أفريقيا برس – المغرب. تترقب الأوساط الحقوقية المغربية، ومعها الرأي العام، ما قد تحمله المناسبات الوطنية والدينية المقبلة من قرارات عفو يمكن أن تمهّد لانفراج سياسي جديد في المغرب. وتتركز الأنظار بشكل خاص على مدى إمكانية الإفراج عن أسماء بعينها أُدينتْ في قضايا أثارت نقاشًا واسعًا، مثل المحامي النقيب محمد زيان، ومَن تبقى من معتقلي «حراك الريف» خاصة ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق.
وقد دأب العاهل المغربي محمد السادس على إصدار قرارات عفو بمناسبات دينية ووطنية، شملت في بعض الأحيان معتقلي رأي ومدوّنين وصحافيين، فضلاً عن العفو على سجناء آخرين في قضايا الحق العام، بإنهاء عقوبتهم السجنية أو تقليص مدد العقوبات أو تحويل الأحكام المؤبدة إلى محددة المدة. ويأتي هذا الترقب في ضوء مطالب حقوقية متزايدة تدعو إلى طيّ صفحة الاعتقالات ذات الخلفية السياسية، وفتح آفاق أوسع للحريات العامة.
والعفو حق مكفول للعاهل المغربي وفق الفصل 58 من الدستور، يصدره في المناسبات الدينية والوطنية، ويكتسي بُعدًا إنسانيًا عميقًا، يجسّد الحرص على لمّ شمل الأسر، والتخفيف من معاناة المعتقلين وذويهم، في بادرة تؤكد نهج ملك المغرب في ترسيخ قيم التسامح والرأفة والمصالحة، وفق ملاحظين.
وفي هذا السياق، يأمل حقوقيون أن يمتد العفو المقبل عشية عيد الفطر ليشمل النقيب محمد زيان، المحامي والوزير الأسبق، الذي يقضي عقوبة بالسجن بتهم يؤكد أنصاره أنها ذات طابع سياسي، وتتحدث مصادر حقوقية بقلق بشأن تأثير السجن على الصحة النفسية والجسدية للمحامي والوزير الأسبق لحقوق الإنسان، خصوصًا في ظلّ تقدمه في السن (82 عاما).
وعُرف زيان بمواقفه السياسية الحادة وانتقاداته الصريحة للحكومة وأجهزة الدولة. وكان من بين الأصوات التي دافعت عن معتقلي الرأي، وانتقد واقع الحريات في المغرب. كما اشتهر بمرافعته عن الصحافي توفيق بوعشرين في قضيته، ودفاعه عن بعض معتقلي «حراك الريف»، قبل أن يجد نفسه في مواجهة أحكام قضائية اعتبرها هو ومقربون منه ذات خلفية سياسية.
وأُدينَ بتهم تتعلق بالتشهير وإهانة مؤسسات الدولة والتحرش الجنسي. وبينما كان يقضي عقوبة مدتها ثلاث سنوات، أصدرت محكمة الاستئناف (درجة ثانية) في الرباط، العام الماضي، حكما بالسجن خمس سنوات في حق محمد زيان، بعد إدانته بتهمة «تبديد أموال الدعم العمومي» المخصص للحزب المغربي الحر الذي كان يرأسه.
كما يوجد بين قضبان السجن قيادي حراك الريف (شمال البلاد) ناصر الزفزافي، الذي يقضي عقوبة مدتها 20 عامًا بعد إدانته بتهم تتعلق بـ «المساس بأمن الدولة» و»التحريض على التظاهر غير المرخص»، و»إهانة مؤسسات الدولة»، وذلك خلال الحراك الاجتماعي الذي شهدته منطقة الريف أواخر 2016 وفي الشهور الأولى من 2017. كما يقضي نبيل أحمجيق نفس مدة العقوبة السجنية بتهم مماثلة تتعلق بالتحريض على التظاهر والمساس بأمن الدولة. بينما يؤكد نشطاء الريف المعتقلون أن احتجاجاتهم كانت ذات طابع اجتماعي تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
ويرى نشطاء حقوقيون أن العفو مبادرة إيجابية قد تساهم بشكل كبير في تضميد جروح ارتبطت بأحداث الريف، كما أن من شانها أن تسهم في طي هذا الملف الذي ظلّ يشكل وصمة على جبين الحكومة المغربية. ويؤكدون أن الطي الشامل للملف لن يتم إلا من خلال منفذين، أولهما الإفراج عن كل معتقلي حراك الريف، وثانيهما تنمية المنطقة المذكورة والاعتذار للمواطنين فيها عمّا تعرضت له من تهميش وانتهاكات خلال فترة الحراك.
وشهد المغرب في السنوات الماضية قرارات عفو شملت بعض المعتقلين على خلفية قضايا رأي. فقد أُطلق سراح مجموعة من نشطاء «حراك الريف» عام 2021. وفي العام الماضي، شمل العفو الملكي عددًا من الصحافيين والمدونين، من بينهم توفيق بوعشرين (الذي حكم عليه بـ 15 سنة نافذة قضى منها 6 سنوات) وسليمان الريسوني (5 سنوات قضى منها 4 سنوات) وعمر الراضي (6 سنوات قضى منها 4 سنوات) إلى جانب آخرين كانوا موجودين في حالة سراح: عماد استيتو وعفاف براني وهشام منصوري وعبد الصمد آيت عيشة. وشمل العفو الملكي بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش (عيد الجلوس) رضا الطاوجني ويوسف الحيرش، إلى جانب مجموعة من المدانين في قضايا الإرهاب وعددهم 16، وذلك بعد إعادة تأهيلهم من خلال برنامج «مصالحة» وقبولهم بإجراء مراجعات فكرية تنبذ التطرف واللجوء إلى العنف.
وشملت لائحة المفرج عنهم كذلك عدداً من نشطاء الرأي ومدونين ومناهضي التطبيع الذين توبعوا على خلفية ممارسة حق الرأي والتعبير، سواء من خلال تدوينات أو من خلال نشاطهم في مناصرة القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع، ومن ضمنهم يوسف الحيرش (سنة ونصف) وسعيدة العلمي (3 سنوات) وسعيد بوكيوض (3 سنوات) وعبد الرحمن زنكاض (4 سنوات) ومصطفى دكار (سنة ونصف).
ويعتبر مراقبون أن مثل هذه الخطوات تسهم في تخفيف التوتر السياسي والاجتماعي، خصوصًا مع تنامي المطالب الحقوقية، سواء على المستوى الداخلي أو من قبل المنظمات الدولية، الداعية إلى مراجعة السياسات الجنائية المتعلقة بحرية التعبير والاحتجاج السلمي. ورغم أن الأحكام الصادرة بحق النقيب محمد زيان ومعتقلي «حراك الريف» جاءت وفق المساطر القانونية، فإن جهات حقوقية تعتبر أن سياق هذه القضايا يضفي عليها أبعادًا سياسية. كما ترى أن العفو المُرتجى عن هؤلاء سوف يشكّل خطوة إيجابية نحو تعزيز الانفراج السياسي، خاصة في ظل التحولات الإيجابية التي يشهدها المغرب، بما يسهم في تكريس نهج المصالحة وفتح صفحة جديدة في المشهد الحقوقي، وتعزيز أجواء الثقة والانفتاح، وبناء مستقبل سياسي أكثر هدوءًا وتوافقا بين مختلف مكونات الحياة السياسية والاجتماعية في المغرب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس