هولندا غاضبة من إسبانيا عقب فرار زعيم “المافيا المغربية” التي هددت وريثة العرش الهولندي

20
هولندا غاضبة من إسبانيا عقب فرار زعيم
هولندا غاضبة من إسبانيا عقب فرار زعيم "المافيا المغربية" التي هددت وريثة العرش الهولندي

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. اهتزت إسبانيا ومعها هولندا الثلاثاء الماضي (23 أبريل/نيسان)، على نبأ فرار كريم بويخريشن زعيم المافيا المغربية-الهولندية من إسبانيا، بعدما تأكد خرقه لمقتضيات السراح المؤقت، الذي كان يستفيد منه بانتظار محاكمته.

وتشير كل المعطيات الأمنية والقضائية إلى أن عملية الفرار المثيرة، التي وصفها المسؤولون والإعلام في البلدين بـ”الكارثة الكبرى”، إلى أن الافتقار إلى التنسيق القضائي هو الذي سمح له بالهروب. ويوصف هذا الزعيم الجديد للمافيا المغربي الأصل والهولندي الجنسية والبالغ 46 سنة، بكونه أخطر مجرم في هولندا، ومن بين أكثر المطلوبين للعدالة خطورة في أوروبا. فبينما كان متابعا في إسبانيا بالإتجار في الحشيش وتبييض الأموال، يواجه تهما أخرى ثقيلة في هولندا بينها تهديد عدة شخصيات على أعلى مستوى، بينها ولية العهد ورئيس الحكومة.

“ملائكة الرحمة”!

في 27 فبراير/شباط الماضي، أسدل الستار على المحاكمة “التاريخية” للمافيا المغربية بهولندا، بعد 6 سنوات على انطلاقها، بإصدار أحكامها في حق 17 من أعضائها غالبيهم هولنديون مغاربة الأصل، يتزعمهم رضوان التاغي. ورضوان التاغي هذا هو مواطن هولندي من أصل مغربي، من مواليد 20 ديسمبر 1977 بتطوان (أقصى شمال المغرب)، يتزعم المافيا المغربية التي تطلق على نفسها اسم “ملائكة الموت”، بسبب أساليب القتل الرهيبة التي تقوم بها ضد خصومها وأعدائها. والتي تعتبر من أخطر عصابات الجريمة المنظمة بأوروبا. ويتهم الأمن والقضاء الهولنديين التاغي بالوقوف وراء ارتكاب 10 جرائم قتل على الأقل، بين 2015 و2019، تتعلق بالجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وقيادة منظمة إجرامية. ومن أبرز جرائم القتل التي اقترفها، إصداره الأمر بقتل شقيق الشاهد المغربي (نبيل ب.) ضد منظمته، والمحامي الهولندي لذلك الشاهد “وديرك ويرسوم” المستشار السري لذلك الشاهد الذي انقلب على المافيا المغربية، والصحفي الهولندي المتخصص في الجرائم الدولية “بيتر ر. دي فريس”. كما يحفل السجل الإجرامي لرضوان التاغي بمسؤوليته عن الضلوع في اغتيالات أخرى خارج التراب الهولندي.

لقد تمكن التاغي من الإفلات طويلا من القبض عليه، من خلال تغيير مظهره باستمرار واستخدام جوازات سفر وتأشيرات مزورة. لكنه اعتقل في أواخر عام 2019 في دبي بالإمارات العربية، حيت كان يعيش متخفيا مع زعماء آخرين للمافيا الإيطالية والإيرلندية ومافيات أخرى. في وقت اعتُبر أكثر المجرمين المطلوبين في هولندا، حيث حطم الرقم القياسي بمكافأة، رصدتها هولندا لكل من يقود إلى توقيفه بلغت 100 ألف يورو. وقد كشفت الوثائق التي أصدرتها إدارة مكافحة المخدرات بالولايات المتحدة (DEA)، وتم إرسالها إلى الشرطة الهولندية، معلومات خطيرة حول ما بدا أنه كارتل مخدرات كبيرا برئاسة كل من رضوان التاغي ورافاييل إمبريال (تاجر المخدرات والأسلحة في المافيا الإيطالية)، ودانييل كيناهان (زعيم الجريمة المنظمة الإيرلندي الشهير)، وإيدن غانين (مهرب مخدرات بوسني خطير). وتم ترصد هذه المجموعة من قبل إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، بينما كانت تعقد اجتماعاتها خلال العام 2017 في فندق برج العرب في دبي، حيث تتمركز قاعدة الكارتل المزعوم بحسب الوثائق. وتعتبر إدارة مكافحة المخدرات المذكورة أن هذا الكارتل هو واحد من أكبر وأخطر خمسين كارتلات مخدرات في العالم، إذ يحتكر فعليا ترويج كوكايين البيرو، ويسيطر على حوالي ثلث إجمالي تجارة الكوكايين الأوروبية. كما تذكر تقارير أمنية أخرى أن رضوان التاغي كان على علاقته بأحد أكبر كارتلات المخدرات بأفريقيا، المعروف بـ “كارتيل طنجة” الذي عمل لصالح رضوان التاغي لفترة طويلة في جلب الكوكايين، من أعماق أفريقيا إلى شمال المغرب ومنه يتم نقله إلى أوروبا.

كما عرف عن التاغي البالغ من العمر 47 عاما علاقته (سابقا) برئيس سورينام، وهي دولة صغيرة في أمريكا الوسطى. وبعد اعتقال التاغي في دبي في 16 ديسمبر/كانون الأول 2019، خضع للتحقيق على أيدي ضباط شرطة مغاربة وإماراتيين. وبما أن هولندا ليست لديها معاهدة تسليم المجرمين مع الإمارات، فقد تم ترحيله بعد ثلاثة أيام من اعتقاله بعد إعلان الحكومة الإماراتية بأنه شخص غير مرغوب فيه، لأنه دخل الإمارات بهوية مزورة. وبعد إدانته بحكم بالسجن مدى الحياة، تم نقل رضوان التاغي رفقة العشرات من زعماء وأعضاء المافيا من المغاربة واللاتينو-أمريكيين إلى سجن Nieuw Vosseveld الشديد الحراسة. ورغم ذلك، فإن التاغي يواصل تسيير المافيا المغربية من سجنه بحسب تقارير هولندية، حيث اعتقلت محاميته الهولندية Inez Weski قبل عام، بتهمة كونها صلة الوصل بينه وبين العالم الخارجي.

ولتبيان خطورة المافيا المغربية، نشير إلى أنه تم إنزال الجيش الهولندي لحماية بناية المحكمة التي بتت في قضية المافيا المغربية بضاحية أمستردام، والتي كان يطلق عليها “المصفحة Le Bunker”. وتم إخفاء هويات أعضاء هيئة المحكمة، كما تضمن صك الاتهام 800 صفحة. لكن إسدال الستار على المحاكمة لم يُوقف خطورة المافيا المغربية، حيث برز من بين صفوفها زعيم جديد لا يقل خطورة يحمل اسم كريم بويخريشن.

فرار نتيجة “غياب التنسيق”!

بينما كانت محاكمة “رضوان التاغي ومن معه” تعيش فصولها الأخيرة مطلع العام الجاري، تم القبض على الملياردير كريم بويخريشن الزعيم الجديد للمافيا الهولندية، وسط ضجة كبيرة في منتجع ماربيا الأندلسي بأقصى جنوب إسبانيا، في 24 يناير/ كانون الثاني 2024، بعد عملية مطاردة استمرت خمس سنوات لتفكيك إمبراطوريته الإجرامية. ففوجئت سلطات إنفاذ القانون في هولندا بإلقاء القبض أخيرا على أحد “أخطر المجرمين المطلوبين” لديها، وطلبت على الفور من السلطات الإسبانية تسليمه إياها، لمحاكمته بتهم الاتجار في المخدرات وتوجيه تهديدات بقتل ولية عهد هولندا أماليا، عندما كان عمرها 18 عاما فقط (عمرها حاليا 21 سنة).

وأعلنت السلطات الإسبانية بفخر ما بعده فخر، عن نجاحها في اعتقال شبكة الاتجار الدولي في المخدرات، المكونة من 6 أفراد بزعامة بويخريشن في محافظة مالقة (جنوب) ومدينة مليلية المغربية المحتلة، بتهمَتَيْ “تبييض أموال متحصلة من تجارة المخدرات” و”الانتماء لمنظمة إجرامية”. وفي ندوة صحافية لكبار المسؤولين الأمنيين بمدريد، أعلنت الشرطة الإسبانية أنها نجحت أخيرا وبعد تحديد مكان إقامة بويخريشن وشركائه بمنتجع “كوسطا ديل سول” الفاخر جنوب إسبانيا بالأساس، حيث صادرت 172 عقارا فاخرا (فيلات) قيمتها 50 مليون يورو (حوالي 53 مليون دولار) وحوالي 3 ملايين يورو نقدا في عدة حسابات مصرفية. وأدرجت المصادر أن تلك الممتلكات المصادرة في إطار تبييض بويخريشن وشركائه لأموال المخدرات، التي قدرتها في المجمل بحوالي 6 مليارات يورو (6,41 مليار دولار)، بتعاون مع كارتلات المخدرات بأمريكا اللاتينية: كولومبيا والإكوادور والبيرو.

لم يستجب القضاء لطلب نظيره الإسباني بتسليم بويخريشن، فوُضِع هذا الأخير في السجن بماربيا رهن إشارة التحقيق. لكن بعد قضائه شهرين فقط قيد الاعتقال، وبينما كانت المحكمة العليا في العاصمة الإسبانية مدريد تنظر في طلب تسليمه إلى هولندا، نجح محاميه في إقناع المحكمة الجهوية بمالقة بمنحه السراح المؤقت في 18 مارس/أذار الماضي. وفرضت عليه مقابل ذلك دفع ضمانة 53000 يورو (53000 دولار)، وأن يثبت حضوره أمام المحكمة مرة كل أسبوعين مع سحب جواز سفره.

فور علمها بخروج بويخريشن من السجن، طلبت السلطات الهولندية بتسليمه وفق مسطرة استعجالية أوروبية. وقد مثل المتهم بالفعل أمام المحكمة ممتثلا لأمرها في اليوم الأول من أبريل/نيسان الجاري. وكان مطلوبا منه أن يمثل من جديد في منتصف هذا الشهر وهو الأمر الذي تتضارب المعطيات حوله، حيث تقول بعض المصادر إنه امتثل بينما تنفي أخرى ذلك.

والغريب أنه في أعقاب ذلك، لم يتم الإسراع إلى البحث عنه واتخاذ إجراءات قانونية دولية لتوقيفه. بل لم يتم الانتباه إلى غيابه سوى الثلاثاء الماضي فقط (23 أبريل) عندما صدر أخيرا أمر عن المحكمة العليا بمدريد يقضي بتسليمه لهولندا. وعندما توجهت السلطات إلى مقر سكنه لتوقيفه اكتشفت بأنه في حالة فرار، ورجحت أن يكون قد غادر إسبانيا إلى وجهة مجهولة، لن تكون بالتأكيد هولندا التي سبق أن أقسم بأن لا يعود إليها مجددا أبدا.

المافيا تهدد بقتل ولية العهد!

في غضون ذلك، يتزايد الضغط على كبار الشخصيات في هولندا، وفي مقدمتهم أفراد العائلة الملكية والوزراء، بسبب تهديدات “ملائكة الموت” بتصفية بعضهم أو قتلهم. ومن أبرز الذين تم تهديدهم هناك الأميرة أماليا وريثة العرش(21 عاما) ورئيس الوزراء مارك روتة. وفي بلاد كانت الأميرة تتجول بين الناس كأي مواطنة عادية ودون حراسة لصيقة، وكان رئيس الوزراء يذهب إلى عمله على متن دراجة هوائية ويذهب إلى البرلمان سيرا على قدميه، فإن السلطات الأمنية في البلاد تأخذ على محمل الجد هذه التهديدات الخطيرة، سيما بالنظر إلى سوابق “ملائكة الموت” في البطش في تصفية معارضيها وخصومها دون رحمة.

فقد اكتشف الأمن الهولندي (قبل ثلاثة أعوام) ترصد تلك المافيا لرئيس الوزراء الهولندي مارك روتة، بنية خطفه أو اغتياله بسبب التزامه بالقضاء على الجريمة المنظمة في بلاده. وكون رضوان التاغي الذي ما زال يتزعم الجريمة المنظمة من داخل السجن حاول ويحاول جاهدا الفرار من زنزانته المشددة الحراسة. وراجت أخبار في البلاد مصدرها تسريبات صوتية لتسجيلات مكالمات بين أفراد المافيا، تظهر بأن الأميرة ولية العهد أماليا نفسها باتت مهددة بالخطف (للمطالبة بمبادلتها بأعضاء المافيا المسجونين) أو القتل.

والأخطر أن التاغي الذي يخطط لخطف وريثة العرش الهولندي، الأميرة الشابة كاثرين أماليا، أعطى أوامره بخطفها لمقايضة إطلاق سراحها بإطلاقه. وكانت الأميرة أماليا تخطط للسكن قرب الجامعة، حتى تختلط بزملائها الطلاب والطالبات وتكون صداقات. لكنها تخلت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن خططها للعيش في مساكن طلابية بسبب مخاوف أمنية، بعد أسابيع فقط من بدء دراستها في جامعة أمستردام للعلوم السياسة وعلم النفس والقانون والاقتصاد. وصرحت والدتها الملكة ماكسيما حينها، بأن “الأميرة لا تستطيع العيش في أمستردام، ولا تستطيع الخروج من القصر، ولذلك عواقب وخيمة على حياتها”.

وبحسب الإعلام الهولندي، فإن الأميرة خططت بعد ذلك للانتقال إلى غرفة مشتركة في قريبة من جامعة أمستردام، على أساس أن يرافقها فريقها الأمني دون أن يلاحظه أحد وجوده بقدر الإمكان.لكن هذا كله أصبح من الماضي، حيث أصبحت تحظى بحماية من فريق يعد من أفضل عملاء الأمن في هولندا. لكن ذلك ليس كافيا للسماح لها بالمُضي قدما في حياتها بشكل طبيعي، كما كانت تأمل وتخطط. بالفعل، وبحسب الإعلام الإسبانية، فإن الأميرة أماليا التي ضاقت درعا بالحماية اللصيقة المفروضة عليها على مدار الساعة، “هربت”، من أمستردام قبل أكثر من عام، إلى العاصمة الإسبانية مدريد، حيث تعيش متخفية وتتابع دراستها في جامعة أمستردام عن بعد. ومع ذلك فقد رصدتها صحافة المشاهير وهي تتجول في حي التسوق “باريو دي سالامانكا” المدريدي الراقي.

وأما رئيس الوزراء، فبعد التهديدات الجدية للمافيا، أصبح يتحرك في سيارة مصفحة ضمن موكب من العشرات من قوات الأمن المدربة جيدا، وترك دراجته في بيته. أما ولية العهد فأصبحت لا تغادر منزلها بسبب الاحتياطات الأمنية المشددة التي تخضع لها. وهو مشهد جديد على بلاد الطواحين الهوائية!

“ملائكة الموت” في “بلد الجذور”

في مساء الخميس 2 نوفمبر من سنة 2017، اهتز المغرب من أقصاه إلى أدناه لحادث هجوم بالمسدسات على مقهى “لاكريم” بمراكش، الذي راح ضحيته عن طريق الخطأ، طالب طب كان نجلا لمستشار بمحكمة الاستئناف ببني ملال. فقد كان المقصود بالقتل في الحقيقة هو مالك المقهى، في إطار تصفية حسابات المافيا المغربية مع أعضائها السابقين. وشكل هذا الاعتداء سابقة بالنظر إلى الضبط الأمني الذي يجعل استعمال السلاح الناري أمرا نادرا جدا في المغرب، وكشف بما لا يدع مجالا للشك بأنه في مجالات الجريمة المنظمة، لا يشكل بلد في العالم استثناء أمنيا. ورغم خطورة الجريمة التي كشفت التحقيقات بشأنها المزيد من الارتباطات الإجرامية، إلا أنها لم تكن الوحيدة الذي تورطت فيها المافيا المغربية بهولندا على أرض المغرب. فالأصول المغربية لأفراد تلك المافيا تبرر ارتباطهم ببلدهم الأم، حتى عندما يتذكرونه بالجريمة فقط.

لكن كثيرين لم ينتبهوا إلى بعض الانتصارات الأمنية الكبرى، التي سجلها جهاز “البسيج” (المكتب المركزي للأبحاث القضائية) على محاولات اختراق المافيا للمغرب خلال السنين القليلة الأخيرة. ففي منتصف نوفمبر 2016، اعتقل هذا الجهاز 16 شخصا على متن سفينة صيد، كانت مبحرة في عرض سواحل الداخلة بالصحراء المغربية. وضبطت بحوزتهم 1,2 طن من المخدرات الصلبة، من أصل أكثر من طنين ونصف من الكوكايين، كانوا بصدد تهريبها، قبل أن يتخلصوا من الباقي برميه في البحر. واعتبرت هذه الكمية التي قدرت قيمتها المالية بملياري درهم مغربي (حوالي 200 مليون دولار)، أكبر عملية حجز للمخدرات تم القيام بها في تاريخ المغرب.

كانت عناصر المكتب على علم بمجريات العملية، لكنها انتظرت دخول سفينة الصيد إلى المياه الإقليمية المغربية كي يوقفها. وكانت من تنظيم أحد الرؤوس الكبرى للمافيا المغربية في هولندا، يلقب بـ “عمي”، وينحدر من العرائش ويحمل هو الآخر الجنسية الهولندية. وقد أوردت تقارير أمنية أوروبية في شأنه حينها، بأنه نجح في تنظيم طريقين لتهريب المخدرات: الأول، من أمريكا اللاتينية إلى هولندا مرورا بالمغرب وينقل عبره الكوكايين. والثاني، من شمال المغرب إلى أمريكا اللاتينية وينقل عبره الحشيش. ويقوم هذا التهريب العابر لثلاث قارات على قاعدة مقايضة الحشيش بالكوكايين، وهو ما سمح لـ “عمي” بمراكمة ثروات خرافية.

وفي 3 أكتوبر 2017، نجح المكتب المركزي للأبحاث القضائية في تحطيم رقم قياسي جديد، بحجزه طنين ونصف من الكوكايين بشاطئ قريب من بوزنيقة. فقفز اسم “عمي” مجددا إلى واجهة التقارير الأوروبية، التي نقلت عن “البسيج” قوله إن الشبكة الدولية التي تقف وراء هذا التهريب، تنشط بين مدن الصخيرات والناضور ومليلية المحتلة.

وخارج هذه العمليات الكبرى التي قفزت إلى واجهة الإعلام الوطني والدولي، يخوض “البسيج” الكثير من العمليات الأخرى في الخفاء لمواجهة الـ “موكرو مافيا”، لكن لا يجري الحديث عنها لدواعي أمنية، وبالتالي لا يعلم عنها الرأي العام الشيء الكثير.

“المافيا المغربية” بهولندا عمرها نصف قرن!

بالفلامانية، وهي لغة سكان هولندا وبلجيكا، يسمونها “موكرو مافيا “Mocro Maffia”. وفي سجلات الأمن الأوروبي والمغربي توصف بأنها شبكة واسعة من رجال العصابات من ذوي الأصول المغربية، تمارس أنشطتها غير القانونية داخل فضاء الاتحاد الأوروبي وفي المغرب. أما بالنسبة إلى رجل الشارع العادي الأوروبي، فلا يزيد الأمر عن وجوه بسحنات مغاربية، تتصدر الصفحات الأولى للصحف وتملأ شاشات الفضائيات والمواقع الإخبارية من وقت لآخر، كلما حدث اعتقال أحد أفرادها أو زعمائها أو تمت تصفيته. ومؤخرا بعد محاكمة مجموعة رضوان التاغي أمام القضاء الهولندي الذي أدين بالسجن المؤبد، وظهور الـ “بارون” الجديد للمافيا المغربية كريم بويخريشن.

غير أنه منذ العام 2012، أصبح الحديث عن المافيا المغربية مقترنا باسم جديد هو Mocro-oorlog، الذي يعني في ذات اللغة “حرب المافيا المغربية”. فقد اشتعلت حرب ضروس بين مغاربة المافيا وامتدت ساحتها إلى خارج الفضاء الأوروبي، في المغرب الأقرب وبلدان أمريكا اللاتينية البعيدة جدا. لكن ما هي قصة ما يسمى بـ “المافيا المغربية”؟

والمافيا المغربية هي مجموعة إجرامية عنيفة جدا، وتنشط بشكل كبير جدا في هولندا وبلجيكا بشكل خاص. وتشير تقارير أمنية دولية إلى أنها قوية إلى درجة أنها تتحكم في ثلث تجارة المخدرات التي تروج داخل الاتحاد الأوروبي.

كما أنها معروفة بتطرفها حيث سبق لها أن أقدمت على العديد من التصفيات الجسدية، بينها تصفية محام بأمستردام سنة 2019، كان متخصصا في قضايا الجريمة المنظمة وشبكات تهريب المخدرات. كما اغتالت قبل سنوات قليلة، وسط الشارع العام صحفيا هولنديا كان معروفا بتعاطفه مع الجالية المغربية، ما دفع رجال الدين من أصل مغربي إلى الرد بإصدار بيانات شديدة اللهجة، تندد بقوة بهذه الجريمة وتتعاطف مع الصحفي المغدور.

أما عن التصفيات المروعة التي تقوم بها المافيا المذكورة في صفوف “الخونة” والمنافسين لها من ذوي الأصول المغربية أنفسهم، فإنها تثير القشعريرة لفرط قسوتها.

وابتداء من ستينيات القرن الماضي، أخذت الهجرة من المغرب تغذي مناجم مصانع الحديد بمقاطعتي “والونيا” و”الفلاندرز” اللتين تتشكل منهما بلجيكا. ولم تلبث هولندا المجاورة أن أصبحت قبلة منافسة لبلجيكا، حيث كان الزخم الأكبر من المهاجرين وافدا إليها من شمال المغرب، وخصوصا من منطقة الريف. وفي سياق ذلك، شهد عقد السبعينيات ظهور النواة الأولى لـ “المافيا المغربية”. فنتيجة للأزمة، تخلصت المناجم ومصانع الحديد والنسيج في البلدين من عمالها المغاربة على نطاق واسع.

وتعويضا منهم لموارد رزقهم، انضم كثيرون منهم إلى عصابات إجرامية قائمة أو خلقوا أخرى جديدة. وسرعان ما لمع نجم المافيا المغربية الناشئة، بعدما كشفت عصابات تهريب الكوكايين من فرنسا إلى أمريكا، المشتهرة دوليا باسم الـ “فرانش كونيكشن”، لبعض تجار المخدرات المغاربة أسرار صنع عجين الحشيش. فأصبح هؤلاء بعد حين، يشكلون أكبر شبكة متخصصة في صنع حشيش الكيف في العالم. وتحولت مدينة أنفرس البلجيكية تبعا لذلك على أيدي الجيل الأول للمافيا المغربية إلى قرص دوار، تنصهر فيه الأجيال التي ولدت بالمغرب مع تلك الأخرى التي ولدت في بلاد الهجرة، للتدريب على أساليب المافيا وترويج بضاعتهم محليا وفي كل الآفاق.

ثم شهدت سنوات الثمانينيات من القرن الماضي نمو المافيا المغربية وتطورها على نحو متسارع. وما إن وصل العام 2004 حتى أشارت تقارير الشرطة الأوروبية (أوروبول)، إلى أن المافيا المغربية أصبحت ثاني أقوى عصابات الجريمة المنظمة في أوروبا. وتوسع مجال أنشطتها ليشمل العاصمة الهولندية أمستردام، التي أصبح المافيوزيون المغاربة هم من يتحكم في الجزء الأكبر من عوالمها السفلى.

وأصبح نتيجة لذلك جزء من الهجرة المغربية (الريفية على الخصوص)، يدير عملية تسويق الحشيش المنتج في شمال المغرب، وكذلك المهرب من أماكن أخرى من العالم (كوكايين أمريكا اللاتينية على الخصوص). ولضمان أعداء أقل في هذه العوالم الممنوعة التي تعج بعداوات لا تنتهي، خلقت المافيا المغربية تحالفات واسعة مع المافيات الرومانية والإيرلندية وغيرها. وبرزت كنتيجة لهذا الاكتساح المغربي عائلات مغربية (ريفية) شهيرة بكل من هولندا وبلجيكا، من بين أبرزها نذكر عائلتَي اليوسفي والعلمي. وهو ما يعكس، بحسب تقارير أمنية أوروبية، النزوع العشائري والأسري المتجذر في نفوس أولئك المغاربة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس