مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. لم تكن العلاقات القطرية المغربية هادئة ولا عادية على مدى النصف قرن من عمرها، وبشكل خاص خلال الثلاثين عاما الماضية. فمنذ تسلح الدوحة بأداة ضغطها الناعم “قناة الجزيرة” في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كان المغرب في صلب حملاتها الإعلامية على نحو أزم العلاقات بين البلدين من وقت لآخر. وكان لصعود قوى الإسلام السياسي بعيد موجة “الربيع العربي”، ووصول حزب “العدالة والتنمية” المقرب من قطر إلى رئاسة الحكومة المغربية لولايتين (2011-2016 ثم 2016-2021)، سببا آخر من أسباب عدم رضى الرباط من الدوحة، رغم تراجع حملات “الجزيرة”. وبسبب ذلك فإن العلاقات القطرية المغربية لم تتطور، بقدر ما شهدته العلاقات مع دول خليجية أخرى، مثل السعودية والإمارات والكويت. ولذلك أيضا تكتسي الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المغربية الجديد عزيز أخنوش، للدوحة الاثنين الماضي أهمية خاصة بالنسبة للطرفين.
قضية الصحراء و“الجزيرة“
لفترة طويلة، ظلت الدوحة والرباط على خلاف خافت. فمنذ تسعينيات القرن الماضي كانت قطر تصرف عداءها للمغرب من خلال ذراعها الإعلامي الفعال “قناة الجزيرة”. فكانت برامجها تبالغ في انتقاد كل ما يجري في المغرب، وفتحت ذراعيها لاحتضان جبهة البوليساريو في برامجها التي تحظى بنسب عالية من المشاهدة، لإبراز وجهة نظر معادية بصراحة للمغرب. لم يفهم المغاربة من جهتهم سر هذا الموقف من قطر التي ليست لهم معها أية مشاكل معروفة. والغريب أنه رغم أن العاصمة القطرية كانت تأوي “مكتب اتصال إسرائيلي” منذ توقيع الفلسطينيين على اتفاق أوسلو في 1993، إلا أنها ظلت تنتقد المغرب على “تطبيعه” العلاقات مع تل أبيب.
لكن في 29 أكتوبر/تشرين أول 2010 بلغ السيل الزبي بالسلطات المغربية، فأمرت بإغلاق مكتب قناة الجزيرة بالرباط. وكان سبب غضب السلطات المغربية هي التغطية التي اعتبرتها “لا مسؤولة”، لأحداث “اكَديم ازيك” التي وقعت في الصحراء المغربية. ونتذكر أن خالد الناصري وزير الاتصال المغربي، توعد حينها في بيان رسمي ناري بأن “ملف إغلاق قناة الجزيرة وسحب الترخيص من مراسليها قد تم إغلاقه، بشكل نهائي وغير قابل للمراجعة تحت أي ظرف كان”. لكن الأيام كذبته، حيث لم يستمر الإغلاق سوى قرابة العام قبل أن تسمح السلطات المغربية بإعادة فتحه، واسترجع العاملون بالمكتب تراخيص اعتمادهم، فيما اعتُبر حينها “مجرد سحابة صيف عابرة” في سماء العلاقات بين المغرب وقطر.
بعد ذلك، وفي إطار خطوة للتهدئة، سافر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى المغرب في 24 نوفمبر 2011، في إطار زيارة رسمية. فوقع التوقيع خلالها على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم، وتم في إطارها ضخ مليارات من الدراهم من الاستثمارات القطرية في الاقتصاد المغربي. من بين هذه الاتفاقيات تم إنشاء صندوق “وصال كابيتال” الشهير للاستثمار في القطاع السياحي، وهو مشروع وضعه وزير السياحة السابق ياسر الزناكي (المشروع الذي عبد له الطريق ليصبح مستشارا للملك محمد السادس) ، حيث تشكل رأسماله من خلال دفع كل من الكويت، والمغرب، قطر، الإمارات مبلغ 500 مليون يورو لكل دولة منها، لاستكمال التمويل المالي لرؤية 2020، ما مكن بالتالي من إنقاذ السياحة المغربية من الأزمة التي كانت تتخبط فيها.
لكن ذلك لم يمنع تكرار الاستفزازات لمشاعر المغاربة. وهكذا فخلال دورة الألعاب العربية التي استضافتها الدوحة في خريف 2011، تم اعتماد خريطة للوطن العربي يظهر فيها المغرب مفصولا عن صحرائه، على خلاف خريطة الوطن العربي الرسمية المعتمدة من جامعة الدول العربية. وهو ما رد عليه “هاكرز” مغاربة بالهجوم على مواقع رسمية قطرية.
”حياد” المغرب كان إيجابيا
سنوات بعد ذلك، شهدت العلاقات السعودية المغربية انقلابا عميقا، ابتداء من تاريخ 21 يونيو 2017، عندما أقدم الملك السعودي بإعفاء الأمير محمد بن نايف وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا جديدا لعهد العرش السعودي. فبعدما كان الملك سلمان بن عبد العزيز حريص منذ مبايعته في 23 يناير 2015 حاكما للسعودية خلفا لشقيقه الراحل عبد الله، على جعل المغرب بالنسبة للرياض حليفا استراتيجيا، غيّر ابنه محمد بن سلمان بوصلة السياسة الخارجية السعودية 360 درجة، مع المغرب ومع غيرها من الحلفاء التاريخيين لبلاده. فقد أصبحت علاقات الرياض مع دول الجوار العربي تتأسس على معيارين أساسيين، هما الموقف من الحرب في اليمن، والمقاطعة التي فرضتها السعودية مع مصر والامارات والبحرين على دولة قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017. فاتخذت مواقف بمقاطعة أي دولة لا تؤيد الحرب في اليمن، أو تقيم علاقة طبيعية مع الدوحة. فنتج عن ذلك فتور علاقات الرياض مع معظم الدول العربية المؤثرة، كالكويت والجزائر والمغرب والأردن والسودان.
كان المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أرسلت مساعدات غذائية لقطر في عز الأزمة، بل وزار الملك المغربي الدوحة والتقى أمير قطر في خطوة رمزية لاختراق القرار. ثم منها طار إلى الإمارات للتأكيد على حياد المغرب من المقاطعة.
ورغم أن المغرب بقي ملتزما حينها بالمشاركة ضمن “التحالف العربي” في حرب اليمن، إلا أن القيادة السعودية رفضت موقفه الذي تميز بتبني “حياد إيجابي” من الأزمة مع قطر، بالتأكيد على أن الحياد “ممنوع” في الأزمة الخليجية لأنه يُعتبر تأييدا مبطنا لدولة قطر. وعلى المنوال نفسه، تعتبر الحربان في سوريا وليبيا موضوعين آخرين تعمق حولها الخلاف بين المغرب وبعض الأطراف الخليجية. فمثلا في الوقت الذي غرقت كل من قطر والامارات والسعودية ومصر منذ قرابة عقد، في تمويل وتسليح قوى الثورة أو الثورة المضادة، سعى المغرب إلى مصالحة الليبيين في مؤتمر الصخيرات ثم بوزنيقة، من دون أن يرتهن لحسابات هذه الدولة الخليجية أو تلك. وهي المصالحة التي نسفتها التدخلات الخارجية كما هو معروف، وجرت على المغرب في المقابل كثيرا من العداء من أقرب الأشقاء.
في المحصلة، ومن خلال الموقف الخليجي الصادر بالإجماع عن القمة 41 لمجلس التعاون الخليجي، المنعقدة بالعلا السعودية مطلع العام الماضي، والتي سميت “قمة المصالحة مع قطر، اتضح صواب الحياد الإيجابي في موضوع مقاطعة قطر، التي أصبحت اليوم جزءا من الماضي. كما ربح المغرب تفهم الأشقاء الخليجيين لحقيقة أن الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الخليج والمحيط العربيين، لا تلغي سيادة الدول على قرارها.
قطر و“العدالة والتنمية”
أثيرت قضية دعم الدوحة للتيار الإسلامي في المغرب منذ مايو 2016، باستفادة منابر إعلامية مغربية، مقربة من حزب العدالة والتنمية، من تمويل أجنبي قطري ضخم، متنكر تحت غطاء شراكات إعلامية، من أجل خدمة أجندة سياسية واضحة، هدفها تلميع صورة الحزب والدفاع عن قيادييه وأعضائه وتوجهاتهم، ومواجهة خصومهم.
وفي 2017، تصدر العدالة والتنمية نظراءه من الأحزاب المغربية بموارد مالية تناهز 41 مليون درهم (4,3 مليون دولار)، وفقًا للتقرير المالي السنوي الذي أصدره “المجلس الأعلى للحسابات” المغربي (حكومي) آنذاك؛ وهو ما دفع أحزاب المعارضة إلى لمطالبة بالكشف عن الجهات التي تمول الحزب. وتناقلت وسائل إعلام مغربية تفاصيل ضخ الكثير من الأموال القطرية، في المناطق التي يتمتع فيها حزب “العدالة والتنمية” بنفوذ واسع. إذ سهلت منظمات قطرية عملية دخول تلك الأموال إلى المغرب، ومن بين هذه المنظمات: مؤسسة “جاسم بن حمد جاسم الخيرية”، وهي مؤسسة تابعة لرئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني. والتي تمكنت من ضخ 100 مليون دولار في مدن مراكش وآسفي والصويرة، وهي المدن التي تمكن حزب “العدالة والتنمية” من الفوز بمقاعدها باكتساح في الانتخابات التشريعية العام الجاري.
كما مول بنك قطر الإسلامي بشكل مباشر الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي بـ 50 ألف دولار، والجمعية تتبع حزب “العدالة والتنمية” الإخواني. بينما منحت مؤسسة “راف للأعمال الخيرية” عدة كيانات تابعة للحزب الإخواني المغربي، 15 مليون دولار تحت غطاء تمويل مشروعات صغيرة ومتوسطة. وتم ضخ تلك الأموال في ذات المدن المغربية التي تتمتع بنفوذ واسع لحزب “العدالة والتنمية”.
أما عن المنظمات المغربية التي تلقت أموالا من قطر فأبرزها: مؤسسة بسمة للتنمية الاجتماعية، والتي تلقت تمويلات من الهيئة القطرية للأعمال الخيرية، كما تلقت كذلك 50 ألف دولار بحجة كُلفة إجراء عمليات جراحية في مدينة طنجة، و10 مليون ريال قطري تحت ذريعة تمويل عمليات جراحية، و 400 ألف ريال قطري بحجة القيام بأعمال إغاثة في المغرب، فضلا عن 200 ألف ريال قطري تحت عنوان مواجهة الفيضانات، و 100 ألف دولار من رجل الأعمال القطري غانم سعد الغانم.
أما جمعية العون والإغاثة، التي يترأسها نعيمة بنعيش القيادية بحزب العدالة والتنمية، فقد تلقت دعماً مباشراً من جمعية (قطر الخيرية – الهلال الأحمر القطري). وحصلت على 187 مليون سنتيم من الهيئة القطرية للأعمال الخيرية – 700 مليون سنتيم من الهلال الاحمر القطري بحجة كفالة اليتيم، كما تلقى “منتدى الزهراء للمرأة العربية”، وهو الذراع النسائية للإخوان في المغرب، فقد تلقى أموالًا طائلة من الهيئة القطرية للأعمال الخيرية.
خليجيا، أضرت حظوة “إخوان المغرب” لدى قطر كثيرا بعلاقات المغرب بأهم دولتين خليجيتين: الإمارات والسعودية. حيث يعدّ التقارب القطري مع الإسلام السياسي واحدا من أكبر خلافات الدوحة مع الإمارات والسعودية، اللتان تشجعان نمطاً إسلاميا بعيدا عن السياسة. والحال أنه خلال الفترة التي أعلنت فيها السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها لقطر، كانت الواجهة الإعلامية لحزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة المغربية، تبث أخبارا وتحليلات مساندة للدوحة فيما أسمته “الحصار”.
وفي مارس 2017 ، وفي عز الأزمة الحكومية التي تسبب فيها التأخر المثير في تشكيل الحكومة التي تكلف بها عبد الإله بنكيران منذ شهر أكتوبر من 2016، ظهر بنكيران لا بصفته أمينا عاما لـحزب العدالة والتنمية، بل بصفته الحكومية وبشكل مفاجئ وهو يجلس إلى جانب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي استقبله بالديوان الأميري بالدوحة، على هامش مشاركته في افتتاح النسخة الرابعة لمؤتمر ومعرض قطر للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقرأ العديد من المتتبعين في المغرب وخارجه في ذلك دليلا على الصلة الواضحة بين دعم قطر لـ “إخوان المغرب” في أزمته مع الدولة العميقة في المغرب، ومع غريمه عزيز أخنوش وحزبه.
لكن في 11 سبتمبر الماضي، كانت قطر أول دولة خليجية تهنئ رئيس وزراء المغرب الجديد عزيز أخنوش (الأمين العام لحزب “التجمع الوطني للأحرار” الليبرالي، الذي يعتبر من أشد الأحزاب خصومة لـ”البيجيدي”. وهي خطوة كبيرة اعتبرها كثيرون بالمغرب بمثابة أخذ القادة القطريين مسافة مع الحزب الإسلامي، وتصحيح علاقتهم مع القصر المغربي والأحزاب المقربة منه، في مقدمتها حزب أخنوش.
تعاون “لا يرقى إلى الطموحات”
لقد كان ضروريا استرجاع هذا الجرد التاريخي لعلاقات الدوحة بالرباط، من أجل وضع زيارة رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش للدوحة الاثنين الماضي على رأس وفد هام، من أجل ترؤس انعقاد الاجتماع الثامن للجنة العليا القطرية المغربية المشتركة إلى جانب رئيس الوزراء القطري خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني ونظيره المغربي عزيز أخنوش. وقد ضم الوفد المغربي في أشغال اللجنة العليا المشتركة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني فاطمة الزهراء عمور، ووزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، ووزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح علوي، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة نادية بنعلي، إلى جانب سفير المملكة لدى الدوحة محمد ستري.
وعقب الاجتماع، أشرف الشيخ خالد وأخنوش على التوقيع على عدد من البرامج ومذكرات التفاهم بين حكومتي البلدين. وتضمنت توقيع مذكرة تفاهم في مجال الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأخرى للتعاون في المجالين السياحي وفعاليات الأعمال، وثالثة للتعاون في مجال العمل الرقابي بين ديوان المحاسبة القطري والمجلس الأعلى للحسابات في المغرب. كما شملت أيضا التوقيع على البرنامج التنفيذي الخامس للاتفاق الثقافي والفني، للأعوام من 2022 حتى 2025، والبرنامج التنفيذي الثاني في مجال الرياضة لاتفاق التعاون بين الحكومتين في مجال الشباب والرياضة للأعوام من 2022 إلى 2024، ومشروع البرنامج التنفيذي الثالث في مجال الشباب لاتفاق التعاون بين الحكومتين في مجال الشباب والرياضة للأعوام ذاتها.
في الواقع تحتاج حكومة أخنوش إلى دعم مالي سخي من الشركاء الخليجيين، لتنزيل برنامجها الطموح الذي سبق أن أكدت مرارا أنها تسعى من خلاله إلى تحقيق “تطور اقتصادي في إطار خطة شاملة”، ويبدو في إطار ذلك أنها تتطلع إلى عقد المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الخليج بما فيها قطر. وتعهدت حكومة أخنوش بخلق مئتين وخمسين ألف فرصة عمل مباشرة خلال عامي 2022 و2023، ضمن ما يعرف ببرنامج “أوراش”، لكنها تواجه سنة صعبة بسبب ظروف الجفاف المناخي. وتوقّع خبراء اقتصاديون أن يحقق المغرب نموا اقتصاديا، رغم تداعيات تفشي وباء كورونا وارتفاع أسعار النفط، بينما أشار البنك الدولي في أحدث تقرير له حول الآفاق الاقتصادية العالمية، إلى أن نسبة نمو الاقتصاد المغربي ستصل إلى 3,2 في المئة خلال هذه السنة نتيجة لانخفاض الإنتاج الفلاحي.
وتشكل اللجنة العليا المغربية القطرية المشتركة أحد أبرز مظاهر التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ تجتمع كل عامين بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوقيع اتفاقيات مشتركة. لكن على الرغم من أن هذه اللجنة تأسست سنة 1996، وتعقد دوراتها بالتناوب مرة كل سنتين، حيث تعتبر أداة فعّالة للحوار البنّاء ولتعزيز التعاون الثنائي؛ إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتطور كثيرا. ولذلك يتفق مسؤولو البلدين على أن العلاقات بين البلدين “لا ترقى إلى مستوى الطموحات”.
وبحسب مصادر قطرية، فإن المغرب يعتبر سوقا كبيرا وواعدا يضم العديد من الفرص الاستثمارية التي تجذب اهتمام رجال الأعمال القطريين، حيث وجد أكثر من 80 شركة مغربية تعمل في السوق القطري، بشراكة مع شركات قطرية في مجالات متنوعة، أبرزها الضيافة والتجارة والمقاولات والأزياء والتجميل وحلول الأعمال. بينما يبحث المغرب على تنويع اقتصاده وعدم التعويل فقط على القطاع السياحي رغم أهميته، حيث تهتم السلطات بمجال الاستثمار الأجنبي في قطاعات استراتيجية، ضمنها الطاقات المتجددة.
وبلغة الأرقام، نما حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2021 بنسبة 130%، ليبلغ 754 مليون ريال قطري، مقابل 330 مليون ريال عام 2017. وهو ما يكشف بالملموس أن الحضور الاقتصادي القطري في المغرب لا يوازي نظيره السعودي مثلا، إذ تعد الرياض الشريك الاقتصادي العربي الأول للرباط. وهناك ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات السعودية بالمغرب في السنوات الأخيرة، فالتوقعات الرسمية تقول إنها تجاوزت 4 مليارات دولار منذ نهاية 2016. بينما وصل مجموع الاستثمارات الإماراتية بالمغرب 2,5 مليار دولار. ولذلك كان رئيس الحكومة المغربية عندما اعترف بأن علاقات بلاده مع قطر “لا ترقى إلى مستوى التطلعات”، معرباً عن رغبة الطرفين الارتقاء بها أكثر، مما يعني أن الاستثمارات القطرية بالمغرب مرشحة للارتفاع.
غاز قطري بديل عن الجزائري
على أنه كان لافتا حضور وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة نادية بنعلي، ضمن الوفد المرافق لرئيس الحكومة المغربية بالدوحة. والحال أن الاتفاقات التي جرى التوقيع عليها لم تتضمن –رسميا على الأقل– مجالات الطاقة عموما والمحروقات على نحو خاص. ومن المعلوم أن المغرب يسارع الزمن من أجل تعويض مليار متر مكعب من الغاز، الذي كان يستورده سنويا من الجزائر عبر أنبوب نقل الغاز “المعرب العربي-أوروبا”، الذي قررت الجزائر إغلاقه نهائيا بشكل مفاجئ أواخر أكتوبر الماضي. وهو الإغلاق الذي خلق أزمة تموين طاقية لإسبانيا كذلك، في وقت ارتفعت فيه أسعار الغاز الطبيعي عالميا بشكل كبير خلال الفترة نفسها.
وبسبب ذلك اتجه اهتمام كل من الرباط ومدريد نحو الدوحة، للتفاوض حول صفقات بديلة تعوضهما عن الغاز الجزائري. فالمعروف أن الدوحة تعتبر أكبر مُصَدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ولذلك يعوّل المغرب عليها من أجل إنجاح مفاوضاته مع إسبانيا، بخصوص عكس تدفّق الغاز عبر الأنبوب المغاربي، الذي أغلقته الجزائر، مع تركيزه على التنقيب عن التنقيب على النفط والغاز مع شركات من بريطانيا وإسرائيل والصين وقطر، أملا في الوصول إلى اكتشافات ضخمة تسمح له بتحقيق الاكتفاء الذاتي. فالمغرب لا يمتلك وحدات لتحويل الغاز من سائل إلى طبيعي، وهو ما دفعه إلى الاستعانة بمقدرات إسبانيا في هذا المجال، حيث أعلنت مصادر حكومية إسبانية الأسبوع الماضي عن موافقة مدريد على تحويل الغاز المسال الذي يستورده المغرب إلى غاز طبيعي، ثم ضخه عكسيا إليه عبر أنبوب نقل الغاز المغاربي نفسه الذي أغلقته الجزائر. وكانت مصادر إعلامية إسبانية كشفت بأن الرباط، طلبت من الدوحة إرسال هذه الأخيرة كميات من الغاز المسال إلى موانئ بجنوب إسبانيا بسعر تفضيلي، لتقوم هذه الأخيرة بتحويله ثم ضخه إلى المغرب عبر خط الأنابيب المغاربي نفسه.
وإذا كنا لا نملك ما يكفي من معلومات حول تفاصيل المفاوضات التي أجراها الجانبان حول قطاع الطاقة الاثنين الماضي بالدوحة، فإن المؤكد أن المغرب وقطر خاضا منذ العام 2015 مفاوضات حول تعزيز تعاونهما في مجالات الطاقة، بما في ذلك الطاقة الخضراء التي لمع اسم المغرب فيها عالميا. ومنذ ذلك العام، وحتى قبل أن تقطع الجزائر صادراتها من الغاز للمغرب بسنوات، أجرت الرباط مباحثات طويلة مع الدوحة لعقد اتفاقيات بشأن استيراد ما بين 3 و5 مليارات متر مكعب من الغاز المسال. وعلى الأرجح أن المباحثات بهذا الصدد لم تذهب بعيدا، بسبب تأجيل المغرب إقامة محطات لتحويل الغاز المسال إلى طبيعي، إلى غاية العام 2028.
أما بصدد البديل الآخر الذي يمتلكه المغرب، على المدَيَيْن المتوسط والبعيد، أي التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية، فالملاحظ أن عملاق المحروقات العالمي “شركة قطر للبترول”، انضم مؤخرا إلى الشركات العالمية التي تخوض جهود التنقيب عن المحروقات في بر المغرب وبحره. وهكذا عزز المغرب، اتفاقية طرفاية للنفط الضحل بين المكتب الوطني المغربي للهيدروكربونات والمناجم (ONHYM) وشركة “إيني” و شركة “قطر للبترول”، وفقا للجريدة الرسمية المغربية. ومنح المكتب عدة تراخيص بتاريخ 6 سبتمبر 2021. وكانت شركة النفط الإيطالية “إيني” التي امتلكت 75% من التراخيص من خلال شركتها الفرعية “إيني المغرب”، تنازلت عن 30% من حصتها إلى شركة “قطر للبترول” في عام 2019، بينما يحتفظ “ONHYM” بنسبة 25% من هذه الامتيازات. وبموجب تلك التراخيص تقوم “قطر للبترول” بشراكة مع شركة “إيني”، باستكشاف الساحل البحري الأطلسي جنوب المغرب بشكل سطحي، على مستوى منطقة طرفاية البحرية الضحلة، الممتدة بين منطقة أكَادير والصحراء المغربية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس