مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. على عكس القوى الإمبريالية الغربية (وحتى الشرقية ممثلة في الاتحاد السوفياتي السابق)، لا تتورط الصين في حروب عسكرية خارج حدودها. فعقيدة بكين لريادة العالم خلفا للولايات المتحدة، تقوم بالأساس على التسلل الاقتصادي والتجاري الناعم، من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها في العام 2013.
وينبغي الاعتراف للصين بأنها ‒رغم كل ما يشاع عنها من طرف الدول الغربية‒ ساعدت كثيرا من دول العالم الفقيرة وغير الفقيرة. ليس فحسب بالقروض والمساعدات، بل وأيضا في قطاعات استراتيجية، تتجاوز توفير اللقاح في ذروة الموجة الأولى لوباء كورونا، إلى المساعدة على تصنيع عديد اللقاحات الواقية من كثير الأمراض والأوبئة.
وفي هذا الصدد، يشهد المغرب منذ 2016 تغيرا استراتيجيا في علاقاته مع بكين، ضمن رؤيته الجديدة لتنويع شركائه الدوليين. وتستثمر الصين من جانبها أكثر فأكثر في مجالات متعددة بالمغرب، ومع المغرب في القارة الأفريقية التي أصبحت الرباط بوابتها الرئيسة. لكن هذا التوجه يشكل مصدر قلق للأوروبيين والأمريكيين، الذين ظلوا يعتبرون المغرب منذ استقلاله في العام 1956، جزءا تقليديا من “حديقتهم الخلفية”.
خلفيات تقارب استراتيجي
تاريخيا، تعود العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والصين إلى السنوات الأولى لاستقلاله، وتحديدا عام 1958. ومنذ ذلك الوقت، تطورت العلاقات بين الجانبين بشكل عادي.
لكن الزيارة التي قام بها ملك المغرب محمد السادس إلى بكين في العام 2016، حيث تم التوقيع خلال تلك الزيارة على إعلان مشترك بخصوص “الشراكة الاستراتيجية” التي أسست لها الزيارة، بالإضافة إلى 32 اتفاقية ومذكرة تفاهم في عدة مجالات.
وهكذا ساهمت الزيارة في تعزيز العلاقات بين البلدين باتجاه التعميق، إلى أن وصلت إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية فعليا حاليا. فقد نمت العلاقات التجارية بين البلدين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام الماضي حوالي 5 مليار دولار.
ويوجد في المغرب اليوم أكثر من 80 مشروعا كبيرا مشتركا مع الصين، من بينها مشروع “مدينة محمد السادس طنجة تيك” التي تضم عشرات المصانع للصناعات التكنولوجيا، والذي تقدر تكلفته بـ 10 مليارات دولار، ومشروع المنطقة الصناعية في مدينة فاس، وكثير من مشاريع البنى التحتية العملاقة. كما يعد المغرب وجهة للنشاط السياحي الصيني، حيث يقدر عددهم سنوياً بحوالي 150 ألف سائح (من ضمن أكثر من 10 ملايين يزورون المغرب سنويا).
أما المعاملات التجارية بين الرباط وبكين فتعرف رواجا كثيفا، بحيث يستورد المغرب حصة الأسد من صادرات الشاي الصيني، بحجم يبلغ حوالي 70 ألف طن سنويا، وهو ما يمثل 25 في المائة من إجمالي صادرات الصين من هذه المادة الغذائية بفاتورة تصل إلى 1,41 مليار درهم)، فضلا عن التوابل الآسيوية، وخصوصا الأجهزة الإلكترونية التي يستوردها المغرب من الصين، والتي تتصدر قائمة الواردات المغربية، بأزيد من ملياري درهم، متبوعة بالشاي، ثم النسيج بـ 1,32 مليار درهم.
وفي المقابل، يصدر المغرب إلى الصين، على الخصوص، خامات معادن الرصاص والزنك والنحاس (بمبلغ 1,24 مليار درهم)، والمنتجات الفوسفاتية والأسمدة الزراعية (348,09 مليون درهم)، والأسماك المجمدة (166.62 مليون درهم).
أما عسكريا، فرغم متانة العلاقات العسكرية للمغرب مع الولايات المتحدة، فهو يراهن على الصين للحصول على أسلحة نوعية بسعر مقبول، بينها طائرات بدون طيار وراجمات بعيدة المدى، ومنظومات دفاع أرض-جو متطورة.
وهذا التعاون مفيد للمغرب على أكثر من صعيد، حيث تبيع الصين أسلحة متطورة بأسعار معقولة، وتلتزم مبدأ السرية (عكس الدول الغربية التي تتسرب أخبار صفقات مبيعاتها العسكرية بسهولة).
فضلا عن أن الصين تبيع الأسلحة بسهولة وبدون شروط، عكس الدول “الديمقراطية” التي تشترط لبيع سلاحها موافقة هيئاتها المنتخبة (الكونغرس في حالة أمريكا، مثلا).
أما اقتصاديا، فبعد انخراط بكين في مشاريع متعددة بالمغرب، توجه اهتمامه مؤخرا نحو الأقاليم الصحراوية، خصوصا الداخلة. كما أن الصين ملتزمة بالتعاون مع المغرب في مجال إنتاج اللقاحات.
فقد وقعت الحكومة المغربية معها في يوليو 2021، ثلاث اتفاقيات لإنتاج ملايين الجرعات من لقاح كورونا شهريا، باستثمارات حجمها 500 مليون دولار “لتعزيز السيادة الصحية للمملكة”. وهو المشروع الذي انطلق العمل بتشييده الخميس الماضي.
ولأن مجالات التعاون تتطور كل يوم بحيث يصعب حصرها، نشير إلى أنه ‒مثلا‒في نوفمبر/تشرين الثاني، دخلت مجموعة استثمارية صينية كبرى بحصة 35%، في رأسمال شركة تهيئة “مدينة محمد السادس طنجة-تيك”.
وهي مدينة صناعية عصرية، متصلة بالتكنولوجيات الجديدة، يتوقع أن توفر حوالي 100 ألف منصب شغل مباشر.
المغرب بوابة إلى أوروبا وأفريقيا
إن الاهتمام الصيني بالمغرب يجد مبرراته في التوازنات الاستراتيجية الجديدة، التي ظهر فيها المغرب كدولة صاعدة، بحكم موقعه الجغرافي والجيواستراتيجي في مضيق جبل طارق، وعلى تخوم أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء، وعمله المستمر في تنمية اقتصاده وتأهيل قوته العسكرية، ودوره كجسر بين أوروبا وإفريقيا، لم يكن ليفلت من نظرة بكين بعيدة النظر.
فالتحولات الجيواستراتيجية التي شهدها العالم في الخمس سنوات الماضية، قد أفرزت معها جغرافية اقتصادية جديدة سوف تلعب فيها طريق الحرير الصيني الجديد، المعروف إعلاميا باسم مبادرة “الحزام والطريق” (الذي يعتبر المغرب جزء منه) دورا كبيرا خلال العقود القادمة.
في حين أن الدول الأوربية لم تستوعب هذه التغيرات بشكل سريع. فالصين رأت في حاجة العالم النامي لاستثمارات البنية التحتية، فرصة مناسبة لتعزيز مكانتها العالمية وتصدير فائض الطاقة الإنتاجية المحلية إلى الخارج، عندما تباطأ نموها الاقتصادي.
وبالقدر نفسه، أرادت بكين تحويل قوتها المالية إلى ميزة جيوسياسية، والعمل على استمالة دول العالم النامي. بينما اقتصر الرد الغربي في البداية على التعبير عن استعداده للمشاركة بهذه المشاريع، أو التحذير من الطموحات التوسعية الصينية.
وفي هذا الإطار تبدو الصين في حاجة إلى فاعل إقليمي، لتعزيز تواجدها (معه ومن خلاله) في السوقين الأفريقية والأوروبية. ويمتلك المغرب كثيرا من المؤهلات ليكون بوابة عبور للصين نحو أفريقيا وأوروبا.
فهو فضلا عما ذكرنا، يمتلك العديد من الموارد والإمكانيات التي يمكن له من خلالها المساهمة في المبادرة الصينية، إذ تتوفر فيه البنى التحتية الحديثة، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي، والاصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها البلاد منذ سنوات. وسيكون لميناء طنجة المتوسط، الذي يعد أكبر الموانئ في أفريقيا والمتوسط، وأحد أكبرها في العالم، دور كبير في مباردة الحزام والطريق.
وفي هذا الصدد كتبت المجلة الفرنسية “لوبوان”، تعليقا على توقيع المغرب في 05 يناير الماضي على اتفاقية “خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق” مع الصين، بأنه “اعتبارا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، أضحت المملكة تشكل نقطة ولوج للاستثمارات الأوروبية إلى أفريقيا.
وأصبح ميناؤها طنجة المتوسط، يصنف ضمن أفضل 25 قطبا مينائيا في العالم، والثالث من حيث الربط بعد كل من شنغهاي (الصينية) وبنما. وهذا ما لم يغب عن انتباه الصين طبعا”.
وأضافت المجلة الفرنسية قائلة: “إن الموقع الجغرافي للمغرب بين إفريقيا وأوروبا، وقدرته على توفير يد عاملة مؤهلة، وبنيته التحتية وإمكانياته اللوجستية، فضلا عن استقراره الذي لا مثيل له في المنطقة، هي كلها عوامل يمكن أن تفسر اهتمام جمهورية الصين الشعبية بالمغرب”.
وأشار ذات المنبر الإعلامي، إلى أن الرباط وبكين دخلتا في يوليو الماضي مرحلة جديدة، من خلال توقيع اتفاقيات في المجال الصحي، لاسيما في سياق تفشي وباء كورونا.
وذلك من خلال تصنيع وتعبئة لقاح “سينوفارم” [الذي تم تدشينه الخميس الماضي في مدينة بنسليمان من طرف العاهل المغربي]”، وتشدد المجلة على أنه “مجرد خطوة أولى قبل التوقيع على اتفاقيات جديدة، تهدف هذه المرة إلى مشاركة أوسع نطاقا للمملكة المغربية في مشروع الحزام والطريق”.
وللتذكير، فقد قامت قبل أيام قليلة، كل من الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات وبنك أفريقيا المغربي بالتوقيع على اتفاقية تعاون، تهم تشجيع الاستثمارات الصينية بالقارة الأفريقية.
والغرض من الاتفاقية هو “تحديد شروط التعاون الوكالة والبنك وفرعه في مدينة شنغهاي الصينية، فيما يتعلق بتنمية الاستثمارات الصينية في المغرب وأفريقيا، والعلاقات التجارية بين المشغلين المغاربة والصينيين بشكل عام”، بحسب بيان صادر عن بنك أفريقيا الخميس الماضي.
وكجزء من هذه الشراكة، سيعمل الطرفان معًا لجذب المستثمرين الصينيين الذين يرغبون في الاستقرار في المغرب وأفريقيا، من خلال تبادل المعلومات حول المشاريع القائمة وفرص الاستثمار، وذلك بفضل شبكات الشركاء المعنيين من خلال فرع شنغهاي لبنك أفريقيا، وتطوير التعاون من أجل تنفيذ مشاريع مشتركة في المغرب وأفريقيا والصين.
ولهذه الغاية، اتفق الطرفان على إنشاء لجنة يتمثل دورها في تحديد التوجهات الاستراتيجية لهذا التعاون، وضمان تنفيذ الإجراءات المدرجة في إطار هذا التعاون. من خلال هذه الاتفاقية، يؤكد بنك إفريقيا دعمه للمشاريع ذات البعد الدولي، ويعزز دعمه الخاص للاستثمارات الصينية في المغرب.
من جانبها، تعمل الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات على تعزيز آليتها، لجذب ودعم المستثمرين الصينيين، من منطلق أن المملكة تعتبر الوجهة الأكثر جاذبية للاستثمار في إفريقيا.
قلق غربي من التسلل الصيني
منذ أن أعلن العاهل المغربي في خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عن إنشاء خط ثان للقطار فائق السرعة (تي جي في) بين مدينتي مراكش وأكادير، يضاف إلى الخط الأول الرابط بين طنجة والدار البيضاء، تفتحت شهية دول وشركات دولية عملاقة للفوز بهذه الصفقة الضخمة التي ستبلغ مئات مليارات الدولارات.
يثير قرار المغرب منح الصين تشييد الخط الثاني من القطار السريع فائق السرعة بين مدينتي مراكش وأكادير قلق بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة.
وذلك بسبب أهمية تكلفة إنجازه المالية للبعض من تلك الدول، وبسبب الاختراق الصيني لأفريقيا لأسباب جيوسياسية، بالنسبة للبعض الآخر منها. خصوصا فرنسا التي شيدت الخط الأول من القطار قبل سنوات، في عملية رافقها الكثير من الجدل السياسي والمالي في المغرب.
وفي أعقاب ذلك، جرى الحديث عن نية المغرب منح الخط الجديد للصين، حيث سيكون من خطوط القطارات فائقة السرعة الأولى التي ستنفذها الصين خارج أراضيها. ويأتي اختيار المغرب للصين لأسباب متعددة مالية وجيوسياسية.
فعلاقة بالجانب المالي، يعني رهان المغرب على الصين تقليص فاتورة إنجاز المشروع إلى قرابة النصف، مقارنة مع المبلغ المالي الذي كلفه الخط الأول من القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء؛ حيث قارب الثلاثة مليارات يورو في شكل ديون حصل عليها المغرب، علاوة على خدمة الدين المرتفعة، ما جعله مشروعا مكلفا للغاية حصلت عليه فرنسا عن طريق ابتزاز قوي للرباط في ملف الصحراء المغربية.
ولذلك فإنه فضلا عن كون مشروع الخط الثاني تقترح الصين إنجازه بنصف التكلفة التي تحصل عليها المقاولات الفرنسية، فإن بكين ستساهم في تمويله بقروض ضعيفة الفائدة، ويتم تسديدها في آجال طويلة ومريحة للمغرب.
وأما بشأن الرهان الجيوسياسي، ينوي المغرب التعاقد مع الصين لكي ينضم إلى طريق الحرير الذي تهيكل به بكين جزءا كبيرا من العالم التجاري يشمل أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، حيث يعتبر الطريق التجاري الأكبر خلال العقود المقبلة.
وتريد الصين المشروع لكي تنقل تكنولوجيا المواصلات إلى الخارج بعدما نجحت في الهيمنة على تكنولوجيا الاتصالات بفضل شركاتها الكبرى مثل هواوي. لكن ما تعتبره الصين رمزا لقوتها الجديدة، يعتبره الغرب ضربة لمصالحه الرمزية، إذ لا يرغب الغرب في تواجد الصين في مناطق تعتبر تاريخيا من نفوذه وبمشاريع تبرز تقدم هذا البلد الآسيوي.
وفي هذا الصدد، تكررت على مدى السنوات الأربع الأخيرة الضغوط الفرنسية على المغرب لكي يتخلى عن الصفقة مع الصين ويراهن على القطار الفرنسي. خصوصا من جهة توظيف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لانتزاع الصفقة.
وفي حين يهيمن على القلق الفرنسي الهاجس المالي، فإن القلق الأمريكي تحكمه أسباب جيوسياسية في إطار صراع النفوذ العالمي بين واشنطن وبكين. ولذلك أشارت مصادر غربية إلى أن الأمريكيين أن أبلغوا “قلقهم” للمغاربة.
فالمعروف أن الولايات المتحدة تضغط على كل حلفائها للابتعاد عن المشاريع مع الصين، التي من شأنها أن تبرز تقدم هذا البلد وتدفع به إلى ريادة العالم. وختاما، يتبنى المغرب سياسة تنويع الشركاء من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية فعزز علاقاته مع الشركاء غير التقليديين كالصين أساسا وروسيا.
لكن يبقى السؤال إلى أي مدى سيبقى المغرب قادراً على أن يوازن في علاقاته، بين الصين من جهة، وكل من الاتحاد الأوروبي (شريكه التجاري الأول حتى الآن) والولايات المتحدة، التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء ذات 10 ديسمبر 2020…
أوروبا تتحرك متأخرة لمنافسة بكين!
وفي ضوء التطورات الجارية، وحرب النفوذ وعلى الطرق التجارية، تعتبر مصادر أوروبية بأن المنطقة المغاربية تعد استراتيجية للاتحاد الأوروبي، بحيث بدل أن يوجه الاتحاد جهوده لمنافسة الصين في آسيا البعيدة عنه، فإن عليه أن يستثمر أكثر في حماية امتدادات نفوذه في القارة السمراء أولا، خصوصا في شمالها (سيما المغرب) ذو الأهمية الاستراتيجية بسبب مجاورته لأوروبا.
والقيام بمزيد من العمل على تحجيم دور الصين الاقتصادي المتعاظم في المتوسط وبعض مناطق شرق أوروبا. . خصوصا أن الاتحاد الأوروبي يعلم مدى إحباط الدول المغاربية بسبب محدودية استفادتها من “اتفاقيات الشراكة” الحالية، نظرا لاختلال موازين المبادلات التجارية بين الجانبين.
ومن مظاهر هذا الإحباط المغاربي المتفرقة، نلتقط إعلان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مرارا، عن رفضه لصيغة العلاقات المغربية-الأوروبية الحالية، التي تتميز بالاختلال لفائدة الشركاء الأوروبيين، ورفض هؤلاء إقامة مشاريع مشتركة لنقل التكنولوجيا إلى المغرب.
ولوح بالمقابل أكثر من مرة بإمكانية اتجاه المغرب نحو الانفتاح على اقتصاديات قوية أخرى. ويذكر في هذا الشأن أن قرار المغرب قبل عامين، القاضي بمنح الصين صفقة مشروع القطار السريع بين مراكش وأكادير، قد شكل صدمة قوية، ليس فحسب لفرنسا تحديدا والاتحاد الأوروبي عموما، بل وأيضا للولايات المتحدة.
بحيث كشف القرار ‒من وجهات نظرهم‒ عن حجم “التغلغل” الصيني في المغرب. وهو ما عرّض ويعرض المغرب لضغوط قوية للدفع به إلى إلغاء الصفقة ومنحها لشركة غربية. ولا يبدو أن الضغوط السياسية وحدها تكفي.
فمن مظاهر عدم الرضى المغاربية من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، يمكن أن نضيف غياب وزير خارجية المغرب عن منتدى برشلونة الأخير (29 نوفمبر الماضي)، مفضلا بدلها المشاركة في قمة “الصين-إفريقيا”، التي جمعت بين الاتحاد الإفريقي والصين، التي تزامنت المنتدى واحتضنتها العاصمة السنغالية السنغالية!
ويفسر كل ذلك لماذا قدمت المفوضية الأوروبية استراتيجيتها الجديدة “البوابة العالمية Global Gateway”، في الفاتح من الشهر الماضي، لمنافسة الطموح الصيني.
وتعد هذه المبادرة التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يوم الفاتح من ديسمبر، ردا أوروبيا على المبادرة الصينية، التي استثمرت فيها بكين منذ 2013 عشرات المليارات من القروض، في بناء الموانئ والطرق والجسور في جميع القارات؛ حيث تهدف أوروبا إلى حشد ما يصل إلى 300 مليار أورو (340 مليار دولار) من الأموال الحكومية والخاصة بحلول 2027، أي نحو 60 مليار يورو سنويا، لتمويل مشاريع البنية التحتية خارج الاتحاد الأوروبي، في دول غرب البلقان وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، من خلال قروض ومساعدات.
وتؤكد المفوضية الأوروبية أن “الاستثمار في القطاعات الرقمية، والصحية، والمناخية، والطاقة، والنقل، إلى جانب التعليم والبحوث، سيشكل أولوية” ضمن هذه المبادرة.
في ذات السياق، يُنتظر أن تطلق الولايات المتحدة بدورها مبادرتها الخاصة في ذات الاتجاه، ما يكشف بجلاء أن حرب القوى الكبرى دخلت بالفعل مرحلة حرب عالمية على النفوذ وطرق التجارة العالمية. بيد أن “البوابة العالمية” ما زالت غير واضحة المعالم، وأقرب إلى “إعلان نوايا” منه إلى استراتيجية محكمة.
وبالنظر إلى فشل الأوروبيين سابقا في الاتفاق حول تنزيل “استراتيجيات” مشاريع مشابهة وإن أقل حجما، فإن السؤال الكبير الذي يطرحه الموقف هو: هل سيتمكنون من اللحاق بالتنين الصيني الذي سبقهم بجولات كثيرة على الميدان؟
وفي حين عبرت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي عن تفاؤلها بمبادرة “البوابة العالمية”، مراهنة على قدرتها على سد الفجوة الزمنية بينها وبين الصين التي سبقتها في إعلان خطتها بسنوات، اعتبر مسؤول في الاتحاد بالمقابل أن الخطة “ليست أكثر من خطاب نوايا ومجرد بيان سياسي”. وأطلق الكثير من الخبراء الأوروبيين الكثير من نيران التشكيك في نجاح المبادرة. . فبماذا يتعلق الأمر بالتحديد؟

بشكل أساس، تعتمد الخطة الأوروبية على برامج موجودة مسبقا، لكن سيتم إعادة توجيه الأموال. من المنتظر توفير الأموال في شكل قروض من بنك الاستثمار الأوروبي، بضمان من الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات المالية العامة الأوروبية، مثل الوكالة الفرنسية للتنمية أو بنك الائتمان لإعادة الإعمار في ألمانيا.
وبحسب الوثيقة المؤطرة للمشروع، فإن الخطة تهدف إلى إعطاء “علامة تجارية شاملة لاستثمارات الاتحاد الأوروبي الواسعة بالفعل في البنية التحتية بجميع أنحاء العالم”، والسماح بتنسيقٍ أفضل بين الدول الأعضاء، وتوسيع التعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين وجعل التمويل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.
وتشير الوثيقة أيضا إلى أنه في ظل دورة الميزانية الحالية للاتحاد الأوروبي وحتى عام 2027، من المتوقع أن تزيد الاستثمارات بشكل كبير، من خلال برنامج المساعدة الإنمائية العالمي لأوروبا.
وسيسعى البرنامج إلى “حشد رأس المال الخاص” أيضا لتعزيز الاستثمارات. ومن المنتظر أن يقدم الاتحاد ضمانات للتمويل من آلية “الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة بلس”، بالإضافة إلى تخصيص 18 مليارا من المنح والمساعدات، بحسب المسودة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس