خبير مغربي: أخشى على موريتانيا والسنغال من عدوى الانقلابات

43
خبير مغربي: أخشى على موريتانيا والسنغال من عدوى الانقلابات
خبير مغربي: أخشى على موريتانيا والسنغال من عدوى الانقلابات

أفريقيا برس – المغرب. خلق الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر في 26 يوليو/تموز الفائت، جملة من التحديات ألقت بكلكلها على حالة الاستقرار الهشة في كل دول منطقة الساحل الأفريقي. كما هدد مصالح قوى دولية (خصوصا فرنسا)، ووضع أيضا مجموعة دول غرب أفريقيا (المعروفة اختصارا بـ “سيدياو” بالفرنسية، و”إيكواس” بالانجليزية) أمام خيارات دقيقة وتوازنات جديدة حرجة، سواء على المستوى الإقليمي أو حتى على المستوى المحلي، لعل في مقدمتها خيار (أو بعبارة أصح إكراه) التدخل العسكري لوأد الانقلاب العسكري في النيجر.

لكن في ضوء مخاطر التدخل العسكري الموعود في النيجر، تطرح حساباته المعقدة أكثر من سيناريو وكثيرا من الأسئلة المقلقة. فبعض دول الجوار المباشر للنيجر، ولا سيما مالي وبوركينافاسو، اعتبرت أن التدخل العسكري في النيجر سيكون ضدها وبالتالي ربما قد تساند النيجر على المستوى العسكري. وبالمقابل، نجد دولا أخرى تحمست منذ اللحظة الأولى للمشاركة في الحملة العسكرية لدول غرب أفريقيا، لكنها وجدت معارضة داخلية لهذا التوجه، مثل ساحل العاج ونيجيريا والسنغال، التي خرجت فيها مظاهرات معادية لنية حكوماتها التدخل عسكريا في النيجر. ثم هناك دول أخرى في الإقليم عبرت عن رفضها صراحة لأية حرب، في مقدمتها تشاد والجزائر.

في ضوء هذا المشهد المعقد، تهدد الحرب التي يجري الإعداد لها بدعم فرنسي الاستقرار الإقليمي لمخاطر كبرى، لن تتوقف عند حدود النيجر ومحيطه الساحلي المباشر (مالي وبوركينافاسو ونيجيريا) فحسب، بل قد تطال تداعياتها دول شمال أفريقيا وحتى جنوب أوروبا، على نحو ما ترى كثير من التحليلات الدولية.

في الحوار التالي، نقارب مع الخبير العسكري والاستراتيجي المغربي باهي العربي النص، أبرز التهديدات التي تواجه دول المغرب الكبير، في حال اشتعلت الحرب الموعودة في النيجر.

أجرى الحوار: مصطفى واعراب



بشكل عام، كيف تقرأ تأثير الأزمة الراهنة في النيجر على الدول المغاربية؟

الأزمة الحالية في النيجر ليست سواء جبهة من جبهات الإحتكاك بين نظام قائم منذ نهاية الحرب الباردة يقاوم الأفول، و نظام جديد متعدد الرؤوس يحاول الشروق و اثبات الذات.

منطقة الساحل بصيفة عامة و نظرا لأهميتها الإستراتيجية (تعتبرها أوروبا حدودها الجنوبية) تعيش هذا الإحتكاك على شكل إنقلابات عسكرية شعبوية تستثمر في غبن الشعوب و نقمتها على مستعمر الأمس (فرنسا). وأرى بهذا الصدد أن نقاط الإحتكاك الرئيسية هي ثلاثة: شرق أوروبا، ومضيق تايوان في آسيا، ومنطقة الساحل الإفريقي.

وما يحدث الآن في النيجر ليس إلا ذروة الاحتكاك الحاصل في الساحل، الذي انطلق من مالي ثم بوركينافاسو، نظرا لأهمية البلد ومقدراته وتوقيت أحداثه. لست أدري ما إذا كانت الأزمة ستصب في حرب مفتوحة، لأن الغرب عموما وفرنسا تحديدا وُضعا أمام خيارين أحلاهما مر. فلا السكوت والقبول بالأمر الواقع ممكن، وأي تدخل مباشر قد يفتح أبواب المنطقة على مصراعيها أمام المجهول (حروب إثنية و أهلية، مجاعات، هجرة، إرهاب…الخ ).

وللإجابة على سؤالك، يبدو لي أن كل المنطقة ستتأثر بشكل أو بآخر بمخلفات هذه الأوضاع إن تأزمت أكثر. صحيح أن بلدانا كالمغرب وتونس ستتأثر بدرجة أقل، نظرا لعدم مشاركتها لحدود مشتركة مع البلدان المعنية مباشرة بالأزمة.

برأيك، من هي الدولة التي ستتأثر أكثر في حال شنت قوات مجموعة غرب أفريقيا حربا على النيجر؟

بالتأكيد أن ليبيا و الجزائر اللتان تشتركان مع النيجر بحدود طويلة، هشة وتستحيل مراقبتها هي التي ستتأثر أكثر من غيرها. وأتوقع بأن الوضع في ليبيا سيزداد تعقيدا، والجزائر ستجد على أبوابها أزمة دولية في بلد تشترك معه في حدود تمتد لقرابة الألف كيلومتر. وإذا أضفنا إلى هذه الحدود الشاسعة الأزمات الموجودة أصلا في بقية حدودها الشاسعة مع كل من المملكة المغربية، ومالي، وموريتانيا، وليبيا، فإن الجزائر سوف تجد نفسها في موقف لن تستطيع السيطرة عليه.

وحتى على المستوى السياسي، سوف تجد الجزائر نفسها غير قادرة على الحفاظ على التوازن القائم في علاقاتها مع كل من فرنسا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. فالجزائر ستصبح مضطرة للإصطفاف مع أحد المعسكرين المتنافسين من وراء الستار.

اسمح لي أن ألح على الحالة الجزائرية تحديدا.. فالمراقبون يعتبرون أنها سوف تكون من بين الدول الأكثر تضررا من تداعيات أية حرب قد تشتعل في النيجر في القادم من الأيام..

إن وجود حدود مشتركة شاسعة بين الجزائر والنيجر بطول يناهز الألف كيلومتر، سيجعلها تصبح أقل استقرارا بكثير وحدودا ساخنة، خاصة في حالة تعقدت الأزمة وحصل تدخل عسكري. خصوصا أن الجزائر وهي البلاد المترامية الأطراف، تجمعها حدود مع كثير من البلدان، وعلاقات تتسم بالتوتر بهذا القدر أو ذاك مع جميع هذه البلدان.. إما بسبب الإرهاب، كما هو الحال مع ليبيا وتونس، أو الإرهاب والهجرة السرية مع مالي، وأيضا مع موريتانيا التي تربطها بالجزائر حدود شاسعة تصعب السيطرة عليها، والحدود مع المغرب حيث يسود توتر واضح عسكري وسياسي في هذه السنوات الأخيرة. وانضافت النيجر إلى كل ذلك… وبالتالي هذا الوضع قد لا تحتمله دولة مثل الجزائر.

بالنسبة لي، أتصور دائما الجزائر من الدول التي حكمت عليها الجغرافيا بـ “عقدة الهشاشة”. أي إنها بلد وهبته الجغرافيا مساحة شاسعة من الأرض المفتوحة، بدون تضاريس من شأنها أن توفر له حماية طبيعية. فإذا ما استثنينا الشريط الساحلي [في شمال البلاد] حيث يوفر لها البحر الأبيض المتوسط نوعا من الحماية الطبيعية للجزائر، فإن باقي جغرافية حدودها هي عبارة عن أرض إلى حد ما مسطحة وشاسعة جدا، بحيث من الصعب عليها التحكم فيها. وبسبب ذلك، تعرضت الجزائر عبر تاريخها لعديد الغزوات الأجنبية منذ القدم. وحتى لا نذهب بعيدا نستحضر هنا العثمانيين [ابتداء من القرن السادس عشر] وإمارة القراصنة التي أنشأوها بالجزائر، ثم الغزو الفرنسي ابتداء من ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

وهذا التاريخ المشحون يعكس عقدة هشاشة جعلت البلد الناشئ يلازمه هوس بالعسكرة، التي هي تعبير عن خوف أكثر منه شيء آخر. خوف لأن الجزائري يشعر بأنه قد يتعرض في أي وقت لهجوم من أي بلد من بلدان الجوار. وهذه العقدة تحكم الكثير من تحركات الدولة الجزائرية.

ودعني هنا أشير إلى مثال أراه مشابها للحالة الجزائرية، هو روسيا. فروسيا مع حفظ الاختلاف بين البلدين طبعا هي دولة مترامية الأطراف تتشكل أساسا من السهول [تضاريس منبسطة]، وغنية بالثروات الطبيعية، ولذلك حاول كثيرون غزوها في مرحلة من المراحل التاريخية: البولنديون، والسويديون، والفرنسيون ثم الألمان. وهو ما وَلَّد لدى الروس نوعا من العدوانية الدفاعية، ودفعهم إلى التشبت ببناء مقومات القوة والميل نحو العسكرة المفرطة. ولهذا أرى بأن الجزائر هي نموذج مصغر لروسيا من هذه الناحية..

وعلى ذلك، أرى بأن الجزائر ستجد نفسها مضطرة إلى تخفيف التوتر مع بعض جيرانها، بسبب ما يجري حاليا في منطقة الساحل الأفريقي. وأنا أرشح أن يحصل ذلك مع جارها الغربي المغرب، لأنه هو الذي لديه حدود مشتركة مسيطر عليها تماما مع الجزائر. وبالتالي يمكن أن يخفف عليها الكثير من الضغط ومن العبء الذي لم يعد يحتمل. وأتوقع أن تجد الجزائر نفسها مضطرة ومن باب الضرورة خلال الأشهر القادمة، أو حتى قبل ذلك، إلى الاستجابة للمطالب المغربية والدولية بتخفيف التوتر على هذه الجبهة. فهي لن تستطيع الصمود في ظل كل هذا التوتر العالي، الذي تعانيه من جميع حدودها [مع 6 دول هي من الغرب إلى الشرق: المغرب، وموريتانيا، ومالي، والنيجر، وليبيا وتونس]، بالنظر إلى وسع مساحتها… طبعا حتى ولو كان تخفيف التوتر ظرفيا فقط إلى حين، حتى تتمكن من التفرغ لجبهة أخرى أكثر خطورة.



هل تتوقع أن تكون الحرب المنتظرة في النيجر طويلة أم قصيرة؟

في حال تفجرت هذه الحرب، لا قدر الله، فقد تتمكن قوات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا المدعومة غربيا من حسم مسألة إعادة النظام القديم [الرئيس بازوم وحكومته] في النيجر خلال أيام قليلة. لكن تلك اللحظة بالذات سوف تكون مؤهلة لأن تصبح انطلاقة لحرب طويلة في المنطقة تشيع فوضى عارمة، مثلما كان سقوط كل من القذافي أو صدام أو طالبان بدايات لحروب وليس حسما لها. مع إضافة تعقيدات خاصة تزخر بها المنطقة و تميزها عن غيرها: فسيفساء من الإثنيات، فقر مدقع، مافيا السلاح ووفرة السلاح، انتشار كبير للتنظيمات الإرهابية، الهجرة غير النظامية…الخ.

بالنسبة إلى موريتانيا، البلد المغاربي الذي ينتمي إلى منطقة الساحل، كيف ستتأثر من أزمة النيجر؟

ستجد موريتانيا أهميتها الإستراتيجية تزداد كثيرا، و هذا بدأ يظهر بالفعل من خلال تصريحات الثناء والغزل حول علاقات موريتانيا المميزة مع فرنسا، على لسان كبار المسؤولين الفرنسيين. كما أن الحديث عن إقامة قواعد عسكرية للإمارات في موريتانيا واهتمام إسرائيل بها أصبح حديث الساعة.

باختصار شديد، أصبح خط نواكشوط دكار بالنسبة إلى الغرب بمثابة خط الدفاع الأخير، في مواجهة تمدد وتفريخ أنظمة دول الساحل الأفريقي الجديدة التي لا تبادل الغرب الكثير من الود.

لكن ثمة الكثير من التحليلات حذرت من هشاشة الوضع الموريتاني (جيش صغير تسليحه متوسط، ومساحة البلاد كبيرة، وحدودها الصحراوية شبه مفتوحة مع مالي المشتعلة) وإمكانية تأثره بما يجري في النيجر ومنطقة الساحل والصحراء عموما… بعبارة أخرى: أليست موريتانيا هي “المرشحة” القادمة لانقلاب عسكري آخر؟؟

صحيح ما قُلتَه تماما. فبنية السلطة في موريتانيا هي شبيهة تماما بما هو سائد في باقي دول الساحل الأفريقي. بمعنى أن هناك اعتيادا في موريتانيا على الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة. لكن الامتياز الذي تستفيد منه موريتانيا حاليا يتمثل في الأهمية التي أصبحت تمثلها بالنسبة إلى بعض اللاعبين الدوليين، وعلى رأسهم فرنسا وبعدها تأتي إسرائيل والإمارات وغيرها.

فبما أنها أصبحت الخندق الأخير أصبحت تحظى من لدنهم بعناية خاصة. فلا ينبغي أن يغيب عن ذهننا أنه لم يعد لهم من موطئ قدم بمنطقة الساحل باستثناء موريتانيا والسنغال.

أتفق معك بأن الوضع في موريتانيا هش بما يرشحها لأن تشهد انقلابا عسكريا في مستقبل الأيام، وحتى السنغال الأوضاع فيها ليست مستقرة تماما، رغم خلفيتها الديمقراطية، حيث تم سجن زعيم المعارضة. وبالتالي فإن نواكشوط ودكار ليستا بمنأى عن العدوى [عدوى الانقلابات]، التي من الممكن أن تكون شبيهة نوعا ما —حتى لو اختلفت الوسائل— بالربيع العربي بعامل الانفجار المتسلسل السريع، لكن ليس من خلال المظاهرات الاحتجاجية المدنية ما سبق أن رأينا في المنطقة العربية. بل عن طريق تبني النخب العسكرية الشابة لخطاب المجتمع واستغلالها للغبن المتراكم ضد المستعمرين السابقين والاستعمار الجديد الذي لا زال ينهب خيرات هذه الأمم.

وبالتالي أرى أننا أمام حالة تشابه إلى حد ما، من باب العدوى وسرعة الانفجار. لنتذكر أنه عندما انطلقت أولى احتجاجات الربيع العربي من تونس، قيل حينها إنه من المستحيل أن تصيب عدواها ليبيا التي نظامها أقوى. وعندما أصابت العدوى ليبيا قيل إنها من المستحيل أن تصيب مصر، وهكذا… ولذلك أخشى على موريتانيا والسنغال من هذه العدوى.

وماذا عن المغرب؟ هل سيتأثر بدوره من الحرب التي تدق طبولها بمنطقة الساحل؟ وبأية درجة؟

أرى أن المملكة المغربية توجد في وضع مريح إلى حد ما. لكن ذلك لا يعني أنها ستكون في مأمن من تداعيات الأزمة. عموما، سوف تكسب المملكة أمرين اثنين في تصوري: أولهما، أن دورها سيزيد أهمية في أعين الغرب في مجال مواجهة الإرهاب وامتصاص موجات الهجرة واللاجئين المتوقعة. والثاني أنها ستستفيد من نوع من تخفيف التوتر على حدودها الشرقية مع الجزائر، نظرا لانشغالها بأزمة النيجر واضطرارها إلى توجيه كامل جهدها و إمكانياتها باتجاه الجنوب مع النيجر. ثم إن ثمة استفادة ثالثة أراها على الصعيد السياسي، وستتمثل في أن المغرب سوف يجد نفسه أكثر قربا من بلدان أفريقيا الغربية، وعلى رأسها نيجيريا، في وقت ستكون فيه الجزائر منشغلة بمواجهة أزمة النيجر.

عموما، المغرب محمي إلى حد بعيد من تبعات هذه الأزمة، نظرا لمتانة حدوده شمالا بفعل الجغرافيا [البحر الأبيض المتوسط] وجنوبا بفضل وجود الحزام الأمني الذي يحيط بكامل أقالميه الصحراوية الجنوبية. لكن لا يخفي عنا ذلك كله أن من شأن اندلاع أزمة من حجم ما يجري جنوبه [في منطقة الساحل والصحراء] ستكون له تبعات على عدة أصعدة: اقتصادية، لأن هذه البلدان تربطها بالمملكة شراكات اقتصادية مهمة، وعلاقات إنسانية بفعل موجات اللاجئين المتوقعة، وأمنية في حال تفشى الإرهاب في الجوار الساحلي والمغاربي….الخ.

وفي ختام هذا الحوار، وعلى هامش ما يجري في النيجر حاليا، دعني أقول إن الموقف الأمريكي البرغماتي من هذه الأزمة، قد يكون مؤشرا على إمكانية إحتوائها بالطرق السلمية مهما بدا لنا ذلك صعبا. فأنا لم أسمع إلى حدود الساعة أي مسؤول أمريكي يصف ما حدث في النيجر بـ “الإنقلاب”، على غير عادتهم في مثل هذه الظروف.

فهم يتحدثون فعلا عن ضرورة عودة الشرعية، لكن من دون وصف لما حدث وهذا يترك مساحات للتفاهم والإحتواء..

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس