مصطفى سلمى ولد سيدي مولود: الحرب بين الجزائر والمغرب غير واردة

30
مصطفى سلمى ولد سيدي مولود: الحرب بين الجزائر والمغرب غير واردة
مصطفى سلمى ولد سيدي مولود: الحرب بين الجزائر والمغرب غير واردة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. لم تعد تفصلنا سوى أسابيع معدودة على حلول الذكرى الخمسين لاندلاع النزاع حول الصحراء. والواقع أن هذا النزاع الذي تصنفه الأمم المتحدة كأقدم نزاع في القارة الأفريقية، توقف منذ سنواته الأولى عن أن يكون بين المغرب وجزء من سكان الصحراء الغربية، حيث تحول إلى صراع جيوسياسي تتدخل فيه قوى إقليمية وتتحكم فيه حسابات معقدة ومتضاربة. صراع عطّل قيام مشروع استراتيجي إقليمي كبير من حجم “اتحاد المغرب العربي”، وجعل أكبر بلدين في المنطقة المغاربية (الجزائر والمغرب) في حالة تأهب للحرب دائمة، تستنزف مواردهما عبثا.

ونحن نشارف على إتمام نصف قرن من عمر النزاع، نستضيف محللا سياسيا غير عادي ليكشف لقراء “أفريقيا بريس” خبايا ومستجدات قضية الصحراء.. إنه مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام السابق لشرطة جبهة البوليساريو في تندوف، الذي انشق عن الجبهة ويعيش لاجئا سياسيا في موريتانيا منذ 2010 بعيدا عن عائلته وأبنائه.

لنبدأ بسؤال الساعة: يرى مراقبون دوليون أن الاستعراض العسكري للجيش الجزائري، في بداية نوفمبر الجاري، يحمل رسائل بينها رسالة تهديد بالحرب إلى المغرب، وهو ما أكده وزير الخارجية المغربي في البرلمان قبل أيام… هل تسير الأوضاع نحو تصعيد خطير، قد يُخرج الأمور عن السيطرة وينتهي إلى مواجهة عسكرية بين البلدين؟

قد يكون النظام الجزائري محدود الحنكة بحكم قصر تجربة الدولة، وعدم استقرار النظام وارتهان السياسات بمزاج الحاكم الأحادي بدل من منظومة حكم. لكنه ليس متهورا إلى درجة الدخول في حرب غير مضطر لخوضها.

وبالنسبة للاستعراض العسكري، أعتقد بأن رسالته موجهة بالدرجة الأولى للداخل الجزائري، انسجاما مع خطاب “القوة الضاربة” الرسمي. فجزائر ما بعد الحراك الشعبي [للعام 2019] تريد صناعة شخصية تقنع وتُرهب الداخل، الذي لولا إجراءات وباء كوفيد لما توقف حراكه.

إن رسائل الجزائر العسكرية الموجهة للحرب مع المغرب تُبعث عن طريق جبهة البوليساريو، وما لم يظهر تسليح نوعي في أيدي مقاتلي الجبهة خلال أو استعراضاتها العسكرية، فإن الرسالة في نظري ليست موجهة للمغرب. وفي جميع الأحوال، فإن الحرب بين الجزائر والمغرب في الأوضاع الإقليمية والدولية الحالية، غير واردة، لأنها لا تخدم أيا من البلدين. وما هو حاصل الآن من تصعيد كلامي كاف لتحقيق أهدافهما المرحلية، فكل منهما لديه إكراهات داخلية خاصة يحتاج إلى التفرغ لها.

ولماذا الجزائر دائمة التهديد وبشكل غير مسبوق للمغرب منذ 2019؟

جزائر ما بعد الحراك كأنها استفاقت من سبات عميق، فوجدت العالم قريبه وبعيده يسبقها بسنوات ضوئية على مختلف الصعد، و اللحاق بركبه يحتاج منها جهدا ووقتا غير متوفرين لديها. فإمكانيات الجزائر تؤهلها لتكون رائدة في المنطقة لو أحسنت استغلالها، لكن الحكام الذين تعاقبوا على السلطة في الجزائر رهنوا كل سياساتهم في معاكسة المغرب، ومحاولة إبقائه متأخرا عنهم، وغفلوا بذلك عن تنمية و تطوير بلدهم. ولعل تثبيت بوصلتهم تجاه المغرب متعمدا في جزئية إلهاء الشارع، بعدو خارجي، عن نظام فاسد في الداخل يفكر رموزه في جيوبهم ومصالحهم الضيقة أكثر من تفكيرهم بمصالح البلد.

إن العودة إلى السباق من مكان بعيد تحتاج منك بذل جهد في فرملة تقدم خصمك، والاشتغال في الداخل على تقوية فريقك ليكون قادرا على المنافسة. واعتقد أن ذلك ما تقوم به الجزائر منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في نوفمبر 2019.

بعد الهجوم على مدينة السمارة قبل عام، عادت جبهة البوليساريو قبل أيام لتشن هجوما جديدا في بلدة “المحبس”.. لماذا لا ينفذ المغرب حق المطاردة للمهاجمين حين عودتهم إلى التراب الجزائري؟

بسبب غياب غطاء الشرعية الدولية. فأراضي الصحراء الغربية ما زالت متنازعا عليها، وملفها مطروح على طاولة مجلس الأمن. وما لم يُحسم موضوع السيادة عليها باعتراف من المجتمع الدولي، سنبقى نشهد مثل هذه الحوادث أو أشد منها، وتبقى في خانة “الأعمال العدائية” المرتبطة حصرا بنزاع الصحراء ما لم تتجاوز نطاقه الجغرافي. و هو ما يحرص جميع الأطراف لحد الساعة على عدم تجاوزه.

على مدى زمني يقارب الـ 45 عاما، ظلت الجزائر تردد بأنها لا أطماع لها في الصحراء.. لكن بعد التدخل الأمني المغربي في الكَركَرات في 13 نوفمبر 2020، أعلنت المؤسسة العسكرية الجزائرية لأول مرة بأن الصحراء هي جزء لا يتجزأ من “أمنها القومي”، وأنه لا حل لقضية الصحراء بدونها.. وحاليا أصبحت الجزائر تدافع عن “قضية” الصحراء الغربية أكثر من البوليساريو نفسها… ما الذي يفسر هذا التغير في اللهجة؟

لعل هذا السؤال مرتبط بجواب السؤال الثاني أعلاه، من حيث إن استفاقة الجزائر المتأخرة وسعيها إلى تدارك ما فات. أما بخصوص ربط الصحراء بالأمن القومي الجزائري، فقد جاء مرفقا بسردية أن الجزائر ترفض “سياسة الأمر الواقع”، التي قالت إن المغرب يحاول فرضها بعد تمديده للحزام الدفاعي في الكركرات. ومعنى ذلك أن حل نزاع الصحراء لا يمكن أن يكون أحاديا. وهي رسالة تعبر عن مخاوف لدى دول الجوار، بحكم أن الحدود بينها لم ترسم بعد بصفة نهائية بسبب النزاع القائم حول الصحراء، و حدود البلدين الحالية مع الإقليم (تيندوف وزويرات) ذات أهمية استراتيجية لهما، بحكم الثروات التي تحتويها. لكن لنستحضر في هذا المجال أمه وإلى عهد قريب، قبل بداية نزاع الصحراء، كان المغرب يطالب بها كأجزاء من أراضيه التاريخية.

من خلال قراءة تطورات المواقف الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، نُلاحظ أن المبحرين المغاربة يطالبون جيش بلادهم بضم المنطقة العازلة، الواقعة شرق الجدار الدفاعي.. واقعيا ما الذي يمنع القيام بذلك؟

ما يطالب به بعض المغاربة ربما لم ينتبهوا أنه ميدانيا حصل فعليا منذ العام 1984 مع الحدود الموريتانية، عندما شيد المغرب شطر الحزام الدفاعي الثاني الذي شطر الصحراء إلى نصفين، غرب بلدة “بير أم غرين” الموريتانية. ثم في العام الموالي (1985) عندما شيد الشطر الرابع من الحزام الدفاعي وضم أغلبية قطاع المحبس، ولم يترك عمليا لجبهة البوليساريو، المتمركزة فوق الأراضي الجزائرية، مساحة لولوج الإقليم عبر الأراضي المتنازع عليها.

ورغم ذلك لم يتغير شيء ميدانيا على مستوى الحرب. فقد استمرت على نفس الوتيرة حتى وصلنا لاتفاقية وقف إطلاق النار التي أشرفت عليها الأمم المتحدة [دخل حيز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991]. ويرجع ذلك إلى كون بلدان الجوار (الجزائر وموريتانيا) ترفض أي حل قسري للنزاع. من جهة ثانية، لا يخدم المغرب ─بعد المكاسب التي راكمها في مسلسل التسوية السياسية─ الخروج من العملية السياسية بعمل عسكري لن يوقف الحرب، وقد يعيد النقاش إلى نقطة الصفر وتضيع معه جميع المكاسب الديبلوماسية التي تحققت له حتى الساعة. كما لا يخدمه دفع الجزائر نحو الدخول بشكل مباشر في الحرب، فالجزائر بكل تأكيد لن تقبل أن تُحاصَر البوليساريو فوق أراضيها، ما دام المجتمع الدولي لم يعترف رسميا بسيادة المغرب على الصحراء.

بعد تردد طويل، اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء أخيرا.. برأيك، ما هي أهمية مثل هذا الاعتراف الذي يثير الكثير من الجدل؟

كنت قد أشرت قبل أكثر من عام، إلى أن مصالح فرنسا باتت تفرض عليها التعاطي مع نزاع الصحراء وفق منظور “النظارة المغربية”، واعتبرت ذلك الاعتراف مسألة وقت ليس إلا، لأن التأخر يفقدها مزيدا من المصالح في إفريقيا. والآن وقد تم اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء، يمكن قراءة موقف “ماكرون” المتأخر بنفس معيار التاجر “ترامب” الذي علل اعتراف بلده بمغربية الصحراء، بكون المغرب كان أول من اعترف بالولايات المتحدة في التاريخ، إضافة إلى حاجة في نفس “ترامب” قضاها.

لا شك أن الجميع لاحظ حرص ماكرون على تدقيق عباراته عند تطرقه إليها، سواء في رسالته إلى الملك بمناسبة عيد العرش أو في البيان المشترك وانتهاء بخطابه أمام البرلمان المغربي. فرغم إشادة الرئيس الفرنسي وتقديره بتاريخ المملكة المغربية، إلا أنه لم يحد ─لا في رسالته ولا في خطابه─ عن عبارة أن فرنسا ترى “حاضر ومستقبل الصحراء تحت السيادة المغربية”. معللا موقف بلاده، في الرسالة التي بعث بها إلى الملك، بمعرفة فرنسا بأهمية الصحراء للأمن القومي المغربي. لكنه تحاشى بالمقابل ربط اعتراف بلده، الذي كانت له اليد الطولى في رسم خرائط المنطقة، بالحق التاريخي والقانوني الذي تستند إليه الأطروحة المغربية.

وعموما فإن السياسة مصالح، ولا تعرف مجاملات فليس فيها صديق دائم و لا عدو دائم. والآخر سيتفاعل مع قضاياك بقدر مصلحته، وإن وجدها عند غيرك فلا تتوقع منه غير الرحيل عنك.

وما موقع موريتانيا مما يجري في المنطقة من حولها؟

موريتانيا هي بيضة القبان في الصراع، تُوازن بين أطرافه حتى الساعة، فموقعها الجغرافي يتيح لها لعب هذا الدور.

وفوق ذلك، موريتانيا لديها مصالحها ومحاذيرها. فمصلحتها القومية تقتضي أن يجد نزاع الصحراء حلا عادلا يقبل به الصحراويون، بحكم تداخل العلاقات الاجتماعية بين المجتمعَين الصحراوي والموريتاني، لأن المكان الطبيعي الذي سيلجأ إليه الصحراويون في حالة حل قسري سيكون هو موريتانيا. ومن شأن ذلك أن يسبب مشاكل أمنية داخلية لموريتانيا، وحتى مع المغرب نفسه.

الثانية تعتبر موريتانيا أن أي حل قسري في الصحراء قد يحيي فكرة أن موريتانيا كانت في القرون الماضية، جزءا من الإمبراطورية المغربية التاريخية، كما ما زال يُسَوِّق بعض المغاربة جهلا منهم مع الأسف. ولن تجازف موريتانيا بالتالي بدعم أي حل في الصحراء، دون توافق إقليمي ودولي يحفظ مصالحها.

وعلى من سيأتي الدور بعد فرنسا، برأيك؟

أما وقد انفكت عقدة فرنسا، فإن الدور الآن على موريتانيا، فهي الحلقة الضرورية التالية للمغرب، لتتجاوز المنطقة والعالم تأثيرات نزاع الصحراء، وتنطلق نحو آفاق أرحب من التعاون والتكامل والاستقرار والامن.

إن من شأن مسارعة موريتانيا إلى تجميد اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”، ودعمها مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل لنزاع الصحراء، أن يعزز مصالحها ويقوى مكانتها في المنطقة، بعد أن باتت شبه معزولة في محيطها الإقليمي إثر تفكك “مجموعة دول الساحل الخمسة (G5)”، وتكتل كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو في إطار جديد [تحالف دول الساحل( (AES].

إن موريتانيا شريك لا غنى عنه في جميع المبادرات التنموية التشاركية، التي يدعو إليها المغرب على المستوى الإقليمي والقاري والأطلسي. والمغرب قطع مع سياسة الحياد في قضية الصحراء مع القريب والبعيد.

بحكم إقامتك في موريتانيا، لا شك أنك تتابع ما يروج من أخبار متضاربة حول عزم السلطات المغربية على إعمار منطقة “الكَويرة” بأقصى جنوب غرب الصحراء.. كيف يتفاعل الرأي العام الموريتاني مع هذا الموضوع؟

بعض الشباب المتحمس لقضايا المغرب، يرتفع عندهم أحيانا منسوب “الأدرينالين” ويضرون بمصالح بلدهم من حيث لا يدرون. ومن ذلك ما يتم ترويجه من أشرطة وتدوينات، حول مشاريع افتراضية مغربية لتنمية “الكَويرة” تروج حاليا، وقد تردد صداها بالفعل هنا بين نظرائهم في موريتانيا.

إن موضوع “الكَويرة” حساس جدا بالنسبة إلى موريتانيا، لارتباطه بالأمن القومي الموريتاني، فـ”الكَويرة” هي الواجهة الأطلسية لمدينة “نواذيبو” العاصمة الاقتصادية لموريتانيا. وهذه الأخيرة هي شريك لا غنى عنه، حيث بدون تعاونها يفقد المغرب أفضليته الجغرافية باعتباره حلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا. وبدون تعاون موريتانيا مع المغرب، تتعطل المبادرة الأطلسية [لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي] ويتعطل أنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا عبر المغرب، ويفقد الطريق السريع “تيزنيت- الداخلة” أهميته.. ويومها سوف تفرح الجزائر بنصر لم تكن لتحلم به، إذ ستصبح هي بوابة أوروبا المفتوحة على إفريقيا.

إن المصلحة تقتضي أن يترك المغاربة موضوع الكَويرة إلى حين انتهاء النزاع حول الصحراء، ثم يتم حله بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية به، أو قد تحدث طفرة غير متخيلة في المدى المنظور، تُغير التوازنات الإقليمية الحالية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس