مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. على نحو متسارع، تحصل المغرب أخيرا وسط صمت رسمي مطلق، على مزيد من الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية المتطورة للغاية، التي كان طلب شراءها منذ سنوات. الترسانة الجديدة من شأنها أن تُعدِّل معادلة التوازن، ليس فحسب مع جارته الشرقية الجزائر، بل أيضا وبالأساس مع جارته الشمالية إسبانيا، التي باتت تدرس بجدية سيناريوهات حرب محتملة قادمة معه حول سبتة ومليلية.
وضمن آخر المقتنيات العسكرية منظومة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت”، التي يلفها تكتم رسمي مغربي شديد؛ والتي راجت منذ أيام قليلة صور ومقاطع فيديو التقطها هواة، تُظهر شاحنات ضخمة للجيش المغربي وهي تنقلها نحو مخازنه.
فما هي الخصائص الفنية العسكرية لهذه المنظومة؟ وأية إضافة يمكن أن تقدمها للمغرب ضمن معادلة التوازن الإقليمي؟
تروج منذ أيام على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية العالمية، صور ومقاطع فيديو تظهر ثلاث مركبات عسكرية على الطريق فوق الأراضي المغربية؛ وهي تنقل معدات ثقيلة تم إخفاؤها تحت أغطية مموهة. وبعد فترة تشكيك قصيرة حول طبيعة المعدات التي تنقلها الشاحنات، أكد خبراء عسكريون دوليون وعرب أن الأمر يتعلق بالفعل بمنظومة الدفاع الجوي باتريوت. وفي وقت لم تعلن السلطات المغربية ─حتى الآن─ عن أي تفاصيل بشأن عملية الاستحواذ المحتملة، ذهب تقييم خبراء أمريكيين إلى أن تحليل الصور ومقاطع الفيديو، يكشف بأن المعدات تنقصها آلية الإطلاق الخاصة بها، وهو ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بمرحلة تفتيش فني أو تعرف عملي على المنظومة، وليس بمرحلة نشر فعلي لها.
منظومة الباتريوت في المغرب
منذ عام 2019 على الأقل، انخرط المغرب في مفاوضات طويلة مع الولايات المتحدة بشأن شراء النسخة الأحدث من منظومة باتريوت، أي النسخة التي يستعملها الجيش الأمريكي نفسه. في نوفمبر 2021، وافق البنتاغون أخيرا على تصدير منظومة الباتريوت PAC-3 MSE إلى بعض الدول الحليفة، بما في ذلك المغرب. وأعلنت وكالة التجارة الدولية الأمريكية بشكل رسمي، في مذكرة نشرتها على موقعها الإلكتروني حينها، أن القوات الجوية المغربية، كانت بصدد اقتناء منظومة الدفاع الجوي الأمريكي المذكورة.
ولأن إدارة الدفاع الوطني في المغرب معروفة بتكتمها الشديد حول كل ما يتعلق بمقتنياتها من السلاح، فإن الموضوع لفه غموض كبير ما نتج عنه تضارب في التأويل بين من قال إن المغرب حصل على المنظومة وأدمجها في دفاعاته الجوية، ومن قال إن الرباط تخلت عن خيار الباتريوت لأنه باهظ السعر وكلفة تشغيله وكذا صيانته مكلفة، لفائدة مضادات جوية صينية أرخص وفرنسية وإسرائيلية. ثم خرج الموضوع من دائرة التكهنات إلى حين…
ومع انتشار الحجج المصورة قبل أيام، تأكد بالفعل أن منظومة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت (طراز PAC-3 MSE)” وصلت إلى المغرب بالفعل، لإجراء تجارب ميدانية قبل إتمام الصفقة مع القوات المسلحة الملكية المغربية، بحسب ما أفاد به مرصد أطلس للدفاع والتسليح، الذي أضاف بأن اختبارات تشغيل المنظومة سوف تجرى بالقاعدة الرئيسية للقوات الجوية المغربية في سلا. لن بعض الإعلام الإسباني المقرب من مخابرات بلاده العسكرية أن الاختبارات سوف تجري في قاعدة سيدي يحيى الغرب الجوية، التي تقع على بعد حوالي 76 كيلومترا شمال شرق الرباط. هو الأرجح، لأن من يعرف جيدا موقع القاعدتين يعلم أن قاعدة سلا تقع قريبة من تجمعات سكانية كثيفة [مدينة سلا يفصلها عن العاصمة الرباط نهر فقط]، بينما قاعدة سيدي يحي منعزلة عن السكان وهي أول قاعدة ينشئها المغرب متخصصة فقط في تخزين وتشغيل الدفاعات الجوية.
وأيا يكن الأمر، فإن هذه المنظومة الصاروخية المضادة للطائرات متوسط المدى من إنتاج شركة رايثيون الأمريكية ويستخدمها الجيش الأمريكي، إلى جانب عدد محدود من دول حلف شمال الأطلسي وبعض الدول الآسيوية. ولذلك يشكل حصول المغرب عليه حدثا بالفعل، لفت إليه أنظار الإعلام والمحللين العسكريين عبر العالم. ويجمع الباتريوت بين نظام صاروخي متطور مضاد للطائرات وواحد من أقوى الرادارات في العالم (فيما يتعلق بتتبع الهدف). وهو أول نظام سلاح مضاد للطائرات ينجح في التصدي لصاروخ باليستي تكتيكي أثناء القتال، كما أنه أول نظام يوفر الحماية التكتيكية المضادة للصواريخ أثناء التشغيل. وقد أثبت فعاليته في العديد من مناطق الصراع حول العالم. على سبيل المثال لا الحصر، خلال الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، أثبتت الإصدارات الأقدم من منظومة باتريوت، مثل PAC-2، جدارتها من خلال إسقاط المقاتلات والصواريخ الروسية البالستية بدقة كبيرة.
ويرى خبراء عسكريون غربيون أن مرحلة تجريب المنظومة في الميدان على الأراضي المغربية ضرورية، وتشبه هذه عملية اختبار مروحيات أباتشي المقاتلة، التي تم اختبارها على الأرض في المغرب في عام 2016 قبل التوقيع الرسمي على الاتفاقية. وكذلك تجريب أنظمة راجمات الصواريخ هيمارس، التي تم اختبارها عدة مرات خلال مناورات الأسد الأفريقي قبل اقتنائها رسميا من الولايات المتحدة. ولذلك يتوقع المرصد الأطلسي للدفاع والتسليح أن يتم الإعلان رسميا عن الاتفاق النهائي، لشراء القوات المسلحة الملكية منظومة الباتريوت من قبل وكالة التعاون الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، بمجرد انتهاء التجارب الميدانية. وقد بدأت هذه بالفعل في المغرب.
سعي دائم إلى توازن الرعب
لقد تم تطوير منظومة صواريخ أرض- جو باتريوت في الأصل، من قبل شركة رايثيون الأمريكية خلال الحرب الباردة. وتم إدخاله للخدمة في أوائل الثمانينيات ليحل محل منصات الدفاع الجوي الأمريكية القديمة، واكتسب بعد ذلك أهمية تشغيلية خصوصا أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991. لاحقا تم تجهيز المنظومة بمجموعة من الرادار الذي يعمل وفق تقنية المسح الإلكتروني والتوجيه الصاروخي. ومنذ نشرها أول مرة، خضعت لتحسينات متعددة لمواجهة التهديدات الجوية والبالستية المتطورة. وبحلول عام 2025، أصبحت حوالي 18 دولة في العالم تمتلك منظومة باتريوت، بما في ذلك الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإسرائيل، وكوريا الجنوبية، ومؤخرا بولندا والسويد.
ووفقا لتحليلات مواقع دفاعية أمريكية متخصصة، فإن تزامن وصول منظومة باتريوت إلى المغرب تقريبا مع إعلان الجزائر اقتناءها لمقاتلات روسية شبحية ليس صدفة. ففي مقال نشر على موقع “مجموعة التعريف بالقضايا العسكرية” ” Army Recognition Group” قبل يومين (بتاريخ 25 مارس 2025)، فإن المغرب يقوم بتجريب منظومة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت، ردا على اقتناء الجزائر الطائرات المقاتلة الروسية (الشبح) سو-57.
وللتذكير، فقد أعلنت الجزائر الشهر الماضي رسميا، أنها ستستلم الجيل الرابع من مقاتلات “سو-57” الحربية الروسية، لتكون بذلك أول دولة أجنبية تحصل على هذا النوع من الطائرات الحربية الروسية المتطورة. وأضافت السلطات الجزائرية أن طيارين جزائريين موجودون حاليا في روسيا للتدرب على قيادتها. ومن المقرر أن تبدأ عمليات تسليم هذه الطائرات ذات القدرات الشبحية قبل نهاية العام الحالي، وفق تأكيدات رسمية روسية وجزائرية، لكن لم يتم الكشف عن عدد الطائرات المنوي تسليمها وسعرها أيضا، بينما تفيد تقارير عسكرية روسية وغربية أن تكلفة الطائرة الواحدة تبلغ 35 مليون دولار. تصف روسيا “سو-57” بأنها “طائرة معجزة” تملك قدرات تكنولوجية لا مثيل لها، وقال عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنها “أفضل طائرة في العالم”.
واستنادا إلى مقال “مجموعة التعريف بالقضايا العسكرية” المذكور، فإن المعلومات المتاحة ─إلى حدود الساعة─ تشير إلى أن المغرب اختار نظام باتريوت المتقدم ذو القدرة الصاروخية المعززة (PAC-3 MSE)، لأن صواريخه الاعتراضية تتميز بالقدرة على التعامل مع الطائرات على مدى يتجاوز 160 كيلومترا، وكذا الصواريخ البالستية التكتيكية على مدى يتجاوز 35 كيلومترا. ويدعمها رادار يوفر تغطية بزاوية 360 درجة وتتبعا متزامنا لأكثر من 100 هدف في نفس الوقت.
وهي متطورة إلى درجة أنه يمكن لبطارية واحدة أن تحمل أربعة صواريخ من نوع PAC-2 GEM-T أو ما يصل إلى 16 صاروخًا من نوع PAC-3 MSE. ولذلك فإن من شأن الاستحواذ على هذه المنظومة أن يزيد بشكل كبير من قدرة المغرب الدفاعية، ضد الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة والتهديدات البالستية، مثل نظام الصواريخ الباليستية قصيرة المدى “إسكندر-إي” الروسي الذي حصلت عليه الجزائر، وسبق أن هددت به المغرب خلال أزمة الكَركَرات.
فليس سرا أن تعزيز المغرب لدفاعاته الجوية يأتي في ظل تصاعد المنافسة العسكرية مع الجزائر المجاورة. ففي عام 2025، زادت الجزائر ميزانيتها الدفاعية إلى 25,1 مليار دولار مقابل 21 مليار دولار برسم العام 2024. وبينما رفع المغرب خلال الفترة نفسها حجم إنفاقه الدفاعي إلى 13,32 مليار دولار، مقارنة بـ 12,4 مليار دولار في العام السابق. وحصلت الجزائر على أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز S-300، ورادارات متطورة، ومجموعة من طائرات سوخوي المقاتلة، بما في ذلكSu-35، وجميعها من صنع روسي. وبالتالي فإن تعزيز الدفاعات الجوية يقع على رأس الأولويات الدفاعية بالنسبة لكلا البلدين.
بناء دفاعات جوية متطورة
بحسب وسائل إعلام إسبانية مقربة من مخابرات بلادها العسكرية، التي تراقب ما يجري في المغرب بدقة وعن كثب، فإن المغرب بعد أن ينتهي من اختبار منظومة الباتريوت، سيقوم بنشرها في شمال غرب البلاد (في مواجهة إسبانيا) وفي الجنوب (الصحراء ومنطقة الساحل). بينما تتوقع تقارير غربية أخرى أن يتم نصب بطاريات المنظومة في قاعدة بنكَرير الجوية (50 كلم شمال مراكش بوسط المغرب).
وفي هذا الصدد، قال موقع “لاراثون” الإسباني في مقال نشره قبل يومين، استنادا إلى “مصادر قريبة من الملف [يقصد المخابرات العسكرية الإسبانية]”إن المنظومة سيجري نشرها بعد الانتهاء من تجريبها بقاعدة سيدي يحي الغرب الجوية (76 كلم شمال شرق الرباط)”. وللتوضيح، فإن هذه القاعدة التي تقع في شمال غرب المغرب، على مسافة 250 كيلومتر فقط من أقرب نقطة من جنوب إسبانيا، وهو ما يدفع الإعلام والمحللين العسكريين المرتبطين به في الجارة الشمالية، يعتبرون أن بلادهم مستهدفة بها.
وكان موقع “ديفينس نيوز” المتخصص في الشؤون الدفاعية، نشر تحليلا لخبير عسكري استند فيه على صور التقطتها أقمار اصطناعية، واعتبر أن قاعدة سيدي يحيى الغرب الجوية، التي شرع في بنائها في عام 2017، تضم منصة إطلاق دائرية ثابتة بقطر 170 مترا، ومرافق تخزين وصيانة واسعة للصواريخ، ومقرا إداريا ومباني سكنية. واستنتج أنها شُيدت “احتضان المشتريات الكبرى ” من المضادات الجوية المتطورة.
وإلى جانب المعدات الأمريكية، يعمل المغرب أيضا على تنويع مصادر توريده للسلاح من أجل بناء شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات.
وكانت أولى المقتنيات التي ضمتها القاعدة 24 منصة صواريخ أرض- جو متوسط المدى من طراز Sky Dragon 50 التي اشتراها المغرب من الصين في ديسمبر 2017.، ونشر الجيش المغربي على مواقع مقربة منه على الشبكات الاجتماعية صورة لهذه المنصة، مكنت الخبراء العسكريين من تحديد أنها التقطت في القاعدة المذكورة. واقتنى المغرب أيضا عددا غير معروف من منظومة الدفاع الصاروخي الفرنسي الشهير VL Mika قصير المدى.
ويتوقع خبراء مغاربة أن تشغل هذه القاعدة ─إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي التي تم شراؤها من الصين وفرنسا─ منظومة صواريخ “باتريوت أدفانسد كابابيليتي 3″ من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع من صنع إسرائيلي”.
وفي عام 2023، تلقت البلاد الدفعة الأولى من نظام الدفاع الجوي والصاروخي Barak MX من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، كجزء من عقد بقيمة 500 مليون دولار تم توقيعه في عام 2022. ويعزز هذا السياق الأمني الأوسع المصلحة الاستراتيجية للمغرب في الحصول على نظام مثبت ميدانيا مثل باتريوت، لتوفير حماية متعددة الطبقات ضد مجموعة واسعة من التهديدات الجوية، بحسب تقارير إسرائيلية.
والواقع أن نظرة خاطفة على خريطة المغرب تكشف بأن سيدي يحيى الغرب تتوسط دائرة تحتضن أهم التجمعات البشرية والاستراتيجية في المغرب. فضلا عن أنها إذا كانت توجد على بعد 250 كلم فقط من حدود إسبانيا الجنوبية، فإنها أيضا لا تبعد بأكثر من 500 كلم عن أقرب نقطة على الحدود الجزائرية. وفوق ذلك، فإنها معدات عسكرية دفاعية موجهة بالأساس لحماية المواقع الاستراتيجية مثل التجمعات السكانية الكبرى كالرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة ومكناس، والسدود كسد الوحدة الذي يعتبر الأكبر في المغرب والثالث في أفريقيا، والمواقع العسكرية الحساسة، والصناعية (منصة الجرف الأصفر التي تحتضن صناعات استراتيجية أهمها أكبر مُرَكب للصناعات الكيماوية [الفوسفاط] في العالم)، وخزانات الوقود، وغيرها.
المراجع:
1. Morocco might be testing US-made Patriot air defense missile system in response to Algeria’s purchase of Russian Su-57 jets – موقع Army Recognition
🔗 https://armyrecognition.com/news/army-news/2025/morocco-might-be-testing-us-made-patriot-air-defense-missile-system-in-response-to-algerias-purchase-of-russian-su-57-jets
2. سو-57.. تفاصيل صفقة المقاتلة الروسية التي أبرمتها الجزائر وأثارت قلق المغرب – موقع الجزيرة نت
🔗 https://www.aljazeera.net/politics/2025/2/19/سو-57-تفاصيل-صفقة-المقاتلة-الروسية-التي
3. PAC-3 MSE (Patriot Advanced Capability-3 Missile Segment Enhancement) – موقع شركة لوكهيد مارتن
🔗 https://www.lockheedmartin.com/en-us/products/pac-3-advanced-air-defense-missile.html
4. فيديو مصور لوصول منظومة باتريوت إلى المغرب – موقع تويتر
🔗 https://twitter.com/i/status/1904392550405800108
5. مشاهد حصرية لنقل منظومة الدفاع الجوي باتريوت إلى المغرب – موقع X (الحساب: DefenseAtlas009)
🔗 https://x.com/DefenseAtlas009/status/1904334383844294976
6. تغريدة توثق وجود النظام على الأراضي المغربية – موقع X (الحساب: CaelumPugnator)
🔗 https://x.com/CaelumPugnator/status/1904332737873399917
7. فيديو على يوتيوب يوثق التجارب الميدانية للباتريوت في المغرب – موقع يوتيوب
🔗 https://www.youtube.com/watch?v=iX74KvdyZZ4
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس