المغرب وأوروبا.. شراكة استراتيجية لا تخلو من مطبات

14
المغرب وأوروبا.. شراكة استراتيجية لا تخلو من مطبات
المغرب وأوروبا.. شراكة استراتيجية لا تخلو من مطبات

أفريقيا برس – المغرب. قرارات متناقضة يتخذها الاتحاد الأوروبي في علاقته مع المملكة المغربية، فتارة يضيق برلمانه الخناق على الرباط ومؤسساتها، وتارة أخرى يدخل معها عبر مفوضيته في شراكة بملايين الدولارات.
فخلال الأسابيع الماضية، قرر البرلمان الأوروبي منع نواب المغرب من دخول مقره في بروكسل، على خلفية قضايا يتهم فيها المملكة، وبعد أسبوعين، وقعت المفوضية برامج بقيمة 500 مليون دولار، لدعم الإصلاح في البلاد.
هذا التناقض في قرارات الاتحاد الأوروبي، فسره محللون بوجود فصل جزئي بين مؤسسات الاتحاد، كما أن أوروبا رغم قرارات برلمانها، غير مستعدة للتخلي عن شريكها الاقتصادي الأول في إفريقيا.
العصا والجزرة
منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، طفت على السطح أزمة بين المغرب والبرلمان الأوروبي، واستمر تبادل الاتهامات بينهما طوال الشهرين الماضيين، وتصاعد ردود الفعل الصادرة من كل منهما.
وفي 19 يناير، تبنى البرلمان الأوروبي قرارا ينتقد فيه أوضاع حرية الصحافة والتعبير في المغرب، داعيا إلى “إنهاء قمع الصحفيين، بما في ذلك التجسس عليهم عبر برنامج بيغاسوس” الذي تبيعه شركة “إن.إس.أو غروب” الإسرائيلية.
وفي 23 يناير، قرر برلمان المغرب إعادة النظر في علاقاته مع نظيره الأوروبي، كرد فعل على تبني الأخير قرار انتقاد أوضاع حرية الصحافة والتعبير بالرباط.
وفي 2 فبراير/شباط الماضي، جرّد البرلمان الأوروبي نائبين من الحصانة البرلمانية على خلفية اتهامات بتلقيهما رشى من قطر والمغرب، وهي اتهامات رفضتها الدوحة والرباط.
وجاء فصل النائبين، بعدما وجهت السلطات البلجيكية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اتهامات لأربعة نواب في البرلمان الأوروبي بتلقي هدايا وأموال للتأثير على صنع القرار داخل البرلمان.
وفي 17 فبراير، قرر البرلمان الأوروبي منع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل، مؤكدا: “مصرون على تحقيق كامل في قضايا فساد تشمل البلدان التي تسعى للتأثير على البرلمان، وسنتخذ الإجراءات اللازمة”.
في المقابل، وقع المغرب ومفوضية الاتحاد الأوروبي، في 2 مارس/آذار الجاري، 5 برامج للتعاون المشترك بقيمة 5.5 مليارات درهم (500 مليون دولار) لدعم برامج الإصلاح في البلاد.
جاء التوقيع على هامش زيارة أجراها المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع أوليفر فاريلي، للعاصمة الرباط، بعد تأجيلها إبان الأزمة ما بين المغرب والبرلمان الأوروبي.
وتتعلق الاتفاقيات بدعم الحماية الاجتماعية للمواطنين المغاربة، والتحول الأخضر (مصادر الطاقة النظيفة)، وإصلاح الإدارة العمومية، والهجرة (غير النظامية)، والإدماج المالي.
شراكة استراتيجية
المحلل السياسي المغربي بلال التليدي، يرى أن “الاتحاد الأوروبي يضم مؤسسات مختلفة، مثل مفوضية الاتحاد، التي تملك القوة السياسية في القرار، والبرلمان الأوروبي الذي له بعد رمزي فقط، ولا يملك صلاحيات قوية”.
ويقول التليدي: “إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والفرق في صلاحياتها خصوصا بين البرلمان والمفوضية، فما يصدر عن البرلمان لا يؤثر على الشراكة الاستراتيجية التي تجمع المغرب والاتحاد”.
لذا فإن “البرلمان الأوروبي يتخذ قرارات أو توصيات، إلا أن القوة السياسية تملكها المفوضية الأوروبية”، وفق المحلل السياسي المغربي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لحسن حداد، إن “بلاده سجلت 420 محاولة أوروبية لإقرار تعديلات (قانونية) ضد المملكة منذ 2016”.
وأضاف حداد، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الرباط، أنه “خلال 2022 فقط، تم تقديم 112 سؤالا بالبرلمان الأوروبي، ضد المملكة المغربية”.
صراع قوى
وعن أسباب شراكة الاتحاد الأوروبي رغم قرارات برلمانه، يوضح التليدي: “العلاقات مع المغرب مهمة لاعتبارات اقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية، خصوصا في ظل صراع عدد من الدول الأخرى على تقوية نفوذها في إفريقيا”.
ويثير الحضور الروسي المتصاعد في إفريقيا، لا سيما منطقة الساحل الإفريقي، قلق الدول الغربية التي تخشى أن تحجز موسكو موطئ قدم لها في القارة السمراء، ما يعد تهديدا لمصالح الدول الأوروبية.
وفيما يتعلق بقرارات البرلمان الأوروبي، يقول التليدي إنه “يخضع لأجندات الدول الأعضاء وقدرتها على تحريكه، فيستغل القضايا المبدئية كحقوق الإنسان”.
ويضيف أن “قدرة الدول الأوروبية على الضغط أصبحت محدودة، وخيارات الانفلات من الاتحاد الأوروبي ومن أمريكا أصبحت واردة، في ظل تعدد الأقطاب الدولية، وارتفاع البعد السيادي للدول”.
ويستطرد أن “الوضع الدولي والإقليمي تغير، وكبرت مكانة المغرب في الرهانات الدولية، لكن هذا لا يمنع أن يشتغل على تقوية جبهته الداخلية، ويرفع من مستوى الحريات لاعتبارات داخلية وليست خارجية”.
أهمية لأوروبا
أما الأكاديمي المغربي المختص في العلاقات الدولية سعيد الصديقي، فيرى أن “المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الرباط والاتحاد الأوروبي، تظل مهمة للطرفين رغم الضجة الأخيرة”.
ويقول الصديقي، وهو أستاذ علاقات دولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية) في المغرب، إن “الاتحاد الأوروبي حاليا غير مستعد للتخلي عن شريكه الاقتصادي الأول في إفريقيا”، في إشارة إلى الرباط.
ويوضح الأكاديمي المغربي أن “التبادل التجاري بين المملكة المغربية ودول الاتحاد الأوروبي، وصل إلى 45 مليار يورو (47.7 مليار دولار)، خلال عام 2021، وهذا رقم مهم”.
ويتابع: “الاتحاد الأوروبي يدرك أهمية المغرب مستقبلا، سواء من الناحية الاقتصادية، حيث يمثل مصدرا أساسيا للأمن الطاقي لأوروبا، أو من ناحية أهميته الأمنية في حماية الحدود الأورومتوسطية في الضفة الجنوبية”.
ومنذ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، باتت الدول الأوروبية مهددة في توفير الطاقة لمواطنيها، ما دفعها إلى التوجه إلى إفريقيا، خصوصا شمال القارة، التي باتت قبلة للمسؤولين الأوروبيين.
كما يقدم الاتحاد الأوروبي، مساعدات إلى عدد من دول شمال إفريقيا، مقابل تعاونها في مواجهة الهجرة غير النظامية، التي تنطلق من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط وصولا إلى الضفة المقابلة في أوروبا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس