بقلم: مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. لا يبدو التوتر المتواصل بين أكبر بلدين مغاربيين، المغرب والجزائر، منذ عامين مرشحاً لتراجع قريب. فالمؤشرات جميعها تبعث على التشاؤم في إمكانية الوصول إلى حلول سياسية، تطوي حرباً باردة يفرضها جوار صعب قائم بين البلدين، منذ استقلال الجزائر قبل ستة عقود. وضمن آخر مؤشرات استمرار العداء بين الجارين واتساعه، ما أعلن في المغرب والجزائر عن تضمين ميزانية الدفاع للبلدين برسم العام 2022، زيادات هامة ستضاف بالأساس إلى مخصصات اقتناء السلاح الثقيل والباهظ.
التحليل التالي يقدم قراءة في مكونات ميزانيتي الدفاع في الجزائر والمغرب وأوجه صرفهما، وصولا إلى كشف كيف وإلى أي مدى يؤثر سباق التسلح الذي لا يتراجع بين البلدين، على توازن ميزان القوى الإقليمي أو اختلاله.
الجزائر.. رُبع الميزانية للجيش
لم يكن مفاجئاً أن ترفع الجزائر ميزانيتها للدفاع برسم العام القادم، في ظل أجواء التوتر بينها وبين جارها الغربي للعام الثالث على التوالي. فمن خلال متابعة “خطاب الحرب” الذي لا يتوقف، تبدو القيادة الجزائرية مهتمة بالمغرب أكثر من انشغالها بالتطورات الخطيرة بمنطقة الساحل وليبيا وبدرجة أقل خطورة في تونس. ويجد هذا الاهتمام تفسيره في حسم المغرب قضية الصحراء، التي راهنت عليها القيادات السياسية والعسكرية الجزائرية منذ 1975 لإضعاف المغرب. ولفرض زعامتها على المنطقة المغاربية من خلال حرب النفوذ التي تتواجه فيها الجزائر مع المغرب.
وبحسب مشروع قانون المالية للعام 2022، فإن الجزائر التي تعد أكثر الدول الإفريقية إنفاقا على المجال العسكري، رفعت ميزانيتها العسكرية بحوالي مليار دولار لتبلغ 9,7 مليار دولار، في مقابل 9 مليارات دولار برسم العام الجاري. وكانت الاحتياطات المالية الجزائرية بلغت ذروتها التاريخية، في يونيو حزيران 2014 عندما قاربت 200 مليار دولار. وهو ما سمح للحكومة بأعلى إنفاق تاريخي على التسليح في تاريخ الجزائر، حيث زادت ميزانية الدفاع للعام 2015 عن 13 مليار دولار. لكن على الرغم من ظروف الأزمة المالية الحادة، يتم استثناء ميزانية الدفاع من خطط التقشف التي طالت جميع القطاعات الحكومية.
ويعتبر الاقتصاد الجزائر تابعاً لعائدات المحروقات (النفط والغاز)، التي تشكل 93% من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، بحسب معطيات حكومية رسمية. وقد تراجعت إيرادات الجزائر من النقد الأجنبي منذ 2014، بسبب الصدمات النفطية المتعاقبة، من 60 مليار دولار إلى 33 مليار دولار فقط في 2019، وسط توقعات بـ 23 مليار دولار فقط نهاية العام الجاري. ومنذ أسابيع، كشف صندوق النقد الدولي أن الجزائر في حاجة لسعر برميل نفط يفوق 160 دولارا، لأجل ضمان توازن ميزانيتها للعام 2021 وهو طبعا رقم بعيد جدا عن الواقع، ما يعني تفاقم الأزمة عاما بعد عام.
ويمثل الإنفاق العسكري قرابة 7% من الناتج الداخلي الجزائري، وهو ما يشكل عبئا على التنمية الاقتصادية؛ بالنظر إلى أنه يخصص مليارات كثيرة للمشتريات العسكرية وتمويل الحاجات المتزايدة للمؤسسة العسكرية. وطبعا يتم ذلك على حساب تمويل قطاعات اجتماعية، إذ على سبيل المقارنة، فإن ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية تفوق مجموع ميزانية وزارة التربية والصحة معاً. حيث لا تزيد ميزانية وزارة الصحة المخصصة لرعاية 45 مليون جزائري، عن ثلث ميزانية وزارة الدفاع فقط، بواقع 3,2 مليار دولار؛ على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تضغط على أداء هذا القطاع، خاصة في ظل تواصل تفشي وباء كورونا.
المغرب.. غواصات وتصنيع عسكري
وعلى غرار الجزائر، تضمن مشروع القانون المالي المغربي للعام القادم زيادة في ميزانية الدفاع. وبعد أن تم إقرار القانون من طرف الحكومة الجديدة مطلع الأسبوع الماضي، يرتقب أن يتم التصويت عليه بالموافقة في البرلمان بغرفتيه دون مشاكل. وقد حددت المادة 34 من المشروع، مبلغ 115 مليارا و953 مليون درهم كقيمة للنفقات المأذون للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، الالتزام بها خلال سنة 2022 بحساب النفقات من المخصصات المسمى “شراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية” المغربية. وبذلك ستشهد ميزانية الترسانة العسكرية المغربية لسنة 2022، ارتفاعا طفيفا تجاوزت قيمته 604,4 مليار درهم مقارنة مع السنة الجارية.
مشروع قانون المالية الجديد رفع من الميزانية المرصودة لـ”شراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية” مقارنة مع قانون مالية السنة الجارية. والملاحظ أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة بين سنتي 2018 و2022، عرف الإنفاق المغربي على السلاح تصاعدا مطردا وغير مسبوق في تاريخ المغرب، كما يشير إليه الجدول المرفق. ويأتي هذا التنامي المضطرد تلبية للمخطط الاستراتيجي، الذي استغرق عقدا كاملا (2010-2020)، سعى المغرب خلاله إلى تحديث قواته الثلاثة (الجوية والبرية والبحرية)، ليتوجه إلى التصنيع العسكري. وضمن هذا المسعى سيخصص القسم الأكبر من ميزانية 2022، لتمكين الجيش المغربي من إكمال تنزيل مخططاته التحديثية لعصرنة وتجديد ترسانته وقواته.
ويرى خبراء أن تعزيز البحرية المغربية أصبح أولوية مطلقة حاليا، بالنظر إلى طول سواحله المطلة على المتوسط والأطلسي بما يزيد على 3500 كلم، بينها حوالي 1000 كلم سواحل الصحراء المغربية. ولذلك ستعطى الأولوية خلال عامي 2022 و2023، لشراء فرقاطتين من نوع FREMM الشبحية متعددة المهام، وزوارق دوريات هجومية سريعة تركية. وقد يتجه المغرب لاستكمال دورة تسليحه البحري، إلى اقتناء غواصات ستكون الأولى ضمن أسطوله، تفيد مصادر إعلامية أن الرباط مهتمة باقتناء غواصة “سكوربين” الفرنسية الصنع. بينما نقلت مصادر أخرى أن المغرب ربما يفاوض فرنسا لاقتناء جزء من غواصات “أتاك”، التي كانت فرنسا تنوي بيعها لأستراليا.
بحسب مصادر استخبارية تعزيز ترسانات البحرية المغربية يهدف إلى منحها الوسائل الكفيلة بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات بشكل أكثر فعالية، ولكن أيضاً وقبل كل شيء تعزيز أمن مياهها الاقليمية، لا سيما من أجل حماية أفضل لعمليات التنقيب عن النفط التي يتم إجراؤها في عرض السواحل المغربية، خصوصاً بالأقاليم الصحراوية.
وفضلا عن ذلك، ستشمل ميزانية عامي 2022 و2023 إطلاق مشروعات صناعية حربية بشراكة مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وبولونيا وربما بعض الدول الخليجية أيضا. ويشرح هذا سر استئثار قطاع الدفاع بأغلبية الوظائف ضمن ميزانية 2022، حيث تم تخصيص 10.820 منصبا لقطاع الدفاع من أصل 26.860 ألف وظيفة حكومية سيتم إحداثها. إذ يرى باحثون أن ما يفسر تخصيص هذا العدد الكبير من المناصب المالية لقطاع الدفاع، هو الحاجة إلى توظيف مهندسين وفنيين وغيرهم، لمواكبة توجه المغرب نحو التصنيع العسكري والدفاعي.
اختلالُ ميزان القوى الإقليمي
وفقا للتقرير السنوي الذي أصدره معهد أبحاث السلام “سيبري” السنة الماضية، فإن الجزائر تعد من بين أكبر 10 دول في العالم من حيث حجم الإنفاق العسكري. وهي الأولى في المنطقة المغاربية، بل وفي القارة الأفريقية بأكملها. لكن هذه الخلاصة التي أضحت شعارا وعنوانا يباهي به الجزائريون غيرهم، لن تصمد طويلا. فالمغرب فق ما قدمناه من أرقام آخذ في تجاوز هذه الحقيقة ، اعتبارا من العام القادم.
والواقع أن هذا السباق المجنون الذي لا يتعب نحو من ينفق أكثر على التسلح، يقرب المنطقة أكثر فأكثر من اندلاع حرب طاحنة بين الجزائر والمغرب. فإذا ما صدقنا تهديدات القادة العسكريين والرئيس عبد المجيد تبون ، فإن الحرب لم تعد تنتظر سوى مبررا للاشتعال. والحال أن التطورات التي تجري في منطقة غرب المتوسط لا تقف ارتداداتها عند الحدود المغاربية، بل تُهَيّج كذلك قلقا متعاظما لدى الإسبان. فإسبانيا التي تطل على المغرب والجزائر من الضفة الأوروبية لمضيق جبل طارق، لا تنظر بعين الرضى إلى سباق التسلح الذي يجري بجوارها المباشر. وهي تشعر بقلق مضاعف من غريمها التاريخي المغرب، أكثر مما تتحسب من الجزائر. والسبب في ذلك أن الرباط بمجرد ما ضمنت اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه الغربية في 10 ديسمبر 2020، مرت للسرعة القصوى على طريق تحرير مدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية التي تحتلها إسبانيا. كما أن تحديد المغرب لمجاله البحري أغضب مدريد لأسباب كثيرة يطول شرحها.
وبالنظر إلى جميع هذه الاعتبارات، ينظر الإسبان إلى تطور التسلح المغربي بكثير من الحذر والتوجس. فاقتناء الرباط لـ 36 مقاتلة هليكوبتر من نوع أباتشي أمريكية الصنع، وامتلاكها وسائل متطورة للتجسس من قمرين اصطناعيين من فرنسا ورادارات أمريكية متطورة جدا..وغيرها من الأسلحة والمعدات مما لا تملكه إسبانيا نفسها، يجعلها تعيد حساباتها مع عدوها التاريخي المغرب. كما أن حصول المغرب على صواريخ أمريكية متطورة جداً مضادة للسفن من نوع “هاربون بلوك 2″، يخصصها لحماية مياهه الإقليمية، خلقت انزعاجا كبيراً لدى الإسبان الذي كانوا معتادين على تفوقهم العسكري الاستراتيجي. خصوصا وأن الصفقات تأتي تباعاً، في ظل عدم توصل الرباط ومدريد إلى حلول حول الثروات بالمنطقة الاقتصادية البحرية التي رسمتها المملكة.
والواقع أنه في الوقت الذي تقول الحكومة الإسبانية إنها لا تملك مخصصات كافية، تسمح لها بتطوير ترسانتها الحربية لمجاراة التطورات الجارية في محيطها المغاربي، وأنها بالتالي تعول على شركائها في حلف الأطلسي.. لا ينضب معين جاريها الجنوبيين المغرب والجزائر من أسلحة كل مرة أكثر تطورا من سابقاتها.
وفي الوقت الذي تقول الجزائر إن شركاءها الروس وَعَدُوها، بأن يبيعوها أسلحة استراتيجية باعتبارها زبونا وفياً، نظير منظومة الدفاع S-400 والمقاتلة “الشبح سوخوي -57. نقلت آخر الأخبار عن جهات حكومية أمريكية، إعلانها أن المغرب أبرم صفقة سلاح تاريخية بمبلغ 12 مليار دولار مع واشنطن، من دون ذكر أية تفاصيل. وذهبت بعض القراءات إلى أن الأمر قد يتعلق بشراء سرب من مقاتلات f-15 النسر، ما قد يكون من شأنه أن يجعل المغرب ثاني دولة في العالم تمتلك مقاتلات f-16 الصقر والـ f-15 بعد الكيان الإسرائيلي.
ويستمر السباق…