هشام العسري : مشكلة التوزيع مشكلة كرامة

4

نجح هشام العسري مرّة أخرى في ملامسة آفاق السينما الخالصة، بمزجه الدراما بنبرة اللهو واللعب، كما في مشهد طفل يلهو بجثة المنتحر ولا يكفّ عن الدوران، معلّقًا بذراع المجنزرة (شيء تفوق جماليته كلّ وصف)، وينتهي (المشهد) بتحريك المشاعر رغم القتامة والمسافة التي يأخذها من الشخصيات. هذا ما أبرزه “الجاهلية” (2018) سادس أفلام هشام العسري (كازبلانكا، 1977)، وخاتمة حلقة من مسار يحلو له أن يطلق عليها اسم “المغرب”. فيلم كورالي تتقاطع فيه خيوط 6 قصص تتمحور حول هيمنة القويّ على الضعيف، في مجتمع صوّره غابةً صغيرةً نراقبها من دون أيّ عاطفة أو تماهٍ مع الشخصيات.

هذا التجذّر في الواقع من جهة أولى، والجموح إلى الفانتازيا من جهة ثانية، وَصْفةٌ رابحة للإمساك بتلابيب المُشاهد، خصوصاً في الثلث الأخير من الفيلم، حيث تبدأ رحلة في جحيمٍ من المَشاهد القاسية التي تخلب القلوب والألباب رغم كل شيء، لأنّها حقيقية وصادقة في قسوتها.

في تصريح له، يتحدّث هشام العسري بصراحته المعهودة عن معضلة توزيع أفلام المؤلّف في المغرب، وعن ملاحظاته على المؤسّسة الوصيّة على السينما، وعن تفاصيل رؤيته لـ”الجاهلية”، المعروض فقط في مراكز ثقافية فرنسية في المغرب، وغيرها من المسائل.

وبخصوص التوزيع يقول “أظنّ أنّ مشكلة التوزيع مشكلة كرامة. هذا هو التعبير. نحن أمام أناس لا يعقلون سوى البداهة. بالنسبة إليهم، يجب إنجاز فيلم بديهي، يتناول أشياء بديهية، ويتوجّه إلى جمهور بديهي. ليس هناك أي حسّ مجازفة أو مكان للمعجزات. المعجزة، بالنسبة إليّ، هي رجلٌ يُقرّر للمرّة الأولى إنجاز أمرٍ ما بشكل مختلف. هذا يُشبه منطق شريط الصوت. الجيّد هو وجود سبيلين أو ثلاثة يُغنِي كلُّ واحد منها الآخر، فيُثير المجموعُ الاهتمامَ. للأسف، تعمل المنظومة السينمائية عندنا وفق نظام أحادي: “مونو”. الأشخاص المكلّفون ببرمجة الأفلام في الصالات يقرّرون أن لهم الحقّ في إقصاء فيلمٍ ما، لأنه ـ بالنسبة إليهم ـ غير قادرٍ على جذب الجمهور، أو لأنه “مُثير للقلاقل”. هذا يمنع الأفلام من الوجود بشكل طبيعي، ويؤشّر إلى بلادة هؤلاء بكل بساطة”.