن موازنة السنة الحالية، التي بلغت 124 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار). لكن اللافت هو الاستمرار في المحافظة على الحجم المتزايد لمخصصات الإنفاق العسكري المغربي، خلال السنوات الخمس الماضية، إذ شهدت موازنة الدفاع الوطني ارتفاعاً ملحوظاً منذ سنة 2019، حيث ارتفعت من أكثر من تسعة مليار دولار في ذلك الوقت، إلى نحو 11 مليار دولار في 2022، ثم إلى 12 مليار دولار في 2023، وإلى أكثر من 12 مليار دولار في 2024، وصولا إلى نحو 13 مليار دولار في 2025.

ووفق التصنيف الذي وضعه الموقع الإفريقي المتخصص في الشأن العسكري “أفريكا ميليتاري”، حل جيش المغرب في المرتبة السادسة إفريقيا (لكن الموقع اعتمد على ميزانية 2021 فيما يبدو، بقيمة تقارب 4 مليارات دولار فقط)، وبأكثر من 200 ألف جندي نشط و150 ألف جندي احتياطي إضافي. ويتمتع المغرب أيضا، حسب ذات التقرير، بإمكانية الوصول إلى المعدات العسكرية المتطورة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والدبابات والراجمات المتطورة والطائرات بدون طيار العسكرية بأنواع مختلفة. بينما تصنف تقارير أخرى الجيش المغربي في المرتبة السادسة على المستوى العربي، بين 2009 و2023. أما على مستوى سباق التسلح، فإن المغرب يحتل الرتبة 29 ضمن كبار المنفقين على جيوشهم في العالم، وهو ثاني أكير مستورد للسلاح في إفريقيا بعد الجزائر.

وإذا كانت الجزائر تعتبر أوجه صرف ميزانية الدفاع ضمن “أسرار الدولة”، فإن التفاصيل العريضة لميزانية الدفاع المغربية متاحة للعموم، كما هو شأن الميزانية العامة المتوفرة على الانترنت ككل عام. وبالاطلاع على ميزانية العام القادم، نجد أن قانون المالية الجديد يخصص 53 مليار درهم (حوالي 5 مليار دولار) لتغطية نفقات رواتب الموظفين والمعدات العسكرية. كما تتضمن الميزانية خلق 5792 منصبًا جديدًا لموظفي إدارة الدفاع الوطني لعام 2025، إلى جانب رفع أجور أفراد القوات المسلحة الملكية. حيث سبق أن أعلن المغرب عن نيته تحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية لأفراد القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والوقاية المدنية، بالموازاة مع الزيادات المالية المقررة في رواتب جميع موظفي الدولة في إطار “الحوار الاجتماعي”.

وتتضمن أوجه صرف ميزانية الدفاع كذلك صيانة معدات القوات المسلحة الملكية، ودعم تطوير الصناعة الدفاعية، وفقًا للمادة 39 من قانون الميزانية. تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية المغرب لتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي، كما نص مشروع مرسوم رقم 2.23.925 على إنشاء منطقتين للتسريع الصناعي في مجال الدفاع.

وسبق للمغرب أن صادق في عام 2021 على القانون 10-20، المتعلق بالمواد والمعدات الدفاعية والأمنية، والذي يهدف إلى تطوير صناعة الأسلحة في البلاد من خلال إنشاء وحدات صناعية وتصنيع الأسلحة بمشاركة مشغلين مغاربة وأجانب.

وفي يونيو الماضي، وافق المغرب على مرسوم لإنشاء منطقتين للصناعة العسكرية، مخصصتين لتطوير الاستثمارات المرتبطة بالدفاع والأمن، بما في ذلك إنتاج الأسلحة والذخائر. وفي سبتمبر الماضي، وقعت إدارة الدفاع الوطني المغربية وشركة “تاتا” الهندية اتفاقية لإنشاء مصنع في المغرب مخصص لصناعة مركبات القتال البرية (WhAP 8×8).

للتذكير، سبق أن أورد تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية مجموعة من التفاصيل الخاصة بصادرات السلاح الإسرائيلية نحو المغرب، والتي قال إننا “لا نجدها في معطيات معهد ستوكهولم”. وتتضمن معلومات يضيق المجال بذكرها جميعها. لكن من أبرز ما جاء فيها، أن التعاون العسكري المغربي-الإسرائيلي يتضمن تنزيل خطط لإنشاء مصنعين بالمغرب، أحدهما لتصنيع الصواريخ، والآخر لتصنيع مسيرات “هيرمس 900” المتطورة والغالية، بتعاون مع شركة BlueBird Aero Systems الإسرائيلية.

كما أعلن المغرب بناء منصة إقليمية لصيانة طائرات F-16 و C-130s العسكرية الأميركية، التي يمتلكها وأيضا لصيانة طائرات دول إفريقية وعرية شقيقة بينها تونس. وثمة مشارع أخرى عديدة للصناعة العسكرية، لا نعرف عنها سوى عناوين ولا تتوفر حولها تفاصيل.

مقارنة بين الميزانيتين

تاريخيا، بدأ سباق التسلح بين المغرب والجزائر منذ حوالي عشرين عامًا. لكن هذه الأخيرة قامت بتسريعه منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعودة الجيش إلى الحكم في 2019. وأخذ السباق سرعة مجنونة أكبر بعد أن أقامت الرباط علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في أواخر العام 2020، لأن الجزائر شعرت بأنها “مستهدفة” و”محاصرة” وفقا لمحللين جزائريين. والواقع أن الارتفاع الجنوني للإنفاق العسكري لا علاقة له بـ “التطبيع”، وتقدم لنا الأرقام أنصع دليل على ذلك. فقد ارتفعت ميزانية الدفاع الجزائرية من 2,7 مليار دولار في عام 2000، إلى 10 مليارات دولار في عام 2012، لتقفز إلى أكثر من 25 مليار دولار في عام 2025.

وبالمقابل، يشعر المغرب بأن الجزائر تستعد لإعلان الحرب عليه، بالنظر إلى التهديدات العلنية لكبار المسؤولين الجزائريين، والتمارين العسكرية التي ينظمها جيش الجارة الشرقية على حدوده بانتظام. فالقضية الأساس تتعلق في الواقع بفقدان الثقة بين البلدين بشكل دائم، أكثر من أي شيء آخر.

ولتحقيق تفوق نوعي في السلاح، استغل المغرب علاقاته “الطبيعية” مع إسرائيل لاقتناء أسلحة متطورة، خلال السنوات القليلة الماضية، في وقت خصصت الجزائر من جانبها ميزانيات ضخمة للتسلح، لكن موردها الرئيسي (روسيا) بدا عاجزا عن تلبية طلباتها الكثيرة والضخمة، بسبب انشغال الصناعة الحربية الروسية تماما بتوفير متطلبات الحرب في أوكرانيا. والجزائر لا يمكن أن تغير مصدر تسليحها الذي اعتمدته على مدى نصف قرن وأكثر، بين عشية وضحاها لاعتبارات شتى.

بحسب تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول الإنفاق العسكري العالمي للعام 2023، الذي نُشر في أبريل الماضي، بلغت نفقات المغرب على مشتريات الأسلحة 5,2 مليار دولار في عام 2023، بانخفاض قدره 2,5% عن العام 2022. بينما بلغت نفقات الجزائر على مشتريات الأسلحة، بالمقابل، أزيد من 18,3 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 76% عن العام الذي سبقه. وجعل ذلك من الجزائر ─بحسب المصدر نفسه─ الدولة الإفريقية الوحيدة ضمن قائمة أكثر 40 دولة في العالم من حيث الإنفاق على الأسلحة خلال العام 2023.

ووفقا لتقارير معهد ستوكهولم دائما، فإن 11% من الأسلحة التي حصل عليها المغرب في عام 2023 كان بالفعل إسرائيليا، حيث أصبحت إسرائيل بالفعل بعد سنوات قليلة من التطبيع مع المغرب، في المرتبة الثالثة بين كبار مورديه بعد الولايات المتحدة وفرنسا.

وهكذا ففي عام 2023، أعلن المغرب عن شراء أسلحة بقيمة حوالي 5,2 مليار دولار. والصيف الأخير فقط، أعلن الإعلام الإسرائيلي عن إبرام الرباط صفقة ضخمة مع تل أبيب، لشراء قمر صناعي متطور خاص بالمراقبة والتجسس بمبلغ مليار دولار. وبحسب معهد ستوكهولم، فإنه في حين تقوم الجزائر بشراء الأسلحة اعتمادا على الكم ومن مصدر واحد تقريبا (روسيا)، فإن المغرب يقوم بتنويع مصادره وإن أهمها الولايات المتحدة بحثا عن الجودة ويسعى إلى صيانة الأسلحة بنفسه ما أمكن. فموارده المالية المحدودة ─عكس الجزائر─ لا تتيح له ترف الإنفاق بلا حساب. ويبدو أنه وجد ضالته بهذا الخصوص في إسرائيل.

وعموما، تتميز قوانين المالية لكل من المغرب والجزائر للعام 2025، بارتفاع كبير في الميزانيات المخصصة للدفاع في كلا البلدين. وهو ما يجعلهما في مقدمة الدول الإفريقية من حيث الميزانيات العسكرية، متفوقين بذلك حتى على مصر التي تتوفر على أكبر وأقوى الجيوش العربية والإفريقية. ويرهق هذا السباق على التسلح المكلف جدا موارد البلدين، حيث من المتوقع أن يتفاقم العجز المالي في الجزائر عام 2025، إلى ناقص 21,8% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 62 مليار دولار. فبالنسبة لحجم الناتج الداخلي الخام للبلاد، تُعد ميزانية الجيش الجزائري الأعلى في العالم. وفي المقابل، فإنه على الرغم من الزيادة في ميزانية الدفاع في المغرب للعام القادم [زيادة قدرها 9 مليارات درهم، أي قرابة 900 مليون دولار، مقارنة بنفس الميزانية لعام 2024]، فإنه من المتوقع أن يستمر العجز المالي في الانخفاض ليصل إلى 58,2 مليار درهم (حوالي 5,9 مليار دولار)، أي 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لمشروع قانون المالية لعام 2025.

مؤشرات القلق

لم يخل الاستعراض العسكري الذي نظمه الجيش الجزائري في الفاتح من نوفمبر الماضي بعاصمة البلاد، من رسائل تهديد واضحة بشن الحرب على المغرب. فالاستعراض الضخم بمناسبة الذكرى السبعين لثورة التحرير، أتى في سياق جيوسياسي تبحث فيه الجزائر عن تأكيد “زعامتها العسكرية” في المنطقة المغاربية، شهد عرض صواريخ “إسكندر” الروسية التي سبق أن هدد بها الجيش الجزائري المغرب، وتخللته تعليقات تتوعد أعداء من الواضح أن المقصود بها هو المغرب.

وتعليقا على ذلك، رد المغرب رسميا للمرة الأولى لأنه كان هناك التزام رسمي بعدم التعليق على التصريحات التي تكون مصدرها من الجزائر. فردا على “رسائل” الاستعراض العسكري الجزائري، وفي خطابه السنوي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، ليلة 6 نوفمبر الماضي، كانت نبرة الملك المغربي محمد السادس مختلفة هذه المرة. فقد دعا الجزائر دون أن يسميها صراحة، إلى وقف مناوراتها لزعزعة استقرار أولئك الذين يبحثون عن مخرج إلى المحيط الأطلسي. وبعد مرور أسبوع، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكثر وضوحا عندما حذر في اجتماع بالبرلمان المغربي من وجود ” بوادر تصعيد [عسكري] قادمة من الجزائر، مع رغبة واضحة في الانتقال من النزاع الإقليمي [الحالي] إلى المواجهة المباشرة”. واستغل بوريطة عرض ومناقشة ميزانية وزارته للعام 2025، ليؤكد دون أي تحفظ دبلوماسي، بأن أجهزة المخابرات المغربية لديها “معلومات محددة” حول نوايا جزائرية، تروم إثارة مواجهة مسلحة في أعقاب التقدم الدبلوماسي الأخير الذي حققه المغرب في قضية الصحراء.

والأسبوع الماضي، كشف كاتب الدولة المكلف بالدفاع [وزير الدفاع في الحكومة المغربية] عبد اللطيف لوديي، عن تعزيز مراقبة الحدود [مع الجزائر]، من خلال نشر مراكز متقدمة مجهزة بأنظمة إلكترونية وبصرية متطورة لكشف الحركة، وأجهزة استشعار زلزالية عالية الحساسية [لكشف تحركات محتملة لآليات حربية ثقيلة]، ورادارات ثابتة وأخرى متنقلة، فضلا عن طائرات المراقبة بدون طيار [التي لا تتوقف عن التحليق على الحدود على مدار الساعة].

وأوضح لوديي أمام البرلمان أثناء تقديم ميزانيات وزارته للعام 2025، تخصيص أكثر من 500 مليون دولار لهذا الجانب، معتبرا أن “مراقبة حدودنا هي أحد الاهتمامات الرئيسية لقواتنا المسلحة”.

إن أي مطلع عن قرب على أحوال المغارب يدرك بما لا يدع مجالا للشك بأن المنطقة لم تكن قط من قبل على أبواب الحرب، كما هي الآن. فالمراقبون الجزائريون المستقلون أنفسهم (نموذج عبدو السمار، ونور الدين بوقروح،…) يقرون بأن النزاع حول الصحراء الذي شكل جدوة الصراع الجزائري المغربي على مدى أزيد من نصف قرن، يعيش لحظاته الأخيرة لسببين. الأول، أن أكثر من 100 دولة اعترفت صراحة أو ضمنيا بمغربية الصحراء، بينها عضوان دائمان بجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا). ويتسارع في الشهور الأخيرة مسلسل الاعترافات بحيث تجد الجزائر نفسها في عزلة، وعاجزة عن إقناع شعبها بأنها خسرت النزاع مع المغرب.

وثاني الأسباب، يتمثل في عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ابتداء من 20 يناير القادم. وهو الذي سبق أن اعترف بمغربية الصحراء قبل أربع سنوات. ومن المنتظر بحسب مساعدين له، أن يستأنف زخم ما بدأه، بفتح القنصلية الأمريكية الموعودة بمدينة الداخلة، وفتح صنبور الاستثمارات الأمريكية بالصحراء الذي أوقفته إدارة الرئيس الحالي، دون أن تتراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء.

مفارقة و”جنون رسمي”!

إن المنطقة تقف حاليا على أعتاب مرحلة مفصلية سوف تحدد مستقبلها. ولا يشمل القلق الإقليم المغاربي وحده، بل حتى الجوار الأوروبي بات منتبها جدا وقلقا من حجم برميل البارود، الذي باتت تقف عليه المنطقة المغاربية وغرب المتوسط، وفي مقدمته إسبانيا الأقرب جغرافيا وتاريخيا إلى الخصمين اللدودين. فثمة خبراء عسكريون يحذرون من أن الجزائر توشك أن تكون أول زبون في العالم يحصل على الطائرة المقاتلة الشبح الروسية “سو-57” من الجيل الخامس، والمغرب سيشرع في تسلم الـ 24 حوامة مقاتلة أباتشي الأكثر تطورا في العالم، وسرب المقاتلات إف-16 “الأفعى”، ومعها صواريخ متطورة جدا، كما حصل على راجمات “هيمارس” الرهيبة التي بإمكانها ضرب النصف الجنوبي من إسبانيا، الخ… وهذه الأسلحة الروسية والأمريكية المتطورة جدا لا تتوفر على مثلها حتى إسبانيا، الدولة العضو في حلف الأطلسي!

إن تصاعد وتيرة سباق التسلح بين المغرب والجزائر من أجل الحصول على أسلحة متطورة، يزيد من مخاوف وقلق مدريد التي تنظر إلى هذا السباق على أنه يُهدد ميزان القوى في المنطقة، ويُهدد بتراجع قوة الجيش الإسباني أمام الجيشين المغربي والجزائري، وفقا لتحليلات خبراء عسكريين إسبان، غالبيتهم جنرالات عسكريون متقاعدون. ولتأكيد آرائهم يسوقون المفارقة التالية:

بلغ الناتج الداخلي الخام لإسبانيا 1513 مليار يورو (حوالي 1600 مليار دولار) في عام 2024، وهو ما يعادل سبعة أضعاف نظيره في الجزائر (حوالي 225 مليار دولار). ومع ذلك، تخصص هذه الأخيرة نسبة تزيد عن 21% من ناتجها الداخلي الخام لجيوشها. بينما لا تخصص إسبانيا لميزانيتها للدفاع سوى حوالي 21 مليار دولار، أي ما يمثل 1,28% فقط من ناتجها الداخلي الخام. وفي المقابل، يفوق الناتج الداخلي الخام الإسباني نظيره المغربي (حوالي 148 مليار دولار في 2024) بحوالي عشر مرات، ومع ذلك فإن الرباط تخصص ما يعادل سنويا 10 % من الناتج الداخلي الخام للبلاد لقطاع الدفاع.

لقد تمكن المغرب والجزائر من تفادي الدخول في حرب على مدى نصف قرن، لأنهما يدركان بأن أي حرب ستكون طاحنة وتأكل الأخضر واليابس، وتعيدهما معا نصف قرن إلى الوراء. وما يأمله المواطن المغاربي هو أن يتوقف هذا “الجنون الرسمي” بأي شكل، وتخصص مليارات السلاح لبناء تنمية ما أحوج البلدين إليها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس