الطائرات المغربية بدون طيار تقلق الجزائر

96
طائرة بدون طيار تكتيكية من نوع "هيرميس 900" تابعة لسلاح الجو المغربي

مصطفى واعراب

أفريقيا برسالمغرب. في مقال نشره موقع “مغرب أنتجلنس” المقرب من المخابرات الفرنسية، فإن قيادة الأركان الجزائرية تلقت تقريراً سرياً مقلقاً للغاية من مخابراتها الحربية، يحذر من التفوق المتنامي والكبير لأسراب الطائرات بدون طيار المتطورة، التي بات المغرب يمتلكها. ويأتي ذلك في وقت تفاقمت فيه حدة التصعيد الجزائري حيال الجارة الغربية، إلى درجة أنه لم يعد يمر أسبوع واحد من دون أن يلوح كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الجزائريين، بإعلان الحرب للرد على “استفزازات المغرب التي لا تتوقف”. وكانت آخرها المقابلة الصحفية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي هدد مرة أخرى بلهجة عدائية غير مسبوقة، بـ “الرد على المغرب بشكل سيجعله يندم على اليوم الذي وُلد فيه”.

القيادة الجزائرية “قلقة”

وما دامت الحرب بين الجزائر والمغرب لم يسبق لها أبدا أن كانت وشيكة، خلال الستين عاما الماضية مثل ما هي عليه اليوم، فإن البلدين يعدان العدة تحسباً لاحتمال اندلاعها. وفي حال ما اندلعت فإن الدفاعات الجوية الجزائرية ستنهار تحت ضربات الطائرات بدون طيار المتطورة، التي يمتلكها المغرب أو سيمتلكها في غضون العامين القادمين. والعهدة في هذا الاستنتاج على تقرير تم تقديمه إلى رئيس الأركان الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة مؤخراً. وبحسب موقع “مغرب أنتلجنس” دائماً، فإن تقرير المخابرات الحربية الجزائرية يبني توقعاته المتشائمة هذه بناءً على دراسة نتائج الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، التي استعملت فيها أذربيجان المنتصرة في الحرب بعض الأسلحة المتطورة نفسها التي يمتلكها المغرب، بينما استعملت أرمينيا التي خسرت الحرب نفس الأسلحة الروسية التي لدى الجزائر حالياً. كما تنبني خلاصات التقرير على دراسة الهجمات التي نفذت بأسلحة غربية وتركية في سوريا ضد الجيش السوري والقوات الأجنبية المتحالفة معه. إذ يكشف التقرير المقدم إلى قيادة أركان الجيش الجزائري، عن عجز منظوماته المضادة للطائرات” إس-300″، و”بانتسير” بأنواعها الثلاثة عن مواجهة الأسلحة الجوية المغربية الجديدة ذات القدرات الهائلة.

وتراقب قيادة الجيش الجزائري بقلق بالغ، بحسب تقارير استخباراتية عدة، تطور التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل. سيما ما أُعلِن قبل أسابيع عن زيارة مرتقبة لوزير الدفاع الاسرائيلي إلى المغرب، بهدف التوقيع على اتفاقيات مع الرباط لإطلاق صناعات طيران عسكرية متطورة، بتكنولوجيا إسرائيلية وتمويل تقول بعض المصادر إنه سيكون ‒ربما‒ خليجياً. ويجري الحديث بهذا الصدد عن طائرات بدون طيار للرصد وجمع المعلومات وتوجيه الدبابات من الجو، وطائرات بدون طيار “انتحارية” (كاميكاز) إسرائيلية يرجح أن تتم صناعتها في المغرب قريباً.

ولمتابعة هذه التطورات التي قلبت ميزان القوى العسكري لصالح المغرب، تم تشكيل مجموعة ضيقة تضم على الخصوص اللواء محمود لعرابة قائد القوات الجوية، واللواء سيد علي بنزميرلي مسؤول الإدارة المركزية لأمن الجيش، وآخرين تحت رئاسة اللواء محمد قايدي رئيس دائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش الوطني الشعبي (أي المخابرات الحربية الجزائرية). وتجتمع هذه اللجنة المتخصصة عدة مرات في الشهر، لتقييم تطور الوضع العسكري مع المغرب. وهذه اللجنة هي التي أنتجت التقرير الذي تم تقديمه مؤخرا، إلى قائد الأركان الفريق سعيد شنقريحة.

تفوق جوي للمغرب

طائرة بدون طيار من نوع هيرون (هارفانغ)

بحسب التقرير المقدم إلى رئاسة الأركان الجزائرية، فإن ثلاثة أنواع من الأسلحة يمتلكها الجيش المغربي اليوم أو ستدخل للخدمة خلال العامين المقبلين، تشكل مصدر قلق كبير. ويتعلق الأمر أساساً بثلاثة أنواع من الطائرات بدون طيار متطورة جدا، وهي: طائرات “هيرمس 900 Hermes “، و”هاروب Harop “، و”هيرونHeron”.

بالنسبة إلى الطائرات التكتيكية بدون طيار “هيرمس 900″، فتصنعها مؤسسة “إلبيرت سيستيمز” الإسرائيلية، وتتميز بخصائص تقنية عالية، إذ يمكنها أن تحلق على علو 9 آلاف متر بسرعة تصل إلى 250 كيلومترا في الساعة. ويمكن لها مواصلة التحليق بشكل مستقل لمدة 36 ساعة، للقيام بمهام الاستطلاع والمراقبة والاتصالات. كما يمكن لها حمل حوالي 350 كيلوغراما.

استخدمها الجيش الأذربيجاني العام الماضي للتشويش على القوات الأرمينية، الأمر الذي ساعده على خلق فارق كبير في الميدان. وأسهم بشكل كبير في نجاح عمليات الاستهداف الجوي لمجموعة من المواقع، التي كانت تتم أيضا بواسطة طائرات بدون طيار.

أما “هاروب” فهي طائرة بدون طيار “انتحارية” صغيرة طورتها شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، قادرة على تجاوز أنظمة الكشف عن الطائرات. وتحمل عبوة ناسفة يصل وزنها إلى 23 كلغ، وتقوم بالبحث والتعرف على أهداف العدو قبل تدميرها. بفضل جناحيها الصغيرين (بطول مترين لثلاثة أمتار في باع الجناحين)، يمكن إطلاق “هاروب” من مختلف المنصات في البحر أو على الأرض. ويصل مدى “الدرون” الانتحاري الإسرائيلي هاروب إلى 1000 كلم.

وكان لـ “هيرميس 900″ و”هاروب” دور كبير وفعال في إسكات الدفاعات الجوية الأرمنية، خلال حرب قره-باخ قبل عام. وسبق لتقرير لموقع “ديفانسيا” الإسباني المتخصص في الشؤون العسكرية، أن كشف عن توفر المغرب على سرب (6 أو 12) من طائرات “هيرميز 900” الإسرائيلية.

وأما “هيرون” فهي طائرة بدون طيار إسرائيلية الصنع من الجيل الرابع، سنعرف بها في الفقرة الموالية. وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية كشفت في مقال نشر الربيع الماضي، بأن المغرب اشترى من “إسرائيل” منذ عام 2013‒ عبر وسيط فرنسي هو شركة داسو للطيران‒ ثلاث طائرات بدون طيار متطورة من نوع “هيرون”، بقيمة 50 مليون دولار. ويملك منها حاليا سربا من 6 طائرات، وعقد صفقة قبل 6 شهور لاقتناء عدد آخر غير محدد منها.

وبحسب التقرير المقدم إلى رئيس الأركان الجزائري، فإن هذه الطائرات بدون طيار، في حال دخلت جنباً إلى جنب الحرب مع مقاتلات “بيرقدار” التركية (التي تسلم منها المغرب قبل أسابيع سربا أولياً من 13 طائرة)، ستسمح للجيش المغربي بتدمير الدفاعات الجوية الجزائرية بسهولة. لكن التقرير نفسه لم يشر إلى طائرات بدون طيار أمريكية متفوقة جداً وأخرى صينية، يمتلكها المغرب أو عقد صفقات بشأنها، بل تطرق حصراً للإسرائيلية الصنع منها فقط.

“درون” وحرب الصحراء

طائرة بدون طيار من نوع درون

لا يكشف لا المغرب ولا إسرائيل عن صفقات السلاح التي يعقدانها. لكن مصادر استخباراتية (إسبانية غالباً) تكشف من وقت لآخر بعض التسريبات لهدف أو لآخر. وفي هذا الصدد، كشفت مصادر إعلامية إسبانية أن لدى الرباط بالفعل ثلاث نسخ من درون “هيرمس 900″، تحلق على مدار الساعة على طول الجدار الدفاعي الذي يحمي الصحراء المغربية، من هجمات جبهة البوليساريو.

وتقول مصادر أخرى، إنه منذ عام 2014 كان لدى القوات الجوية المغربية أيضاً، ثلاث نسخ من الطائرة الإسرائيلية بدون طيار من نوع “هيرون”. حيث نشرتها على طول الحدود الجنوبية الشرقية للمغرب (مع الجزائر وجبهة البوليساريو). وهي مخصصة لمواجهة توغلات الجماعات المسلحة الصغيرة والعناصر المسلحة لجبهة البوليساريو.

وقد تم تطوير هذه الطائرة في شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)، بحيث تعتبر من الطائرات طويلة المدى بتكنولوجيا حديثة. وتغطي مساحة واسعة من الأرض بأغراض الاستطلاع الاستراتيجي، ولديها القدرة على الطيران المتواصل لمدة 52 ساعة دون الحاجة إلى العودة إلى الأرض. كما بإمكانها حمل تجهيزات للجهة الراغبة في استخدام الطائرة مع القدرة على الطيران بحمولة تصل إلى 250 كلغ كحد أقصى.

وفي فبراير 2020، استلم المغرب ثلاث طائرات مسيرة من طراز “هيرون”، حصل عليها في مارس 2013 مقابل حوالي 50 مليون يورو. وهي مزودة بأنظمة ومعدات متطورة، تم نقلها من “إسرائيل” إلى فرنسا، مطلية بالألوان المغربية وتم إرسالها إلى المغرب. وبحسب الإعلام الإسباني، فإن المغرب يستخدم طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع في جيشه، يجري استخدمها في المواجهة مع جبهة البوليساريو، منذ خرق وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر 2020.

ويرى مراقبون أن الطائرات بدون طيار تسمح للجيش المغربي بالتصدي لتحركات قوات البوليساريو، التي تعتمد على خطط تكتيكية في شكل مناورات غير كلاسيكية تروم من ورائها السيطرة والتحكم في المجال. فتمكن “درون” المغربية من تمشيط مناطق شاسعة من الصحراء، لتحديد الأهداف العسكرية التي يجب استهدافها بدقة.

ومن أبرز القتلى القائد العسكري البارز في البوليساريو “الداه البندير” في 7 أبريل/نيسان الماضي، في عملية مشتركة، نفذت بطائرة مسيرة مغربية من طراز هيرون (هارفانج) وجهت الليزر نحو الهدف المذكور، ما مكن مقاتلة مغربية من طراز F-16 من توجيه ضربة دقيقة إلى القافلة العسكرية التي كان بينها قائد البوليساريو “البندير”، من مسافة بعيدة باستخدام صاروخ جو أرض.

وبعدها توعدت جبهة البوليساريو في بيان لها قائلة: “سنعرف كيفية التعامل مع الطائرات بدون طيار والأسلحة المغربية الجديدة، وسنعرف كيف نتكيف مع الواقع الجديد، كما فعلنا في الثمانينيات عندما أنشأوا الجدار الدفاعي”.

لكن في الواقع، منذ التدخل الأمني المغربي في معبر الكَركَرات قرب الحدود مع موريتانيا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وإعلان جبهة البوليساريو الحرب، لم تستطع الجبهة القيام بأي هجوم ناجح ضد القوات المغربية المرابطة في الصحراء. بل كانت كل هجماتها انتحارية انتهت بمقتل مسلحيها، غالبا من طرف الطائرات بدون طيار العسكرية التابعة لسلاح الجو المغربي.