هشام معتضد: اتفاق المغرب وإثيوبيا يعكس فهمًا مشتركًا للأمن

1
هشام معتضد: اتفاق المغرب وإثيوبيا يعكس فهمًا مشتركًا للأمن
هشام معتضد: اتفاق المغرب وإثيوبيا يعكس فهمًا مشتركًا للأمن

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. تتويجا لتقارب صامت شهده العقد الأخير، يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 توقيع اتفاقية للتعاون في المجال العسكري بين المغرب وإثيوبيا في العاصمة المغربية الرباط. هذا التقارب سبقه تبادل للزيارات بين كبار المسؤولين والقيادات العسكرية، وتنظيم التدريبات المشتركة بين الجيشين، وتبادل الملحقين العسكريين بين الرباط وأديس أبابا إثيوبيا. يأتي ذلك في سياق بروز المغرب في السنوات الأخيرة كلاعب إقليمي، يقدم الدعم لجيوش الدول الأفريقية الصديقة عبر فتح مدارسه العسكرية للتدريب وإجراء المناورات العسكرية المشتركة. وأيضا في سياق إعادة تشكل تحالفات عسكرية إقليمية، لا تتوقف عن إثارة الجدل من حولها.

في هذا اللقاء مع هشام معتضد، الخبير في الشؤون الاستراتيجية والمتخصص في قضايا الأمن الإقليمي والتحولات الجيوسياسية، يحاول موقع “أفريقيا بريس” مقاربة أهم الأسئلة التي يطرحها التوقيع على الاتفاق العسكري المثير للجدل…

ضمن أي سياق يندرج اتفاق التعاون العسكري “التاريخي” بين المغرب وإثيوبيا؟

من منظوري، يمثل هذا الاتفاق ثمرة لتقاطع ديناميكيات إقليمية، وأولويات وطنية تسعى إلى بناء تكتلات وظيفية تتجاوز التحالفات التقليدية. فالمغرب، بصفته لاعبًا إقليميًا صاعدًا، يواصل بلورة سياسة أمنية أفريقية متكاملة تستند إلى أدوات ناعمة وصلبة في آنٍ واحد. بينما تسعى إثيوبيا، الخارجة من عقد مضطرب داخليًا إلى ترميم حضورها الدبلوماسي والعسكري في القارة.

أعتقد أن توقيت هذا التقارب يعكس قراءة مشتركة لتحديات أمنية متصاعدة في شرق وغرب إفريقيا، تتراوح بين شبكات التهريب، وأزمات السدود العابرة للحدود، والتدخلات الخارجية المتزايدة في البحر الأحمر. بهذا المعنى، لا ينبغي فصل الاتفاق عن رغبة الدولتين في تشكيل فضاء استراتيجي جديد، يمتد من المحيط الأطلسي إلى القرن الإفريقي. لكن وفق رؤية مستقلة عن الاستقطابات الدولية. وأظن أن رمزية هذا الاتفاق تتجاوز الطابع الفني للتدريب أو تبادل الخبرات. فالرسالة الجوهرية تكمن في إعادة تعريف مفهوم «الشراكة الأفريقية» بعيدا عن التبعية للمحاور الدولية، وهو ما يتماشى مع تصاعد النزعة السيادية في القارة، وأيضا مع تصورات المغرب لمكانته داخل العمق الأفريقي، خاصة بعد عودته للاتحاد الأفريقي واحتكاكه المتنامي بدول شرق القارة.

ولذلك أظن أن تشكيل لجنة عسكرية مشتركة مغربية إثيوبية، يعكس إصرار الطرفين على تأطير التعاون بينهما ضمن آليات مؤسسية قادرة على مواكبة التحولات المتسارعة. وهذا الإجراء ليس بروتوكوليا فحسب، كما قد يعتقد البعض، بل هو محاولة لتجسيد التراكم الاستراتيجي وتحويله إلى قدرة عملية على التفاعل مع الأزمات المتوقعة، سواء في محيطهما المباشر أو في نطاق أوسع.

لكن، لماذا يعتبر المراقبون هذا الاتفاق “استراتيجيا”؟

تُستشف أهمية هذا الاتفاق من طبيعة القطاعات التي يغطيها. فهو لا يقتصر على البعد العسكري التقليدي، بل يتوسع ليشمل الصحة والبحث العلمي، ما يوحي بوجود مقاربة شمولية للأمن تتعدى الجوانب القتالية. هذا الانفتاح على المسارات غير العسكرية يعكس إدراكًا بأن الأمن في إفريقيا أصبح معقّدًا، ويتطلب أدوات هجينة تجمع بين التدريب والوقاية والتنمية.

وأعتقد أن إشراك المجال الطبي العسكري يرمز إلى فهم أعمق للتهديدات البيولوجية والصحية، التي أصبحت جزءا من المشهد الأمني العالمي، خاصة بعد تجربة جائحة كوفيد-19. إن من شأن هذه الخطوة أن تعزز قدرة البلدين على التنسيق في حالات الطوارئ العابرة للحدود، وتخلق قناة لمواجهة التحديات التي لا تُحسم بالسلاح فقط، بل تتطلب شبكات دعم لوجستي ومعلوماتي.

وأظن أيضا أن الاتفاق يمثل منصة لتبادل الخبرات في مجالات حساسة، كالأمن السيبراني، وعلوم الدفاع، والتكتيكات الميدانية. وهي مجالات أصبحت تحدد موازين القوى أكثر من الجيوش النظامية. وفي هذا السياق، فإن الانفتاح الإثيوبي على تجربة المغرب العسكرية، التي استفادت من تحديث مستمر وتدريبات متعددة الجنسيات، يمكن أن يشكل تحولًا نوعيًا في منظومة أديس أبابا الدفاعية.

على أن الطابع الاستراتيجي للاتفاق ينبع أيضًا من كونه يعزز التواصل العسكري المنتظم، بين دولتين تنتميان لفضاءين جغرافيين مختلفين. وهذا التداخل بين شمال القارة وشرقها قد يُفضي إلى نشوء محور دفاعي جديد يوازن بعض التحالفات التقليدية، لا سيما في ظل تقاطع المصالح المغربية مع مشاريع الطاقة والبنية التحتية العابرة للقارات التي تشكل إثيوبيا ركيزتها.

وما هي الأبعاد المتوقعة للاتفاق في الأمد القريب والمتوسط والبعيد؟

على المدى القريب، سيُترجم الاتفاق إلى زيارات متبادلة بين القيادات العسكرية، وإجراء تمارين مشتركة، وربما فتح قنوات استخباراتية أولية. هذا النوع من التعاون السريع يهدف إلى بناء الثقة الميدانية، وتعزيز قابلية التشغيل المشترك في ظروف واقعية. خصوصا أن البلدين يواجهان تحديات أمنية غير متماثلة لكنها قابلة للمقارنة. وأعتقد أنه في الأمد المتوسط، قد يتحول هذا التعاون إلى عنصر ضمن هندسة أمنية جديدة في القارة، ترتكز على منطق التكتلات الإقليمية المرنة بدل الاعتماد الحصري على المنظمات القارية الثقيلة. وقد يتطور هذا الانخراط إلى مشاركة في مبادرات لحفظ السلام، أو إنشاء مراكز تدريب إقليمية برعاية مشتركة، مما سيمنح البلدين نفوذا معنويا ومعرفيا داخل أفريقيا.

أما الآفاق البعيدة لهذا الاتفاق فتحمل أبعادًا جيوسياسية قد تعيد تشكيل بعض التوازنات في المنطقة. فمع تصاعد المنافسة القائمة في البحر الأحمر، واحتدام النزاع حول مصادر المياه والطاقة، فإن تقارب المغرب وإثيوبيا يمكن أن يشكل نواة لمحور “داخلي-خارجي” يربط العمق الأفريقي بالمحيط، ما يُمكّن الدولتين من لعب دور الوسيط في النزاعات المعقدة.

ومن وجهة نظري، فإن المردود الأبعد يكمن في قدرة هذا النموذج من الشراكة على تقديم تصور بديل للتعاون الدفاعي في أفريقيا، لا يقوم على الإملاءات الخارجية أو على منطق الهيمنة، بل على التكامل الأفقي بين الدول الصاعدة. وإذا ما نجح هذا المسار، فقد يتحول إلى نموذج يُحتذى، خصوصا في ظل تراجع فاعلية الحمايات التقليدية التي كانت توفرها القوى الكبرى للأنظمة الأفريقية..

وهل تتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى مزيد من توتير علاقات كل من الجزائر مع المغرب ومصر مع إثيوبيا؟

أتصور أن الجزائر ستنظر إلى هذا التقارب المغربي الإثيوبي بريبة سياسية وأمنية، خاصة أنه يتزامن مع مرحلة يعيد فيها المغرب تشكيل أدوات نفوذه في العمق الإفريقي. فالجزائر، التي تعتبر منطقة الساحل وشرق أفريقيا امتدادا لمجالها الحيوي، قد ترى في هذا الاتفاق محاولة مغربية لخلق توازن مضاد لمبادراتها الدفاعية مع بعض دول الساحل ومالي تحديدًا، مما يعمّق من منطق الاصطفاف داخل القارة.

أما التوتر المحتمل بين مصر وإثيوبيا في هذا السياق، فلا ينبع فقط من مضمون الاتفاق بل من دلالاته الرمزية. فالمغرب، الحليف التقليدي لمصر عربيا، ينسّق الآن مع أديس أبابا التي لا تزال علاقاتها مع القاهرة متشنجة بسبب سد النهضة. هذا لا يعني بالضرورة انحيازا مغربيا، لكنه قد يُفسَّر في القاهرة على أنه تساهل مع خصمها المائي، وهو ما قد يربك الحسابات الإقليمية ويخلق برودة في التنسيق بين الرباط والقاهرة.

أظن أن تداعيات هذا الاتفاق لن تكون فورية أو صدامية، بل ستتبلور في شكل «توازنات مضادة ناعمة»، أي أن الجزائر ومصر قد تسعيان إلى تعزيز شراكاتهما، في الفضاءين الغربي والشرقي من القارة كنوع من الرد غير المباشر. فالقوة في أفريقيا اليوم لا تُمارس عبر التصعيد العلني بقدر ما تُبنى عبر تكثيف الشبكات والشراكات، وهو ما يجعل كل تحرك ثنائي محط مراقبة دقيقة.

إن المدى الحقيقي لارتدادات الاتفاق سيتحدد وفقًا لمدى ترجمة مضامينه على الأرض. فإذا بقي التعاون في حدوده التقنية دون تحوّله إلى اصطفاف سياسي واضح، فقد يبقى مقبولا في الإقليم. أما إذا تزايد انخراط المغرب في قضايا محل خلاف مع مصر أو الجزائر — مثل سد النهضة الإثيوبي أو النزاع الحدودي في الساحل — فإن ذلك قد يُفاقم التوتر ويُدخل عناصر جديدة في معادلات التنافس الإقليمي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس