أفريقيا برس – المغرب. مقال رأيتمثل قبائل الصحراء المغربية امتدادا طبيعيا للنسيج الوطني، ويقدم حوز مراكش مثالا بارزا على ذلك. فمن الصحراء إلى الجبال، مرورا بالوديان والسُهول الشاسعة، لا وجود لأي انقطاع، بل هو نفس الإقليم المتواصل.
بعض الأسر، مثل الرقيبات والأروسيين، تذكر بأصولها الشمالية عبر صلتها ببني أروص في الريف الغربي، في حين قامت قبائل أخرى برحلات واسعة نحو الشمال، حيث تركت آثارها واضحة، بما في ذلك في سهل حوز مراكش.
ومراكش، المدينة التي ستصبح مركز السلطة لعدة سلالات، وُلدت من طاقة الصنهاجة، « محجَّبو الصحراء »، الذين كانوا يجوبون الشاسع الصحراوي قبل الإسلام بقرون، انطلاقا من جبال الأطلس حيث استقرت بعض فروعهم مثل الگزولة والجودالة، وصولا إلى ضفاف نهر السنغال.
من هذا المزيج البدوي انطلقت الملحمة المرابطية في القرن الحادي عشر، بقيادة الزعيم الديني من سوس عبد الله بن ياسين (من قبيلة جزولة) والقائد العسكري أبو بكر بن عمر من فرع لمتونة الصنهاجي.
ووضعت أسس مراكش عند سفح جبال الأطلس المغطاة بالثلوج، بينما كانت أغمات، على ضفاف وادي أوريكا، القاعدة الأولى لصنهاجة في المنطقة، لكنها سرعان ما تراجعت عن الصدارة، ربما رغبة في الانفصال عن عاصمة الزناتة السابقة، وأيضا لضيق مساحتها مقارنة بحاجة هؤلاء الرحل للآفاق الواسعة.
وهكذا، يعود الفضل في حصن مراكش الحجري (قصر الحجر) إلى هذا الأمير، ابن أسرة نبيلة، على صهوة جواده، مسلحا بدرعه من جلد الظباء. ومع ذلك، أثناء توجهه نحو الصحراء لقمع ثورات في مملكة غانا، تولى ابن عمه يوسف بن تاشفين قيادة المدينة، ليجعل منها واحدة من أرقى مدن عصره، في قلب إمبراطورية تمتد من غانا إلى إسبانيا.
مع ابنه علي بدأت مرحلة الأعمال الكبرى: المباني العامة، المنشآت المائية، القصور والمساكن الخاصة…
قبائل صنهاجية أخرى، مثل المصوفة، عززت وجودها في المنطقة التي كانت مأهولة أساسا بالمصامدة المستقرين والرعاة الزناتيين.
ولا تتوقف قصة حوز الصحراء عند الملحمة المرابطية؛ إذ وصلت قبائل أخرى على موجات متتابعة واستقرت في المنطقة، تاركة بصماتها في هذا الإقليم الذي لم يكن مجرد سهل زراعي. كما أظهر بول باسكون، فقد كان مختبرا سياسيا واجتماعيا امتزجت فيه الديناميات القبلية والزوايا الروحية وسلطة المركز.
«من بين هذه القبائل الصحراوية، تحتل الرحامنة مكانة أساسية، معروفون بشجاعتهم وقدموا للمملكة مقاتلين بارزين وشخصيات سياسية»
— منى هاشمبفضل موقعه عند مخرج ممرات الأطلس، أصبح الحوز محطة للقوافل العابرة للصحراء، ما جعل منه محورا اقتصاديا ومكانا استقر فيه عدد من القبائل الصحراوية وأصبحوا ركائز أساسية.
وفي القرن السادس عشر، شهد الحوز تحولات ديموغرافية كبيرة مع تدفق قبائل المعقل، ذات الأصول اليمنية، التي جاءت في أعقاب بدو بني هلال، وتم دفعها أولا نحو الصحراء حيث ازدهرت وحققت انتشارا سكانيا كبيرا.
في منتصف القرن الثالث عشر، استجابة لدعوة علي بن يدر من سوس، الذي تمرد على آخر الحكام الموحدين، استقرت مجموعات مثل أولاد دليم في المنطقة، تاركة آثارا بارزة، بينما توغلت مجموعات أخرى نحو الجنوب.
ومن امتزاجهم مع الأمازيغ والسكان السود، نشأت لاحقا المجتمع الموري ولغة الحسانية، التي تنحدر وفق التقليد الجينيالوجي من حسن بن مختار بن محمد بن عقيل بن معقل، صاحب خمسة أبناء نشأت منهم فروع عديدة تحت اسم « حسن ».
ومن هذه الفروع نشأت اتحادات قبلية كبرى، كانت في البداية حليفة للمرينيين والسعديين، ولعبت دورا رئيسيا في مقاومة البرتغاليين، قبل أن تندمج تدريجيا في الجيش وجهاز المخزن.
من بين هذه القبائل الصحراوية، تحتل الرحامنة مكانة أساسية، معروفون بشجاعتهم وقدموا للمملكة مقاتلين بارزين وشخصيات سياسية. إحدى زوجات السلطان محمد الشيخ، صهابة رحمانية، والدة السلطان المستقبلي عبد المالك، كانت من هذه القبيلة. ومع مرور القرون، تقلصت أراضيهم لتقتصر على شمال الحوز، تاركين بصماتهم في أسماء الأماكن مثل سخور رحامنة.
أما أقاربهم البرابيش، فشاركوا أيضا في الجيش والإدارة، وقدموا شخصيات مشهورة بشجاعتهم وتقواهم، مثل الصوفي بشير بن عبد الحي الصحراوي البربوشي في القرن التاسع عشر، من أتباع الطريقة الكونتية.
وبالمثل، استقر « الشبانا » في الحوز ضمن جيش أهل سوس، مقدمين قوات عسكرية مقابل امتيازات أرضية وضريبية، بل حاولوا اغتيال آخر سلطان سعدي، عباس بن محمد الشيخ، واحتلوا مراكش تحت قيادة عبد الكريم بن بوبكر الشباني الحريزي، المعروف باسم كَرّوم الحاج، وخلفه ابنه أبو بكر لفترة قصيرة، قبل دخول أول سلطان علوي، مولاي رشيد، إلى المدينة.
وقبائل أخرى مثل « الشراطا » استقرت غرب مراكش، ومن أبرز شخصياتها الصوفي أحمد بن عبد الله بن مبارك الزيراري الشرّادي القضاوي، مؤسس الزاوية الشرّادية عند ملتقى وديان نفيس وتنزيفت، حيث درّب أتباعه حتى وفاته عام 1747.
وتستمر هذه الحكاية مع أولاد تيدرارين من أصول أنصارية، المرتبطين بالجد سيدي حنين بن سرحان، الذين وصلوا المغرب منذ الفتح بقيادة عقبة بن نافع، ليصبحوا من أوائل القبائل العربية في الداخلة والهوارة، قبل أن تتفرع تدريجيا نحو الشمال.
ولا تكفي كتب متعددة لتغطية تاريخ هذه القبائل وفروعها، من العريب وأولاد بوسبع والأحمر و« التكنة »، التي امتدت من الصحراء الأطلسية حتى الغرب والحوز، وصولا إلى الوداية الذين نظمهم مولاي إسماعيل ضمن قوة عسكرية، كونوا مستوطنات في عدة مدن من بينها مراكش.
ويظهر أن دمج القبائل الصحراوية في الحوز تم عبر طرق متعددة: عسكرية وروحية واقتصادية، ولم يكن مجرد رمزي، إذ لا تزال القصور والزوايا والأسماء والملابس تذكر بهذه الحضور، مثل الخنت النيلي، لباس تكنا وصحراويي دراع، الذي كان يُرتدى في القرن التاسع عشر في الحوز كمؤشر على الهوية.
ولا تزال هذه الروابط حية؛ ففي أواخر 2024، استضافت جماعة أولاد مطاع في الحوز أول لقاء لقبائل الصحراء المغربية، دليلا على استمرار هذه الصلات.
وتتكرر نفس الديناميات في الغرب، دكالة والجهة الشرقية، مؤكدة أن المغرب يشكل امتدادا متواصلا من البحر الأبيض المتوسط إلى الصحراء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس