الجزائر – المغرب إلى أين؟ الزعامة الإقليمية (2/4)

11
الجزائر - المغرب إلى أين؟ الزعامة الإقليمية (2/4)
الجزائر - المغرب إلى أين؟ الزعامة الإقليمية (2/4)

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. ليست قضية الصحراء العقدة الوحيدة في منشار الجوار الصعب بين الجزائر والمغرب، فهناك أيضا قضايا أخرى تضغط بثقلها في ميزان العلاقات المتوترة وبالغة التعقيد بين البلدين. ولعل من بين أبرزها نذكر التنافس الجزائري المغربي على الزعامة الإقليمية، وهو تنافس انتقل إلى مستوى الصراع الحاد بين الجزائر مع جارها الغربي، حول من منهما يفرض نفسه باعتباره “القوة الإقليمية” التي تقود المنطقة المغاربية. وهذا الصراع بالتحديد هو الذي يصيب بشلل جنيني “اتحاد المغرب العربي”، بعد مرور 36 عاما على تأسيسه.

فما معنى أن تكون دولة مّا “دولة إقليمية”؟ وهل الجزائر أو المغرب دولتان إقليميتان وفقا للتعريف المتعارف عليه؟

وفقا للتعريف الأكاديمي، فإن القوة الإقليمية هي دولة تتمتع بنفوذ كبير ومستدام في منطقة جغرافية محددة، بحيث يمكن أن يتحقق لها هذا النفوذ من خلال مجالات متنوعة، بما في ذلك المجال العسكري، والاقتصادي، والسياسي، والثقافي. ويعني ذلك أن تلعب دورا رئيسا في شؤون وقرارات منطقتها، غالبا بسبب حجمها الجغرافي، وعدد سكانها، ومواردها الطبيعية أو قوتها العسكرية. وتمتلك الدولة/القوة الإقليمية اقتصادا قويا وروابط اقتصادية وثيقة مع جيرانها، بما يسمح لها بالقيام بدور مهم في التجارة الإقليمية. كما تشارك بنشاط في المنظمات الإقليمية والدولية، وتتولى القيام مبادرات لحل النزاعات وتعزيز الاستقرار. كما أنها تمارس تأثيرا ثقافيا على جيرانها، سواء من خلال اللغة، والفن، والأدب، أو أشكال أخرى من القوة الناعمة، وتمتلك خصوصا قوة عسكرية قادرة على حماية مصالحها الإقليمية، وأحيانا التدخل خارج حدودها للحفاظ على الاستقرار.

ومن أمثلة القوى الإقليمية الأقرب ثقافيا ودينيا إلى المنطقة المغاربية، يرد غالبا ذكر تركيا، فهي هي قوة إقليمية مهمة، تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي وعسكري كبير في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وتعتبر كل من الهند في جنوب آسيا، وإيران وإسرائيل في الشرق الأوسط أيضا قوى إقليمية، تمارس كل منها تأثيرا كبيرا على منطقتها.

وكخلاصة، القوة الإقليمية هي دولة تمارس نفوذا كبيرا في منطقها، من خلال مجالات متنوعة، مما يساهم في الاستقرار، والأمن، والتنمية الاقتصادية والثقافية للمنطقة.

وفي هذا السياق، ووفقا لتحليلات أكاديمية متفرقة، تعتبر الجزائر والمغرب قوتين إقليميتين مهمتين في شمال أفريقيا والمنطقة المغاربية، لكل منهما نقاط قوة وتحديات خاصة بها. لكنهما يفتقدان معا إلى التعاون والتنسيق بينهما، وهو شرط هام كان ليمكنهما من لعب دور كبير وحاسم في تعزيز الاستقرار والتطوير الاقتصادي للقارة الأفريقية منطقة المغربي الكبير وغرب المتوسط.

المغرب قوة إقليمية

على الصعيد الأفريقي ككل، يحظى المغرب بنفوذ كبير. فإذا ما نحن استقرأنا خصائص قوته الإقليمية، يعتبر المغرب أحد الاقتصادات الأكثر تنويعا في شمال أفريقيا، مع تطويره لقطاعات قوية كالزراعة والصناعة والخدمات. ويسمح له ذلك بممارسة تأثير سياسي، باعتباره لاعبا مهما في المنظمات الإقليمية والدولية، من قبيل الاتحاد الأفريقي، واتحاد المغرب العربي (المشلول) الذي يحتضن مقره الرئيسي بالعاصمة الرباط.

من حيث قدراته العسكرية، يمتلك المغرب جيشا مجهزا بشكل جيد ومدربا مع قدرات حديثة تجعله في مستوى جيوش حلف الأطلسي، الذي يعتبره “شريكا من خارج الحلف”. ويقدم المغرب برامج تدريبية ودعمًا لوجستيًا للقوات العسكرية في الدول الأفريقية، حيث درب قبل أسابيع وعلى مدى أشهر مجموعات النخبة من قوات المظليين في الجيش المالي بالمغرب. كما يشارك جنود مغاربة ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، في العديد من بؤر التوتر في دول أفريقيا جنوب الصحراء. إما كجنود أو كموظفين عسكريين للخدمات الصحية والاجتماعية لفائدة منكوبي تلك الدول بسبب الحروب أو الآفات الطبيعية أو الأوبئة.

وعلى صعيد التأثير الأمني، يلعب المغرب دورا مهما في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، مما يساهم في الاستقرار الإقليمي لمنطقة غرب أفريقيا والساحل؛ حيث يشارك مع دولها في برامج للتعاون الأمني، مثل مالي وبوركينا فاسو من خلال تدريب جيوشها وأمنها وتبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب.

كما يتمتع المغرب بروابط ثقافية واجتماعية قوية مع دول الساحل، خاصة من خلال اللغة العربية والثقافة الإسلامية. فللمغرب تأثير ديني كبير، سيما من خلال ارتباط طرق صوفية في دول غرب أفريقيا، بزوايا دينية وأضرحة في مدن مغربية تاريخية كفاس ومراكش والرباط. كما أن المغرب يمارس قوته الناعمة من خلال تكوين أئمة من دول أفريقية عديدة بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة بالرباط. كما يقدم المغرب برامج للتعليم والتدريب الصحي لمواطني دول الساحل.

أما في شق التأثير الاقتصادي، أطلق المغرب عدة مبادرات لتعزيز التعاون الاقتصادي في أفريقيا، خاصة من خلال الاستثمارات العمومية والشراكات مع القطاع الخاص. فثمة بنوكا وشركات اتصالات ومقاولات للأشغال العمومية والبناء والصناعات الغذائية إلى جانب حوالي 20 مصنعا للإسمنت، تنتشر في دول الساحل وغرب أفريقيا، واستثمارات ضخمة في مصانع للأسمدة الفوسفاتية، وفي قطاع الزراعة والطاقة؛ ما يجعل من المغرب أكبر مستثمر أفريقي بالقارة الأفريقية.

ويقوم المغرب حاليا ومنذ سنوات بتنزيل استراتيجيته لربط دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) بالمحيط الأطلسي (ميناء الداخلة الأطلسي) عبر موريتانيا، وهو مشروع كبير يؤهله لكسب مزيد من النفوذ بالمنطقة بعد أن انسحبت منها فرنسا مكرهة. كما يقوم المغرب بتنزيل مشروع أنبوب نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب مرورا بـ 13 دولة من غرب أفريقيا، ويقود مبادرة “شراكة الدول الأفريقية الأطلسية” التي تجمع 21 دولة أفريقية تقع على المحيط الأطلسي.

ولجميع هذه الاعتبارات ولأخرى غيرها، يُعتبر التأثير المغربي في منطقة الساحل متوسطا إلى عالٍ، بحسب خبراء دوليين، خاصة من ناحية الاقتصاد والدبلوماسية. فالمغرب يستثمر بكثافة في البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية، ويقوم بدور دبلوماسي مهم في المنطقة الأفريقية؛ في ظل شلل “اتحاد المغرب العربي.

الجزائر قوة إقليمية

سبق أن رأينا أعلاه أن من الشروط الواجب توفرها في دولة ما حتى تكون قوة إقليمية، توفرها على اقتصاد قوي وروابط اقتصادية وثيقة مع جيرانها، بما يسمح لها بالقيام بدور مهم في التجارة الإقليمية، وتولى القيام بمبادرات لحل النزاعات وتعزيز الاستقرار في محيطها الإقليمي. وعلى هذا الأساس، علاقاتها متوترة خمسة من بين جيرانها السبعة الذين تحدها معهم حدود بطول آلاف الكيلومترات. فقد انضافت النيجر ومالي وبوركينا فاسو إلى قائمة دول الجوار التي لها علاقات متوترة مع الجزائر، والتي كانت إلى حدود إسقاط المُسيرة المالية أواخر الشهر الماضي تشمل فقط، المغرب وحكومة شرق ليبيا مع أزمة صامتة مع موريتانيا.

ومن دون حاجة إلى العودة هنا إلى أسباب هذه التوترات، يبدو جليا أن الجزائر التي لا تجمعها روابط اقتصادية وثيقة مع أغلب جيرانها، وتربطها علاقات متوترة للغاية مع كل من المغرب والنيجر ومالي وحكومة شرق ليبيا (والجيش الوطني الليبي)، لا يمكن القول إنها تعمل على تعزيز الاستقرار في محيطها الإقليمي. وبالتالي تنتفي عنها راهنا صفة القوة الإقليميةن التي كانت تتصف بها قبل عقد من الزمن.

وإذا ما تركنا هذه الحقيقة جانبا، وبتمحيص خصائص القوة الإقليمية الأخرى، نستشف أن للجزائر تأثيرا معنويا كبيرا بفضل كبر مساحتها (أكثر من 2 مليون كلم مربع) وعدد سكانها (47 مليون نسمة). وتأثيرا اقتصاديا أكيدا على مستوى شمال أفريقيا والقارة ككل، فهي تصنف من بين عشرة كبار منتجي الغاز في العالم والثانية افريقيا، حيث تلعب دورا هاما في تزويد أوروبا بالطاقة. وتسعفها هذه الخاصية في ممارسة تأثير سياسي باعتبارها لاعبًا مهمًا في المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي.

ومن حيث القدرة العسكرية، تمتلك الجزائر واحدا من أقوى الجيوش في أفريقيا، تخصص له سنويا أكبر ميزانية عسكرية على مستوى القارة تزيد عن 20 مليار دولار. وتمارس في سياق ذلك تأثيرا عسكريا وأمنيا، من خلال العمليات العسكرية المتكررة على طول السنة، التي يقوم بها جيشها حدودها الجنوبية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ومشاركة الجزائر في العديد من برامج التعاون الأمني مع دول الساحل، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر (قبل تفجر الأزمة الحادة الحالية)، لتبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب. كما تقدم الجزائر دعما لوجستيا وتدريبا للقوات العسكرية في دول الساحل، وتمتلك استثمارات في قطاعات مختلفة في دول الساحل، خاصة في مجالات الطاقة والزراعة وتعتبر موردًا مهمًا لها بالغاز الطبيعي والنفط لدول الساحل، مما يعزز اعتمادها على هذه الدول(قبل الأزمة الحالية).

وقبل الأزمة الحالية مع “تحالف دول الساحل” الذي يشمل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كانت الجزائر تراهن على مدِّ أنبوب استراتيجي لنقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا مرورا بالنيجر، ومد طريق يربطها بدول الساحل (أنجز جزء هام منه). لكن جميع تلك المشاريع أصبح يلفها مستقبل غامض، بعد تحالف دول الساحل الثلاث المذكورة ضد الجزائر.

الخلاصة أن كلا من الجزائر والمغرب يُعتبران قوتين إقليميتين مهمتين، في منطقة نفوذهما التي هي منطقة واحدة. فالجزائر تتميز بنفوذها الاقتصادي والعسكري، بينما يتمتع المغرب بتأثير اقتصادي ودبلوماسي وأمني مهم. لكن هذه الأطروحة لا تحظى بإجماع الباحثين والخبراء.

لا وجود لقوة إقليمية مغاربية!

لكن وفقا لخبراء مغاربيين، تكشف معطيات الواقع الجيوسياسي للمنطقة المغاربية أن لا أحد من البلدين تتوفر فيه شروط القوة الإقليمية. ويدعي الخطاب الرسمي في البلدين، يسوق أن كل واحد منهما أصبح قوة إقليمية في منطقة شمال افريقيا، وتحول بالتالي إلى المخاطب الرئيسي للقوى العظمى التي لا تتخذ أي قرار في المنطقة من دون العودة إليه، بمعنى الحصول منه على ترخيص مسبق، أو على الأقل التنسيق معه.

ويرى المحلل السياسي المغربي المعارض حسين مجدوبي المقيم بإسبانيا، بهذا الصدد، أنه إذا ما تأملنا الوضع الجيوسياسي الحقيقي لكل من المغرب والجزائر، سنقف على معطى رئيسي وهو، عدم توفر أي منهما على الشرطين المذكورين. فالمغرب، برأيه، لا يعتبر قوة تجارية إقليمية للدول الواقعة في جواره المغاربي وغرب افريقيا، إذ إن 65% من مبادلات المغرب التجارية تتم مع دول الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من تصاعد حضوره الاستثماري في القارة الافريقية، إلا أنه لا يعد ضمن المستثمرين الأوائل عالميا في هذه القارة. وبالتالي لا يمكن للمغرب اكتساب صفة قوة إقليمية تجاريا، إذ تبقى مبادلاته مع محيطه في شمال افريقيا وغربها ضعيفة، ودون مستوى الحضور القوي لدول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا. ويضيف مجدوبي أن الجزائر بدورها لا تتوفر على الشرط الاقتصادي لتصبح دولة/قوة إقليمية؛ إذ يقوم جزء كبير من اقتصادها على صادرات الطاقة من نفط وغاز، وأساسا إلى الدول الأوروبية. وإذا ما قرر الاتحاد الأوروبي مقاطعة المحروقات الجزائرية، وقتها سيعاني الاقتصادي الجزائري من الانهيار. كما أن الجزائر لا تتوفر على استثمارات مقبولة في محيط دولها، بما في ذلك دول مثل تونس والنيجر وموريتانيا. بل تبقى استثماراتها دون مستوى الاستثمارات المغربية في أفريقيا.

أما على المستوى العسكري، فقد نتج عن سباق التسلح بين البلدين تطوير كبير جيشيهما، حتى أنهما اقتربا نسبيا من مستوى دول جنوب أوروبا. ويحدث هذا الأمر لأول مرة منذ قرنين، بمعنى أنه لا يمكن لفرنسا ولا إسبانيا التجرؤ عسكريا على المغرب أو الجزائر، كما كان يحدث في الماضي بما في ذلك خلال الفترة الاستعمارية. ويسوق مجدوبي من ضمن الأمثلة على ذلك، أن الغرب كان يريد استغلال تطورات الربيع العربي ─ ما بين سنتي 2013 و2014 ─ لتكرار سقوط نظام معمر القذافي في الجزائر. لكن الحسابات العسكرية لم تنفع أمام امتلاك الجزائر وقتها نظام الدفاعات الجوية المتطور “إس-400″، الذي كانت الجزائر أول دولة تحصل عليه حتى قبل أن تحصل عليه الصين. وخلال أزمة “جزيرة ليلى” في يوليو 2022، فرضت إسبانيا في صمت حصارا بحريا عسكريا على المغرب في مضيق جبل طارق. لكنها الآن لا تستطيع تكرار الحصار في أية أزمة مستقبلا، بعدما عزز المغرب قواته البحرية بشكل كبير.

لكن على الرغم من كل ذلك، لا يمكن اعتبار لا المغرب ولا الجزائر─ بحسب حسين مجدوبي ─ قوتين إقليميتين عسكريا. والسبب في ذلك يكمن في أنه لا يمكن لأي دولة منهما فرض أجندتها العسكرية في محيطها. ويضاف إلى هذا، غياب أية صناعة عسكرية في البلدين، علما أن الصناعة العسكرية هي من بين الشروط الرئيسية المطلوب توفرها في القوة الإقليمية.

المصادر :

─ Journal of North African Studies

─ Middle East Journal

─ Economic Research Forum

─ د. حسين مجدوبي – المغرب والجزائر ليستا قوتين إقليميتين (مقال تحليلي بالقدس العربي، عدد 31 يوليو 2024).

─ الموقع الرسمي للمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة CMESR (تقارير ودراسات حول الاقتصاد والسياسة المغربية).

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس